كانت الشواطئ التطوانية حتى قبل منتصف الخمسينات من القرن الماضي كما فطرها خالقها : جميلة ، مياه زرقاء وأمواج هادئة ، وأسماك موفورة طرية ، ورمال ذهبية ، تحفها أشجار خضراء باسقة مورقة ، تغريك إلى أحضانها للاستمتاع بقيلولة حالمة . كان التطوانيون يذهبون إليها ( وخصوصا إلى مرتيل ) ليتمتعوا بجمالها والسباحة فيها: للنساء منطقتهن وللرجال كذلك ، وللنصارى والمختلطين منطقتهم غير بعيدة . جاء الاستقلال والحرية ورحل الاستعمار ، وتغيرتبسرعة وطال ذلك البشر والشجر والحجر !. وبدعوى التنمية السياحية تم تهميش مؤهلات تطوان ونواحيها الطبيعية والفلاحية والصناعية والبحرية وتعويضها بإعطاء الأولوية للتنمية السياحية لجلب أفواج السياح الأجنبية [1]، وتم فقط الاحتفاظ ببعض شواطئها وأراضيها لاحتضان محطات سياحية شاطئية تضاهي المحطات الأوربية لتحقيق التنمية! . خصخصة الشواطئ وإفسادها تم في البداية تم التفريق بين هذه الشواطئ : مناطق شعبية بمرتيل وشواطئ شرقية ذات تجهيزات عشوائيةحشرت فيها الساكنة المحلية ،ومناطق راقية انطلاقا من الرأس الأسود باتجاه سبتة السليبة المنسية لتحتضن محطات سياحية. هذا التقسيم كان يعني التفريق بين أهالي مغلوبين على أمرهم وبين الوافدين على المنطقة الراقية ، كان من المنتظر أن تنعم هذه الأخيرة باستثمارات لإحداث ومركباتإيوائية سياحية وملاعب للكولف وموانئ ترفيهية وأندية ليلية .تم وضع حواجز حولها وجعلوا عليها حراس شداد حتى لا ينفذ إليها الغرباء المغلوبين ويلجها فقط المحظوظون ووفود السياحة الأجنبية، كماتم تقليل عدد الحافلات الوافدة عليها لمنع السباحة فيها ، وإذا بحثت عن مكان فارغ تنفذ منه إلى بحرالمناطق الراقية فلن تعثرإلا على منفذين ضيقين أو ثلاثة يضيق بمصطافيالساكنة المحلية . كتب الكثير عن مسخ هذه الشواطئ كما أن بعض المؤسسات التعليمية الأجنبية جعلت لطلابها من هذه الشواطئ نموذجا لإهدار الفضاءات الطبيعية ببعض دول العالم المتدنية بسبب عدم الاستناد إلى تصاميممعمارية وتجاهل الحاجيات الإدارية والاقتصادية والاجتماعية للساكنة المحلية ، وإحداث مؤسسات سياحية محاذية للشواطئ البحرية بدل ممرات (كورنيش) تحتضن مقاهي ومطاعم ومتاجر وفرصة تجوال المتنزهين ، أما بناءات هذه المؤسسات السياحية (بمعزل عن الساكنة المحلية ) فقد كانت غريبة عن محيطها ونالت من جمال أحسنالشواطئ المغربية وكأنها مستوطنات colonisationحقيقية[2]. لم تشهده المنطقة حتى حقبة الاستعمار الإسبانيةعزل شواطئ تطوان بعضها عن بعض بهذه الكيفية فقد اقتصرت الحواجز آنذاك على الرمال لتحول دون اختلاط النساء بالرجال!، إذن فقد كان تصنيف الشواطئ إلى راقية وشعبية مخالف للأعراف بل وحتى للقوانين الجارية والتي غاضت عنها الطرف السلطات المعنية أو كانت غير معنية ! ، فالظهير الشريف حول الأملاك العمومية البحرية لا يقبل تفويتالأملاك العمومية ولا ينقض حق ملكيتها بمضي الحقب الزمنية ومن له ملك عليها عليه أن يتحمل تبعات المرور وجولات المصطافين في المواسم الصيفية . لا زالت الأموراليومكما كانت عليه فبعض الشواطئ لا يمكن المرور بها ، وتقوم شركات بزرع مظلات شمسية تمنع المستحمين والأطفال والتحرك عليهابحرية وتحجب رؤية مياه البحر الصافية، وقرأنا أخيرا أن جمعيةبالمضيق تستغيث بالسلطات المحلية لمنع أشخاص من خصخصة مناطق على شاطئ هذه المدينة الشاطئية وضعوا الحواجز عليها كغيرهم، فهل تستطيع السلطات أن تمنع الأشخاص المعتدية ؟ . توسيع هوة التنمية بين المناطق الراقية والشعبية إن مسخالشواطئ بهذه الكيفية كانت له تداعيات على الساكنة المحلية وكأن الطبقة الميسورة والأجانبالوافدين على المناطق الراقية من طينة غير تلك للساكنة المحلية التي شعرت وكأنها غريبة عن شواطئها وأنها أقل شأنا ، وهذا ما دأبت عليه برامج السياسةالسياحية عند إحداثالمحطات الشاطئية فقد حرصت أن تكون خارج المدارات الحضارية ، حتى لا يكون ( حسب زعمها ) اصطدام بين ثقافة السياح المتحررة وثقافة الساكنة المحلية[3]، وهذا ما عملت به أيضا السياسة الاقتصادية والاجتماعية الحكومية جعلت من مناطق سياحية وأخرى غير سياحية: فقامت بتشجيع الاستثمارات بالمناطق السياحية الغنية وحرمتالمناطق النائية ، فزاد الفقر بها وتكرست مقولة ما كان يعرف أيام الاستعمار بالمغرب النافع والمغرب غير النافع ، في حين تقوم الدول المتقدمة بإعطاء الأولوية للسياحة الداخلية والبينية ، وتشجيع الاستثمارات والتجهيزات السياحية بمناطقها الفقيرة من الناحية الفلاحية والصناعية ، حتى يتمتع الجميع بثروات البلاد الغنية ، أما عندنا في المغرب فإن الأقاليم الشمالية والشرقية والجنوب شرقية حرمت من الاستثمارات السياحية مما زاد في تهميشها وعزلتها وهو ما أسفر عن زياد الهجرة إلى" المغرب النافع " واكتظاظ حواضره بأحياء عشوائية وتوسيع الهوة بين شرائح المجتمع نتيجة فشل السياسة السياحية والاقتصادية. سوء تدبير وبداوة لم تتغير الأمور بالشواطئ التطوانية إلى يومنا فقد كتب أحد المصطافين بواد سمير أخيرا مقالة " لنحمي السياحة المغربية " tourismele marocainsauvons[4]نقتطف منها : + لا يمكن قانونا خصخصة الشواطئ لكن الفنادق والإقامات السياحية بشاطئ سمير (وغيره ) تفعل ذلك : فوضى على شاطئ البحر ترجع بنا إلى البداوة : البوركيني ، والبيكني ، والقندورة، والشورت ، والسروال التقليدية… كل يسبح بما يشاء ، وغطاءات أثواب مختلفة الألوان في نفس الوقت !، + مظلات شمسية ومقاعد بين الواحدة والأخرى أقل من 10 سنتيمتر تفسد رؤية البحر ، ونفايات على الرمال ، أين هي السلطات المحلية ؟ ، + قضاء يوم للسباحة من فندق )( يكلف 500 درهم لكل فرد … وما بين 1800 و2500 درهم للمبيت فقط ب" فيلة"villa"صغيرة! ، فلنحمي السياحة المغربيةtourismele marocainsauvons. وهكذا فبعد عهد شواطئ طبيعية وأمواج هادئة وأشجار باسقة ورمال ناعمة جاءت أيدي بشرية لتقطع أشجارها ، وتقلع رمالها ، وتهمش بعضها بحواجز تفصل بينها ، وتمنع الراجلين والمستحمين من بعضها …امتدت إلى الشواطئ التطوانية أيدي غرباء عنها فمسختها وأفسدتها وكأن آية "ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ …[5]تعنيها.. ولذلك ولجشع الاستحواذعلى الشواطئالتطوانية لا نستغرب الغضبة الملكيةحول بناية عشوائية [6]تشكل فقطالشجرة التي تخفي غابة الفوضى والتهافت الأعمى على أراضي هذه الشواطئ وسوء تدبيرها وعجز السلطات العمومية . لم تقتصر تداعيات السياسة السياحية بتطوان والأقاليم الشمالية على تصنيف الشواطئ إلى مناطق شعبية وأخرى راقية بل طالت أيضا الأرض والشجر والحجر منها كنزع أراضي هذه الشواطئ من أصحابها وتفويتها لشركات سياحية بداعي المنفعة العمومية واستحواذ أصحاب النفود والأموال عليها والمضاربة فيها وحالوا بينها وبين أهدافها السياحية . فكيف ذلك ؟يتبع .
[1]تطوان: مؤهلاتها وشواطئها السياحية https://tetouanplus.com/73965 أضرار السياسة السياحية بالشواطئ التطوانية https://tetouanplus.com/74398.html [2]– Mohamed BERRIANE TOURISME NATIONAL ET MIGRATIONS DE LOISIRS Université Mohammed V , Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 1991 Ministère du Tourisme Urbain plan Dec95 [3] CGEM Contrat –Programme 2001/2010 P 72 [4]https://ladepeche24.com/francais/tourisme/sauvonsletourismemarocain- [5] سورة الروم الأية 41 [6]حسب مقالةغضبة ملكية بمدينة الفنيدقhttps://www.alayam24.com/articles-280099.html