في كل سنة يتكرر سيناريو البحث عن فضاء لقضاء موسم العطلة بأسعار مناسبة بالنسبة للأسر المغربية، وسرعان ما تتهاوى كل المخططات والبرامج أمام غياب المنتوج السياحي الذي يلائم هذه الأسر ويناسب قدرتها الشرائية. خاصة بعد أن فشلت وزارة السياحة في إنجاز المحطات السياحية المندرجة في إطار «مخطط بلادي»، والتي كان من الممكن أن تستجيب لحاجيات هذا الصنف من السياحة الداخلية، الذي يبدو أن يواجه حظا عاثرا. رغم مرور عدة سنوات على انطلاق تجربة «مخطط بلادي» الرامية إلى دعم السياحة الداخلية، فإن الكثير من المغاربة مازالوا يجدون صعوبة في الاستفادة من الأسعار التنافسية للفنادق التي يقدمها البرنامج، في ظل التأخر الكبير في إطلاق المحطات السياحية التي من المفروض أن توفر عروضا مناسبة للعائلات المغربية.
مخطط بطموح كبير ونتائج ضعيفة يهدف برنامج «مخطط بلادي» إلى إحداث 8 مناطق للتهيئة السياحية توفر هياكل للسكن تتلاءم مع حاجيات وانتظارات السياح المغاربة، ووضع نظام متطور للتوزيع بهدف اقتراح أثمنة تنافسية في السكن السياحي المتوفر تعتمد على منح تعريفة مناسبة في العديد من الفنادق ودور الضيافة والقرى السياحية. ويقوم «مخطط بلادي» من الناحية العملية على خفض أسعار المبيت في المؤسسات الفندقية بحوالي 50 في المائة، وتوفير امتيازات بالنسبة إلى الأطفال المرافقين لذويهم، وتقديم وجبات الفطور مجانا، إضافة إلى خفض أثمان النقل بالنسبة إلى السياح الذين يتوفرون على الحجوزات في الغرف. لكن العديد من المغاربة عبروا عن خيبتهم أمام ما يسمونه بالدعاية الكاذبة حول أسعار الفنادق لحملة «كنوز بلادي». وما فتئت وزارة السياحة تعلن أنها وضعت إجراءات تجمع بين استراتيجية التوزيع، والتواصل والمواكبة، من أجل إحداث شبكة لتوزيع عرض «بلادي» يتلاءم وحاجيات المغاربة على مجموع التراب الوطني، مع العمل على خلق تقارب بين وكالات الأسفار والسياح المغاربة. وتسعى الوزارة إلى تحفيز الطلب الداخلي وإطلاق حملة لترويج المنتوج السياحي الوطني «كنوز بلادي» بهدف تعزيز دمقرطة الحق في السفر من خلال عروض محفزة ومستهدفة، وإطلاع السياح المغاربة على مدى اتساع «عرض المغرب»، واستخدام شبكة الإنترنيت كقناة جديدة للتواصل. وتعتمد وزارة السياحة في ذلك على نتائج الدراسة التي أنجزت في 2011 حول السياحة الداخلية، والتي أشارت إلى أن 58 في المائة من السياح عبروا عن اهتمامهم بالأنشطة الثقافية وحوالي الثلث يفضلون الوجهات الشاطئية، مقابل 13 في المائة يقضون عطلتهم في المناطق الجبلية. وحسب الوزارة، فقد كشفت الدراسة أيضا أن 8 في المائة من المغاربة الذين يسافرون باستمرار، يعتبرون مراكش وجهتهم الأولى تليها مدينة طنجة. وإذا كانت وزارة السياحة تعتبر «بلادي» مخططا طموحا، فإن الخبراء يرون، بالمقابل، أنها فشلت بامتياز في ورش السياحة الداخلية، جسدته العديد من المعطيات المرتبطة بهذا المخطط، خاصة من جهة العدد المحدود للمؤسسات الفندقية المتدخلة في العملية، وكذا صدمة الزبناء المغاربة حين يكتشفون أن البرنامج مجرد عروض وهمية، حيث يواجه الزبون بأن جميع الفنادق المعنية مملوءة أو محجوزة ليقف على أن العملية برمتها لا تعدو أن تكون مجرد حملة للاستهلاك الإعلامي. وبالإضافة إلى ذلك، فإن العروض المقدمة لا تستجيب لحاجيات الأسرة المغربية من جهة، ومن جهة أخرى، فهي لا تلائم القدرة الشرائية للمواطن المغربي، وهو ما يفسره انتعاش القطاع غير المهيكل ككراء الشقق أو الاعتماد على الأقرباء والأصدقاء. ويجمع الخبراء على أن توقع ارتفاع عدد المبيتات في المؤسسات الفندقية المصنفة من خلال هذا البرنامج الموجه إلى السياحة الداخلية إلى 3 ملايين، أي ما يعادل زيادة بنسبة 92 في المائة، وتقليص الإيواء غير التجاري إلى 65 في المائة، والرفع من الإيواء التجاري المنظم إلى 35 في المائة، يبدو بعيد المنال. محطة واحدة جاهزة من بين ثمان من بين 8 محطات سياحية مبرمجة في مخطط بلادي، لم يتمكن المغرب حاليا من إنجاز سوى محطة واحدة، وهي محطة إفران، بينما من المنتظر أن يتم افتتاح محطة «إيمي ودار» خلال فصل الصيف المقبل، هذا في الوقت الذي مازالت فيه باقي المحطات تعاني تأخرا ملحوظا، إما بسبب الوعاء العقاري أو بسبب مشاكل مع الشركات التي تكلفت بإنجاز المشروع. وتعتبر محطة إفران للسياحة الجبلية أول محطة سياحية تم إنجازها في إطار «مخطط بلادي» للنهوض بالسياحة الداخلية في المغرب عبر توفير عرض سياحي ملائم لحاجة السياحة العائلية ذي جودة عالية وبأسعار في متناول الأسر المغربية. وتم توقيع اتفاقية إنجاز المحطة السياحية بين المجموعة المغربية الكويتية للتنمية والدولة المغربية. وتوفرهذه المحطة 5764 سريرا سياحيا، موزعة بين فندقين بسعة 1100 سرير، والشقق السياحية التي توفر 1724 سريرا، بالإضافة إلى المخيمات التي توفر 2940 سريرا. كما يضم المشروع مجمعا تجاريا للتسوق ومطاعم وقاعات سينما ومركزا للياقة البدنية، وعدة مرافق رياضية وترفيهية، أبرزها نادي مغطى للتزلج على الجليد، يعتبر الأول من نوعه في القارة الأفريقية، وقاعة لممارسة رياضة البولينغ، وعدد من المسابح المغطاة والمكشوفة، وملاعب متعددة لممارسة رياضة التنس وكرة اليد وغيرها من الرياضات. أما محطة إيمي ودار، التي ستكون جاهزة خلال هذا الصيف، فتؤكد وزارة السياحة أنه تم الإنتهاء من أشغال إنجاز وتطوير المحطة بنسبة 95 في المائة في ما يخص البرنامج الفندقي، مضيفة أنه سيتم تسليم هذه الوحدات في غضون النصف الأول من العام الجاري، وتسليم الإقامات السكنية خلال الأشهر المقبلة. وحسب الوزارة، فقد تم إنجاز 50 في المائة من تجهيزات التنشيط سيتم تسليم الجزء الأكبر منها خلال فصل الصيف المقبل. وقد تطلب إنجاز هذا المشروع تعبئة عقار بمساحة 33 هكتارا وغلافا استثماريا يصل إلى 773 مليون درهم بتمويل كلي من القطاع الخاص. ومن المنتظر أن تمكن هذه المحطة، التي تقع بالجماعة القروية تامري، من توفير طاقة إيوائية تصل إلى أكثر من 5 آلاف سرير موزعة على إقامات فندقية ( 1136 سريرا) وإقامات عقارية للإنعاش السياحي ( 120 سريرا) إلى جانب 2780 سريرا على شكل مخيمات. وإذا كانت المجموعة المغربية الكويتية للتنمية قد نجحت في محطة إفران، فإنها بالمقابل، مازالت تواجه صعوبات كبيرة في محطة سيدي عابد قرب الجديدة. وترتبط هذه الصعوبات في مجملها بمشكل الوعاء العقاري، حيث لم تستطع السلطات تحرير جميع الأراضي التي من المفروض أن يتم إنشاء المحطة فوقها. مخاوف من تكرار سيناريو السنة الماضية أمام التأخر الكبير في إنجاز المشاريع المرتبطة بمخطط بلادي، تتنامى المخاوف لدى المهنيين والأسر من تكرار سيناريو السنة الماضية، حيث عاشت المناطق السياحية في المغرب حالة استثنائية بعد أن غرقت في أمواج من الراغبين في قضاء عطلهم الصيفية، وهو ما خلق اضطرابا في مجموعة من المدن، خاصة في الشمال، حيث لم تعد الفنادق والشقق السياحية قادرة على استيعاب الزوار، وقفزت الأسعار إلى مستويات قياسية. وخلق هذا الوضع استياء عارما لدى العديد من الأسر، التي لم تستطع إيجاد غرف شاغرة في الفنادق المصنفة أو حتى الشقق غير المصنفة، بعدما ساهمت أمواج السياح في تجاوز نسبة الملء في المؤسسات السياحية 100 في المائة، وهو ما دفع مجموعة من الأسر إلى افتراش الحدائق العامة والمبيت في السيارات في بعض المدن الشمالية. وسجلت الأسعار مستويات غير مسبوقة، خاصة بالنسبة للشقق غير المصنفة، حيث قفزت قيمة الكراء لليلة الواحدة إلى أزيد من 2000 درهم. في المقابل، اشتكى عدد من الزوار من تعرضهم لعمليات احتيال من طرف بعض الفنادق، إذ بعد أن قاموا بالحجز عن طريق الإنترنيت أسابيع من قبل، فوجئوا بعد وصولهم إلى المناطق المعنية بإلغاء حجزهم، بعد انتعاش المضاربات وارتفاع الأسعار. ولم تسلم المواد الغذائية من الاضطرابات التي عاشتها المدن السياحية، حيث لوحظ في بعض المناطق اختفاء الخبز والخضروات والعديد من المواد الأساسية، في ظل ارتفاع الطلب وقلة العرض، وهو ما دفع العديدين إلى التساؤل حول قدرة المغرب على تنفيذ رؤية 2020 السياحية، بعدما فشل في تدبير عطلة صيفية استثنائية. وحسب مدير الجامعة الوطنية للصناعات الفندقية، عبد العزيز سميم، فإن ما وقع السنة الماضية يعزى بالأساس إلى التوقيت الاستثنائي للعطلة الصيفية، والذي تزامن مع شهر رمضان وقرب الدخول المدرسي، مشيرا إلى أن جميع الأسر برمجت أسفارها خلال النصف الأخير من شهر غشت. وأوضح سميم أن هذه الوضعية أدت إلى ارتفاع نسبة الملء في جميع الفنادق المصنفة بالمدن السياحية المعروفة إلى 100 في المائة بعدما لم تكن تتجاوز خلال شهر رمضان الأخير 15 في المائة في العديد من الفنادق، مؤكدا أن المهنيين دعوا وزارة السياحة إلى التفكير في وضع إطار جديد لبرمجة العطل المدرسية من أجل تخفيف الضغط على المناطق السياحية. وأكد مدير الجامعة الوطنية للصناعات الفندقية، بالمقابل، أن الوضعية التي عانى منها القطاع السياحي خلال السنوات الأخيرة لم تشجع الحكومة على تسريع وتيرة إنجاز الاستثمارات المسطرة في إطار استراتيجية «كنوز بلادي»، وهو ما أدى إلى التأخر في توفير العرض الضروري لاستيعاب سياح الداخل الذين يتطورون بشكل كبير سنة بعد أخرى. وأكد سميم أن العرض الذي توفره الفنادق المصنفة لا يناسب عددا كبيرا من الأسر المغربية، بحكم أنه يجبرها على اكتراء عدة غرف من أجل استيعاب جميع أفراد العائلة، مما يكلفها أعباء مالية كبيرة، وهو الأمر الذي يدفع الأسر إلى تفضيل كراء الشقق. المشاكل التي اعترضت مخطط بلادي كانت في معظمها خارج السيطرة ما تقييمكم لمستوى السياحة الداخلية في المغرب؟ إن السياحة الداخلية، التي تطمح إلى أن تصبح ورشا أساسيا في استراتيجية القطاع، تسجل منذ إطلاق «رؤية 2020» في نونبر 2010، منحى تصاعديا قد يصل إلى 40 في المائة من المبيتات في أفق سنة 2020، وهي الآن تمثل ثاني سوق في القطاع ب 28 في المائة من حيث المبيتات في المؤسسات الفندقية المصنفة. وبالتالي، فالوزارة مقتنعة بأنه من الضروري العمل على الاستجابة لحاجيات السائح المغربي، الذي يبحث باستمرار عن منتوج يأخذ بعين الاعتبار أذواقه ومتطلباته. ولهذه الغاية تمت بلورة مخطط «بلادي»، الذي يهدف إلى خلق عرض مناسب وملائم للطلب الحالي والمستقبلي للسياح المغاربة. - لكن ألا ترون أن مخطط بلادي يعيش مشاكل كبيرة، فمنذ إطلاقه إلى الآن تم افتتاح محطة واحدة من بين ثماني محطات مبرمجة، لماذا هذا التأخير؟ هو معلوم، فإن مخطط بلادي يندرج في إطار رؤية 2020، وقد تم إلى الآن افتتاح محطة إفران سنة 2011، في حين من المرتقب أن يتم افتتاح محطة إيمي ودار بنواحي أكادير صيف 2014، ونحن الآن بصدد الاشتغال على باقي المحطات المدرجة في المخطط. لكن أعتقد أن مخطط بلادي لا يطرح إشكاليات كبرى بالنسبة للوزارة، فهو منتوج مغربي يحظى بإقبال الزبناء والمستثمريون مهتمون به بشكل كبير. ومستقبلا لابد أن تتحسن النتائج. - لكن هذا في حد ذاته يعتبر مفارقة، فكيف يتم التأخر في إنجاز المحطات السياحية المندرجة في إطار مخطط بلادي في الوقت الذي يحظى فيه هذا المنتوج باهتمام الزبناء والمستثمرين؟ التي تعترض تنفيذ المشاريع المبرمجة في مخطط بلادي تكون أحيانا خارج إطار سيطرة الجهات المكلفة بهذه المشاريع، وفي هذا الإطار أسوق لكم نموذج محطة سيدي عابد بالجديدة، حيث إنه منذ إطلاق هذا المشروع إلى الآن مازلنا نتخبط في مشكل العقار والمنازعات مع مالكي الأراضي أمام المحاكم، وبالتالي، وجدنا أنفسنا أمام مشاكل لم تكن متوقعة بالمرة. وبالمناسبة، لابد من التفكير، في إطار مخطط إصلاح العدالة، في تقليص المدة التي تتطلبها مثل هذه القضايا أمام المحاكم، بالنظر إلى أن هذا النوع من المنازعات أصبح يعرقل تنفيذ مشاريع عديدة. لحسن حداد* * وزير السياحة