حكمت محكمة هولندية في مدينة بريدا (جنوب) على الإمام أحمد سلام بأداء غرامة مالية، لتشويشه على شبكة الاتصالات الهاتفية النقالة. وهذا ما دفع حزب الشعب الليبرالي اليميني في المدينة إلى المطالبة بإغلاق مسجده وعدم السماح له بفتح مسجد آخر، بل وترحيله إلى بلده سوريا. وكانت الشرطة عثرت في المسجد على جهاز تعطيل الاتصالات الهاتفية إثر شكوى تقدم بها السكان بعد تعذر الاتصال عبر هواتفهم النقالة، كلما اقتربوا من محيط المسجد. لكن بعض المواطنين يرون أن الحملة على الإمام ممنهجة "تهدف النيل من المغاربة". غرامة عمد الإمام أحمد سالم إلى تركيب جهاز خاص لتعطيل الاتصالات عبر الجوال في محيط مسجده الواقع في شارع 'فون سوبيه‘ (Von Suppéstraat) بمدينة تيلبوخ (جنوب)، حتى يتمكن المصلون من أداء صلواتهم في هدوء، بعيدا عن رنات الهواتف المزعجة. إلا أن تأثير الجهاز على الهواتف النقالة كان يتجاوز أسوار المسجد إلى محيط أبعد بعشرة أمتار. مما دفع السكان إلى رفع دعوى قضائية ضد الإمام باعتباره صاحب المسجد والمسؤول الأول فيه. فقضت المحكمة بداية الأسبوع الجاري (الاثنين) بتغريم الإمام مبلغ 650 يورو. استثمر حزب الشعب الليبرالي اليميني في المدينة هذه الحادثة، وطالب السلطات بترحيل الإمام إلى بلده الأصلي سوريا. وصرح رول لاوريير رئيس فريق الحزب في المدينة لوسائل الإعلام، أن السيل بلغ الزبى مع هذا الإمام الرافض للانضباط داخل المجتمع الهولندي. يقول رول: "هذا الإمام معروف منذ وقت طويل. هو ذلك الإمام الذي رفض مصافحة (الوزيرة) ريتا فردونك، وهو الذي أباح ضرب النساء، وهو الذي يدعو لإقامة منتزهات خاصة للنساء. الخلاصة، أن هذا الإمام يدعو لكل ما يرفضه مجتمعنا". نفي يرفض الإمام أحمد سلام على لسان ابنه صهيب كل الاتهامات المنسوبة إليه. ويقول ابنه الذي استجوبه مراسل مؤسسة راديو هولندا (NOS) إن اتهامات الحزب الشعبي اللبرالي لوالده بالتطرف والراديكالية لا أساس لها من الصحة، وأن رول لاوريير هو في الحقيقة من يمثل الخطر، ليس فقط على المجتمع الهولندي، ولكن بصفة خاصة على الإسلام والمسلمين: "على أية حال هو (والده) ليس راديكاليا. صحيح أنه لم يصافح (ريتا فردونك)، ولكن ذلك كان لقناعات شخصية. وليس صحيحا على الإطلاق أن المسجد يزعج سكان الحي (...) هذا الشخص (يقصد رول لاوريير) لم يسمع أبدا خطبه، وإنما يعيد ترديد ما تردده وسائل الإعلام. هو يرفض الحوار معنا، وقال: كل ما أريد قوله لكم هو أن تغادروا البلاد. هو في الحقيقة من يشكل خطرا على هذا المجتمع ولسنا نحن. هو يتهمنا ويتهجم علينا. هو ليس فقط خطرا على المجتمع، بل أيضا على المسلمين، على المدارس الإسلامية وعلى المساجد". يقع مسجد أحمد سلام الملقب ب "أبو صهيب" في الجزء الشمالي من مدينة تيلبوخ المعروفة بجامعتها المتخصصة في الدراسات اللاهوتية. وهو ليس مسجدا بالمعنى الدقيق للكلمة، بل مركزا إسلاميا. يقول عبد السلام شهيد من مؤسسة المسنين في تيلبورخ، إن سلطات المدينة تقصد التضييق على المغاربة بالتهجم على الإمام أبو صهيب. ويضيف في اتصال مع إذاعة هولندا العالمية: "نحن كمغاربة ليس لدينا أي مشكل معه، وإذا كانت السلطات لديها مشاكل معه فباستطاعتها حل كل المشاكل. إلا أن سلطات مدينة تيلبورخ تحاول ضرب الناس بالناس، وهذا ليس معقولا". ويضيف السيد شهيد الذي يقطن في الحي الذي أقيم فيه مسجد أبو صهيب، أنه شخصيا يصلي في مكان آخر، ولكن الإمام أبو صهيب "فتح أبواب مركزه الذي اشتراه بالأموال التي جمعها بنفسه، أمام المصلين المغاربة وغيرهم، بعدما أقدمت السلطات المحلية على إغلاق مسجد آخر للمغاربة". وبدوره ينفي شهيد عبد السلام وصف الإمام بالتطرف، ويشدد على أن الكثير من المغاربة في المدينة يحبونه. "يمكن أن تطعن المغاربة في شرفهم، ولكن لن يتسامحوا في التهجم على هذا الإمام" يقول شهيد. يعد أبو صهيب شخصية مثيرة للجدل بالنظر لمواقفه الرافضة للاندماج في المجتمع الهولندي. وكانت مجموعة من المغاربة انشقت عن أبو صهيب قبل بضع سنوات وأبعدته عنها، بسبب الغموض الذي يلف طريقة تحكمه في المسجد، يقول مواطن آخر من سكان المدينة. وبعد ذلك أسس مسجده الحالي الخاص به، وأصبح فيه الآمر الناهي. إلا أن التسيير اليومي للمسجد/المركز الذي تقصده الجالية الصومالية بكثرة، يقع على عاتق مسلمين مغاربة. يد غير ممدودة صورة اليد الممدودة للوزيرة السابقة ريتا فردونك، واليد المقبوضة للإمام أحمد سلام (أبو صهيب) تبقى محفورة في ذاكرة الإعلام الهولندي. حدث ذلك حينما أرادت السيدة فردونك، وزيرة الاندماج آنذاك (أبريل 2006) تهنئته ومجموعة من الأئمة الآخرين، لاجتيازه برنامج "التوطن" بنجاح. صافحها الأئمة الآخرون إلا هو رفض، معللا ذلك بتحريم الشريعة الإسلامية مصافحة الرجل للنساء الغريبات. وخاطبته فردونك وهي واقفة أمامه ويدها ممدودة، حتى تعطي الفرصة للمصورين الحاضرين بكثافة لتسجيل اللحظة: - "لماذا لا تصافحني؟" - "الإسلام يحرم علي ذلك". - "ولكن أنا مثلك سواسية"، تجيبه وهي تلتفت إلى المصورين. - "مع كامل احتراماتي، أنا لا يمكن لي مصافحتك". - "إذن أرى أن لدينا الكثير مما ينبغي الكلام حوله". ثم انصرفت لتقول لوسائل الإعلام: "أنا امرأة ووزيرة. وأنا هنا بصفتي وزيرة". وأضافت تقول: المصافحة "دليل على الاحترام". كان ذلك بمثابة القنبلة الإعلامية الكبرى، والزيت الذي صب على نار النقاش المستعرة أصلا، حول الإسلام والمسلمين في هولندا. وبعد ذلك دعي أبو صهيب للإدلاء برأيه في برامج حوارية، مستعينا بابنه كمترجم لغوي، ومترجم أيضا لأفكاره وملطف لها. وما يزال المشاهدون يتذكرون أيضا حادثة اشتراط أبو صهيب منع وضع المشروبات الكحولية على الطاولة، كي يشارك في برنامج حواري مشهور على القناة العمومية الأولى، واستجابة إدارة البرنامج لطلبه دون تردد.