يكشف محمد بن عيسى، رئيس جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان (فرع مرتيل)، في هذا الحوار، عن الفساد الذي تحكم في بناء «حي الديزة» بمرتيل، الذي يعتبر من النقط السوداء في سجل المجالس المنتخبة الفاسدة، ودعا الجهات المركزية إلى اتخاذ خطة لإعادة إسكان قاطني الحي، ومتابعة المسؤولين عنه قضائيا، «حتى لا نجد أنفسنا أمام حي جديد على شاكلة «حي الديزة». حاورته: ناهد الزيدي قدمت استقالتك من جمعية الدفاع عن حقوق الإنسان ثم تراجعت عنها، ما هي خلفيات ذلك؟ أولا: استقالتي من الجمعية، سواء كرئيس فرع مرتيل، أوعضو هيئتها التنفيذية، قدمتهما بناء على أسباب شخصية محضة، ولا علاقة لها بما جرى بفرع تطوان. كل ما هناك أنه وطبقا للمسطرة المعمولة بها يجب انتظار قرار الهيئة التنفيذية للحسم فيها، ومن ثم سأظل أمارس مهامي إلى حين البت فيها بشكل نهائي، وسألتزم بأي قرار صادر عنها. علما أن جميع الإخوان رفضوا استقالتي وتشبثوا بي كقيادي بالجمعية. إضافة إلى تدخلات لبعض الغيورين بمرتيل، من أجل الإبقاء على هذا الإطار حيا بالمدينة، لما أسداه من خدمات خصت بالدرجة الأولى، مجموعة من الملفات والقضايا. باختصار، إنه الإطارالذي ظل بعيدا عن الحسابات السياسوية، وحاضرا على الدوام بمربع المجتمع المرتيلي. كيف جاء تشكل حي الديزة، الوجه الذي لا يشرف المغرب؟ حي الديزة الذي يضم حاليا ساكنة تفوق 10.000 نسمة، داخل مجال ترابي يحيط به البحر من جهة، والوديان من الجهات الأخرى، باستثناء منفذ واحد تقريبا. وينقسم المجال الترابي المذكور إلى أراضي سلالية لجماعة بني معدن (وزارة الداخلية) والملك العام البحري والملك العام المائي. كانت في بداية التسعينات تابعة إداريا للجماعة القروية بن قريش البحري، (أزلا) ثم الحقت فيما بعد بالجماعة الحضرية لمرتيل. لم يكن عدد الدور السكنية بالحي المذكور إلى منتصف التسعينات يتجاوز العشرات، أما اليوم، وبفعل الهجرة القروية، وكذا الهجرة من الجنوب اتجاه الشمال، فإنها تتجاوز 4000 منزل. بنيت في واضحة النهار وأمام مرأى ومسمع، ومباركة، ومشاركة رجال السلطات، والجهات المنتخبة، من مجالس فاسدة، تعاقبت على تسيير هذه المدينة. لا يهمها ما ترتكبه في حق هؤلاء المواطنين الذين رمتهم ظروف العيش وقساوته، إلى أيادي مجرمة، سوى مصلحتها الانتخابية الضيقة، وتكديس الملايين من الدراهم وراء مآسيهم. كيف تتعامل الجهات المنتخبة مع الحي؟ الجهات المنتخبة بهذه المدينة، والمعروفة لدى «العادي والبادي» قصصها للوصول إلى تلك الكراسي التي تتضرع إلى المولى عز وجل، من ثقل أجسادهم وخواء عقولهم ... حيث لا تعرف سوى سياسة المكر، والخداع... وأغلب أعضاء المجلس شاركوا بشكل مباشر أوغير مباشر، في تعميق أزمة الحي، ومهزلة البناء العشوائي به... لا يهمها سوى مصالحها الذاتية كما أسلفت، ملايين جنيت وتجنى حاليا من وراء المساهمة الفعالة في البناء العشوائي، وأصوات تشترى بأثمان زهيدة في الانتخابات، من بعض منعدمي الضمير، والمستفيدين من الوضعية الحالية للحي. الجهات المنتخبة إذن، تفتقد إلى أية رؤية لحل مشاكل هذا الحي باستثناء الزيادة في تعميقها، بل يبقى أغلبهم مجرد كراكيز تحركها السلطات المحلية لتطبيق مخططاتها، للظهور بصورة المتصدي للبناء العشوائي، ومحاربته بين الفينة والأخرى. والدليل على ذلك، الزيارة التي قام بها رئيس المجلس الحالي، عند تهديم منازل السكان خلال عيد الأضحى الماضي، ووعوده الزائفة بتقديم مبلغ مالي للسكان في محاولة إطفاء الحركة الاجتماعية، التي ظهرت عندئذ، والتي كانت تدافع من أجل ايجاد حل جذري، ضدا على المعالجات الترقيعية السطحية. هنا أؤكد أن المنتخبين، فيما يخص تهديم منازل البعض، لا يتوانون في منح صلاحية السكنى للبعض الآخر، تحت ترخيص إدخال التيار الكهربائي. بما يعنيه من ازدواجية في التعامل مع المواطنين، وأن القانون فوق البعض وتحت البعض الاخر. تختار السلطات المحلية والمنتخبة عيد الأضحى لتطبيق قرارات هدم الدور بهذا الحي، ما المغزى من ذلك؟ هذا السؤال يجب أن يطرح على السلطات المحلية والمنتخبة. وكلاهما لا يعرفان ما الذي يقدمان عليه، حيث يتكلف المجلس بإيجاد أرضية قانونية، عبر تحرير محاضر المخالفات للمغضوب عليهم من لدن السلطات. فالأكيد أننا سنجد جميع تفسيراتهم خارج المنطق والعقل، من قبيل أن الفرصة المواتية لتطبيق قرارات الهدم يجب أن تكون خلال احتفالات عيد الأضحى، نظرا لانشغال الجميع بأجواء العيد!! لكن التفسير الوحيد الذي يمكن أن يعطى لهذا الفعل، هوأنه تصرف متهور، لا يراعي حساسيات الزمن والمكان في تنفيذ قرارات هدم منازل بنيت تحت أعين تلك السلطات، وشاركت هي نفسها بواسطة معاونيها على إدخال المواد الأساسية عبر المنفذ الوحيد إليه. مرات عديدة، كنا كإطار جمعوي قد أشرنا إلى أن العقلية الأمنية « البصروية « لا زالت تتحكم في بعض رجال السلطة بهذه المدينة. ففي حال استمرار مثل هذه التصرفات، فإن الأمور ستزداد سوءا ، كما أنها قد تخرج عن السيطرة، وتتحول إلى انتفاضة شعبية تصل شذراتها إلى باقي المدينة التي تكتوي من غلاء فاحش في الأسعار، وابتزاز كبيرمن طرف شركة أمانديس... المقاربة الأمنية أبانت عن فشلها منذ وقت طويل، خصوصا في معالجة الملفات الاجتماعية. والطامة الكبرى هوأن تكون السلطات المحلية هي في نفس الوقت حكما وخصما. مشاركة في البناء العشوائي ومهدمة له. علما أن حي الديزة يتطلب تدخل الجهات المركزية، من خلال خطة لإعادة إسكان قاطنيه، في دور تحفظ كرامتهم. باعتبار الحق في السكن من حقوق الإنسان طبقا للميثاق العالمي، ومتابعة المسؤولين عنه قضائيا، حتى لا نجد أنفسنا أمام حي جديد على شاكلة حي الديزة. كيف تتعامل السلطات بعمالة المضيق الفنيدق مع الحي؟ في أول اجتماع عقدناه مع مسؤول بعمالة المضيق/ الفنيدق، بعد إلحاق مدينة مرتيل بترابها، طرحنا فيه ملف حي الديزة، فكان أول عبارة قالها المسؤول المذكور، ولا زالت عالقة بذهني، أن «حي الديزة هوالوجه الذي لا يشرف شمال المغرب» لكن ما يمكن قوله انطلاقا من الحديث مع المسؤول المذكور أنهم لم يكونوا يتوفرون حينئذ على رؤية واضحة، حيث كان يتأرجح رأيهم آنذاك بين إعادة الإسكان، عبر مؤسسة تشرف على نقل السكان إلى إقامات جديدة على شاكلة مدن بدون صفيح، أوإصلاح الحي من الداخل عبر بنية تحتية، ومرافق إدارية، وتربوية ومساحات خضراء. هنا يجب على عامل عمالة المضيق الفنيدق الجديد، أن تكون له الشجاعة في فتح هذا الملف. عبر معالجة واقعية تراعي الجانب الإنساني والاجتماعي. ما هي الإجراءات العملية التي قامت بها الجمعية بعد أحداث السنة الماضية؟ قامت الجمعية بمجموعة من الإجراءات، إذ راسلت على سبيل المثال، وزارة الداخلية في فعل الهدم الذي قامت به السلطات. خصوصا بعدما تيقنت أن العديد من التقارير، سواء تلك التي يرفعها قسم الشؤون العامة، بباشوية مرتيل أوالاستعلامات العامة، التابعة لمفوضية الشرطة بالمدينة، منافية، ومجانبة للحقيقة، وتحمل تواطؤات مكشوفة مع أباطرة البناء العشوائي. بمعنى تزوير الوقائع خدمة لمصالح جهات نافذة . . . وهي في المجمل تقارير بليدة، وغبية على شاكلة كاتبيها. كما قدمنا طلبا لرئيس المجلس البلدي، ندعوه فيه الى إيقاف المصادقة على عقود البيع العرفية، بحي الديزة، لكن دون جدوى، قبل أن نوجه رسالة مماثلة لعامل المضيق الفنيدق، الذي أصدر بمقتضى ذلك مذكرة في الأمر تمنع المصادقة على عقود البيع العرفية بالحي المذكور. ظلت معلقة على جدران بلدية مرتيل دون أن تجد سبيلا للتطبيق. على أساس أن المصادقة تغرير بالعديد من المواطنين الجدد، وتكريس لعملية البناء العشوائي بالحي. في نفس الإطار، راسلنا عامل الإقليم، بمراسلة تحتوي على وثائق مهمة، نطالبه فيها بمجموعة من الإجراءات منها إصدار قرارات عزل طبقا للميثاق الجماعي والسلطات المخولة له، في حق عضوبالمجلس البلدي وعون سلطة تبث في حقه القيام بخروقات واضحة في مجال البناء العشوائي. كما طالبناه بمجموعة من الإجراءات العملية الأخرى، كضرورة الضغط على مؤسسة الحوض المائي اللوكوس بتسييج مجالها، حتى لا يظل عرضة للترامي من طرف أباطرة البناء العشوائي، مع وضع لافتات إشهارية تحدد ذلك المجال باعتباره ملكا عاما، ممنوع البناء فوقه... صادف إجراء هذا الحوار تعيين عامل جديد على عمالة المضيق الفنيدق، فهل سيتغلب على مافيا العقار والبناء العشوائي. ؟ وإلى أي حد يمكن القول أن مرتيل أصبحت الآن في أيادي أمنة؟ التعيين الجديد حتما ستكون له إضافة نوعية، لما تريده السلطات العليا بهذه الرقعة الترابية ذات المكانة المتميزة، خاصة أن العامل الجديد، قادم من قطاع المحاسبة، فهل يكون الاختيار بذلك إعلانا لمرحلة المحاسبة ؟ وأن التعامل بحزم مع القضايا التي تخص المواطنين، والإنصات إلى نبض الشارع قد بدأ يشق مجراه الطبيعي بكثير من الوضوح ، وهوالأمر الذي يشي بوضع مسافة مع جهات رأت دائما في العامل السابق عائقا أمام طموحها في الاغتناء من وراء المال العام، والتلاعب بمصير المنطقة، بعد إلحاق مرتيل قبل 8 أشهر بعمالة المضيق الفنيدق، وعدم الانسياق، وبناء أحكام خاطئة، من خلال تقارير كاذبة، ومغلوطة وتخفي الحقائق.