أشرنا إلى في مقال سابق إلى أن الله العزيز الحكيم شاء أن تكون الأرض وجهة الانسان ينزل إليها يعيش فيها حياته الأولى ويعبده فيها ، وهو بذلك سائح ما دام على الأرض ، يعمل فيها ويكد ويسافر على هدى من الله وبما سيأتي به رسله من رسالات ربه ، زاده في الأرض عمله وتقوى الله ، ثم يرجع من الأرض إلى خالقه وإلى عالم آخر وحياته الأبدية ليستقر فيها في المكان الذي كان يعمل من أجله ويسعى إليه في حياته الأولى[1] . وأشرنا إلى أن السياحة في الإسلام هي عبادة مستمرة على الأرض لا تنتهي إلا بالرحيل عنها ، وهي أسفار رحلات تهم جوانب روحية كأداء فريضة الحج وشعيرة العمرة، وتهم جوانب ثقافية كطلب العلم والتعلم وأخذ العبرة من بقايا بعض الأقوام ، وتهم جوانب اقتصادية كعمليات البيع والشراء، وجوانب اجتماعية كزيارة الأقارب والأصدقاء، وجوانب ترفيهية كالترويح عن النفس وزيارة الأماكن الطبيعية والتأمل فيها[2]. ولتسهيل مهمة الإنسان وحياته الدنيوية شاء الله سبحانه أن يجعل الأرض ذلولا لهذا الإنسان رغم ضعفه ويمكن له فيها ،(هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولا فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُوا مِن رِّزْقِهِ وَإِلَيْهِ النُّشُورُ)[3](وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)[4]. وجعل الله على هذه الأرض ما لا يحصى من النعم ليبتليه بها ( زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاء وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِندَهُ حُسْنُ الْمَآبِ ) [5] . وكان على الإنسان إن يسافر في الأرض ويتحرك فيها فجعل الله له فيها طرق وعلامات ليهتدي بها خلال سفره (وَجَعَلْنَا فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِهِمْ وَجَعَلْنَا فِيهَا فِجَاجًا سُبُلًا لَعَلَّهُمْ يَهْتَدُونَ)[6] ، (وَعَلامَاتٍ وَبِالنَّجْمِ هُمْ يَهْتَدُونَ)[7]. ويسر سبحانه السفر في الأرض ليلا ونهارا (أَلَمْ تَرَوْا كَيْفَ خَلَقَ اللَّهُ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ طِبَاقًا . وَجَعَلَ الْقَمَرَ فِيهِنَّ نُورًا وَجَعَلَ الشَّمْسَ سِرَاجًا)[8]،وكرم الله بني آدم ويسر لهم السفر في البر والبحر (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً) [9]، (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضَ وَأَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَأَخْرَجَ بِهِ مِنَ الثَّمَرَاتِ رِزْقًا لَّكُمْ وَسَخَّرَ لَكُمُ الْفُلْكَ لِتَجْرِيَ فِي الْبَحْرِ بِأَمْرِهِ وَسَخَّر لَكُمُ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ دَائِبَيْنَ وَسَخَّرَ لَكُمُ اللَّيْلَ وَالنَّهَار وَآتَاكُم مِّن كُلِّ مَا سَأَلْتُمُوهُ وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَتَ اللَّهِ لاَ تُحْصُوهَا تُحْصُوهَا إِنَّ الإِنسَانَ لَظَلُومٌ كَفَّارٌ)[10]. وجعل الله سبحانه على الأرض محطات جذابة تعجب الناس ، وتحتضن جميع أسباب إقامة البشر والتمتع بما فيها من نعم (إنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الْأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ) [11]، وما على الإنسان إلا أن يحسن العمل فيها ويتمتع بما فيها من خيرات ويشكر ربه(وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاء لِّلسَّائِلِينَ)[12] . وسخر سبحانه للإنسان وسائل السفر (وَالأَنْعَامَ خَلَقَهَا لَكُمْ فِيهَا دِفْءٌ وَمَنَافِعُ وَمِنْهَا تَأْكُلُون . وَلَكُمْ فِيهَا جَمَالٌ حِينَ تُرِيحُونَ وَحِينَ تَسْرَحُونَ. وَتَحْمِلُ أَثْقَالَكُمْ إِلَى بَلَدٍ لَّمْ تَكُونُواْ بَالِغِيهِ إِلاَّ بِشِقِّ الأَنفُسِ إِنَّ رَبَّكُمْ لَرَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[13]. واستطاع الإنسان، بفضل الله وهدايته له وتقدم العلم أن تتطور وسائل النقل شيئا فشيئا وتصبح بذلك أكثر سرعة وراحة وأمانا برا وبحرا وجوا (يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالإِنسِ إِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَن تَنفُذُوا مِنْ أَقْطَارِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ فَانفُذُوا لا تَنفُذُونَ إِلاَّ بِسُلْطَانٍ)[14]. وفي سورة أخرى نقرأ أيضا ( وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ)[15].ويقول كذلك( وَالْخَيْلَ وَالْبِغَالَ وَالْحَمِيرَ لِتَرْكَبُوهَا وَزِينَةً وَيَخْلُقُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ )[16]. فسر بعضهم آية (مَا لاَ تَعْلَمُونَ) في القرآن الكريم بوسائل المواصلات الحديثة كالقطارات والسيارات والسفن الطائرات،عبادة ربه مكن له فيها وجعل له فيها مختلف أسباب الحياة (وَلَقَدْ مَكَّنَّاكُمْ فِي الأَرْضِ وَجَعَلْنَا لَكُمْ فِيهَا مَعَايِشَ قَلِيلاً مَّا تَشْكُرُونَ)[17] (هُوَ الَّذِي يُسَيِّرُكُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ ..)[18] منأحكام القرآن في السفر (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ..)[19] لم تقتصر رحمة الله بعباده على التمكين لهم في الأرض وتسهيل الأسفار عليهم فيها بالفجاج والطرق والعلامات وبنور الشمس والقمر وبالاستعانة ببعض الأنعام والبهائم وبالمراكب في البر والبحر بل تعدى ذلك إلى التخفيف من القيام ببعض شرائع العبادات أثناء الأسفار فقد تضمن القرآن أحكام شرعية للعمل بها عند القيام بالأسفار؛ هذه الأحكام تهم مجالات الطهارة والصلاة والصوم والبيع والشراء والإرث، كل ذلك من أحل تيسير العمل بشرع الله وتشجيع الأسفار. بخصوص أحكام الطهارة نقرأ في كتاب الله (وَإِن كُنتُم مَّرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِّنكُم مِّنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاء فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا) [20]، وبخصوص فريضة الصلاة نقرأ ( وَإِذَا ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَقْصُرُواْ مِنَ الصَّلاَةِ)[21].وحول فريضة الصوم وجواز الإفطار أثناء السفر نقرأ ( شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ وَبَيِّنَاتٍ مِنَ الْهُدَى وَالْفُرْقَانِ فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ َمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ )[22]. وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم قولا وفعلا كيفية تقصير الصلاة والإفطار أثناء السفر قولا وفعلا . وأباح الله سبحانه عمليات البيع والشراء في السفر ( وَإِن كُنتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُواْ كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَّقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُم بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلاَ تَكْتُمُواْ الشَّهَادَةَ وَمَن يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[23].يرى بعض المفسرين في تفسير هذه الآية أنه " ما كان من بيع إلى أجل، فأمر الله عز وجل أنْ يكتب ويُشْهد عليه، وذلك في المُقام. فإن كان قوم على سفر تبايعوا إلى أجل فلم يجدوا (كاتبًا)، فرهان مقبوضة".ويرى آخرون" وإن كنتم، أيها المتداينون، في سفر بحيث لا تجدون كاتبًا يكتب لكم، ولم يكن لكم إلى اكتتاب كتاب الدين الذي تداينتموه إلى أجل مسمى بينكم الذي أمرتكم باكتتابه والإشهاد عليه سبيلٌ ، فارتهنوا بديونكم التي تداينتموها إلى الأجل المسمى رهونًا تقبضونها ممن تداينونه كذلك،ليكون ثقةً لكم بأموالكم" [24]. وهكذا نرى أن من تكريم الله عز وجل لعباده أن أسجد لأبيهم الملائكة وخلق لهم ما في الأرض جميعا ومكن لهم فيها وحملهم في البر والبحر وفي جو السماء ورزقهم من الطيبات وسخر لهم الشمس والقمر دائبين وخففعنهم الشرائع…. ( وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ 0للَّهِ لَا تُحْصُوهَآ ِإنَّ 0للَّهَ لَغَفُورٌ رَّحِيم)[25].آخر دعوانا أن بالحمد لله رب العالمين. إسماعيل عمران [email protected] [1]هل نجعل من السياحة عبادة ؟...https://tetouanplus.com/73349.html [2] نفس المصدر [3]سورة الملك 15 [4]سورة الأعراف10 [5] سورة آل عمران 14 [6] سورة الأنبياء 31 [7]سورة النحل 16 [8] سورة نوح 16 [9]سورة الإسراء70 [10]سورة إبراهيم 32 [11] سورة الكهف 7 [12] رسوة فصلت الآية 10 [13]سورة النحل 4/6 [14]سورة الرحمن 33 [15] سورة البقرة 282 [16]سورة النحل 8 [17] سورة الأعراف 10 [18] سورة يونس 19 [19] سورة الحج 78 [20] سورة النساء 43 [21]سورة النساء 101 [22]سورة البقرة 185 [23]سورة البقرة 282/283 [24]http://quran.ksu.edu.sa/tafseer/tabary/sura2-aya283.html [25] سورة النحل 18