متابعة للتعريف ببعض أعلام مدينة تطوان وإنتاجهم العلمي خلال شهر رمضان المعظم من كل سنة؛ من مثل ما خصصته سابقا عن أستاذنا الشيخ إسماعيل الخطيب، أجدد اللقاء بقرائي الأعزاء من خلال تقديم نبذة عن أديب تطوان الراحل الدكتور "حسن الوراكلي" الذي فارقنا إلى دار البقاء بعد عمر حافل من العطاء العلمي المشهود. والأديب حسن الوراكلي ولد بتطوان عام1941م، حصل على إجازات من شيوخ الرواية والدراية، وعلى دكتوراه دولة في الآداب الأندلسية جامعة مدريد المركزية، كما عمل أستاذاً في عدة جامعات ومعاهد عليا بتطوان، ثم جاور الحرم المكي مكةالمكرمة في جامعة أم القرى وغيرها من جامعات المملكة العربية السعودية، كما يعد أحد المنتسبين لرابطة الأدب الإسلامي. راكم الفقيد في مسيرته العلمية أكثر من ثمانين مؤلفا، توزعت بين تراث الأندلس والمغرب؛ الشرعي والأدبي والتاريخي، وتاريخ مكة العلمي والثقافي، إضافة إلى كتب في الدعوة والأدب الحديث والنقد، وعدد من التحقيقات العلمية والتاريخية وخاصة منها المتعلقة بالأدب والفكر الأندلسي، كما أنشأ بعد الذهاب إلى السعودية ندوة زمزم في مكةالمكرمة، ثم بعد رجوعه حين انتهاء العمل في الجامعة واصل هذا المجلس بتطوان؛ حيث جعل من بيته يوم الجمعة مجمعا يتردد عليه الطلاب الذين كان يشرف على رسائلهم وبعض الأساتذة، تقدم فيه قراءات أدبية وثقافية وفقهية وتاريخية، فهو مجلس علمي وأدبي متنوع يحضره الفقيه والمؤرخ والأديب والعالم وقد توفي الفقيد رحمه الله ليلة 27 شتنبر 2018. وقد أصدرت ندوة زمزم الجمعية كتابا للتعريف بأخبار أديبها الدكتور حسن الوراكلي؛ تحت عنوان"نزهة البهاء ورحلة السناء من بحر المجاز إلى أرض الحجاز"، عبارة عن مجموع مداخلات العلماء والأدباء التي قيلت في حفل تكريمه بمنتدى "الإثنينية" الثقافي الذي يرعاه الأستاذ الأديب الشيخ "عبد المقصود بن محمد سعيد خوجة" بمكةالمكرمة، جمعه وقدمه ابنه براء الوراكلي، وصدر ضمن مطبوعات "ندوة زمزم الجمعية" بتطوان. وإن كان الكتاب قد حوى مجموع الأخبار والشهادات التي قيلت في شخص الدكتور حسن الوراكلي، فإنني سوف أقتصر هنا على إيراد مقتطفات منه تكون لمحة عامة عن مسار الرجل العلمي والثقافي سواء في مدينته (تطوان) ما بين جامعتها ومنتدياتها ومجموعات البحث بها، وبين (أم القرى– مكةالمكرمة)– مجاورا بيت الله الحرام في رحاب جامعة أم القرى ومنتدياتها الأدبية والثقافية. تتصدر الكتاب الكلمة التي ألقاها في حفل التكريم ب"إثنينة" الأستاذ "حسان عتوكة" المذيع بالحرم المكي الشريف معرِّفا بالحفل وبالمكرَّم قائلا: (أهلا وسهلا بكم في رحاب هذه الدار العامرة الكريمة، وفي إثنينيتكم، إثنينة التقدير والتكريم والوفاء، ونحن في هذه الليلة- بإذن الله- نختتم الفصل الأول من هذا الموسم، وكذلك نجتمع في هذه الليلة سويا ملتفين حول فارس جديد من فرسان الحرف والكلمة والأدب والعلم، أثرى الساحة الأدبية والفكرية والعلمية بنتاجه الثر، إنه الغني عن التعريف فضيلة الأستاذ الدكتور حسن عبد الكريم الوراكلي، الأستاذ في جامعتي أم القرى والملك عبد العزيز..). وإن كان الأستاذان "حسان عتوكة" والدكتور "عبد الكريم علي عثمان عوفي" عضوا هيئة التدريس بجامعتي (بتنة) و(أم القرى) قد قاما – إلى جانب باقي المتدخلين- بجرد تفصيلي لمؤهلات فارسنا العلمية وأستاذيته وانتسابه لمجموعة من الجامعات والأقسام الجامعية ماسترا ودكتوراه، وعدَّدا جملة من مشاركاته الثقافية والفكرية والدعوية، وتعداد مؤلفاته العلمية ومساجلاته وإبداعاته الأدبية، وما أسهم به من تحقيق كتب التراث العربي والإسباني، مما يضيق به هذا المقال إن تتبعته في هذا المقال، فإنني سأكون مضطرا لأن أختار منها بعض الشهادات التي قيلت في الرجل تثمينا لجهوده العلمية.. وأولاها: من كلمة راعي هذه "الإثنينة"، الشيخ "عبد المقصود خوجة" ومؤسسها ورئيسها حيث قال: (يطيب لي أن تتواصل لقاءاتنا مساء اليوم لنحتفي بسعادة الأستاذ الدكتور "حسن بن عبد الكريم الوراكلي" أستاذ الدراسات العليا بجامعة أم القرى، الأديب المتألق، صاحب العبارة الموشاة، والحرف الذي يقف بين الأهداب حائرا: هل هو من النثر أم ينتمي إلى قبيلة الشعر؟.. إن فارس أمسيتنا أنموذج لتعدد المواهب، فهو أكاديمي معروف، وله باع طويل في مجال تخصصه وعطائه على ساحة صروح كثير من الجامعات والمعاهد العليا، وأثره محمود ملموس لدى جمع كبير من طلاب الدراسات العليا.. لقد أبدع ضيفنا الكبير في كتابة القصة والمقال الصحفي والبحث العلمي والتحقيق والترجمة، ولكل واحد من هذه الفنون خيمته التي تسع أوطانا من كبار الباحثين الذين تشكل قاماتهم منارات هدى وأعمدة عطاء.. وعندما يتناول أستاذنا الدكتور الوراكلي الدراسات الأندلسية فإنه يبحر في العمق نظرا لنصيبه الوافر في اللغة الإسبانية، فقد جعل منها آلة يغوص بها في الآداب الأندلسية ليقتنص لآلئها وفرائدها ويفوز على غيره ممن يقتصر عملهم على الترجمات العربية أو غيرها من اللغات عن الإسبانية.. هكذا عاش ضيف أمسيتنا ليواصل رسم لوحة طالما التصقت بوجداننا كلما حمل العبير اسم (تطوان) تلك المدينة الأندلسية الهوى التي تعج بالعلماء والفضلاء من ذوي النجابة الذين طرزوا بأسمائهم تاج المجد، مدينة التاريخ العلمي والأرج الفقهي..). وثانيتها: من الدكتور "عبد الوهاب إبراهيم أبو سليمان" أستاذ الفقه المقارن بجامعة (أم القرى) الذي قال: (إن الحديث عن فضيلة الشيخ الدكتور حسن الوراكلي هو حديث عن عالم أديب سعدت به الساحة العلمية المكية منذ أكثر من عقد من السنين، وقد كان حضوره إلى مكة العالمة ثمرة جهود جامعة أم القرى في اختيار الصفوة من علماء العالم الإسلامي وأدبائه للتدريس في أروقتها المباركة.. ويأتي اسم الدكتور حسن الوراكلي- حفظه الله- في سياق عقد منتظم من أسماء أعلام هو جمانة عقدها وتاج جبينها.. وليس هذا غريبا على هذه الجامعة العتيدة في هذه الأرض الطاهرة فقد جمعت على مدى تاريخ تأسيسها.. نخبة بل صفوة علماء الأمة من الأقطار الإسلامية من تعتز بوجودهم، فأشاعوا العلم والمعرفة بين أبناء الأمة الإسلامية في عاصمة ثقافتها..). وثالثتها: شهادة الدكتور"محمد الحبيب الهيلة" أستاذ التاريخ والحضارة الإسلامية بجامعتي (الزيتونة) و(أم القرى) الذي عرَّف بأستاذنا حسن الوراكلي فقال: (لقد جمع الرجل تكوينه الثانوي من حواضر المغرب وبلاد الكنانة، وخلص له زاده العلمي الجامعي من (فاس) و(تطوان) و(مدريد)، فاجتمعت له الاختصاصات العديدة من دراسات إسلامية إلى آداب ولغة إلى تاريخ وحضارة، فكان فيها جميعا المجلي الممسك بقيادها، العارف بخفاياها وأبعادها، يحسن إبلاغها لطلاب العلم ويرفع بها صوته في المنتديات العلمية في الكثير من البلاد العربية والإسلامية وغيرها، إلى أن حطت رحاله في جامعة البلد الأمين، فكان كعهدنا به مفيدا مستفيدا، جامعا للعلم ناشرا له.. فقد درس الشيخ الدكتور حسن الوراكلي نصوص العلماء الفقهاء والمحدثين والمفسرين وأولي النظر نتاج علية علماء العدوتين المغرب والأندلس كابن عبد البر، وأبي القاسم السهيلي، وابن الفرس، والقاضي عياض، فكانت دراساته المتعلقة بالعلوم الدينية ثرة ثرية، كتب عن القرآن وعلومه في آثار الأندلسيين ودرس إعجاز القرآن وبلاغته في كتابات المغاربة والأندلسيين، وعرف بطائفة من علماء العدوتين وأدبائهما أمثال الأشتركويي السرقسطي، وابن باق الأموي، وابن بشكوال، وعياض، والعزفي، وابن مسدي، وصاحب الرسائل الديوانية، والسجلماسي، وعرَّف بأعمالهم العلمية والأدبية.. ودرس الكتب اللغوية الكبيرة وأصحابها كابن سيدة (المرسي)، وكبار شعراء وأدباء الأندلس كابن صارة الشنتريني، وأبي طاهر السرقسطي، وحلل بعض الأنماط الأدبية كالمقامات مع أنماط أدبية أخرى كأدب الجهاد في الأندلس، ولعل من أبرع ما قرأنا له ما كتبه عن ذي الوزارتين ابن الخطيب..). وأخيرا: أختار كلمة الأستاذ "حسين با فقيه" رئيس تحرير مجلة الحج والعمرة التي قال فيها: (يصعب علي الحديث عن العلامة الأستاذ الدكتور "حسن الوراكلي" دون أن ألمح إلى مزية فيه ورثها عن أسلافه من المغاربة والأندلسيين.. وتلك المزية هي الفتنة بالمشرق، تلك الفتنة التي قد تطغى على إحساس الأندلسي أو المغربي فيعيش مشغوفا بالمشرق، لهجا بذكره، متتبعا أثر علمائه وأدبائه، فِتنتهم بإمام دار الهجرة مالك بن أنس، وكتاب سيبويه، وشعر أبي تمام والمتنبي، وولعهم بألحان زرياب، وتتبعهم لغريب أبي علي القالي، وتقصيهم أثر المشرق وأهله كما فعل ابن عبد ربه في العقد، حتى ليبلغ من سطوة المشرق على المغرب أن جار غير عالم وأديب بالشكوى.. وهو إلى ذلك ورث عن أسلافه الأندلسيين والمغاربة الهيام بالأماكن الشريفة في الحجاز، وله في هذا المقام يد سلفت في العناية بالتاريخ لرجالات وطنه ممن ضربوا في الأرض حتى ألقى جلة منهم عصا الترحال في مكةالمكرمة أو المدينةالمنورة. وكتابته في هذا المجال، ولا سيما عن المجاورين من الأندلسيين والمغاربة، من الأعمال الجليلة والمفيدة.. شرفت بمعرفة الأستاذ الدكتور حسن الوراكلي في موسم الحج.. وشدني إليه أول الأمر زيه المغربي الأثري، ولغته الفصحى العالية المشوبة بجرس مغربي شائق، ثم لم ألبث إلا قليلا حتى رأيته رجلا يصدق فيه أنه وعاء مُلِئ علما، يتحدث بلهفة وشوق عن تلك الآصرة العظيمة التي تشد المغرب إلى المشرق.. يعيد إلى الأذهان ما كان عليه جلة من علماء المغرب الأقصى في جهادهم العلمي كالسيد عبد الحي الكتاني، وعبد الله كنون، وعبد الهادي التازي..).. وفي مختتم حفل الإثنينية هذا، تفضل عالم تطوان وأديبها الدكتور "حسن الوراكلي" بكلمة خص بها هذا المحفل بالشكر والتقدير لراعيها ولأعضائها، مبرزا فيها نبذة من سيرته الذاتية والعلمية وجمع فيها بين شقين اثنين: عرض في الأول منهما لمحات من سيرته الذاتية، وتناول في الثاني لمحات أخريات من تجربته العلمية والأدبية، أنقل منها هذه الفقرة القصيرة المعبرة، حيث قال: (لا يسعني إلا أن أشكر الله سبحانه وتعالى عوارف مننه التي لا تعد فتحصى، وسوابغ نعمه التي لا يحاط بها، هداني إلى سلوك سبيل العلم ألتمسه في وحيه المعظم المعجز الرباني المنيف، والكلم النبوي الشريف متوسلا إلى فهم هذا واستيعاب ذاك بأشرف لسان وأعذب بيان.. ثم أشكر لأخي العزيز المفضال مؤسس منتدى الإثنينة الثقافي الكاتب الأديب الشيخ عبد المقصود بن محمد سعيد خوجة الذي دفع به حسن ظنه بأخيه إلى أن يسلكه في موكب مشاهير رجالات العلم والفكر والأدب والثقافة الذين شهدت هذه القاعة تكريمهم وخلدتها في سجلها العلمي والأدبي..). ولا بد في الختام من التذكير بأن مدينة (تطوان) موطن نشأة أديبنا الأستاذ الدكتور "حسن الوراكلي"، شهدت هي الأخرى احتفاليات بعطاءات الرجل وإبداعاته، أجمع فيها الحاضرون على تميز عطائه العلمي والثقافي؛ يسر الله لي متابعتها وأخص بالذكر منها ثلاثة: – الأولى الندوة التكريمية التي نظمتها شعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة عبد الملك السعدي بتطوان في فبراير 2012، تحت عنوان: "عتبات النص: قراءة في الخطاب المقدماتي"، اعتبارا للمجهودات التي بذلها الدكتور حسن الوراكلي لتطوير التدريس الجامعي والبحث العلمي والتأطير والإشراف للأساتذة والطلبة الباحثين بالكلية، وقد عرفت جلستها الختامية تقديم شهادات في حق المكرَّم، قدمها أصدقاؤه وطلابه منهم: د.عبد الله المرابط الترغي, ود.عبد العالي الودغيري, ود. عبد الحميد عبد الله الهرامة (منظمة الإسيسكو) ود. محمد الحافظ الروسي, والدكتورة سعاد الناصر. – والثانية احتفالية متميزة بالثانوية الإعدادية أنوال في يونيه 2013، حيث عرض الدكتور حسن الوراكلي تجربته الأدبية بما حوته من قيم تربوية وتعليمية وما تميزت به من جمالية الأدب الإسلامي الراقي، في قطوف من الإنتاج الأدبي حول الشعر المغربي والعربي ثم الأندلسي والإسباني ثم النثر بأجناسه، وذلك من خلال شهادات وقراءات في أعماله؛ قدمها كل من رفيق دربه الدكتور محمد المعلمي، وصديق عمره الأستاذ رضوان احدادو. – والثالثة من حفل التأبين والتكريم الذي نظمه مركز أبي الحسن الأشعري التابع للرابطة المحمدية للعلماء بتطوان وشعبة اللغة العربية وآدابها بكلية الآداب جامعة عبد الملك السعدي بتطوان يوم 31 اكتوبر 2018 بحضور ثلة من رجال العلم والثقافة، شارك في تقديم كلماته على التوالي كل من الدكتور عبد الواحد العسري رئيس شعبة اللغة العربية بالكلية، والدكتور سعد الزموري عميد الكلية، والدكتور أحمد عبادي الأمين العام للرابطة المحمدية للعلماء، وغيرهم من الحضور.