سورة النحل من السور المكية التي تتناول مواضيع العقيدة وعلى رأسها الإيمان بالله واليوم الآخر والجنة والنار. ومن المواضيع ذات الصلة بالعقيدة حديث سورة النحل عن النعم التي أنعم الله بها على الإنسان. وقد تكرر الحديث عن النعم في هذه السورة بشكل كبير حتى لكأن سورة النحل ما جاءت إلا لتذكير الإنسان بنعم الله عليه وأمره بشكرها إن كان يعبد الله حقا. نعمة القرآن: وأول هذه النعم نعمة القرآن الذي هو أكبر من كل النعم المادية يقول الله تعالى (ينزل الملائكة بالروح من أمره على من يشاء من عباده أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون) الآية: 2 ويقول: (وقيل للذين اتقوا ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا) الآية .30 ويقول: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم ولعلهم يتفكرون): .44 ويقول: (وما أنزلنا عليك الكتاب إلا لتبين لهم الذي اختلفوا فيه وهدى ورحمة لقوم يومنون) .64 ويقول: (ونزلنا عليك الكتاب تبيانا لكل شيء وهدى ورحمة وبشرى للمسلمين): .89 ويقول: (قل نزله روح القدس من ربك بالحق ليثبت الذين آمنوا وهدى وبشرى للمسلمين) .102 ومن هذه النعم: نعمة وجود الإنسان: فلا يستطيع أحد غير الله أن يهب الوجود للإنسان فالإنسان وجد بنعمة من الله وفضل. يقول تعالى: (خلق الإنسان من نطفة فإذا هو خصيم مبين) .4 (أفمن يخلق كمن لا يخلق أفلا تذكرون) .17 (والذين تدعون من دون الله لا يخلقون شيئا وهم يخلقون) .20 ويقول: (والله خلقكم ثم يتوفاكم) .70 نعمة العقل والحواس: يقول الله تعالى: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) .78 نعمة الولد: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة) .71 نعمة السكن واللباس والأثاث: (والله جعل لكم من بيوتكم سكنا وجعل لكم من جلود الأنعام بيوتا تستخفونها يوم ظعنكم ويوم إقامتكم ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها أثاثا ومتاعا إلى حين): .80 نعمة الماء: يقول الله تعالى: (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم منه شراب ومنه شجر فيه تسيمون) .10 ويقول: (والله أنزل من السماء ماء فأحيا به الأرض بعد موتها إن في ذلك لآية لقوم يسمعون) .65 نعمة الألبان: (وإن لكم في الأنعام لعبرة نسقيكم مما في بطونه من بين فرث ودم لبنا خالصا سائغا للشاربين) .56 نعمة اللحوم: (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تاكلون) .5 نعمة الجمال: وهل خلق الجمال مقصود؟ نعم. يقول الله تعالى: (ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون) أي لكم جمال في رؤية الأنعام صباحا ومساء. ويقول: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة): .8 نعم الثمرات من زرع وزيتون وتمر وعنب ونحوها: يقول الله تعالى: (ينبت لكم به الزرع والزيتون والنخيل والأعناب ومن كل الثمرات إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون) .11 هذه الخيرات كلها تنبت بفضل الله وقدرته بالماء. ويقول: (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا إن في ذلك لآية لقوم يعقلون) .76 نعمة العسل: (وأوحى ربك إلى النحل أن اتخذي من الجبال بيوتا ومن الشجر ومما يعرشون ثم كلي من كل الثمرات فاسلكي سبل ربك ذللا يخرج من بطونها شراب مختلف ألوانه فيه شفاء للناس إن في ذلك لآية لقوم يتفكرون): 68 .69 نعمة وسائل النقل القديمة والمستحدثة: يقول الله تعالى: (والخيل والبغال والحمير لتركبوها وزينة ويخلق ما لا تعلمون): .8 وخلق ما لا تعلمون يتضمن إشارة إلى وسائل الركوب غير المعروفة زمن المخاطبين أول مرة بالقرآن، كما يتضمن قدرة الله تعالى على خلق كل شيء. فهو سبحانه لا يعجز عن خلق ما يشاء وكيف يشاد ومتى يشاء. نعمة البحر وخيراته: يوجد في البحر من عجائب المخلوقات ما لا يحيط بعلمه على الحقيقة إلا الله تعالى. كما أن الله هيأه بحيث يمكن للسفن أن تسير عليه ولو شاء الله لجعل السير عليه مستحيلا يقول الله تعالى: (وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) .14 سخر يعني ذلل وهيأ البحر للاستعمال البشري ولأكل ما فيه من اللحوم والتزين بما فيه من الحلي والتنقل عبر مياهه من مكان إلى آخر. نعمة استقرار الأرض وتهييئها للحياة: يقول الله تعالى: (وألقى في الأرض رواسي أن تميد بكم وأنهارا وسبلا لعلكم تهتدون) .15 من يمسك هذه الأرض التي نحيا عليها؛ هل هي مشدودة بالسلاسل والأوتاد إلى شيء أكبر منها؟ إنها بالنسبة إلى الكون عبارة عن نقطة صغيرة تسبح في فضاء الله الواسع. والذي يمسكها على الحقيقة هو الله تعالى كما ذكر في آيات أخرى وقد هيأ لها سبحانه الجبال لتحفظ توازنها حتى لا تتمايل يمينا أو شمالا. هذه بعض النعم التي تفضل الله بها على الإنسان كما جاءت في سورة النحل العظمى. والله تعالى أخبرنا أننا لا نستطيع حصر نعم الله علينا في عدد مضبوط، فتقول مثلا إن الله أنعم علي بمائة نعمة. وما ذلك إلا لأن نعم الله كثيرة جدا ولأن الإنسان يجهل نعم الله عليه، فكم من أمر تكرهه وهو في حقيقته نعمة جليلة قد لا تنكشف إلا مع مرور الزمن. والملفت في سورة النحل عند حديثها عن النعم هو كلمة لكم التي تكررت أكثر من مرة مثلا: {والأنعام خلقها لكم}. (هو الذي أنزل من السماء ماء لكم...) (ينبت لكم...) وما ذرأ لكم...) الخ. إنه التكريم الرباني لبني آدم فكل ما خلق الله في الأرض من النعم هو للإنسان. هذا المخلوق المفضل عند الله رب العالمين. ولكن لماذا تلفت سورة النحل انتباه الإنسان إلى نعم الله التي لا تحصى. إن ذكر النعم هو للتعريف بالمنعم بها، وهو الله سبحانه وتعالى. إنها كلها من الله الكريم. لو وقفت قليلا لتتأمل في نعم الله عليك وتذكر أنها منه سبحانه مباشرة إليك أنت أيها الإنسان، كلها منه تعالى إليك أنت هذا المخلوق الصغير: (وما بكم من نعمة فمن الله) .53 كل النعم بدون استثناء هي من الله تعالى. هي تستطيع أن تنسب نعمة ما إلى نفسك أو إلى أحد غير الله سبحانه وتعالى؟ فإن فعلت فإنك إذا من الظالمين. عاقبة من يجحد نعم الله عليه ولذلك شددت سورة النحل على الذين لا يعترفون بنعم الله، بل يقابلونها بالجحود والنكران، قال الله تعالى: (وما بكم من نعمة فمن الله ثم إذا مسكم الضر فإليه تجأرون ثم إذا كشف الضر عنكم إذا فريق منكم بربهم يشركون ليكفروا بما آتيناهم فتمتعوا فسوف تعلمون) 53 .55 هذا وصف لحال فريق من الناس لا يلجؤون إلى الله إلا وقت نزول المصائب. فإذا انقشعت الأزمة عادوا لكفرهم بالله. ثم أمهلهم يتمتعون بنعم الله إلى حين يأتي الانتقام الإلهي: (فتمتعوا فسوف تعلمون). وقال: (أفبنعمة الله يجحدون) .71 وقال: (أفبالباطل يومنون وبنعمة الله هم يكفرون): .72 وقال: (يعرفون نعمة الله ثم ينكرونها وأكثرهم الكافرون) .83 وقال: (وضرب الله مثلا قرية كانت آمنة مطمئنة ياتيها رزقها رغدا من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون) .112 هذا مثل لبلد كان سكانه آمنون مطمئنون بفضل الله عليهم حيث كانت تأتيهم الأرزاق من كل مكان وهو ما يسمى الآن بالازدهار الاقتصادي. وكان الأمن مستتبا لا حروب لا فتن لا قلاقل. ولكنهم لم يشكروا الله على نعمه بل عصوا ربهم ولم يعبدوه فكانت النتيجة أن سلبهم الله نعمة الأمن والرفاه وأصبحوا خائفين جائعين جزاء لكفرهم بالله. فجعلهم الله مثلا وعبرة لمن يأتي بعدهم من الناس. واجب المؤمن أمام النعم أولا: أن يذكر نعم الله عليه كما أمر الله في أكثر من آية فقال: (واذكروا نعمة الله عليكم) وأن ينسبها إلى المنعم بها سبحانه وتعالى، ويتعرف بها على عظمة الله الخالق سبحانه وعلى فضله وكرمه على عباده. ثانيا: أن يشكر الله على ما أولى من نعم لا تعد ولا تحصى، لأن الله تعالى أمرنا بشكر نعمه فقال: (فكلوا مما رزقكم الله حلالا طيبا واشكروا نعمة الله إن كنتم إياه تعبدون) .114 وقال: (وهو الذي سخر البحر لتاكلوا منه لحما طريا وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون) .14 ويقول: (والله أخرجكم من بطون أمهاتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع والأبصار والأفئدة لعلكم تشكرون) .78 والشكر يكون بالاعتراف بالفضل لصاحبه سبحانه وتعالى وأن كل النعم هي من الله تعالى ويكون ثانيا بتقوى الله. والتقوى هي الوقوف عند حدود الله وتنفيذ الأوامر الإلهية. قال الله تعالى: (أفغير الله تتقون؟ وما يكم من نعمة فمن الله) 52 .53 إبراهيم عليه السلام مثال للشاكرين واختتمت السورة بذكر مثل للإنسان الشاكر لله، وحثت النبي صلى الله عليه وسلم والأمة الإسلامية من ورائه إلى الاقتداء بهذا الإنسان الشاكر لأنعم الله وهو إبراهيم عليه السلام قال الله تعالى: (إن إبراهيم كان أمة قانتا لله حنيفا ولم يك من المشركين شاكرا لأنعمه، اجتباه وهداه إلى صراط مستقيم، وآتيناه في الدنيا حسنة، وإنه في الآخرة لمن الصالحين ثم أوحينا إليك أن اتبع ملة إبراهيم حنيفا وما كان من المشركين) 120 .123 وتمثل شكره عليه السلام في أنه كان خاضعا لله طائعا موحدا عابدا. وقد أشار القرآن إلى طرف من شكر إبراهيم عليه السلام لنعم الله عليه. قال الله تعالى على لسان إبراهيم: (الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق إن ربي لسميع الدعاء). فهل تذكر نعم الله عليك؟ فهلا شكرت المنعم سبحانه وتعالى؟ أم هل تراك في زمرة الغافلين؟ (فاللهم أعنا على ذكرك وشكرك وحسن عبادتك) آمين والحمد لله رب العالمين ذ. محمد المحفوظي