أشرنا في مقال سابق " تطوان: مؤهلاتها وشواطئها السياحية " إلى أهمية المؤهلات السياحية لتطوان وما حولها تجاهلته الحكومات في سياستها السياحية بسبب تهميش موقعها الأقرب إلى أهم أسواق السياحة العالمية بأوربا ،وتجاهل أهمية المناطق الخلفية للمدينة ومناخها المنعش وجبالها وتلالها مصادر عيون المياه وغابات واحتضانها لقرى ومناطق خضراء ، وتهميش الشواهد والمعالم الحضارية والثقافية للمدينة كتراث عالمي ولم تستفد من هذا الموروث الثقافي والحضاري[1] أمال التنمية وخيبتها كان أمل ساكنة تطوان والأقاليم الشمالية كبيرا بعد الاستقلال وأن تستفيد من مؤهلاتها الطبيعية والبشرية وعمل الحكومات بسياسة تكفل الخروج من آفات الفقر والمرض والجهل والتخلف عن طريق دعم مجالات الفلاحة والصيد البحري وصناعة تحويل منتجاتهما لتأمين الغذاء ، والصناعة التقليدية التي يعمل بها الكثير، ودعم المجالات الصناعية (تركة عهد الاستعمار) وبناء المستشفيات والمدارس والثانويات والكليات الخ. كانت الصدمة قوية فقد ابتلي السكان بالصراع بين أعضاء الأحزاب على كراسي السلطة ومن البرامج التنموية الضعيفة، وكانت صدمة أخرى أن تم تنزيل المخطط الثلاثي 1965/1967 أعطى الأولوية لقطاع السياحة لتقوم الحكومات بإعطاء الأسبقية لجلب السياح الأجانب والترفيه عنهم وذلك بتخصيص الأموال اللازمة واستدانة أخرى من الهيئات المالية الدولية ومنح المستثمرين والمنعشين السياحيين وتخويلهم المساعدات المالية والقانونية والمادية والبقع الأرضية والقروض والمكافآت المالية لبناء الفنادق وملاعب الكولف والأندية الليلية واستيراد البضائع الكمالية . فشل السياسة السياحية بعد بضع سنوات فقط فشلت السياسة السياحية وحلم تحويل البلاد إلى قطب سياحي عالمي لأسباب كثيرة لعل أهمها : عدم الاستناد إلى دراسة اقتصادية لمعرفة جدوى المشاريع السياحية ، واقتصار الحكومات على إحداث منشآت سياحية دون توفير البنيات التحتية لاستقبال السياح كالطرق والمطارات والموانئ والاتصالات السلكية واللاسلكية، وضعف مجالات التنشيط والترفيه والإنعاش والترويج، وإعراض الساكنة المحلية للمجالات الترفيهية التي تخالف عاداتهم ومبادئهم الثقافية الخ. [2] . أضرار السياسة السياحية بالشواطئ التطوانية . انطلاقا من مخطط 1978/1980 بدأت الحكومات تقلص دعمها لقطاع السياحة ثم بتفويت منشآتها السياحية للخواص وكان لذلك تداعيات على مختلف مجالات قطاع السياحة وعرف هذا القطاع في عقد الثمانينات وخصوصا خلال عقد التسعينات تراجعات كبيرة نتيجة سوء تدبير هذا القطاع ؛ هذه التداعيات طالت أيضا جوانب اجتماعية وثقافية وبيئية مهمة . تأثرت تطوان والأقاليم الشمالية وغيرها من فشل السياسة السياحية وأضرارها نتيجة تهميش مصادر عيش السكان والرهان على جلب السياح وتزايدت بذلك عزلة هذه الأقاليم وضاق الحال بشريحة كبيرة منهم وتوجه بعضهم إلى مصادر أخرى للعيش عن طريق جلب البضائع المهربة من سبتة السليبة و وتجارة الكيف وحتى الهجرة على قوارب الموت . وشهد شاهد بعد عقود من المعاناة من السياسة الضعيفة للحكومات خاطب الملك الراحل المغاربة من البرلمان سنة 1995 وأقر بسوء الأوضاع وأن البلاد مهددة بالسكتة القلبية بعد أن توصل بتقرير من البنك الدولي حول وضعية البلاد المزرية وأن كل المؤشرات تدل على أن البلاد على شفا حفرة [3]. بعد ذلك جيء بحكومة التناوب تقودها أحزاب المعارضة أقرت بخطورة الأوضاع كما أشار رئيسها الاشتراكي إلى أوضاع الأقاليم الشمالية وقال "…إن السكان بالمناطق الشمالية يعانون يومياً من العزلة وانعدام الماء والكهرباء والمستوصفان وسيارات الإسعاف…"[4] . العودة إلى السياحة جاءت الملكية الجديدة سنة 1999 وبجانبها حكومة وطنية ترأسها أحزاب وطنية (معارضة الأمس) وبدأ الأمل يتجدد كما كان الأمر في بداية الاستقلال ورجعت هذه الحكومة إلى العمل بالمخططات الاقتصادية والاجتماعية ، ولكنها عادت هي أيضا إلى الرهان على السياحة وإعطائها الأولوية ! بل ولتكون جهاد اقتصادي واجتماعي لتحقيق التنمية كما قالت بذلك الدوائر الرسمية . رؤية 2010 وأوزارها في منتصف 2010 (مثل منتصف1965) تم الاتفاق على العمل برؤية 2010 السياحية بين الحكومة والقطاع الخاص برعاية السلطة العليا في البلاد بهدف تحويل المغرب إلى أهم الأقطاب السياحية ؛ تضمنت هذه الرؤية استراتيجيات ومشاريع سياحية كبيرة [5]. بالنسبة لشواطئ تطوان مثلا تضمنت رؤية 2010 برنامج جاء فيه : إعادة هيكلة محور: مارينا / سمير يحتضن عشرات الكيلومترات من الشواطئ الممتازة لاستقبال مئات الآلاف من المصطافين، ورفع طاقتها الإيوائية لتنتقل من 2000 غرفة إلى 5000 على المدى القريب، وتصحيح عمليات الإعداد والتجهيز خلال العشرين سنة الماضية، وأن تتحول التجهيزات الأساسية لشواطئ وميناء سمير/رستنكة إلى نقطة الانطلاق و تتبعها مبادرات أخرى تشمل إحداث مناطق ترفيهية لجلب ولو نسبة قليلة من 20 مليون من المصطافين " بشاطئ الشمس"بالأندلس القريبة [6] . زار تطوان بعد ذلك وزراء للسياحة لتبشير المواطنين بمشاريع الرؤية وكما قرأنا وسمعنا عن مشاريع بشواطئها خلال سنة 2005 و 2008 وتم توقيع اتفاقيات بين الحكومة وهيئات وطنية ودولية لإنعاش الشاطئ الممتد بين مدينتي المضيق والفنيدق بمشاريع فندقية وترفيهية وإحداث 5000 سريرا وذلك في إطار تحقيق مشروع تمودا بي Tamudabay لإعادة هيكلة المحطة الشاطئية لتطوان [7]. أرقام ذات دالة خلال سنة 2000 كانت تطوان وشواطئها تتوفر على 4293 سرير بالمؤسسات السياحية أي نسبة 4,51 في المائة من الطاقة الإجمالية بالبلاد، وخلال سنة 2010 لم يتعد عدد الأسرة بتطوان 4801 أي نسبة 2.87 في المائة أي أنه خلال عشر سنوات عملا برؤية 2010 لم يتم إحداث إلا 508 سرير بتطوان وشواطئها . رؤية 2020 : قول بلا عمل رغم فشل رؤية 2010 السياحية تم الرهان مرة أخرى على السياحة وكان على الحكومة والمهنيين السياحيين أن يوقعوا على استراتيجية سياحية جديدة خلال عشرية 2011-2020 ، وبتاريخ 30 نوفمبر 2010 بمراكش برعاية السلطة العليا تم التوقيع عليها بين ممثلي الحكومة والقطاع الخاص كما كان ذلك من قبل بالنسبة لرؤية 2010 و، كان الهدف هو تحويل المغرب (عملا باستراتيجية رؤية 2020) إلى إحدى الوجهات السياحية العالمية وذلك بتحقيق جملة من البرامج كمضاعفة الطاقة الإيوائية وجلب 20 مليون من السياح وجلب و150 مليار درهم سنويا وانتقال عدد العاملين بالقطاع من 450 ألف إلى 920 ألف الخ.[8] أسند تنفيذ الرؤية مشروع إحداث المجلس الوطني للسياحة (السلطة الوطنية العليا للسياحة) ، وإلى مشروع إحداث وكالات الإنعاش الجهوية ( السلطة الجهوية ). لم تلتزم الحكومة والقطاع الخاص بما جاء في الرؤية كما كان الأمر من قبل بالنسبة لرؤية 2010 ولم يتم إحداث آلتي التفعيل أي : المجلس الوطني للسياحة ( السلطة الوطنية العليا للسياحة ) ووكالات التنمية السياحية الجهوية ، وظلت برامج ومشاريع رؤية 2020 تنتظر التفعيل ولا زالت وسينتهي الأمر كذلك قريبا. برامج شواطئ تطوان في الرؤية : تضمنت الرؤية برامج للنهوض بالسياحة بجهة طنجة / تطوان منها مثلا : تجهيزات إيوائية أصيلة ، وزيارات هادفة ومنتوج الطبيعة ، ومواقع متنوعة وجذابة ، وعروض إيوائية بالمناطق الخلفية ،وأنشطة بالهواء الطلق وبالبحر، وعروض شاطئية ودعمها بأخرى ، وإعادة الهيكلة على المستوى الحضري بهدف تثمين الاستعمال السياحي للفضاءات (تحسين الدخول والتشوير).كلام جميل ! . خلال سنة 2010 لم يتعد عدد الأسرة بتطوان وشواطئها 4801 أي نسبة 2.87 في المائة ، وخلال سنة 2015 بلغت هذه الأسرة 5842 سرير فقط، ولم نر بعد أي أثر لمشاريع تمودا بي التي أعلن عنها رسميا والتوقيع عليها منذ 2005 و2008 . قول بلا عمل !. سراب التنمية السياحية والأوضاع المزرية منذ منتصف الستينات من القرن الماضي والحكومات تلهث وراء تنمية البلاد عن طريق السياسة السياحية ، ورغم هذا التعنت فشلت هذه السياسة وكان لذلك أثار سلبية على أوضاع تطوان وساكنتها وغيرها بسبب تهميش إمكاناتها الطبيعية والبشرية وإهدار مواردها وعزلها كما قال بذلك الوزير الأول الاشتراكي ، وكان ذلك سببا في لجوء شريحة من الساكنة إلى سبتة السليبة لجلب البضائع المهربة وإلى الاتجار في نبتة الكيف المحرمة للبقاء على قيد الحياة وبعضهم خاض أخطار أمواج البحر لعله يكون لاجئا في بلاد الكفر. لم تتحسن الأوضاع بعد سنة 2000 بالبلاد فقد وصل حجم العاطلين خلال النصف الثاني من سنة 2016 إلى حوالي مليون ومائتي ألف من ذوي الشواهد العليا ، وارتفع معدل البطالة خصوصا في صفوف الشباب المتراوحة أعمارهم بين 15 و24 سنة من 20.5 في المائة إلى 21.5 في المائة، وارتفعت ديون البلاد بصفة متواصلة وأقرت مؤسسة ماكنزي الأمريكية بأن المغرب هو البلد الأكثر مديونية على الصعيد العربي والإفريقي[9]. وأقر بذلك أيضا البنك الدولي بسبب استمرار التفاوتات الاقتصادية ووالاجتماعية يصعبّان تغيير هذه المعدلات ، وقال أنه من غير المحتمل أن تتغير الأوضاع مادام النمو الاقتصادي يبقى ضعيفا في ظل هذه الأوضاع [10]. تؤكد هذه المعطيات على أرض الواقع وهشاشة الأوضاع وزيادة الفقر تقارير وطنية ودولية منها تدافع الفقراء بإحدى جماعات إقليمالصويرة تقاطر عليها المئات من الفقراء ( حتى من مختلف جماعات الأقاليم المجاورة ) لينالوا نصيبهم من مساعدة غذائية قدمتها إحدى الجمعيات ؛ هذا التدافع أسفر عن موت 15 امرأة ( بالإضافة إلى عدد آخر من الجرحى ) تركن وراءهن 40 من الأطفال يتامى[11]. والسؤال الدائم الذي يطرحه المواطنون دائما ما هو سبب إخفاق الحكومات باختلاف انتماءاتها في تحقيق التنمية المنشودة ، هل هو ضعفها فقط وسياساتها ، هل هو استفحال الرشوة والفساد واقتصاد الريع ؟ هل هو سيطرة لوبيات قوية ؟ هل هو عدم ربط المسؤولية بالمحاسبة ؟ . إن دوام الحال من المحال كما يقال ، والكل يده على قلبه وخائف من السكتة القلبية أو الدولة الفاشلة ، أو الفوضى الخلاقة ، ويتكلم الكثير عن مظاهر السيبة وقطاع الطرق ، لا شك أن العدل وأساس الملك وأن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن كما قال بعض العارفين .
كان للسياسة السياحية أضرار أخرى مهمة على تطوان وساكنتها وشواطئها وترابها وبيئتها وثقافتها.يتبع . إسماعيل عمران [email protected] [1] تطوان: مؤهلاتها وشواطئها السياحية tetouanplus.com/73965.html [2] تناول كتاب " السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل "إسماعيل عمران 2018 هذه التداعيات وبدائلها. [3] التقرير الأسود الذي أدى إلى خطاب السكتة القلبية https://www.alayam24.com/articles-30783.html [4] جريدة " الفيغاور " الفرنسية 98/9/30. [5] CGEM Contrat Programme 2000 – 2010 p 4 [6]Idem p 59 [7] السياحة الداخلية ومشاريع وهمية tetouanplus.com/72599.html https:// الثقافة [8] السياسة السياحية بالمغرب : رؤية 2020 https://tetouanplus.com/43187.html – كتاب " السياسة السياحية بالمغرب : إشكاليات وتداعيات وبدائل "إسماعيل عمران 2018 [9] مؤسسة-مالية-دولية-أكثر-من-خمسة-ملايين- https://www.aljamaa.net/ar/2017/03/13/ [10] معدلات الفقر لن تتغير بالمغرب حسب البنك الدولي http://www.annahar.ma/categorie/economie/article/3801-35-41-10-24-10-16https://arabic.cnn.com/world/2016/10/20/world-bank-maghreb-poverty [11] https://www.hespress.com/politique/372129.html الاثنين 20 نونبر 2017 . http://www.hibapress.com/details-131238.html الذين يعبثون بأرواح المواطنين و المواطنات