من أعظم المعجزات خلق الإنسان، وهو المكرم من الله بأن وهبه العقل والقدرة على التأمل والتدبر والتفكير والإبداع والتطور ... فجعله بذلك سيد المخلوقات، فسخرها له في حدود اجتهاداته .. بل له أن ينفذ من أقطار السماوات والأرض بسلطان العقل والعلم، حيث أوجد الله كل شيء ومكونات أي شيء في العالم المادي المرئي مباشرة أو بالتقدم التكنولوجي .... و سيّادة الإنسان على غيره من الموجودات في كوكبنا هذا، جعلته يكتسب الأفضلية التي تنجم عنها المسؤولية الكاملة عن الأفعال والأقوال وما يتبعها من مدح وذم وجزاء حسن وعقاب في هذه الدنيا وفي الأخرى .. فالخلق والإيجاد والتكريم والتفضيل مداخل للريادة والاستخلاف في الأرض بالإحسان مع كل الناس ومع كل المخلوقات و الطبيعة ... والإحسان لايكون إلا بالطرق المحمودة ولايصح ولايجوز أن يكون بآليات مشبوهة ومتحايلة لفائدة فئة دون أخرى أو لشعب دون آخر أو لمخلوقات دون غيرها ... ولهذا خصنا الله بالرسالات السماوية التي بلغها للرسل ليوصلوها للناس ... بنفس الروح التي نزلت بها من عند الله، أي الرحمة والإحسان والتكريم .. ذلك أن الإنسان اجتماعي ومدني بطبعه وفطرته، لأن استمراره ونجاحه وتطوره لايمكن أن يتحقق إلا مع غيره من الناس، وذلك شأن كل بني آدم ... قال تعالى : «هُوَ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الأَرْضِ وَاسْتَعْمَرَكُمْ فِيهَا - هود وقال:« وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي البَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلا » سورة الإسراء. وقال تعالى : « أَلَمْ تَرَوْا أن اللَّهَ سَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً » لقمان فتكريم الله للنفس الإنسانية ليس فيه أي استثناء بسبب اللون أو الجنس أو الدين، وهو يشمل برحمته المسلمين وغير المسلمين ويرزق الجميع ويسخر البعضهم للبعض في إطار التكامل والتعاون ... فقد يفضل غير المؤمن المسلم بالعلم والعمل الدنيوي الإنساني... ويفضل المسلم المسلم الآخر بالنية والعمل والعبادة الصادقين ... ومن مظاهر تكريم الإنسان تعليمه بكل وسائل التعلم، فلم يخص بها الله المسلمين دون غيرهم، بل هو كالهواء ملك للجميع يستطيع اكتساب أجزاء منه بقدر اهتمامه واجتهاده وإخلاصه وسعيه ... قال تعالى : «عَلَّمَ الإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ»العلق... ...وقال : «وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لا تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمْ السَّمْعَ وَالأَبْصَارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ»النحل ... ومن دلالات العدالة الإلهية أن الكل مخلوق من نفس واحدة، قال تعالى «يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ»النساء: ... وأنه أخرج من تلك الوحدة تنوعا وتعددا في الجنس واللغة واللون والثقافات والخصوصيات .. وخاطب الناس بلغاتهم عن طريق أنبياء اختارهم من مجتمعاتهم، قفال عز وجل: «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالِمين » سورة الروم . وقال « إِنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ . إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا. وَإِن مِّنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ ... » سورة فاطر وحتى عندما أرسل خاتم النبيئين سيدنا محمد (ص) عرف سبحانه وتعالى طبيعة الرسالة المحمدية وحقيقة الايمان فقال : «آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللهِ وَمَلاَئِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ» البقرة: ... وأسس على سنة الاختلاف والتنوع في الخلق عند الإنسان .. سننا أخرى بما يترتب على ذلك من معتقدات يتوصل إليها العقل البشري، تعلق الأمر بأمور الديانة أو مجالات الفهم والتعامل مع الواقع السياسي والاقتصادي والفكري المادي ...وميز الله بينهم عندما سيحشرون يوم القيامة بمقتضى حكمه وعدله بين المؤمن حقا من غيره ... فألزمنا باحترام معتقدات الآخرين والتواصل معهم والبر بهم والإحسان إليهم ... ونهانا أن يكره بعضنا الآخر على الإيمان بما لايؤمن به ..لأن الإيمان بالإكراه ليس إيمانا .. كما أن الكفر خوفا وتقية وبالإكراه لايعتبر كفرا حقا بمنطق السماء ومنطق الأرض..