يسميه البعض الذهب الأصفر، بسبب العائد المالي المرتفع الذي يجنيه المتاجرون به في الأسواق العلنية والسرية. إنه الرمل، المادة الطبيعية الأكثر استغلالا على وجه الأرض بعد الهواء والماء. فهو يستعمل عالميا في صناعة الزجاج، والرقائق الإلكترونية، والصناعة الصيدلية، وأشغال وصناعات أخرى متنوعة. لكن مجال استعمال الرمل الأوسع في المغرب يبقى هو البناء والأشغال العمومية، حيث يستهلك قطاع البناء 80% من إجمالي الحجم المستخرج والبالغ زهاء 27 مليون متر مكعب سنويا [أرقام رسمية]. بينما تذهب 10 % لقطاع الأشغال العمومية، وتتقاسم 10 % المتبقية شركات الخرسانة الجاهزة وشركات البناء المفكك. وبعيدا عن تحفظ المعطيات الرسمية، تشير تقديرات الباحثين إلى أن قطاع البناء للسكن يلتهم لوحده 30 مليون متر مكعب سنويا من الرمل، في حين تستهلك التجهيزات العمومية التي فتحت أوراشها الكبرى منذ سنوات كميات هائلة أخرى. ويكفي لإعطاء فكرة عن ضخامة حجمها أن نذكر بأن الكيلومتر الواحد من الطريق السيار يستهلك بحسب المعدل العالمي 30 ألف طن من الرمل (نعم ثلاثين ألف طن !)، بينما يتطلب بناء بيت من حجم متوسط 400 طن من المادة نفسها. وهكذا، وفي وقت تتضاعف الحاجة إلى الرمل مع اضطراد النمو السكاني وما يفرضه من متطلبات التنمية، يتزايد الضغط على رمل الكثبان الشاطئية باعتباره منجما مفتوحا ومجانيا وسهل الاستغلال. ولسبب ذلك لم ينج المغرب باعتباره بلدا بحريا بامتياز تمتد سواحله على واجهتين بطول يبلغ 3500 كلم، بدوره من «لعنة الرمل». فالإحصائيات الرسمية نفسها تعترف بأن نصف الكميات المروجة من الرمل في السوق المغربية مصدره «القطاع غير المهيكل»، وهو تعبير مهذب للقول بأنه بكل بساطة رمل مسروق. لقد انتبهت مبكرا جهات كثيرة في المغرب إلى القيمة المضافة الخرافية التي تدرها سرقة الرمل، تماما كما حصل في بلدان العالم الثالث الأخرى. فتشكلت مافيا لصوص الرمل في المغرب ونسجت شبكات واسعة شملت رجال سلطة متسترين ومنتخبين فاسدين. وصارت الشاحنات تغرف بقدر ما تسع مقطوراتها من الرمل تحت شمس الله الفاضحة، ثم تحمله عبر الطرق المحروسة بالحواجز الأمنية إلى الأسواق السرية والعلنية كي تبيعه بسعر الذهب. فالأمر يتعلق بقطاع يدر الملايير، حيث يقدر رقم معاملات سوق الرمل «المهيكل» لوحده بما لا يقل عن 14 مليار درهم، يدر للدولة عائدات ضريبية سنوية تناهز ملياري درهم سنويا. أما سوق الرمل «غير المهيكل» فتزيد أرقامه عن ذلك بكثير، ما دامت دراسات أمريكية تقدر بأن حجم العادات الضريبية الضائعة عن الرمل المسروق تزيد عن مليار دولار كل عام (10 مليارات درهم). وفيما يبدو فإن طول يد مافيا الرمل تسمح لها بأن تلجم ألسنة الكثير من المطلعين عن قرب على تفاصيل جرائمها، حتى داخل حرم بعض الجامعات المغربية. ولسبب ذلك تبقى الكثير من الحقائق المخيفة دفينة الأطروحات الجامعية والدراسات المصاغة بلغة النخبة، بحيث تصبح عرضة للتقادم ولا يطلع عليها إلا جمهور جد محدود من القراء. ولسبب ذلك أيضا رفض أكثر من 10 باحثين مغاربة مرموقين دعوة الجريدة لإجراء حوار ينير بعض الجوانب المعتمة من الموضوع. ومن الحقائق المخيفة التي ينبغي الجهر بها في موضوع نهب الرمل، ما تشير إليه دراسات قام بها خبراء أمريكيون في البيئة البحرية من أن وتيرة استنزاف رمل السواحل المغربية هي الأعلى في العالم، بحيث أنه إذا كانت سواحل العالم سوف تختفي رمالها قبل نهاية القرن الحالي، بحسب تقديرات بعضهم، فإن شواطئ المغرب سوف تغدو عارية قبل ذلك وفي غضون عقود، إذا ما استمر حجم الاستنزاف الحالي للرمل على وتيرته. وقد سبق أن صنفت المجلة الألمانية الشهيرة «دير شبيغل» في عدد صدر قبل أشهر، بلادنا ضمن قائمة البلدان الأكثر عرضة للتهديد بفقدان رمال شواطئها، إلى جانب كل من الرأس الأخضر، وكينيا، ونيوزيلاندا، وجامايكا. وقبل أشهر، عرض موقع vice الإخباري الأمريكي ربورتاجا أقل ما يمكن أن يوصف به هو أنه مزعج. وقد تطرق لواقع نهب الرمل في شواطئ إقليمالعرائش، فقدم صورة واضحة لما هو عليه الوضع الكارثي في السواحل الشمالية الغربية، والمغربية عموما. ويكشف كيف»اختفت» تماما السلطات والدرك والأمن تاركين الحبل على الغارب للصوص الصغار بعد الكبار لينهبوا رمل الكثبان الذهبية دون خوف. وبحسب الموقع الأمريكي نفسه، فإن ترتيب النهب يتم وفق النظام التالي: خلال أيام الاثنين والثلاثاء والأربعاء من كل أسبوع، تفد 700 شاحنة كبيرة على الشاطئ القريب من العرائش فتملأ من الصباح وحتى منتصف النهار من رمل الكثبان الكبيرة ما يقرب 2100 طن يوميا. وعندما تختفي الشاحنات، يأتي الدور على عشرات القرويين الذين يهجمون من القرى المحيطة على الشاطئ، ليحملوا ظهور دوابهم بأطنان أخرى عبر أحمال، ويقومون ببيعها لأصحاب الشاحنات مقابل فتات الدراهم التي يقتاتون منها! هكذا بدا المغرب لكاميرا قناة «فايس» الأمريكية وأمام نظر صحفييها مشرعا للنهب من جميع المستويات.. وقبل سنوات، عرضت قناة «أرتي» الثقافية الفرنسية – الألمانية شريطا وثائقيا يحمل عنوان (الرمل.. قصة زوال وشيك)، عرضت فيه حقائق مرعبة عن الاستنزاف المفرط لهذه المادة المهددة بالانقراض في عدة مناطق عبر العالم، وطبعا كان المغرب حاضرا إلى جانب «الكبار»، من البلدان التي يسود فيها تواطؤ صامت على تدمير الشواطئ. في الوثائقي الأمريكي كما في الوثائقي الأوربي، يحتل المغرب صدارة بلدان العالم المهددة شواطئها بالاختفاء. لكن المخيف أن البلد بدا مستباحا بلا سلطة تحمي رمل سواحله من النهب. فالآليات تقضم الكثبان بحرية وتملأ مقطورات الشاحنات نهارا جهارا بآلاف الأطنان من الرمل المدرة للملايير، كما لو أن الأمر يتم في بلد لا تجرم قوانينه التعدي على الثروة الرملية. وكما لو أن السلطات التي لديها حواس خارقة تتحسس بها ما يجري حتى في عقول المواطنين وتشتمُّها، تعطلت لديها فجأة حواسها فأصبحت لا ترى، ولا تسمع ما يجري قريبا جدا منها ! إن السلبية نفسها المثيرة للريبة من جانب السلطات متواصلة منذ سنوات، حيث سبق أن أشار إليها فريق علماء أمريكيين متخصصين في البيئة البحرية وينتمون إلى جامعة كاليفورنيا، أقاموا أسبوعا بطنجة في صيف العام 2007، كانوا خلاله شهودا على النهب «الحر» لرمل شواطئ الإقليم يفوق التصور؛ ما دفع بهم إلى ختم دراستهم حول مستقبل شواطئ البحر باستنتاج مفاده بأن «وتيرة استنزاف رمل الشواطئ في المغرب هي الأعلى عالميا». ومعنى ذلك أن شواطئنا سوف تتعرى تماما من آخر حبة رمل بوقت طويل قبل الأجل المحدد لباقي بلدان المعمور. إن الرمل مادة طبيعية قابلة للتجدد مثله في ذلك مثل النفط، لكن تجدده لا يقاس بعمر الإنسان. فالكثيب الرملي الذي تطأه قدماك عزيزي القارئ وأنت على شاطئ البحر، استغرق على الأقل 10 آلاف عام كي يتشكل. وهناك رمل عمره ملايين السنين تغرفه شاحنات صدئة في غضون ساعات أو أيام أو أسابيع. والرمل لا ينفع فقط للبناء والتمدد فوقه بغرض الاستجمام، بل هو جزء أساسي من البيئة البحرية التي ترتبط عناصرها بديناميكية. ولذلك فإن اختفاء رمل الشواطئ لا يعني فحسب ضرب السياحة كما يعتقد البعض، بل هو يضمر كذلك تدميرا أخطر وصامتا للبيئة الخاصة بنمو وتكاثر أصناف نباتية وحيوانية متعددة، أساسا منها الطحالب والقشريات والأسماك. وبالتالي ينتج عن ذلك الاختفاء انقراض أصناف متنوعة من منتجات البحر التي يتغذى عليها المغاربة وغير المغاربة، والدفع في الوقت نفسه بقطاع الصيد التي تعيش منه آلاف الأسر نحو الإفلاس. وذلك بعد ما انتهت إليه دراسة علمية أنجزت قبل سنوات بين بحارة ميناء المهدية. لكن في مواجهة واقع الحال المفزع هذا، تتحرك الجهات الحكومية الوصية ببطء لا يساير الوتيرة المسرعة للاستنزاف. والحلول المقررة أو المقترحة حتى الآن لا تغير من الوضع على الأرض شيئا كثيرا. فالقانون الجديد الذي بات يجرم سرقة الرمل (يقضي بعقوبات تصل إلى خمس سنوات وسجنا وغرامة 500 درهم عن كل متر مكعب من الرمل المسروق) لا يبدو رادعا بما يكفي لثني مافيا الرمل عن مواصلة لصوصيتها. وأما جرف رمل الأعماق الذي يقدم كبديل «قانوني» و»أخضر» فإنه برأي الخبراء يمهد لكارثة لا تقل تدميرا للبيئة من استنزاف رمال الكثبان الشاطئية. وعند هذا المستوى من التحليل يثور السؤال: لماذا لا ينحو المغرب منحى فرنسا في هذا الصدد؟ فما دامت فرنسا تعتبر نموذجا مرجعيا بالنسبة إلى مسؤولي بلدنا، الأدهى أن تتساءل الجهات الوصية على القطاع: كيف استطاعت فرنسا التقليص من حجم الرمل الذي تستخرجه سنويا من شواطئها إلى النصف تقريبا خلال العشرين عاما الأخيرة، بينما يتعثر المغرب؟ «لنجعل شواطئنا تبتسم ! «… هكذا يقول الإشهار الشهير لبرنامج «شواطئ نظيفة». لكن المخيف أن أحفادنا قد لا يجدون في المستقبل شواطئ ينظفونها أو يستمتعون بها. والخوف كل الخوف أن كل ما قد نتركه للأجيال القادمة عن الرمل، هو صور وأشرطة لشواطئ كان الرمل يغطيها حد البصر ذات زمن بعيد، قبل أن تتحول إلى سواحل صخرية لا تصلح لشيء !
شواطئ مغربية اختفت للأبد وأخرى في الطريق بسبب النهب المفرط لرملها وتدمير محيطها البيئي في أعقاب سنوات قليلة من النهب المتواصل، اختفت نهائيا شواطئ رملية على الواجهتين الأطلسية والمتوسطية، وأخذت مكانها سواحل صخرية تقدم صورا سيئة لما هي مرشحة أن تصبح عليه شواطئ المغرب جميعها، إذا لم توقف حرب الرمال القائمة أوارها قريبا. في ما يلي إطلالة سريعة على واقع التدمير الصامت لبعض جواهر الشواطئ المغربية، مع كشف للأسباب والمسؤولين.. أصبح موج البحر يهجم بسهولة على المحال والأكشاك بشاطئ «السواني» التابع لإقليمالحسيمة من دون أن يوقفه الحاجز الرملي الذي تبخر شيئا فشيئا على مدى ثلاثة عقود. لقد اختل التوازن الطبيعي للبيئة الساحلية بشكل غير قابل للتصحيح، وبات البحر يتمدد حين يزبد إلى الغابة القريبة منه ليدمر شجرها، وفي مرماه المباشر تقع الفرشة المائية الباطنية لسهل النكور وفوقها الأراضي الزراعية التي يهددها بالملوحة. ليس البحر من صنع هذه الكارثة، فهو غير عاقل. لكنه الإنسان من ترامى على رمل الشاطئ واستمر يغرفه شحنات وراء شحنات على ظهور الدواب والناقلات، بالليل وبالنهار إلى أن دمر الحاجز الأمامي للبحر وفتح أمامه معبرا عريضا يتسرب منه إلى اليابسة. وعلى غرار شاطئ السواني تعرف الشواطئ الرملية الأخرى للمتوسط، هذه التي تعد جواهر طبيعية حقيقية، تدميرا واسعا يطول رملها من خلال نهب غير مسبوق، يقوده منذ سنوات أفراد وشركات بناء عمومية وخاصة. هي مافيا تعبث بالملك العام أمام الأنظار «العاجزة» للسلطات. ويبدو أثر التدمير سافرا في شواطئ»السواني « و» الطايث « و» الصفيحة «، بالنسبة للمتوسط الشرقي، وسيدي عبد السلام وأزلا في المتوسط الغربي. لقد بحت أصوات المجتمع المدني والمراسلين الصحفيين القريبين من مواقع النهب وهي تفضح وتحتج وتدين السرقات الواسعة للرمل، من دون أن يغير صراخها من واقع الحال شيئا. فلا اللصوص تورعوا وشبعوا، ولا السلطات تملصت من تواطئها البين وانتصرت لمستقبل الأجيال القادمة الذي تذروه أطماع لا تكتفي. والظاهر أن الفورة العقارية التي تعرفها الشواطئ المغربية في السنين الأخيرة، سببها إقبال أسر الطبقة الوسطى على اقتناء مساكن ثانوية مخصصة لقضاء العطل، ما يضاعف الطلب على الرمل الذي يدخل بنسبة الثلثين في تشكيل الخرسانة المخصصة للبناء. وفي مواجهة تعقيدات الترخيص بفتح مقالع جديدة للرمل، تجد مافيا الرمل الطريق أيسر إلى شراء تواطؤ من يؤمن لها سرقة الرمل المتوفر بسهولة ومتناول اليد بأمان. لكن المضحك المبكي في الموضوع أنه إذا كان التهافت على بناء المنشئات السياحية والإقامات الموجهة للسكن الثانوي يجد مبرره في الجاذبية الكبرى التي تثيرها الشواطئ الجميلة في نفوس الناس، فإنه من أجل بنائها يستنزف رمل تلك الشواطئ بشكل مدمر وغير قابل للإرجاع. وعندما تنتهي أشغال بناء الأبراج السكنية والتجهيزات السياحية تكون الشواطئ قد فقدت رملها. فتغدو الصورة أشبه بحال الأفعى التي تعض ذنبها فتقتل نفسها بنفسها! نكبة شواطئ الشمال الغربي لكن المثال الأسوأ والذي يحظى بمتابعة علمية وصحفية أجنبية أكثر من غيره مرتبط بالمآل المحزن الذي انتهت إليه بعض شواطئ الشريط الساحلي الممتد بين الرباطوطنجة على طول 150 كيلومترا، وعلى الخصوص منها بعض بؤر النهب السوداء التي نالت شهرة مؤسفة عالميا وتقع بكل من أقاليم القنيطرةوالعرائشوطنجة. وما دام المقام لا يسمح بالحديث عنها جميعا، فلنستعرض هنا حكاية أشهرها: شاطئ سيدي بوقصيبات بإقليمالعرائش. لقد كان هذا الشاطئ طبيعة عذراء حتى زمن قريب، وإحدى جواهر شواطئ شمال المحيط الأطلسي. كانت كثبانه الرملية العذراء تمتد على طول عدة كيلومترات وكان ارتفاع بعضها يصل إلى 60 مترا. كانت جبالا رملية ذهبية حقيقية، ولذلك امتدت إلى الشاطئ أطماع مافيا الرمل فشرعت 150 شاحنة تنهب رمله بدءا من العام 2002 بمعدل تقريبي يناهز 1000 متر مكعب من الرمل يوميا، بحسب ما أشار تقرير تفتيش أصدرته مندوبية وزارة إعداد التراب الوطني والبيئة لطنجةتطوان. وبعد تحركات واحتجاجات طويلة، تحرك «أصحاب الحال» فصدرت توجيهات سرية لأصحاب الشاحنات بأن يخففوا من نهبهم ويتوقفوا عن الظهور مكشوفين من خلال احتلال الطرقات بشاحناتهم المملوءة عن آخرها بالرمل، إلى حين تخف مراقبة المندوبية. لكن بعيدا عن أرقام التقرير المعتدلة في تقدرها للموقف، أصدر المتتبعون للشأن المحلي تحذيرات متلاحقة من أن الشاحنات كانت تنهب في الواقع معدلا يصل إلى 6000 متر مكعب من الرمل يوميا، بواقع عشر رحلات كحد أدنى لكل شاحنة. وكانت تسافر بها بعيدا لكي تغذي أوراش البناء في كل من طنجة ومكناس والشاون بأسعار تنافسية تقل عن رمل الحجارة المطحون. ويعني ذلك أن الشاحنات ظلت تقطع مسافات طويلة من دون أن تعترضها مراقبة حقيقية. لتوقفها وتحجز على الشاحنات وحمولاتها باعتبارها مسروقا. ولأن الواقع كان ناطقا جاهرا بكون السلطات على أعلى مستوى في الإقليم و»في الرباط»تتستر على النهب القائم، فقد استسلم الغاضبون وأسلموا أمرهم لله. لكن في 2004 انتفض ملياردير فرنسي معروف بدفاعه عن قضايا البيئة مقيم بالمنطقة، وراسل كل الجهات المغربية الرسمية يدق ناقوس الخطر. ولم يعره أحد انتباها ولا تدخل أحد. فاستمر النهب على أشده لفترة امتدت شهورا أخرى قبل أن تجتمع اللجنة الإقليمية أخيرا وتقرر منح ترخيص «قانوني» لاستغلال رمل سيدي بوقصيبات لأولئك أنفسهم الذين ظلوا ينهبونه لسنوات، على الرغم من وجود طلبات تقدمت بها جهات أخرى. ونص «الترخيص» على أن مجال الاستغلال يعتبر «أرض جموع» وحدده في رقعة صغيرة من بضع عشرات من الأمتار المربعة، بينما الأمر كان يتعلق في الواقع بملك عام بحري وغابوي ! وسمحت هذه التخريجة «القانونية» بالتحايل على القانون الصادر عام 1986، والذي يقضى بعدم الترخيص بفتح مقالع جديدة. وبمجرد حصول «التعاونية» على الترخيص/الكعكة، وسعت من مجال نشاطها بحيث استباحت كامل الكثبان الرملية وشرعت في «قضمها» تباعا، دون أن يراقبها أو يعترض فوضاها أحد، حتى لم يتبق منها شيء. فتعرى للأبد شاطئ سيدي بوقصيبات من كثبانه. ليصبح نموذجا مثاليا للجريمة البيئية الكاملة، التي تضافر في إنتاجها الجشع والتواطؤ مع الجهل بالوعي البيئي. فالمجرمون ذبحوا البحر شر ذبحة ليصبحوا مليونيرات، من دون أن يطولهم عقاب الدنيا. على أن شاطئ سيدي بوقصيبات ليس فريدا من نوعه على الواجهة الأطلسية، بل لقد اختفت كثبان شاطئية أخرى كثيرة من قبله ومن بعده، على طول الخط البحري الممتد من رأس سبارتل بطنجة وحتى أسفي. وما يزال النهب مستمرا على قدم وساق حتى الساعة، ما يدفع إلى الاعتقاد في أن اختفاء الشواطئ المغربية جميعا لا يعدو أن يكون مسألة وقت ليس إلا.. تفاصيل اختفاء معلن تعج رفوف المكتبات الجامعية بدراسات وأطاريح تشير خلاصاتها إلى أن شواطئ المغرب مرشحة للاختفاء، في أفق العام 2050 بالنسبة إلى بعضها، و2100 بالنسبة إلى البعض الآخر. وأسباب ذلك متشعبة ومنها في جانب التحولات المناخية التي سوف ينتج عنها ذوبان قارات جليدية، وبالتالي ارتفاع مستوى مياه البحر. ومن جانب آخر الهجوم العمراني على الشواطئ، فضلا عن نهب الرمال. لكن المتتبع ليوميات النهب الواسع للرمل التي لم ينفك يفضحها الفاعلون الجمعويون والصحفيون المحليون من كل الأقاليم والجهات، تجعله يتوقع أن يلتهم جشع مافيا الرمل آخر حبة رمل قبل تلك الآجال المتوقعة بكثير. وهكذا تشير أطروحة جامعية حديثة حول موضوع هشاشة ساحل غرب المتوسط المغربي، إلى أن بعض شواطئ إقليمتطوان مثلا مرشحة لأن تفقد أجزاء كبرى من واجهاتها الرملية، بينما سوف تتعرض أخرى للاختفاء نهائيا. ومن الشواطئ الأكثر عرضة للاختفاء، تذكر الأطروحة شاطئي أزلا والريفيين. ويعزو المصدر السبب في ذلك الاختفاء المتوقع إلى عوامل متداخلة بينها انجراف رمل الواجهة البحرية الناتج عن ارتفاع مستوى البحر ونهب الرمل. وفي الوقت نفسه تحذر خلاصات الأطروحة إلى أن كامل الساحل الممتد بين الفنيدق وسيدي عبد السلام مهدد في الأمد المشار إليه إلى فقدان رماله بنسب متفاوتة، مع ما ينتظر أن يتبع ذلك من زحف للبحر على مساحات واسعة من اليابسة، وكذا تلويث الملوحة للفرشتين المائيتين الباطنيتين لكل من (سمير) و(مرتيل). إن المتابعة المسترسلة ليوميات النهب كما تنقلها الصحف الوطنية وتدوينات الناشطين الحقوقيين تكشف عن وجود بؤر نهب سوداء للرمل باتت مشهورة، بحيث يمكن للمتتبع العادي وضع خريطة واضحة لها، فأحرى الجهات الموكول إليها قانونا حماية الشواطئ ومواردها الطبيعية من الاعتداء لو توفرت لديها النية لذلك. وتقع أبرز تلك البؤر السوداء التي تتكرر أسماؤها في يوميات نهب الرمل في أقاليم: بركان (السعيدية)،الحسيمة، الناضور، تطوان، طنجة، العرائش، القنيطرة، وأسفي. إنها عشرات الشواطئ التي يزحف نحوها الدمار المفجع تنتظر من يحميها، واللائحة غير حصرية، فما ذكرنا مجرد إشارات. وليس يعني ذلك بأن رمل باقي الشواطئ والأودية في أقاليم وجهات أخرى في أمان من عبث اللصوص.
لهذه الأسباب شاطئ السعيدية مرشح للاختفاء.. دقت تقارير ودراسات أصدرها ناشطون بيئيون بالجهة الشرقية ناقوس الخطر من التدهور الذي يتعرض له شاطئ السعيدية، والذي يجعل خط البحر يتراجع من حوله سنويا، ويهدده بالاختفاء من الوجود مستقبلا. وقد خاض المجتمع المدني بالجهة الشرقية معارك حقيقية مع لوبيات العقار والمستثمرين السياحيين على مدى سنين طويلة، سعيا إلى دفع السلطة نحو التحرك لوقف المذابح الحقيقية التي تتعرض لها البيئة الطبيعية الغنية في واضحة النهار. فالشاحنات لا تتوقف عن نقل رمل شاطئ السعيدية ووادي ملوية فتجرف معها بيض الأسماك بكميات هائلة، متسببة بذلك في تدمير الثروة السمكية وتخريب الشاطئ. كما ينتج عنه تحويل مجرى الوادي بشكل يضر ضررا بالغا بالبيئة الفلاحية، إذ تنجرف تربة الأراضي الزراعية المحاذية لضفتي وادي ملوية وتنطمر في مياهه. إن التخريب المتعمد للبيئة لا ينحصر في ما ذكر، بل يمتد أيضا إلى الثروة الغابوية، حيث تقتلع الجرافات الأشجار كي تشق مسالك لعبور شاحنات نقل الرمل. والغريب أنه على الرغم من أن تكتل الجمعيات المدافعة عن البيئة سبق أن تدخل بشكل مباشر لدى الدرك وسلطات الإقليم، ووجه بلاغات وبيانات وتقارير ورسائل تشرح الواقع المتردي على الأرض، إلا أن الوضع مستمر على حاله وقد مضت عليه سنوات كثر. وكان الناشط الجمعوي محمد بنعطا وهو مهندس زراعي متقاعد، يرأس جمعية «فضاء التعاون والتضامن للجهة «الشرقية» ويعد من مؤسسي «التجمع البيئي لشمال المغرب»، قد أنجز دراسة لخص فيها بلغة علمية التحديات التي تتهدد شاطئ السعيدية وتهدده في وجوده، ونشرها في شكل رسالة مفتوحة يدعو فيها الملك إلى التدخل ما دامت وزارة التجهيز تركب تعنتها (كما يقول)، وترفض القيام بعملها المتمثل في وضع حد لنهب الرمل المتواصل حتى الساعة، ومنذ سنوات (نكررها مرة أخرى). يقول بنعطا إن نقص الواردات الإرسابية (الرمل)، والتمادي في نهب الرمل يزيد من سرعة ظاهرة زوال واختفاء أجمل وأروع الشواطئ الذي هو السعيدية. فالشواطئ في العادة هي أماكن ممتازة للترسب، وقد تم تكوين وتموضع الرمل فيها عبر ملايين السنين حتى أصبحت على ما هي عليه. لكن توازن الشاطئ جد هش من حيث كونه يخضع لديناميكية التيارات البحرية والرياح، ومعتمدا على الحمولة الإرسابية التي تصل إليه باستمرار من الأودية وخلجان مصبات الأنهار. ولذلك فإن ما يتعرض له شاطئ السعيدية من ظاهرة التعرية المتسارعة مرتبط بعوامل طبيعية وأخرى بشرية يتعرض لها منذ أكثر من ستين سنة ويظهر تحليل تطور خط الساحل في المنطقة وجود تغيرات متباينة حصلت ما بين 1958 و 1995، وتظهر هذه التغيرات بشكل أكثر وضوحا عند مستوى مصب نهر ملوية. والسبب وراء ذلك أن بناء سدين اثنين على النهر(سد مشرع حمادي سنة 1958، وسد محمد الخامس سنة 1967) نتج عنه خفض تموين سافلة نهر ملوية بالإرسابات الرملية، فتوقف بالتالي إمداد شاطئ السعيدية بالرمل الذي كان النهر يحمله إليه عند مصبه. كما أدت إقامة ميناء، إلى تراجع واضح لليابسة على مستوى مدينة السعيدية في ظرف 6 سنوات. وهكذا بعد أن كانت المسافة بين الطريق المحاذية للشاطئ وخط البحر تقدر بنحو 100 متر في عام 1998، لم تعد تزيد عن 80 مترا في 2004، وهو ما يؤشر على وقوع انجراف متواصل للشاطئ بمعدل متر واحد في السنة. لقد شطر ميناء السعيدية الشاطئ إلى قسمين: جزء يقع غرب الميناء يزداد ترسبا بالرمل من مواد وادي ملوية، وجزء شرق الميناء يزداد افتقارا إلى الرمل. ومصدر هذا الخلل يرجع إلى وقوف الميناء حاجزا أمام ديناميكية انتقال الرمال بين جهة وأخرى. كما تتضافر عوامل أخرى، بينها تدمير التل الرملي والغطاء النباتي والأنظمة البيئية الطبيعية، وكذا الاستغلال الفوضوي لرمل الشاطئ من خلال بناء ممر للراجلين بمحاذاة البحر وعلى مواقع الكثبان الرملية، مع ما ينجم عن ذلك من فقدان الشاطئ لتوازنه الرسوبي؛ حيث يقيد التدخل البشري حرية الكثبان في أن تقوم بدورها الحيوي في الحفاظ على الرمل. وكخلاصة، يشير بنعطا إلى أن توقف عملية التبادل الطبيعي للرمل بين الكثبان والشاطئ، بالإضافة إلى تدمير الغطاء النباتي، عوامل تتسبب في الاندثار التدريجي للشاطئ، من خلال ضياع الرمل المحمول من طرف الرياح بعيدا عن الشواطئ باتجاه داخل اليابسة، وبالتالي فقدانه. وفي نطاق التدخل البشري التدميري لبيئة الشاطئ دائما، وعلى مستوى المركب السياحي المتوسطي للسعيدية، فإن التهيئات المنجزة من طرف شركة (فاديسا) بالقرب من الشاطئ تنذر بتفاقم الوضع، يؤكد المهندس بنعطا، خاصة منها تلك البنايات المشيدة على مستوى أعلى الشاطئ وفوق الكثبان الرملية الجانبية. فهي لا يمكن إلا أن تساهم في انحسار وتقهقر الشاطئ، لكونها تعرقل حصول التبادلات الرملية الطبيعية بين الشاطئ والكثبان، وهي التبادلات الضرورية لاستقرار الشاطئ. على أن ما يفاقم الوضع ويعجل باندثار شاطئ السعيدية هو ما يتعرض له من نهب مستمر لكميات هائلة من الرمل من طرف شركات معروفة، تستعمله لأغراض أوراش البناء، وكذا لتسوية الأردمة الناتجة عن مشاريعها العقارية والسياحية بالمنطقة.
ارتفاع الطلب على الرمل يزيد الضغط على الشواطئ بسبب الفورة العقارية وحاجات الأوراش الكبرى عرف المغرب خلال العقود الأخيرة انطلاق مشاريع عمرانية كبرى وأوراشا للبنى التحتية تؤدي ثمنها بيئته البرية والبحرية غاليا. فقد أنشئت مدن جديدة وطرق سيارة وموانئ وسدود، وغيرها مما يتطلب كميات عملاقة من الرمل. وطبعا فإن المصدر الأساس والسهل الذي يلجأ إليه دائما لتلبية تلك الحاجات، هو شريط الكثبان الساحلية الذي يعاني من ضغط هائل ينذر باستنزافه. يدخل الرمل في صناعة الزجاج والخمر ومعجون الأسنان ومسحوق الغسيل والورق والعجلات والرقائق الإلكترونية، كما يدخل بشكل أو بآخر في طيف واسع من الصناعات والأغراض الأخرى. ولذلك يكثر الإقبال على تصديره باعتباره مادة أولية. لكن قطاع البناء والأشغال العمومية هو أكبر ملتهم لهذه المادة في العالم، حيث يدخل الرمل بنسبة الثلثين في صناعة الخرسانة. ولذلك يعتبر الرمل أحد أكثر الموارد الطبيعية استعمالا على وجه الأرض، إذ يبلغ رقم معاملات سوقه في العالم نحو 70 مليار دولار سنويا. أما في المغرب فإن الغالبية الساحقة من الرمل تستخدم في البناء والأشغال العمومية، حيث يستعمل الرمل المستخرج من الشواطئ مباشرة لإنتاج الخرسانة والبناء أو للردم أو لصنع الطوب الإسمنتي، من دون أن يغسل بالماء العذب. وبرأي خبراء فإن ذلك يعرض كل المنشئات التي استعمل فيها ذلك الرمل المحمل بالملوحة لمخاطر، لأن هذه الأخيرة تعمل على تآكل الحديد وتدمير الخرسانة على الأمد الطويل. لكن لا يبدو هذا الأمر شاغلا حاليا لبال مستعملي الرمل والسلطات العمومية على السواء، بل تبدو الأولوية في توفير الرمل بأي شكل كان. طلب متزايد على الرمل تشير أرقام وزارة التجهيز إلى أن مصادر السوق المغربي إلى الرمل هي كالتالي: بنسبة تتجاوز 55% يتكون من رمل الكثبان الساحلية ويأتي من «القطاع غير المهيكل»، وبنسبة تقارب 16% يأتي من الوديان، وبنسبة تقارب 15% من رمل الكثبان الساحلية ومصدره المقالع المرخصة، وبنسبة 7.25 % من رمل الحجر المطحون، وأخيرا بنسبة 7.25 % يأتي من التجريف. ومعنى ذلك أن الرمل المسروق ما يزال يهيمن على السوق في المغرب. وقد نتج عن ذلك ظهور مافيا حقيقية متشعبة الأرجل والأذرع، جعلت من الكثبان الرملية العذراء مقالع مستباحة تغرف منها الرمل بلا حساب، أحيانا بالنهار إذا وجدت الحماية، وغالبا بالليل وخلال العطل. وبسبب جرائمها تعرضت الكثير من الشواطئ الجميلة إلى تشوهات جمالية غير قابلة للإصلاح، منها شاطئ زناتة قرب الدارالبيضاء، وشاطئ الوليدية، وشواطئ بإقليمالعرائش. وللأسف، فإن المستغلين من أصحاب المقالع وكذا مافيا الرمل آخذون في تدمير الكثبان الساحلية التي تعتبر خزانا احتياطيا حيويا ضمن ديناميكية البحر، بسبب كثرة الرمال وقربها من الطرق والمسالك. وتشير تقديرات وزارة التجهيز بهذا الصدد إلى أن زهاء 80 % من الرمل المستعمل في المغرب مصدره تلك الكثبان. وبالنظر إلى تنامي الحاجة إلى الرمل سواء لبناء مساكن اجتماعية أو لتشييد مدن جديدة أو لإقامة بنى تحتية كبرى ضمن برنامج الأوراش الكبرى، فإن المؤشرات لا تبدو في صالح تراجع قريب لواقع الاستنزاف المفرط القائم؛ حيث تفيد توقعات مهنيي الرمل بأن الطلب على الرمل لم يتوقف عن الارتفاع منذ سبعينيات القرن الماضي. وخلال السنوات الأخيرة بلغت الزيادة في الطلب سنويا نسبة 4 %، بحيث انتقل من 11 مليون متر مكعب في 2009 إلى 30 مليون متر مكعب (45 مليون طن) برسم السنة الحالية. ولا يبدو أنها ستتوقف في القادم من الأيام، إذ تتوقع جمعية مهنيي الرمل أن يرتفع الطلب إلى 60 مليون طن في أفق سنة 2020. الضغط على الشواطئ يدمرها منذ سنوات، يشتغل باحثون أمريكيون وناشطون من حماة البيئة ضمن برنامج يروم متابعة أحوال الشواطئ العالمية، ويتوخى توفير قاعدة بيانات حولها. وفي هذا الإطار، سبق أن زار المغرب فريق من أربعة علماء تابعين لجامعة غرب كارولينا، في صيف العام 2007، وبعد أن جالوا في عدد المقالع نشروا دراسة يدقون فيها نواقيس الخطر من الحالة المتدهورة التي بلغتها شواطئ إقليمطنجة – أصيلا. ويخلص الخبراء من دراستهم إلى أن وتيرة استنزاف الرمل التي كانوا شهودا عليها في المغرب هي الأسرع في العالم. ويشيرون إلى أن الشواطئ القريبة من أهم المدن الساحلية بالمنطقة جرى إفراغها من رملها تماما، بحيث أخذ مكانها ساحل صخري أشبه بسطح القمر، ويصعب على السياح التمدد عليه أو حتى المشي فوقه. ويكشفون بأن ذلك الاستنزاف للرمل نتج عنه تدمير النظام البيئي البحري، ووضع المناطق الرطبة [المحمية بموجب اتفاقيات دولية] القريبة في خطر. كما أن مسح الكثبان الرملية الكبيرة من على وجه الأرض في مقاطع واسعة من الساحل، وضع التجهيزات الساحلية المشيدة موضع هشاشة، في مواجهة مخاطر العواصف وارتفاع مستوى البحر. ويحتمل برأيهم تبعا لذلك، أن يلحق ذلك بقطاع السياحة أضرارا كارثية في المستقبل. وأضافت الدراسة قائلة إن على المغرب أن يضع حدا للاستنزاف الحالي للرمل ويبحث له عن بدائل رسوبية أخرى، من أجل مستقبل أجياله. ويضيف معدو الدراسة بأنهم يعتقدون بأن أولئك الذين يستخرجون الرمل بذلك الشكل المدمر، لا يتصورون بأنهم يلحقون سوءا كبيرا بالبيئة البحرية ما دامت الكثبان كبيرة ورملها هائل. لكنهم مخطئون للأسف. وبعد أن شرحوا بالتفصيل حجم وطبيعة الأضرار البليغة على كامل دورة الحياة البرية الهشة المرتبطة برمل الشواطئ وبالكثبان وكذا المناطق الرطبة، توقع الخبراء الأمريكيون أن يتواصل استنزاف رمل الشواطئ المغربية لعقود أخرى قادمة؛ بحيث عندما ينتهي المستغلون من استخراج كامل رمل الكثبان الضخمة ينتقلون إلى الشواطئ المتصلة بها ليستنزفوها بدورها عن آخرها. وأعطوا المثال بحال شاطئ (هوارة) الذي استنزف رمله بالكامل، بحيث لم يتبق فيه سوى الحصى. ويشير العلماء إلى أن الشواطئ لن تسترجع كسوتها الرملية أبدا لأنه جرى تدمير الكثبان أيضا، فهذه الأخيرة هي التي تمثل احتياطيا من الرمل للشواطئ. وبضياعها صار محكوما على تلك الشواطئ بأن تبقى عارية للأبد. وقد أكدت الوقائع على مدى السنوات الثماني التي تفصلنا عن تاريخ إنجاز الدراسة، صواب كثير من توقعات أولئك الباحثين الأمريكيين.
البدائل الممكنة عن رمل الشواطئ والوديان أي بديل يمكن اللجوء إليه، في حال منع المغرب استغلال رمل الشواطئ والكثبان غدا؟ يرد بعض المهنيين بأن حاجات المغرب المتزايدة من الرمل يمكن تلبيتها على مدى ال 100 عام القادمة، من خلال اعتماد مصدرين بديلين: الرمل الصخري المطحون، ورمل التجريف.. من أجل إدراك صعوبة إيجاد بدائل تعوض رمل البحر والوديان، لا بد من فهم طريقة تشكل الرمل أولا. إن 90 % من هذا الرمل تأتي من الجبال ومن ضفاف الوديان، حيث يدمر البرَد (التبروري) والثلج والمطر والجليد والشمس الصخور، وتنحتها شيئا فشيئا إلى أن تصبح رملا على الشكل الذي نعرفه عليه. ثم تحمله الوديان والأنهار بعد ذلك إلى البحر. لكن بين اللحظة التي تشرع فيها الصخرة في التفتت في أعالي الجبال، والمدة التي تستغرقها في التحول، ثم أخذ طريقها والوصول إلى الشاطئ، يستغرق الوقت بضعة آلاف وربما ملايين السنوات. ويشير باحثون غربيون إلى أن من العوائق الكبرى التي تمنع تجديد المخزون الرملي في البحار، كثرة السدود المشيدة على مجاري الأنهار في كل بلدان العالم. وينتج عن ذلك احتباس كميات خرافية من الرمل تبقى أسيرة في قعر السدود، بحيث لم يعد يصل منها شيء إلى البحار منذ عقود. ولأخذ فكرة عن الحجم الذي تحبسه السدود، نذكر بأنه يوجد اليوم نحو 50000 سد كبير في العالم، بينها مئات السدود العملاقة ! ويتشكل الرمل بنسبة 10 % المتبقية من تفتت بقايا المحارات والصخور البحرية. وهكذا فإن الرمل الذي يستغله البشر منذ قرن في البناء قد استغرق دهرا لكي يصل إلينا في شكله الحالي. وإذا ما انقرض الرمل غدا من الأرض، فربما لن يراه البشر بعد ذلك أبدا. وبالعودة إلى واقع قطاع الرمل بالمغرب، فقد دفع الطلب المتزايد عليه لاستعماله في أشغال البناء، وخصوصا في شمال المغرب، إلى البحث عن مصادر بديلة تكون متوفرة بالقدر المطلوب، وأكثر احتراما للبيئة. فشرع في استغلال رمل الحجر المطحون، ثم من بعده رمل التجريف. بالنسبة إلى رمل التجريف تفيد دراسات أجرتها الوزارة الوصية إلى وجود احتياطيات رسوبية بالواجهتين الأطلسية والمتوسطية بمليارات الأمتار المكعبة. أما بالنسبة إلى رمل الحجر المطحون، فتشير دراسة أخرى للوزارة نفسها إلى توفر احتياطي يكفي لإنتاج 250 مليون متر مكعب منه. رمل الصحارى لا ينفع لكن تلك البدائل تتطلب لاستغلالها توفر استثمارات ضخمة، للتجهيز بآليات لطحن الصخور وغربلتها، وتجهيزات لشفط الأعماق. كما أن الاستثمار فيها يشترط أن تبدأ الدولة بالقضاء على النهب الذي تتعرض له الشواطئ، حتى يقبل المستهلكون على البدائل. وفوق ذلك، يرى بعض المهنيين بأن كميات الاحتياطيات من رمل التجريف وكذا الرمل المطحون قد تنفع في تخفيف الضغط على رمل الشواطئ، لكنها لن تكون كافية لتشكل بديلا كافيا ودائما عنه. وفي سياق البدائل الممكنة دائما، يثير كثيرون السؤال حول إمكانية اللجوء إلى رمل الصحارى المتوفر بكميات لا نهائية. لكن برأي بعض مهنيي الرمل، لا يمكن لرمل الصحراء أن يشكل بديلا عن رمل البحر. والسبب في ذلك يعود برأيهم إلى بعد المسافة بين المناطق شديدة الاستهلاك للرمل والصحارى، والتي تقدر برأيهم بما بين 1500 و2000 كيلومتر. وبالتالي سوف ترتفع التكلفة بسبب مصاريف النقل، ويصبح سعر بيع الرمل باهظا وبعيدا عن متناول المستهلك. ولذلك فالخيار غير عملي. لكن بعد المسافة ليس المعوق الوحيد، فقد أشارت دراسات مرجعية عالمية إلى أن رمل الصحارى لا يصلح فنيا ليقوم مقام الرمل البحري ورمل الوديان. فرمل الصحراء من حيث تركيبته المورفولوجية أقرب إلى التراب، وحباته المستديرة ملساء تشبه شكل الأرز، ولا تصلح بالنتيجة للاستعمال في أشغال البناء والترصيف والردم، لأنها لا تتكتل مع بعضها، على العكس من الرمل البحري ورمل الوديان المشكل من حبيبات مسننة الجوانب، الشيء الذي يسمح لها بتشكيل خرسانة صلبة وردم متينة تدوم طويلا. بدائل بيئية أخرى وفي سياق البدائل الأخرى المحتملة لرمل الشواطئ والوديان، شرعت بعض البلدان في استغلال مخلفات البناء والبنايات والطرق المحطمة من خلال إعادة تدويرها واستعمالها في أشغال الردم. وتستغل كذلك الزجاج المكسر بعد طحنه، لاستعماله في إعداد الخرسانة أو لردم الطرق قبل تزفيتها. ومن البدائل الأخرى أيضا، حرق النفايات المنزلية واستعمال رمادها. على أن ثمة مثالا مدهشا وغير متوقع تبنته الطوغو، وهي دولة إفريقية فقيرة يزيد شريطها الساحلي قليلا على 50 كيلومترا فقط. فقد منعت تماما مواطنيها من استخراج الرمل من البحر قبل 4 سنوات، وفرضت عليهم بدل ذلك تبني حل محلي يحترم البيئة، ويتمثل في البناء باستعمال نوع من التربة التي لا تختلف خصائصها الفنية كثيرا عن الرمل البحري.
وزارة التجهيز «تراقب» النهب منذ سنوات ! صدق أو لا تصدق.. من أجل تقييم وضعية الساحل المغربي، لم يعد الأمر يتطلب النزول إلى الشواطئ، بل أصبح ممكنا الاستعانة بصور الأقمار الاصطناعية. ومن خلال الوثائق والصور الفضائية التي قدمتها مصالح وزارة التجهيز في أشغال المناظرة الدولية للتجريف، التي انعقدت شهر أبريل المنصرم، يبدو واضحا أن مصالح الوزارة تراقب الوضع عن كثب على الأقل منذ العام 2010.. حتى أن المصادر ذاتها تبدو واثقة وهي تقدر حجم النهب الذي تعرضت له الشواطئ المغربية خلال عام واحد (الفترة بين شهر نوفمبر 2009 وسبتمبر 2011) بدقة فائقة: 2 622 136 متر مكعب من الرمل ! الرقم ─ رغم دقته العجيبة ─ يبقى بعيدا كلية عن الحقيقة، برأي الخبراء والمهنيين، إذ تذهب تقديرات بعض المهنيين إلى أن الرمل المسروق من الكثبان الشاطئية في حدود 20 مليون متر مكعب سنويا. لكن تقديرات الوزارة لما تسميه «القطاع غير المهيكل»وتعني به الرمل المسروق، قد تفيد مع ذلك في رسم خريطة لأخطر بؤر السرقة عبر السواحل المغربية. يشير ترتيب الوزارة إلى أن العرائش تبوأت خلال الفترة المذكورة قمة الأقاليم في مجال سرقة الرمل، تليها في رتبة بعيدة نسبيا طنجة – أصيلا، ثم القنيطرة، فأسفي، وبعده سطات – الجديدة، ثم إقليم النواصر، فتطوان أخيرا. لم تشر معطيات الوزارة لا من بعيد ولا من قريب إلى نهب الرمل في شرق المتوسط المغربي، حيث بحت أصوات المجتمع المدني في أقاليم بركان (السعيدية)، والحسيمة، والناظور لهول النهب القائم هناك على قدم وساق. ومن ضمن الصور الفضائية التي عرضها ممثلو الوزارة في الندوة المذكورة، واحدة تمثل شاطئ (اولاد صخار) بإقليمالعرائش وتبرزه عاريا إلا من رقعة محدودة من الرمل وسط الصخور. بيد أن السؤال المحير الذي يطرحه الموقف هنا على كل لبيب، هو: ما الفائدة من وراء مراقبة فضائية تستمر سنوات ووضع جداول وإحصائيات، إذ لم تشفع الوزارة الوصية ذلك بالتدخل الحازم لوقف النهب والتدمير؟
التجريف.. البديل «البيئي» الذي يدمر الأعماق ! يقصد بالتجريف عملية الحفر التي تتم تحت الماء في المناطق الضحلة من البحر، من أجل تجميع الطمي المترسب في العمق والتخلص منه بعيدا. والهدف منها هو تيسير الملاحة للسفن ومنع ارتطام قاعها بقعر المسطح المائي، الذي يكون غالبا إما حوضا مينائيا أو مصبا نهريا. على الأقل هذا هو المتعارف عليه عالميا. أما المغرب فهو البلد الوحيد الذي يجرف أعماقه البحرية من أجل توفير رمل بديل لرمل الشواطئ، ما ينتج عنه، برأي الخبراء، تدمير خطير للبيئة البحرية. لنتابع. لقد ارتبطت عمليات التجريف بتخليص الأعماق البحرية من الترسبات التي تتجمع فيها، سيما بالنسبة إلى الموانئ التي تتراكم في أعماقها طبقات من الرمل تتسبب في انخفاض عمق المياه، بحيث ينتهي الأمر إلى عرقلة الملاحة بالنسبة إلى السفن. وقد انطلقت أولى عمليات التجريف لشفط رمال الأعماق البحرية بالمغرب في العام 1997 على نطاق جد محدود في البداية، لتبلغ أشدها خلال العام الحالي حيث منح امتياز تجريف الموانئ البحرية المغربية لشركة درابور، ضمن صفقة كبرى تستمر ثلاث سنوات وتتم على ثلاث مراحل. عمليا، يتم الحصول على رمل التجريف حاليا من خلال منصات تابعة للشركة المتخصصة في أشغال التجريف نفسها، وهي عاملة في خمسة مواقع ميدانية تنتشر بخمس مناطق هي: العرائش والمهدية وأزمور، وذلك بموجب خمسة تراخيص صادرة عن مصالح وزارة التجهيز. وبحسب أرقام الوزارة الوصية فإن حجم الرمل المستخرج من المواقع الخمسة والذي جرى تسويقه بلغ 1.764.253 متر مكعب برسم العام 2012، و1.663.149 برسم 2013، و1.018.825 برسم 2014، ما يعني أن الحجم المصرح به لا يلبي سوى حصة صغيرة فقط من حاجيات المغرب (5 % من سوق الرمل)، التي تقدرها مصادر جمعية مهنيي الرمل بزهاء 30 مليون متر مكعب. رمل الأعماق «الأخضر» تبدو مصالح وزارة التجهيز متحمسة جدا لخيار استغلال رمل التجريف بديلا عن رمل الشواطئ. وفي سياق ذلك كشفت دراسة قامت بها الوزارة في 2008، وهمت تقدير الاحتياطيات الرملية القابلة للتجريف على الواجهة المتوسطية، عن وجود 4 حقول محتملة. كما اتضح من دراسة أخرى أنجزتها في العام 2009 وجود 11 موقعا آخر قابلا للاستغلال بالتجريف على الواجهة الأطلسية. وقدرت الدراستان معا مساحة المناجم الرملية التحت – بحرية تلك ب1000 كيلومتر مربع، على عمق 10 أمتار. وهو ما يحتمل معه توفر احتياطيات بمليارات الأمتار المكعبة من الرمل. وتسوق كل من الوزارة والمهنيين رملَ التجريف باعتباره بديلا «أخضر»، بمعنى أنه يحترم شروط المحافظة على البيئة، حيث يخضع للتحاليل المخبرية ويباع بأسعار تنافسية، وفق ما هو معلن. ويبدو ذلك الموقف منسجما فعلا مع آراء باحثين أمريكيين من جامعة غرب كارولينا (نعرض لدراستهم في مكان آخر من هذا الملف)، إذ يقترحون التجريف ضمن البدائل القليلة المتوفرة أمام المغرب. لكن التجريف قد لا يكون بالسلامة البيئية التي يجري تسويقه بها. فقد تعالت في مواقع عملياته اتهامات بين الصيادين تفيد بتراجع أنواع بعينها من الأسماك والقشريات، وكذا حصول تراجع عام للمخزون السمكي في السنين الأخيرة. ويقول ناشطون مدافعون عن البيئة بأن منصات التجريف تفتح مقالع ضخمة تحت البحر عكس المقالع المفتوحة على السماء التي يمكن رؤيتها. فلا أحد يعلم ما يجري على وجه الدقة في الأعماق المجروفة، بما في ذلك سلطات الولاية التي من واجبها متابعة الوضع. وبصدد انعكاسات التجريف المضرة بالبيئة، سبق أن أعلنت قبل سنوات النتائج المقلقة لدراسة علمية كان مجالها الميداني هو منطقة المهدية، التي تشتمل على منظومة بيئية معقدة تتشكل من ميناء نهري يقع على مصب سبو، وشواطئ رملية شاسعة. حالة المهدية نموذجا تعتبر منصة التجريف بالمهدية واحدة من أهم المنصات التي يجري من خلالها شفط رمال الأعماق بالمغرب. ورغم أن المهنيين يصرحون بأن منصات الاستغلال التابعة لهم تتوفر على خطة لمراقبة تأثير التجريف على البيئة، إلا أن الخبراء يشككون في ذلك. وهكذا وبسبب غياب الشفافية، لا تتوفر معلومات كثيرة حول أشغال التجريف التي تجري بعيدا عن الأنظار وتحت الماء. والمعطيات الشحيحة المتوفرة هي تلك التي رشحت من دراسة، قام بها باحثون تابعون لكليتي علوم القنيطرةوالرباط قبل سنوات قليلة. فقد كشف مسح شامل قام به أولئك الباحثون المغاربة حول أثر التجريف على البيئة بمنطقة المهدية القريبة من القنيطرة في 2011، بأن «استخراج الرمل من منطقة المهدية ينتج عنه انجراف (تراجع) الشاطئ ب 4 أمتار كل عام». وأوضح المسح العلمي نفسه بأنه «رغم كون استغلال رمل الكثبان الرملية له يد في حصول هذا التراجع الذي يسجله الشاطئ، إلا أن السبب يعود بالأساس إلى أشغال التجريف القائمة منذ ثلاثة عقود على الأقل». وحذر الخبراء مما اعتبروها كارثة توشك أن تقع بسبب أشغال تجريف الأعماق. ففي وقت تدعي الوزارة الوصية وشركة جرف الرمل بأن عملية التجريف تحترم البيئة، إلا أن الانعكاسات الوخيمة للشفط المتواصل للأعماق بدأت تكشف عن أولى نتائجها السلبية منذ سنوات. فالمعروف أن الطبيعة تخلق آليات لحمايتها الذاتية يؤكد الخبراء ومنها أنها تسجن النفايات السامة التي تلقى في البحر وتحفظها في الأعماق على شكل رواسب. ولذلك من المحتمل جدا أن تعمل عمليات التجريف على تحرير تلك السموم، فتنتشر في ماء البحر. والدليل على ذلك ما أشارت إليه دراسات أجريت على بلح البحر [بوزروك]، إذ أكدت بأنه محمل بنسب هامة من العناصر السامة تتجاوز ما تسمح به المعايير الأوربية للسلامة. وقد أصبحت هذه الفاكهة البحرية المستخرجة من منطقة المهدية بالتالي مضرة بمستهلكيها؛ علما أنها كانت من قبل معروفة بجودتها وسلامتها. ويضيف الخبراء في مسحهم الشامل للبيئة البحرية للمهدية، بأن أعماق المنطقة معروفة بإيوائها لمناطق تبيض فيها كثير من الأحياء البحرية. وعندما تجرف تلك الرسوبيات البحرية ضمن عمليات التجريف القائمة، فإنها سوف تجرف مع الرمل بشكل مباشر البيض والأحياء الدقيقة، ما يتوقع أن ينتج عنه تخريب للثروة السمكية. إن عملية التجريف يضيف الخبراء ترفع حرارة مياه البحر، وفوق ذلك تعكر صفاءها نتيجة لاختلاطها بالرواسب. وعندما تعود تلك الرواسب للاستقرار في الأعماق فإنها تطمر تحتها نظاما بيئيا كاملا من النبات والحيوان البحري. يذكر أن منطقة المهدية القريبة من القنيطرة تعرف استغلالا مكثفا منذ سنوات بعيدة لكل من الرمل الشاطئي، وكذا الرمل التحت – مائي الذي تستخرجه شركة متخصصة من أعماق مصب نهر سبو. ويحتل حقل الجرف بالمهدية مساحة 6 كيلومترات مربعة، يتم في داخلها شفط الرمل على أعماق تراوح بين 6 و20 مترا تحت السطح.
فوضى المقالع .. نهب للرمل وخسائر ضريبية بالمليارات تشتت المسؤولية وغياب المراقبة يسهل عمل المافيات يتضح من خلال الجرد الوطني للمقالع الذي أجرته وزارة التجهيزبأن ثلث المستغلين للمقالع هم أشخاص ذاتيون، لا معنويون. ومعنى ذلك بالواضح أن الأمر يتعلق بضباط كبار وبرلمانيين ومسؤولين سابقين وغيرهم. وبشكل أوضح الأمر يتعلق بامتيازات الريع التي لم تنته بعد رغم، صدور قوائم المستفيدين منها. ويعيق هذا الواقع جهود المراقبة، سيما متى أضفنا إلية عوامل ذاتية وموضوعية أخرى.. من غرائب الواقع المغربي أن القطاعات الحكومية الوصية على رمال المغرب، والتي تحاول إصلاح قطاع المقالع، وفي مقدمتها وزارة التجهيز، لا تتوفر على معطيات دقيقة مدعمة بالأرقام حول حجم الاستغلال الحقيقي، وكذا كمية المخزون المفترض من الرمل. ولذلك فإن آخر المعلومات المتوفرة هي تلك التي حملتها عملية الجرد الوطني للمقالع، وهي العملية التي سبق أن قامت بها وزارة التجهيز خلال سنتي 2012 و2013. وهكذا ووفق الأرقام الرسمية المتوفرة، فقد بلغ عدد المقالع المرخصة 345 مقلعا للرمل، بينما يقدر بعض المهنيين عدد المقالع «السرية» بنحو 330 مقلعا «غير مهيكل»، وتنتشر هذه المقالع في خمس مناطق هي: أسفي، وأكادير، والجديدة، وطنجةوالقنيطرة، بحيث تلبي لوحدها ثلثي الحاجة الوطنية إلى الرمل. تعدد جهات الوصاية من أبرز المعوقات الأخرى التي تعيق القيام بمراقبة فعالة للمقالع المرخصة، نذكر تعدد الأطراف الموكول إليها قانونا الإشراف على الرمل. فالمجال البحري باعتباره ملكا عموميا يقع تحت وصاية وزارة التجهيز، بينما تحسب الكثبان الرملية على الملك الغابوي الذي تقع مسؤولية الحفاظ عليه على إدارة المياه والغابات. وتشرف الداخلية من جانبها على الرمل من خلال اللجان الإقليمية للمقالع في كل العمالات المعنية بالموضوع. ويصب تشتت المسؤولية بين عدة قطاعات في صالح المستفيدين من المراقبة، كما يسهل مهمة خلق تواطؤات محلية بالنسبة لأصحاب القطاع «غير المهيكل». وبسبب تعدد جهات الوصاية كذلك لا يندر أن تنتج عن تداخل السلطات نزاعات بين القطاعات الوصية، سواء إقليميا أو مركزيا، وإن كان بعضها يصب أحيانا في صالح الدفاع عن البيئة في بعض الأحيان. وفي هذا الصدد، سبق أن نشرت «المساء» قبل سنة تقريبا مقالا يكشف عن حصول نزاع بين كل من وزير التجهيز ووزير الفلاحة والصيد، بسبب رغبة الأول في منح تراخيص امتيازات جديدة لاستغلال الرمل البحري، واعتراض الثاني لما يمثله ذلك من استنزاف يهدد بكارثة بيئية وشيكة. وأوضح المقال بأنه في أعقاب إعلان وزير التجهيز عن طلب عروض دولي لمنح تراخيص جديدة للتجريف في عدد من المواقع البحرية، انتفض وزير الفلاحة والصيد البحري وكاتب زميله محذرا من «كارثة حقيقة تحيط بالمغرب وتهدد الأمن الغذائي لملايين المغاربة». وأضافت «المساء» بأن وزير الفلاحة ذكر زميله بما سبق أن أعلن عنه المعهد الوطني للأبحاث السمكية من كون « تجريف الرمل البحري تنتج عنه أضرار هائلة للبيئة والحياة البحرية، من خلال تدمير التوازنات البيئية الضرورية لتكاثر السمك». ضرائب ضائعة بالملايير لقد سبق لوزير التجهيز عزيز رباح أن اشتكى في 2013 من عدم التزام أصحاب المقالع بتأدية الضرائب والرسوم الواجبة عليهم، حيث ينتج عن تملصهم ضياع ما يقرب من 3 مليارات درهم على خزينة الدولة. كما كشف الوزير عن أن نصف المستفيدين من المقالع لا يصرحون بأرقام معاملاتهم. ما يعني أن قطاع المقالع أبعد ما يكون عن الشفافية. وهكذا فإن الكميات المصرح بها تبقى بعيدة عن الحقيقة، إذ رسميا لا يتجاوز المصرح به من الرمل المستخرج مجموع 8،5 مليون متر مكعب سنويا، تتوزع على الشكل التالي: 3،5 مليون متر مكعب من المقالع البحرية، ومثلها من رمل الوديان، و1،5 مليون متر مكعب من رمل التجريف. وبينما قدر وزير التجهيز في تصريح سابق حجم المستحقات المالية الضائعة ب 2 مليار درهم، فإن المجلس الاقتصادي والاجتماعي والبيئي من جهته يقدر حجم الضرائب التي تخسرها الخزينة، جراء سرقات الرمال بما يناهز 5 مليارات درهم سنويا. لكن مصادر جامعية أمريكية مطلعة تقدرها بأكثر من ذلك بكثير، وفي حدود 1،1 مليار دولار سنويا (أكثر من 10 ملايير درهم). شرطة خاصة بمقالع الرمل في خضم ذلك، حملت الأخبار أخيرا نبئا يبعث على بعض التفاؤل. فقد نشرت «المساء» قبل نحو أسبوعين خبرا عن قرب انطلاق «عمل شرطة خاصة لمراقبة مافيا مقالع الرمل والوقوف على اختلالات في القطاع، حيث أشار تقرير خاص رفع إلى رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران، إلى وقوف مافيا على نهب رمال الكثبان الساحلية والرمال الشاطئية وعدم نجاعة المراقبة، ما ينتج عنه انعكاسات سلبية على البنيات التحتية والعائدات المالية والبيئة الطبيعية.» وجاء في تفاصيل الخبر أن يرتقب قريبا إحداث شرطة خاصة بالمقالع، تتكون من أعوان تنتدبهم الإدارة، إضافة إلى ضباط وأعوان بالشرطة القضائية، ومن المنتظر أن يرتدي الأعوان ومحررو محاضر المخالفات زيا نظاميا، كما يسمح لهم بالولوج إلى مقالع ومواقع التجريف وأماكن تخزين ومعالجة المواد المستخرجة ومعاينتها. وتضيف الجريدة بأن أصحاب مقالع الرمال أصبحوا ملزمين بالتعامل مع الشرطة الجديدة، إذ يتوجب على المستغلين الإدلاء بجميع المعلومات والوثائق والبيانات المتعلقة بالمقلع. كما ستتم الاستعانة بمكاتب معتمدة من أجل المراقبة والتدقيق في كميات المواد المستخرجة من المقالع، بعد أن تبين أن شركات خاصة تستخرج ملايين الأطنان من المعدن النفيس خارج القانون. وضمن سياق الخبر، يذكر بأن القانون الجديد الخاص بالمقالع يقر اعتماد مجموعة من الآليات التي يوكل إليها مهام مراقبة قطاع مقالع الرمل، ومنها ضباط وأعوان الشرطة القضائية، والأعوان المحلفون التابعون لوزارة التجهيز، فضلا عن اللجان المحلية المكلفة بالزيارات الميدانية. فهل تشهد المرحلة القليلة القادمة فرض النظام على المقالع «المهيكلة» منها و»غير المهيكلة»؟