تناول مقال سابق تحت عنوان : "السياحة المغربية : مفارقات وتداعيات" موضوع السياسة السياحية خلال فترة ما قبل سنة 2000 طرح تداعيات اقتصادية واجتماعية بسبب الرهان على قطاع السياحة كقاطرة للتنمية ورأينا كيف تراجعت الحكومات ، سنوات قليلة بعد ذلك ، عن العمل بهذا الخيار التنموي وتفويت المنشآت السياحية لمؤسسات شبه عمومية إلى الخواص.[1] ثم وفي مقال تحت عنوان " السياسة السياحية بالمغرب رؤية 2010 :طموحات ومتمنيات" رأينا كيف أنه بعد سنة 2000 عادت الحكومات إلى الرهان على السياحة من خلال رؤية 2010 وأخفقت مرة أخرى في تحقيق سياستها واستمرت تداعيات هذا القطاع الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية. وفي هذا المقال تحت عنوان رؤية 2020 السياحية: رهانات وإخفاقات متواصلة" نستعرض أهداف رؤية 2020 ومواصلة الحكومة الرهان على السياحة لتحقيق التنمية وتحويل المغرب إلى وجهة سياحية عالمية . رؤية 2020: المحتوى استمر الجانب السياسي بعد سنة 2000 يلعب دورا مهما في تحديد وتوجيه مسار وتنفيذ سياسة القطاع السياحي ، فقد كانت التوجيهات الملكية بمناسبة إعداد رؤية 2010 وما ورد بشأنها حاسمة . فعند تدشين محطة السعيدية شهر يونيو 2009 تضمنت الرسالة الملكية إلى المشاركين[2] تعليمات جاء فيها: "ينبغي على الحكومة أن تنكب قبل نهاية هذه السنة، على بلورة رؤية سياحية مستقبلية، في أفق 2020 رؤية مضبوطة عمادها الواقعية، وغايتها تعزيز المكاسب الهامة، التي تحققت في إطار تفعيل "رؤية 2010" وقوامها استخلاص العبر والدروس من جوانب ضعفها ونواقصها. إن الأمر يتعلق ببلورة رؤية شاملة تحدد السياسة السياحية الوطنية بالنسبة للعشرية القادمة .وسياسة نريدها متجددة ومستدامة، تأخذ بعين الاعتبار توجهات السياحة العالمية ، وتحديات العولمة والتطورات المحتملة للاقتصاد العالمي. وتظل غايتنا المثلى، تطوير سياحة أصيلة ومسئولة تستثمر كل المؤهلات الطبيعية والثقافية والحضارية ، التي تتميز بها بلادنا . سياحة متطورة، تساهم بصفة فعلية في النهوض بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية التي ننشدها لكل فئات شعبنا الأبي ولمختلف جهات وطننا العزيز وتعزيز إشعاعه الدولي، وتكريس انفتاحه على محيطه الجهوي والدولي." كان على الحكومة والمهنيين السياحيين أن يعملوا على بلورة استراتيجية سياحية جديدة خلال عشرية 2011-2020 . وبتاريخ 30 نوفمبر 2010 بمراكش بحضور الملك ، قام وزير السياحة بتقديم عرض وثائقي يبرز حصيلة انجازات رؤية 2010 والخطوط العريضة لاستراتيجية رؤية 2020 السياحية [3] . الطموحات: * تحويل المغرب بموجب العمل باستراتيجية رؤية 2020 إلى إحدى الوجهات السياحية العالمية العشرين كوجهة سياحية مرجعية على مستوى التنمية المستدامة في حوض المتوسط عن طريق : الأهداف: * تحويل قطاع السياحة إلى محرك للتنمية بالمغرب. * رفع قدرة الإيواء السياحي: بناء 200 ألف سرير جديد، * التركيز على السياحة الشاطئية والتكوين المهني ومضاعفة عدد الوافدين والعائدات المالية ، * زيادة حجم السياحة الداخلية إلى ثلاثة أضعاف ودمقرطة السياحة بالبلاد ، * انتقال العائدات سنويا من55 مليار درهم سنة 2010 إلى 150 مليار درهم سنة 2020، * انتقال عدد العاملين من 450 ألف سنة 2010 إلى 920 ألف سنة 2020. وجاء في الرؤية أيضا أن : عملها سيعتمد الجهوية : وجهة سوس/ الصحراء المحيطية Souss Sahara Atlantique ، وجهة المغرب المتوسطي Maroc Méditerranée ، وجهة مراكش الأطلنطية Marrakech Atlantique ، وجهة المغرب الوسط Maroc Centre ، وجهة رأس الشمال Cap Nord ، وجهة الأطلنطي الوسط Centre Atlantique ، وجهة الجنوب الكبير الأطلنطي Grand Sud Atlantique، وجهة الأطلس والوديان Atlas et Vallées ، وتضمنت كل وجهة عددا من الأقاليم وخاصية خدماتها السياحية والمشاريع التي سيتم إنجازها بها : قدرتها الإيوائية في أفق سنة 2000 وعدد السياح الوافدين عليها وعدد مناصب التشغيل بها وعائدات المالية للخدمات السياحية بها [4]. كان تنفيذ استراتيجية 2020 يحتاج، حسب التقديرات الأولية، إلى حوالي 177 مليار درهم من الاستثمارات العمومية والخواص تهم مجالات : الإنعاش ، ومكافآت الاستثمار ، واستثمارات وتسيير جهاز التكوين ، والصناديق العمومية والخواص، والتمويل البنكي الوطني والدولي .واتفقت الأطراف بالعمل على توفير هذه الاستثمارات لضمان تحقيق أهداف الرؤية. تضمنت الرؤية أيضا لتحقيق مشاريعها برامج منها : برنامج أزور 2020 Azur ، برنامج إيكولوجي/تنمية مستدامة Eco/développement Durable ، برنامج التراث والإرث Patrimoine & Héritage ، برنامج التنشيط والرياضة والترفيه: Animation, Sports & Loisirs، برنامج بؤر سياحية ذات القيمة المضافة القوية ، برنامج السياحة الداخلية /بلادي Tourisme Interne– Biladi ، مخططات وطنية مصاحبة (مخطط التنمية المستدامة مخطط التنمية المستدامة، مخطط الإنعاش والوجاهة والتسويق، مخطط التكوين والموارد البشرية مخطط التكوين والموارد البشرية، مخطط التمويل والاستثمار)، اتفقت الأطراف الموقعة على البرنامج العملي للرؤية ( القطاع العمومي والقطاع الخاص ) على تنفيذ الرؤية خلال مرحلتين : المرحلة الأولى:2011/2015 : يتم خلالها إنهاء عمليات تنمية بعض المشاريع المبرمجة وخصوصا الشاطئية ودعم الوجهات التي تم تنميتها، المرحلة الثانية: 2016/2020 يتم خلالها مصاحبة وصول منتجات سياحية شاطئية وثقافية ، ودعم الوجهات الجديدة بمرافق التنشيط والمنتجات المصاحبة بالمناطق الخلفية ، إنهاء عمليات انتقال السلطة الوطنية، + أسند تنفيذ الرؤية إلى مشروع إحداث المجلس الوطني للسياحة (السلطة الوطنية العليا للسياحة) بهدف ضمان تنفيذ رؤية 2020 ومواكبتها على المدى البعيد ومتابعة تنفيذ البرامج والمشاريع واقتراح الإجراءات والتعديلات ، وإلى مشروع إحداث وكالات الإنعاش الجهوية ( السلطة الجهوية ) بهدف الاستجابة للرهانات الجهوية وتنفيذ البرامج التعاقدية الجهوية لمناطقها ، وضمان الإنعاش والتسويق للمناطق بالأسواق، والزيادة من جاذبية المناطق لجلب المستثمرين). ملاحظات حول تنزيل الرؤية لم يختلف إعداد رؤية 2020 ومضمونها كثيرا عن رؤية 2010 بسبب عدم الالتزام بالمعاير العلمية والعملية عند إعداد الاستراتيجيات السياحية كعدم تشخيص أوضاع وحاجات العديد من المجالات السياحية ، وعدم إشراك فعاليات مختصة ومعنية بقطاع السياحية في إعداد الرؤية [5]. هل تم الالتزام بمشاريع وبرامج الرؤية ؟ لم تلتزم الحكومة والقطاع الخاص بما جاء في الرؤية كما كان الأمر من قبل بالنسبة لرؤية 2010 ذلك أنه لم يتم إحداث آلتي التفعيل : المجلس الوطني للسياحة ( السلطة الوطنية العليا للسياحة ) ووكالات التنمية السياحية الجهوية ، وظلت برامج ومشاريع رؤية 2020 تنتظر التفعيل وتدبير قطاع السياحة بدون مرجعية تنموية حقيقية وبدون سند قانوني وبقي قطاع السياحة يعاني من تدبير ارتجالي ومن معوقات مزمنة رافقته منذ مخططات ما قبل سنة 2000 . عدم الالتزام ببرامج المخططات وبرامج الرؤيتين راهنت مختلف الحكومات المتعاقبة على تحويل المغرب إلى أهم وجهات السياحة في العالم وأن تجعل من قطاع السياحة قاطرة للتنمية الاقتصادية والاجتماعية في البلاد وذلك منذ سنة 1965 إلى اليوم عملا بمخططات قبل 2000 وببرامج رؤيتي 2010 و2020 ولكنها عجزت عن تحقيق أهدافها لأسباب منها ضعف برامج المخططات والرؤيتين وعدم الالتزام بهذه البرامج ، ويمكن إعطاء العديد من الأمثلة عن ذلك ونقتصر هنا على مثل واحد فقط . السياحة الشاطئية عملت الحكومات منذ مخطط 1965/1967 على إحداث محطات شاطئية سياحية بأقاليم البلاد شمالا وغربا ، إلا أنها فشلت في تحقيق ذلك ، ففي أفق سنة 2000 لم يتم إحداث إلا محطة شاطئية حقيقية بأكدير ولم يتم تحقيق مشاريع محطات الأقاليم الشمالية تم إهدار مؤهلاتها السياحية بسبب سوء المخططات السياحية وعدم تفعيل بعض برامجها ، فقد اقتصر عمل الحكومات على إحداث وحدات إيوائية ببعض شواطئ أقاليم الحسيمةوتطوانوطنجة دون إحداث التجهيزات التحتية (كالطرق والمطارات وشبكات الهاتف ) لاستقبال السياح ودون توظيف المؤهلات الطبيعية لهذه الأقاليم لدعم المجالات الترفيهية الطبيعية والثقافية لإغراء السياح وجلبهم وهكذا، ومنذ بداية عقد السبعينات ، انسحب القطاع الشبه عمومي من هذه الأقاليم وتهميشها لضعف النشاط السياحي بها وعدم إقبال القطاع الخاص عليها . لم تقتصر تداعيات انسحاب الحكومات من هذه الأقاليم بسبب تهميشها ، فبينما كانت المحطات الشاطئية بدول قريبة بشواطئها كإسبانيا وفرنسا وإيطاليا القريبة تجلب عشرات الملايين من السياح طالت الأقاليم الشمالية أيضا تداعيات على الجانب المجال البيئي حيث تم قطع مساحات مهمة من أشجار شواطئها ونهب رمالها وخصخصة أجزاء منها (بمنع المستحمين من المرور بها انصياعا لقرار بعض ذوي النفوذ ) ، وانتهى الأمر بقيام شركات شبه عمومية بتفويت الأراضي ( بشواطئ مالاباطا بطنجة وبشواطئ كابو نيكرو ورستنكة/ سمير بتطوان ) لفائدة مضاربين قاموا ببناء إقامات وفيلات وأحياء سكنية بها بدل إحداث وحدات فتدقيه ؛ هذه الأراضي تم اقتطاعها من الجماعات المحلية ومن المياه والغابات وغيرها وتجهيزها بأموال خزينة الدولة. وطالت التداعيات أيضا الجانب الثقافي والأخلاقي ففي نهاية الخمسينات أيام الاستعمار الإسباني مثلا كانت أماكن السباحة بهذه الشواطئ مقسمة إلى ثلاثة مناطق : واحدة للنساء والأطفال ، وواحدة للرجال والثالثة للمختلطين من الرجال والنساء ، بعد ذلك وفي بداية عقد الستينات لم يقتصر الأمر على خصخصة بعض الشاطئ ومنع المواطنين حتى المرور بها بل وأيضا سمح للسياح الأجانب بالسباحة عراة بشواطئ مثل " كابو نيكرو " القريب من شاطئ مرتيل دون اعتبار لمشاعر الساكنة المحلية المتشبثة بمبادئ دينها الحنيف . وعند العمل برؤية 2010 راهنت الحكومات أيضا والقطاع الخاص على تحويل المغرب إلى أهم وجهات الشاطئية بالعالم وقطاع السياحة إلى قطار للتنمية عن طريق إحداث ست محطات سياحية (ثم أضيفت إليها ثلاثة أخرى)بالإضافة إلى تأهيل المحطات القديمة بالحسيمةوتطوانوطنجة وأكدير. كانت نتائج السياحة الشاطئية ضعيفة فقد اقتصر الأمر على فتح محطتي السعيدية وإحداث 3550 سرير بدل حوالي 000 30 سرير المتوقعة ، وعلى محطة الجديدة وإحداث 1000 سرير بها بدل 8000 سرير ، أي أنه تم إحداث 4500 سرير بالمحطات الشاطئية الجديدة مقابل 000 130 سرير توقعتها الرؤية[6] ، أما بالنسبة للمحطات القديمة بالحسيمةوتطوانوطنجة وأكدير فقد أمكن إحداث 8223 سرير (جلها بأكدير) مقابل 000 45 سرير توقعتها الرؤية . رغم هذه النتائج الضعيفة ، واصلت الحكومات الرهان على السياحة الشاطئية وجعلت المهمة الأولى لرؤية 2020 ( خلال مرحلة 2011/2015 ) الانتهاء من تنفيذ مشاريع المحطات الشاطئية ( التي جاء بها برنامج المخطط الأزرق)[7] إلا أن النتائج كانت أيضا ضعيفة . وهكذا وبمقتضى رؤية 2020 ، ورغبة في دعم السياحة الشاطئية وإنجاز مشروع المخطط الأزرق ، عملت السلطات العمومية على مراجعة مشاريع هذا المخطط وإسناد هذه المهمة إلى شركات شبه عمومية لتعويض المنعشين الأجانب الذين توقفوا عن المضي في عمليات إنجاز مشاريعهم بالمحطات الشاطئية الجديدة . وأعلنت الوزارة الوصية[8] عن دعم عمل الشركة المغربية للهندسة السياحية SMIT، وإحداث الصندوق المغربي للتنمية السياحية، ومؤسسة صندوق الإيداع والتدبير وشركاته ( شركة تنمية السعيدية développement de Saïdia Société de) ، وشركة إعداد وإنعاش المحطة السياحية لتغازوت SAPST [9] . إن إسناد إنجاز مشروع المخطط الأزرق ( الذي جاءت به رؤية 2010 ) إلى شركات شبه عمومية يذكرنا بدور ما فعلته هذه الشركات خلال عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي خصوصا بأراضي محطات الحسيمةوتطوانوطنجة ؛ هذا الدور كان يتمثل في إعداد هذه الأراضي وإحداث منشآت إيوائية/ترفيهية بها وجلب المستثمرين الخواص وتفويت بقع أرضية بأثمان شبه رمزية . كان عمل هذه الشركات الشبه عمومية ضعيفا ومشبوها فخلال عقد الستينات استفادت هذه الشركات من مئات الهكتارات بشاطئ مالاباطا بطنجة ومثلها بشواطئ تطوان : كابو نكرو والمضيق وسمير ورستنكة . واقتصر عمل هذه الشركات على إحداث وحدات إيوائية فشلت في حسن تدبيرها ثم قامت ببيعها، كما قامت بعد ذلك بتفويت قطع أرضية إلى مضاربين عقاريين (الكثير منهم ليسوا مستثمرين ولا منعشين سياحيين) قاموا بالمضاربة فيها وبيعها بأثمان مضاعفة لإحداث الفيلات أو الأحياء السكنية. وهكذا ضاعت هذه الأراضي بشرق طنجة والرأس الأسود ورستنكة/سمير بتطوان اقتطعت من أصحابها وإعدادها بأموال خزينة الدولة بحجة المنفعة العامة [10]. تجذر الملاحظة أنه خلال العمل برؤية 2010 تم تخصيص 713 هكتار تابعة للمياه والغابات والأملاك المخزنية لإحداث محطة السعيدية لاحتضان 29610 سرير ، و462 هكتار تابعة للجموع وإدارة المياه والغابات لإحداث محطة ليكسوس بالعرائش لاحتضان 12000 سرير، و515 هكتار تابعة للمياه والغابات لإحداث محطة " مازكان " بالجديدة لاحتضان 8000 سرير ، و368 هكتار تابعة للمياه والغابات والأملاك المخزنية لإحداث محطة " موكادور" بالصوير لاحتضان 8700 سرير، 525 هكتار تابعة للجموع وأملاك الدولة والأوقاف لإحداث محطة الشاطئ الأبيض بكلميم . كان من المتوقع أن يتم تخصيص أرضي هذه المحطات لتضم منشآت إيوائية وترفيهية تضم 130 ألف سرير عند نهاية سنة 2010، إلا أنه لم يتم إحداث إلا حوالي 3700 سرير بالسعيدية وحوالي 1000 سرير بمحطة الجديدة أي 4700 سرير فقط أي نسبة 3.6 في المائة . بالإضافة إلى هذه المحطات الشاطئية الجديدة تم الإعلان عن مشاريع محطات أخرى منها : محطة بشاطئ كالا إيريس بالحسيمة على مساحة 339 هكتار لاحتضان 4000 سريرا بالفنادق و 2500 سريرا بالإقامات و3500 سريرا بالفيلات ، ومحطة الداخلة على مساحة 200 هكتار لاحتضان 5000 سرير ومحطة " مار شيكا "بالناضور على مساحة كبيرة من الأراضي . نعم إن إسناد مهمة إنجاز المخطط الأزرق إلى شركات شبه عمومية يذكرنا بما فعلته هذه الأخيرة سابقا وينذر بتكرار هذه التجربة من جديد وسوء تدبير أراضي محطات مشروع المخطط الأزرق (مخطط أزور)، فقد أشارت تقارير إلى قيام منعش محطة السعيدية ببناء الفيلات والإقامات السكنية وبيعها بدل بناء الفنادق والمنشآت السياحية والالتزام بما جاء في دفتر التحملات[11]. إن السؤال الذي يجب أن يطرح هو : ما مصير أراضي المحطات الشاطئية التي تم اقتطاعها من أصحابها وتزويدها بالتجهيزات التحتية بأموال الخزينة لإحداث المنشآت الإيوائية والترفيهية السياحية سواء قبل سنة 2000 و بعدها؟. ألا يحق لنا ( في وقت يتحدث فيه الكثير عن استفحال ظاهرة الفساد واقتصاد الريع في المغرب ) أن نعرف من المستفيد من هذه الأراضي وما مآلها ؟: هل حقا تم تخصيصها لإحداث مشاريع الفنادق والمركبات السياحية أم استفاد منها جملة من المضاربين وأصحاب النفوذ استحوذوا عليها بأثمان رمزية ثم باعوها بأثمان باهظة لتقام عليها الفيلات والأحياء السكنية؟ . لقد تم معاقبة مسؤولين وحرمانهم من مناصبهم العليا في الدولة بسبب عدم تحقيق مشروع " منارة الحسيمة " فهل نفعل نفس الشيء مع المسؤولين والمستفيدين من أراضي المحطات السياحية وربط المسؤولية بالمحاسبة التي ينادي بها الكل ؟. كان هذا مثل عن تعامل مختلف الحكومات المتعاقبة مع برنامج السياحة الشاطئية ، ويمكن إعطاء أمثلة أخرى عن إخفاقات الحكومات في قطاع السياحة منها : * برامج " السياحة الثقافية " بالمدن الملكية العتيقة ، فقد تحولت مدن فاس ومكناس والرباط إلى مجرد مراحل عبور السياح بدل تحويلها إلى أقطاب سياحية ، * برامج تطوير النشاط السياحي بمختلف جهات البلاد فقد اقتصر الأمر على محطتي مراكش وأكدير وتحول قطاع السياحة إلى عامل لتوسيع هوة التنمية بين مختلف جهات البلاد. * برامج السياحة الداخلية حيث راهنت الحكومات منذ البداية على جلب السياح الأجانب ولم تعط أي اهتمام للسياحة الداخلية رغم تقاطر السياح المغاربة الميسورين كل سنة على دول مثل إسبانيا وفرنسا وتركيا وغيرها بينما يتكدس مئات الآلاف من المغاربة خلال فصل الصيف بمدن مثل طنجةوتطوان والمضيق ومرتيل تضيق بهم حتى الشوارع والساحات العامة . * برامج " السياحة المستدامة " حيث وقعت الحكومة على الالتزام بالميثاق العالمي بشأنها يقضي بأن تلتزم الدول بإنعاش الموروث الحضاري للساكنة المحلية والحفاظ على الجانب البيئي في برامجها السياحية بينما يتم عندنا في المغرب يتم قطع أشجار بعض الأراضي الشاطئية وتحويلها إلى بناءات عشوائية وتحويل بعض الوجهات السياحية ببلادنا إلى وجهات للسياحة الجنسية . بعض نتائج رؤية 2020 بقيت مشاريع رؤية 2020 وبرنامجها العملي مجرد حبر على ورق ولم يتم تفعيلها لأسباب منها عدم إحداث السلطة الوطنية وعدم إحداث الوكالات الجهوية للتنمية السياحية ، وظل تدبير قطاع السياحة بالتالي يعمل بطريقة عشوائية وهو نفس الشيء الذي تم فعله مع رؤية 2010 ، أي أنه سواء علينا خططنا البرامج أم لم نخطط فإن حكوماتنا تقول ولا تفعل وتؤكد بذلك على أنها ومنذ مدة فقدت المصداقية عند شريحة كبيرة من المواطنين . وفيما يلي نسوق بعض الأمثلة : التنمية الجهوية اعتبرت الأطراف الموقعة على الرؤية أن التنمية السياحية الجهوية هي المحور الرئيسي للسياسة السياحية الجديدة ، وأن النشاط السياحي يوجد أكثر بوجهتي مراكش وأكدير ( 70 في المائة من المبيتات السياحية )[12]، وأن ذلك لا يسمح باستغلال المؤهلات السياحية للبلاد ، وأنه سيتم إعداد خرائط جهوية تكون موضوع برامج تعاقدية للتنمية السياحية الجهوية وذلك إلى غاية شهر دجنير 2011 ، إلا أن وكالات التنمية الجهوية ( الأداة الفاعلة ) لم يتم إحداثها وبقيت أقوال الموقعين على الرؤية حبرا على ورق. برنامج أزور 2020 (أو المخطط الأزرق) جعلت رؤية 2010 منه المحور الأساسي لتحقيق التنمية السياحية بالبلاد[13] ولم يتم إحداث إلا حوالي 4500 سرير عند نهاية سنة 2010 ( كما أشرنا ) مقابل 130 ألف سرير توقعتها رؤية 2010 ، ثم جعلت رؤية 2020 من برنامج أزور تحقيق هدفها الأساسي خلال المرحلة الأولى من الرؤية (سنة 2015 ) . أسندت السلطات العمومية مهمة إنهاء إنجاز مخطط أزور إلى بعض شركات القطاع الشبه العمومي فلم نعد سمع أو نقرأ كثيرا عن هذا المخطط ، وحذرنا من قيام هذه الشركات بالتصرف في آلاف هكتارات أراضي المحطات الشاطئية وتكرار تجربتها في أراضي شواطئ طنجةوتطوان سابقا . برنامج الاستثمارات السياحية : كان التحدي الأكبر هو توفير الغلافات المالية الضرورية لتنفيذ مختلف المشاريع ، وتضمنت الرؤية إجراءات منها : إحداث صناديق مغربية للتنمية السياحية FMDT ، وإعطاء مكافآت استثمارية والتزم القطاع الخاص من جانبه بتحريك صناديقه وموارد مالية تقدر ب 50 مليار درهم، وإشراك المنظومة البنكية وتشجيعها لمصاحبة عمل الحكومة والرفع من مساهمتها في تمويل المشاريع السياحية . مقابل ذلك اشتكى المستثمرون من أهمية فوائد قروض الأبناك وقصر مدة تسديدها خلال العشرة سنوات ، ورأت الجمعية الوطنية للمستثمرين السياحيين ANIT عند نهاية 2015 أن الاستثمارات السياحية لم يعد مردودها مغريا بوجهات عديدة بسب ضعف نسبة ملء غرف المؤسسات الإيوائية ، وحذرت هذه الجمعية ( بناء على دراسة لها خلال شهر يونيو 2015 ) من تداعيات الاستثمارات السياحية وضعفها ، وكشفت الدراسة أن عدد القروض الممنوحة للسياحة بلغت فقط 2,4 في المائة من مجموع القروض الممنوحة على الصعيد الوطني، ولم يتعد حجم القروض التي حصل عليها الفاعلون في القطاع السياحي إلا على حوالي 18 مليار درهم، عرفت 40 في المائة منها صعوبة في الأداء ، وتوجد 12 في المائة من هذه القروض في وضعية صعبة لأن الأبناك تصنف القطاع السياحي في خانة القطاعات العالية الخطورة ويصعب منحها القروض. الطاقة الإيوائية : توقعت الرؤية أن تنتقل الطاقة الإيوائية بالمؤسسات السياحية المصنفة خلال فترة 2011/2015 من 176630 سرير إلى 256400 أي إضافة حوالي 80 ألف سرير جديد ، ولكن عدد الأسرة الجديدة الحقيقية التي أمكن إحداثها بلغت32930سريرا جديدا فقط مقابل 79770سرير توقعتها الرؤية خلال هذه المرحلة أي أنه تم تحقيق نسبة 41 في المائة فقط من التوقعات. توسعت الطاقة الإيوائية بمراكش ووصل عدد أسرتها الإضافية إلى 20485 سرير أي نسبة 37,93 في المائة من إجمالي عدد الأسرة الإضافية ، ونسبة 30.45 في من إجمالي الطاقة السياحية بالبلاد . وجاءت بعدها محطة أكدير بحوالي 9000 سرير إضافي أي بنسبة 65 .16 في المائة من الطاقة الإضافية وبنسبة 16.48 من إجمالي الطاقة الإيوائية السياحية .إن هذا يعني أن وجهتي مراكش أكدير عرفتا إضافة نسبة 54,58 في المائة من الأسرة خلال المرحلة الأولى للرؤية وتستحوذان بالتالي على نسبة 46,93 من الطاقة الإيوائية السياحية بالبلاد. السياح الوافدون انتقل عدد السياح الوافدين الغير مقيمين خلال فترة 2011/2015 من 9,28 مليون سائح إلى حوالي 10,17 مليون ، وهي زيادة ضعيفة مقارنة مع برامج رؤية 2020 التي توقعت أن يصل عدد الوافدين إلى حوالي 14 مليون سنة 2015 [14] . حسب الجنسيات تراجعت نسبة السياح الأجانب من 52.86 في المائة إلى 29.50 في المائة ، بينما زادت حصة الوافدين المغاربة بالخارج من نسبة 47.14 في المائة إلى نسبة 49.71 في المائة ، وكان أهم عدد السياح الوافدين الأجانب من الفرنسيين ، إلا أن عددهم انخفض خلال الفترة المذكورة من 1.82 مليون إلى 1.56 مليون، كما تراجعت نسبة حصتهم من 20 في المائة إلى 15 في المائة من مجموع عدد الوافدين الغير مقيمين. المبيتات السياحية :انتقلت مبيتات السياح بالمؤسسات الإيوائية السياحية المصنفة خلال فترة 2010/2015 من 18.02 مليون ليلة سياحية إلى18.39 مليون، وكان متوقعا أن تصل إلى 39.30 مليون ليلة سياحية خلال هذه الفترة، وهذا يعني أن العجز بلغ خلال هذه المرحلة حوالي 21 مليون ليلة أي أن ما أمكن تحقيقيه لا يتعدى نسبة 45,85 في المائة . وظلت حصتي وجهتي مراكش وأكدير تستحوذان خلال سنة 2015 على حوالي نسبة 60 في المائة من مجموع المبيتات السياحية رغم أن حصتهما من الطاقة الإيوائية لا تتجاوز نسبة 49 في المائة ، وهذا يعني أن السياح يبيتون أكثر بمراكش وأكدير. استحوذت مبيتات المؤسسات الإيوائية بالفنادق من فئة 5 نجوم و4 نجوم والقرى السياحية على حوالي نسبة 70 في المائة من مجموع المبيتات خلال سنة 2015 ، مقابل ذلك فإن باقي المؤسسات الإيوائية الدنيا لم تستفد إلا من نسبة 30 في المائة ، وهذا يعني أن المؤسسات السياحة الكبرى "الفخمة " هي المستفيدة أكثر من النشاط السياحي في البلاد. متوسط ملء غرف الفنادق : خلال فترة 2011/2015 تراجع متوسط ملء غرف المؤسسات الإيوائية من نسبة 43 في المائة إلى نسبة 40 في المائة أي أن نسبة 60 في المائة من الطاقة الإيوائية السياحية تظل فارغة ويرجع سبب ذلك إلى زيادة عدد الأسرة، وتراجع عدد المبيتات أو ركودها، وضعف عمليات التسويق السياحي. العائدات المالية : خلال سنة 2015 وصلت العائدات المالية السياحة إلى 6 ,58 مليار درهم مقابل 56,42 مليار سنة 2010 أي بزيادة قدرها ,18 2 مليار درهم ، وهي زيادة متواضعة ، فقد كان متوقعا أن تصل هذه العائدات سنة 2015 إلى 85 مليار درهم ، وهذا يعني أن العجز بلغ خلال هذه السنة وحدها 26.4 مليار درهم .
وهكذا نرى أنه منذ عقد الستينات من القرن الماضي إلى يومنا هذا راهنت مختلف الحكومات على النهوض بقطاع السياحة وتحويله إلى قاطرة للتمية الاقتصادية والاجتماعية ولكنها أخفقت في ذلك ، حتى أن الملك الراحل وصف وضعية البلاد الاقتصادية والاجتماعية ، عند نهاية التسعينات ، بالكارثية وبوشك وقوع " السكتة القلبية " . ثم واصلت الحكومات بعد سنة 2000 ( رغم ذلك ) الرهان على قطاع السياحة وجعلت الملكية الجديدة من تطويره " جهادا اقتصاديا واجتماعيا " ولكن الحكومات أخفقت مرة أخرى في آمالها لتحقيق رؤية 2010 ، ثم واصلت الحكومة الرهان من جديد على السياحة من خلال رؤية 2020 ولكن نتائجها لن تكون إلا ضعيفة كما هي العادة لأسباب منها ضعف البرامج وعدم تفعيلها والقول بلا عمل وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة واستشراء الفساد واقتصاد الريع [15] . إن إخفاقات المسؤولين عن النهوض بالسياحة منذ عقود ما هو إلا نموذج من إخفاقاتها في مجالات أخرى كالتعليم والصحة والسكنى والتشغيل وغيرها ، جاء في تقارير أن ضعف البنية الاقتصادية ليس هو السبب الوحيد في إغراق المغرب في الديون ، بل هناك سبب آخر، هو الذي يتمثل في استفحال الفساد بكل أشكاله، بداية من التهرب الضريبي وغسيل الأموال وتهريبها، والرشوة والمحسوبية وغياب الشفافية، والتزوير والتحايل على القوانين الضريبية، وصولًا إلى التوزيع الفج للأجور وتبذير الأموال هذا فضلا عن عدم الالتزام بالبرامج وتفعيلها وعدم ربط المسؤولية بالمحاسبة . وحسب تقرير الأممالمتحدة حول التنمية البشرية فخلال سنة 2018 ظل المغرب يقبع في رتبته المتأخرة ، فقد احتل المرتبة 123 ضمن 189 دولة شملتها الدراسة بناء على ثلاثة معايير وهي : الصحة والتعليم ومستوى الدخل. وحل المغرب في المركز 42 عالمياً ضمن مؤشر الجوع العالمي لسنة 2019، من أصل 117 دولة شملها التقرير. ووضع المؤشر الدولي المغرب في خانة الدول التي تعاني من الجوع . والجدير بالذكر أن تقريرا صادرا عن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة كشف أن حوالي 1.2 مليون مغربي يعانون من قصور في التغذية نهاية سنة 2016 [16] . هذا في الوقت الذي تتوفر البلاد على ثروات طبيعية ومعدنية وبحرية قل نظيرها . وقالت منظمة "أوكسفام المغرب" إن نماذج نمو المملكة منذ الاستقلال بلغت حدودها وخلقت مجموعة من الفجوات من عدم المساواة والإقصاء كانت سبباً في هشاشة عدد كبير من السكان، مشيرةً إلى أن الولوج إلى فرص الشغل والخدمات الاجتماعية الأساسية أصبح من الترف.
بقلم : إسماعيل عمران ismailemran@gmail/com
[1] http://tetouanplus.com/news21669.html [2]: هذه المحطة جاءت في إطار المخطط الأزرق الذي تضمنته رؤية 2010 التي توقعت إحداث العديد من المحطات الشاطئية خلال فترة 2000/2010 وتحويل المغرب إلى أهم وجهات السياحة الشاطئية العالمية [3] Ministère du Tourisme. Stratégie du Tourisme au Maroc. Rabat Mars 2011. [4] السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل ص233. Vision Stratégique du Développement Touristique «Vision2020»30Novembre 2010 [5] تجدر الاشارة إلى أن 2010 تضمنت أيضا مشروع إحداث المجلس الوطني للسياحة ولم يتم إحداث هذا المجلس ، وتضمنت أيضا العمل ببرامج سياحية جهوية ولم يتم أيضا إحداثها هي أيضا . [6]استنادا إلى إحصاءات المصالح المعنية لمديرية الاستراتيجية بوزارة السياحة [7]"التنمية السياحية : تطلعات وتحديات ومفارقات" المصدر السابق ص 164/183 + CGEM : Accord d'application de l'accord cadre 2001/2010 P 55 [8]http://www.fmdt.ma/details.php?id=5476 [9]http://www.leconomiste.com/article/902321-taghazout-sur-les-railsce-que-contient-le-projet-de-relance .http://www.leconomiste.com/article/902321-taghazout-sur-les-railsce- - L'économiste 21/2/2012 [10]"التنمية السياحية بالمغرب: واقع وأبعاد ورهانات" المصدر السابق ص 148 -Le Tourisme National et migration de Loisirs -M. Berriane. Tourisme National Et Migration de Loisirs au Maroc Université Mohammed V, Faculté des Lettres et des Sciences Humaines, 1991 P 362 [11]Aujourd'hui le Maroc le 15/04/2005 * لقد تم تعويض المنعش الأجنبي لأراضي محطة السعيدية بعد ذلك إلى مؤسسة تعمل في إعداد وبناء الشقق والأحياء السكنية . [12]Vision Stratégique du Développement Touristique «Vision2020» P 8 [13]"التنمية السياحية : تطلعات وتحديات ومفارقات" المصدر السابق ص 164/183 + CGEM : Accord d'application de l'accord cadre 2001/2010 P 55 [14]VISION STRATEGIQUE DE DEVELOPPEMENT TOURISTIQUE« VISION 2020P39 [15] تضمن كتاب" التنمية بالمغرب واقع وأبعاد ورهانات" وكتاب "التنمية السياحية بالمغرب :تطلعات وتحديات ومفارقات" وكتاب " السياسة السياحية بالمغرب :إشكاليات وتداعيات وبدائل " لصاحب المقال استعراض السياسة السياحية خلال فترة 1956/2020 ومضامينها وبرامجها ونتائجها وانعكاساتها وتداعياتها الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والبيئية وتضمنت أيضا اقتراحات وبدائل للنهوض بقطاع السياحة ببلادنا . [16] https://www.hespress.com/societe/447403.html الخميس 17 أكتوبر 2019 - 07:00