أشرنا في مقال سابق[1] إلى أهمية السياحة الداخلية وعدد السياح والليالي التي يمضوها بمختلف الإقامات الإيوائية والدور المفروشة وأهمية نفقاتهم تستفيد منها الساكنة المحلية بالوجهات السياحية . وأشرنا إلى بعض معوقات نمو السياحة الداخلية كعدم إدراج الحكومات برامج تهم السياحة الداخلية ، وضعف شبكة السكك الحديدية والطريق السريع والوطنية والمطارات وعدم ربطها لمناطق البلاد خصوصا الداخلية والشرقية والشمالية ، وعدم ملاءمة المؤسسات الإيوائية المصنفة مع خيارات السائح المغربي وقدرته الشرائية. تجدر الإشارة إلى أن الدول المتقدمة سياحيا جعلت النهوض بالسياحة الداخلية من أولوياتها لما لها من فوائد كإعادة توزيع مصادر الثروة واستفادة المناطق الأقل حظا منها في المجال الصناعي والفلاحي زيادة على تمكين مواطنيها الاستمتاع بجمال بلادهم والتعرف على شواهدها الحضارية والثقافية وتقليص تدفقهم نحو وجهات سياحية خارجية لفائدة السياحة الوطنية . عملت حكومات بعض هذه الدول باستراتيجيات سياحية وأصدرت فرنسا مثلا عام 1987 قانونا حول تنمية السياحة الجهوية [2]، ونقرأ نظريات ودلائل عن كيفية إعداد استراتيجيات سياحية والعمل بها [3] . ويتم إعداد هذه الاستراتيجيات عبر مراحل تسبقها إجراءات تهم القيام باستطلاعات وحوارات ودراسات بيئية واقتصادية لتشخيص المعطيات السياحية للجهة، ثم تأتي مرحلة إعداد أوراق تقنية تشمل : موقع الجهة وطبيعتها الجغرافية ، وفضاءات مؤهلاتها الطبيعية ، وبنيات ووسائل الولوج إليها ، وشواهدها الحضارية والفنية والعروض الخدماتية و الإيوائية وقدرتها الاستيعابية ، والهيئات والجمعيات والعاملين في القطاع ، وتشمل أهمية الوافدين ومدة إقامتهم ورغباتهم وتغيرات الأسواق ، وتشمل أهمية الوجهات المنافسة الخ. وتشارك في إعداد هذه المرحلة مؤسسات إدارية جهوية ووطنية ومهنيون وأساتذة وصحافيون ومعنيون بالقطاع. تأتي بعد ذلك مرحلة استقراء وتحليل المعطيات والتعرف على جوانبها الإيجابية والهشة وتحديد الأهداف ومدة عمر الاستراتيجية ، ثم تأتي بعدها مرحلة صياغة الاستراتيجية وإجراءات تسويق المنتجات والإجراءات العملية ومسؤولية والتزام المعنيين بها ،كما يتم تحديد مواعيد اجتماعات السلطة السياحية المسؤولة عنها لتقييم ومراقبة تنفيذ الاستراتيجية وتعديلها إن اقتضى الأمر [4]. بالنسبة لبلادنا فخلال سنة 2001 بدأت العمل برؤية 2010 السياحية تضمنت ديناميات واستراتيجيات ( محاكاة لما تقوم به بعض الدول ) قام بإعدادها ثلة من أطر أصحاب الفنادق ثم قامت الفدرالية الوطنية للسياحة بتقديم الرؤية إلى الحكومة كمشروع للنهوض بقطاع السياحة فقامت الحكومة بالموافقة عليه والتزم به ممثلو الحكومة والفدرالية الوطنية للسياحة والقطاع الخاص ، ثم انطلق العمل به بموجب " الاتفاق التطبيقي للاتفاق الإطار" بأكدير خلال شهر أكتوبر 2001 [5] . توقعت هذه الرؤية تحويل المغرب إلى وجهة سياحية عالمية في أفق سنة 2010 وجلب 10 ملايين من السياح ، وبناء 80 ألف غرفة بالمؤسسات الإيوائية السياحية ، وإحداث ست محطات سياحية شاطئية تضم 65 ألف غرفة ( أضيفت إليها أربعة مشاريع محطات أخرى )، وتعزيز المحطات الشاطئية القديمة بطاقة إيوائية قدرها 45 ألف سرير ، ودعم منتوج السياحة الثقافية ب 30 ألف سرير، وإحداث 600 ألف منصب شغل جديد ، وجلب حوالي 500 مليار درهم من العملة الصعبة ، ومساهمة قطاع السياحة في الناتج الخام الداخلي PIB بنسبة 20 في المائة إلى 24 في المائة الخ.[6]. بالنسبة للسياحة الداخلية وكما أشرنا في مقال سابق[7] ، وعملا بالتعليمات الملكية بمناسبة تقديم هذه الرؤية ، أعلنت الحكومة أنها ستولي السياحة الداخلية الأهمية التي تستحقها وأعلنت عن مشاريع إحداث محطات السياحة الداخلية بمختلف جهات البلاد ولكن هذه المشاريع لم تر النور كما كان الأمر سابقا . كانت نتائج رؤية 2010 ضعيفة ، فإذا استثنينا 9 ملايين من الوافدين ( نصفهم كان من المغاربة المقيمين بالخارج ) ، فإنه لم يتم إحداث إلا حوالي 4500 سرير مقابل 160 ألف سرير المتوقعة بالمحطات الشاطئية الجديدة (المخطط الأزرق ) ، ونسبة 8 في المائة فقط من الأسرة بمحطات الشواطئ السياحية القديمة ( تطوان والحسيمة وطنجة وأكدير ) ، ولم يتم العمل بمخططات التنمية السياحية الجهوية و تعطيل تفعيل بعضها الآخر، ولم يتعد عدد المبيتات 18 مليون ليلة بدل 50 مليون المتوقعة ، ولم تتعد مساهمة السياحة في الناتج الداخلي الخام حوالي نسبة 9 في المائة بدل نسبة 24 في المائة الخ.[8] . أشارت مادتي 60 و61 من الاتفاق/التطبيق لرؤية 2010 إلى تكوين اللجنة الاستراتيجية للسياحة CST برئاسة الوزير الأول وعضوية العديد من الوزراء المعنيين بقطاع السياحة وممثلي القطاع الخاص للسهر على تنفيذ برامج الرؤية، بالمتابعة والتصديق والتنسيق وتذليل الصعوبات وتنفيذ كل التدابير التي تضمنها الاتفاق/ التطبيق واحترام الآجال المتفق عليها وإعداد تقرير كل ثلاثة أشهر ونشره عبر مختلف دور الإعلام. صرح رئيس الفدرالية الوطنية للصناعة الفندقية FNIH أن العمل برؤية 2010 اعترضته صعوبات منها انعدام التنسيق بين السلطة الوصية والمهنيين السياحيين تهم برامج الرؤية ، والتأخير الحاصل في تنفيذ مختلف برامجها ، وأضاف أن اجتماعات جهاز القيادة والتحكيم لتنفيذ الرؤية لم تتم إلا مرة أو مرتين ولم تضم جميع الوزراء المعنيين للاطلاع على سير الأوراش السياحية التي تهم وزاراتهم ، وأنه من خلال عمل هذه اللجنة يتبين لنا مدى حقيقة التزام الحكومة بتحقيق أهداف رؤية 2010 لكسب الجهاد الاقتصادي والاجتماعي الذي حث عليه ملك البلاد وكما نصت على ذلك وثيقة التزامات الحكومة وممثلو الخواص[9] . إن السبب في ضعف نتائج هذه الرؤية هو ليس فقط ضعف برامجها بل وأيضا: + عدم الاستناد عند إعدادها إلى المعايير العلمية والمعمول بها في دول متقدمة كما أشرنا سابقا، + عدم إعداد المخططات الجهوية للتنمية السياحية وتعطيل العمل ببعضها الآخر، + عدم قيام جهاز القيادة والتحكيم (بعضوية الوزراء المعنيين بقطاع السياحة وممثلي القطاع الخاص ) بمتابعة ومراقبة تنفيذ الرؤية وتذليل الصعوبات. بالنسبة لرؤية 2020 فلم تختلف كثيرا عن سابقتها وعن كيفية إعدادها وكان من جملة أهدافها : رفع القدرة الاستيعابية للإيواء السياحي إلى ضعفين (بناء 200 ألف سرير جديد)، وزيادة عدد السياح إلى ضعفين (مضاعفة حصة الأسواق الأوربية التقليدية المهمة وجلب مليون من السياح من الأسواق الناشئة)، وزيادة حجم السياحة الداخلية إلى ثلاثة أضعاف ، وانتقال العائدات سنويا من55 مليار درهم سنة 2010 إلى 150 مليار سنة 2020، وانتقال عدد العاملين من 450 ألف سنة 2010 إلى 920 ألف سنة 2020. لم يبق إلا بضعة أشهر على انتهاء العمل برؤية 2020 وستكون النتائج ولا شك ضعيفة وذلك استنادا إلى معطيات المصالح المعنية بالوزارة الوصية ومرصد السياحة بخصوص تطور القدرة الإيوائية السياحية وعدد السياح الوافدين ومبيتاهم ومداخيل العملة الصعبة ومتوسط ملء غرف الفنادق الخ. إن السبب في ضعف النتائج هو ليس فقط التأخير في العمل ببرامج الرؤية واستراتيجياتها بل الأهم من ذلك هو : + عدم إحداث المجلس الوطني للسياحة ( يضم ممثلي: الدولة، والجهات، والقطاع الخاص ) كان عليه أن يعقد جمعه العام مرة في السنة ويقدم مخططه وحصيلته السنوية ومخطط السنة المقبلة، ويذلل معوقات المشاريع ويجري التعديلات الممكن إدخالها [10] ، + عدم إحداث الوكالات الجهوية للتنمية السياحية ADT لضمان نجاح جهوية السياحة وإعداد استراتيجيات إقليمية بالوجهات السياحية وكان من جملة مهامها أيضا تنفيذ خرائط الطرق الجهوية والحرص على تدبير منسق لكل أبعاد مفاتيح المعادلة السياحية [11]. إنه يمكن مثلا إعداد استراتيجية سياحية قوية لجهة طنجة/ تطوان وغيرها نظرا لموقعها وتوفرها على مؤهلات سياحية وشواهد حضارية وثقافية قل نظيرها وأطر ومثقفين ، ولكن هل يجدي ذلك إن لم يتم تفعيلها ؟ . إن الأمور عندنا لا تقتصر على ضعف البرامج بل الأهم من ذلك هو عدم تفعيل هذه البرامج. قرأنا وسمعنا بالصحافة الوطنية والرسمية عن مشاريع مهمة تهم محطات تطوان الشاطئية مثلا فقد جاء في رؤية 2010 [12]: + مشروع إعادة هيكلة الساحل الممتد من واد الرمل إلى الجبهة، وبشكل خاص ما بين مرتيل والفنيدق ، وإنجاز دراسة لإنشاء محطات سياحية جديدة بواد الرمل/ الدالية حتى واد لو ورفع طاقتها الإيوائية لتنتقل من 2000 غرفة حاليا إلى 5000 على المدى القريب ، وإعداد و/أو تحيين الدراسات التي تتعلق بمشروع تجديد مطار تطوان من طرف المكتب الوطني للمطارات وتوسيع مدرجات هبوط الطائرات به الخ [13] ، ثم الإعلان عن طلبات العروض واختيار الخبراء[14]. + مشروع المخطط الجهوي للتنمية السياحية لتطوان ستصل الطاقة الإيوائية لمشاريعه إلى 14000 سرير [15]. وقرأنا وسمعنا عن مشاريع خلال سنة 2005 وسنة 2008 تهم توقيع اتفاقيات بين الحكومة وهيئات وطنية ودولية لإنعاش الشاطئ الممتد بين مدينتي المضيق والفنيدق بمشاريع فندقية وترفيهية بكل من واد النيكرو ، وبرستنكة ، ومارينا/سمير ، ونادي هوليداي ، والتوقيع على اتفاقيات بين الحكومة ومجموعة من المستثمرين لتهيئ مناطق تقع بشواطئ بين المضيف والفنيدق لإحداث 5000 سريرا وأعلنت السلطة الوصية أن هذه البرامج تدخل في إطار تحقيق مشروع تمودا بي Tamudabay لإعادة هيكلة المحطة الشاطئية لتطوان [16] . تضمنت رؤية 2020 هي أيضا مشاريع سياحية بوجهة تطوان وجهة طنجة/ تطوان ولكنها كسابقاتها لم تر النور بسبب عدم تفعيل وإحداث آلياتها التنفيذية هذه الرؤية. إن الإشكالية الحقيقية عندنا هي أن حكوماتنا تقول ولا تفي بوعودها إلا قليلا كما رأينا، ذلك أننا نقرأ عن برامج ومشاريع كثيرة ونسمع جعجعة ولا نرى طحينا ، والسؤال الذي يطرح لماذا لا يتم غالبا تفعيل الكثير من البرامج السياحية ، ولماذا لا تفي الحكومات بوعودها ومن يمنعها من ذلك، وهل وراء ذلك من خبايا ؟ وهل يمكن ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟. ولو اقتصر عمل الحكومة فقط على محاربة الفساد والرشوة واقتصاد الريع كما تقول لأمكن تحقيق العديد من المكتسبات حتى السياحية منها . يتبع [email protected] [1]السياحة الداخلية بالمغرب ومعوقاتها التنموية ://tetouanplus.com/72365.html [2] Loi n°87-10 du 3 janvier 1987 relative à l'organisation régionale du tourisme [3] Labo de l'idée. Comment «accoucher» une stratégie de développement touristique. Publié le 5 janvier 2007. www.planethtourisme.com/labo. – Européen Leader. Evaluer le potentiel touristique d'un territoire.
[4] الاستراتيجيات السياحية ونظرياتها وإعدادها تدرس بجامعات ومدارس الدول المتقدمة . هذه الاستراتيجيات تختلف في شكلها ولكن مضمونها لا يختلف كثيرا . [5] Accord de l'Application de l'Accord Cadre Agadir 29 Octobre 2001 [6]CGEM-Fédération du Tourisme. Contrat Programme 2000-2010 P4 "التنمية السياحية : تطلعات وتحديات ومفارقات" المصدر السابق ص 43/44 [7] السياحة الداخلية بالمغرب ومعوقاتها التنموية tetouanplus.com/72365.html [8] " السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل " إسماعيل عمران . مارس 2018 [9] Maghreb Arabe Presse Publié le 12/01/2005التنمية السياحية تطلعات ومفارقات" ص 87 CGEM : Accord d'application de l'accord cadre Idem 2001/2010 P 4/2 [10] الإجراء 37 من المخطط العملي لرؤية 2020 [11] الإجراء38 من المخطط العملي لرؤية 2020 [12] CGEM Contrat Programme 2000 – 2010 P 59
[13] ( الاتفاق/التطبيق المادة11 [14] ( عرض وزير السياحة بمجلس النواب بمناسبة تقديم مشروع ميزانية الوزارة برسم سنة 2005 [15] (عرض وسر السياحة بمجلس النواب بمناسبة تقديم مشروع ميزانية الوزارة برسم سنة 2006 [16]L'économiste électronique du 25/05/2007