يتحدث الأديب المغربي حسن الوراكلي عن تجربة الكتابة عنده التي يعتبرها أمرا وجوديا بالنسبة له. ويعرض الوراكلي صاحب "ندوة زمزم" الشهيرة بمدينة تطوان لظروف نشأته وما خلفته من أثر في مساره الادبي والبحث الذي خلف فيه اكثر من 80 كتابا ولا تزال عطاءاته مستمرة سواء في القصة أو التاريخ الثقافي أو الدرسات الاندلسية والفقهية. وفي هذا الحوار مع جريدة التجديد الورقية يعتبر الوراكلي الذي هو عضو في جمعيات تعنى بالدراسات الاندلسية والموريسكية، ّأن المغاربة قبل غيرهم هم الأجدر بالبحث في موضوع الموريسكيين نظرا للمشترك بينهما، مشيرا إلى كون الاهتمام بالموضوع جاء متاخرا في الوقت الذي اهتم به باحثون غربيون منذ مدة طويلة. كما يعرض الوراكلي الذي اشتغل لسنوات في التدريس بعدد من الجامعات السعودية، عن التشابه الكبير في البيئة الثقافية المشرقية والمغربية، مرجعا ذلك إلى اشتراكهما في الروافد الأساسية. الوراكلي الذي أصدر ضمن إنتاجه الادبي عددا منم المجاميع القصصية، يكشف في هذا الحوار سر عدم كتابته للرواية، كما يؤكد على أن شعار الادب الاسلامي الذي كتب من داخل نظريته، استنفذ أغراضه اليوم ولم تعد هناك حاجة لرفع هذا الشعار بعد أن فرض نفسه على الواقع. والاديب حسن الوراكلي ولد بتطوان 1941م ، وحصل على إجازات من شيوخ الرواية والدراية.وعلى دكتوراه دولة في الآداب الأندلسية جامعة مدريد المركزية، كما عمل أستاذاً في عدة جامعات ومعاهد عليا بتطوان، ومكةالمكرمة، وجدة، ويواصل مسيرته في الكتابة والتأليف والتي راكم فيها أكثر من ثمانين مؤلفا توزعت بين تراث الأندلس والمغرب الشرعي والأدبي والتاريخي، وتاريخ مكة العلمي والثقافي، إضافة إلى كتب في الدعوة والأدب الحديث والنقد، وعدد من التحقيقات العلمية والتاريخية. بعد هذه المسيرة البحثية الطويلة مالذي يشغل الدكتور حسن الوراكلي اليوم؟ شغلني اليوم ما يشغلني دائما وهو القراءة والكتابة. وآخر ما دفعت به إلى المطبعة هو عمل بعنوان "أفكار وأنظار في فقه الحج" قبل أسبوع، وطبعا بعد ذلك أنا منشغل بالقراءة والكتابة. لو نعطي للقارئ لمحة كيف أثرت النشأة في مسارك البحثي؟ أذكر بهذا الصدد أن ما أثر في نشأتي وتوجهي هو مكتبة عامرة كانت في البيت فكنت ارتادها للمطالعة فيها وذلك قبل أكثر من أربعة عقود من الزمن.وقصة المكتبة أنه بعد وفاة خالي رحمة الله عليه وكان من علماء القرويين ثم استقر في تطوان؛ وضعت زوجته مكتبته الخاصة في المزاد العلني من أجل بيعها، ومن حسن حظي أن والدي اقتنى المكتبة وذلك سنتين قبل ميلادي.فاحتفظ الوالد بالخزانة في البيت حتى إذا بلغت من عمري حوالي اثنا عشر سنة وأنا تلميذ في المدرسة الابتدائية؛ قام الوالد بمبادرة طيبة إذ أخذ بيدي نحو المكتبة وقال لي هذا مكانك.ودخلت إليها ولم يكن لي من الكتاب بد فسقط في يدي.و بدأت آخذ الكتب والمصنفات فلا أفهم منها شيئا.وأذكر أن العمل الذي وقفت حائرا بإزائه كان كتاب أبي حيان الاندلسي في التفسير وتصفحته وتركته بعد ذلك قبل أن أعود إليه كل حين.وقد مكنتني تلك المكتبة والحمد لله من مطالعة الكثير من الكتب في تخصصات مختلفة ما كان الخال رحمه الله مهتما به، من الكتب الشرعية والتاريخية.وإضافة إلى ذلك عثرت على بعض الكتب الجديدة التي كانت تأتي من المشرق العربي ومن مصر وسوريا، فتعرفت على النصوص السردية والاعمال الادبية، وهكذا كان المنطلق مع الكتاب والادب والبحث. في هذا الصدد، هل المكتبة المنزلية يمكن أن تكون الحل لأزمة القراءة التي نعاني منها اليوم؟ بالتأكيد، فالبيت الذي يخلو من الكتاب لا يرجى منه شيء كثير. ولذلك دائما ندعو إلى تعويد الأطفال منذ وقت مبكر على التعرف على الكتاب ومطالعته، واليوم هناك وسائل إغراء كثيرة يمكن استخدامها لذلك حتى عند عزوفهم منذ الصغر.المهم أن نغرس هذا الحب في الطفل منذ الصغر وأن نحبب إليه الكتاب، ولا يزال يوما بعد يوم وشهرا بعد شهر، حتى يتمكن منه هذا الأمر. لك أكثرمن 80 كتابا منشورا، لكن النص الاول أو النشر الأول تبقى له لذة خاصة.هل تتذكر شيئا من هذا؟ أذكر أن وزارة التعليم آنذاك بادرت بمبادرة طيبة وهي ما سمته المكتبة المتجولة.كانت هذه المكتبة تجول في مدارس المدينة وقد وصلت إلى مدرستنا فعرض علينا المعلم إعارة الكتب منها من أجل القراءة لأسبوع أو أكثر.وطبعا كنت ممن أعار كتابا لكنني وجدت أنني أمام شيء لا أفهم منه شيئا، فقد كان الكتاب لجبران خليل جبران وأنت تعرف طريقته في الخيال وأسلوب الكتابة عنده، وأنا إذ ذاك في الثالثة من الابتدائي، لكني مع ذلك آليت على نفسي أن لا اتركه حتى أتمه، وكذلك كان.وما أحسب أنني فهمت أشياء كثيرة ولكني تأكدت أنني استطعت أن انتصر على نفسي بقراءة نص لا أفهمه ثم توالت النصوص بعد ذلك.والكتب التي حملتها إلينا المكتبة المتجولة، حتى بدأ يوما عن يوم يتربى فينا حب الكتابة.فكان أن أسسنا ما أسميناه المجلة الحائطية وكانت هي تجربتي الاولى في الكتابة ثم بعدها مجلة أخرى كنت أكتبها بخط يدي ويطلع عليها التلاميذ. ثم وأنا في الرابعة عشر من عمري كتبت نصا سرديا وتجرأت بتقديمه إلى جريدة النهار المغربية التي كانت تصدر من تطوان، وكان النص إن لم تخن الذاكرة بعنوان "عاق"وقصته استقيتها من شخص في حينا يعاني مع ولده شيئا من هذا. فتم نشره في الجريدة ولم تسعني الدنيا كلها بعد معاينتي لنشر النص الاول على جريدة مغربية. ولا أزال احتفظ به الى اليوم. وقد فتح علي هذا النص باب آخر بعد أن اطلع عليه الاستاذ محمد الخضر الريسوني فدعاني لكتابة نص آخر يقدمه في برنامج كان يسميه "قصة الاسبوع" وقد تم ذلك وأذيع النص. وهكذا بدأت رحلة الكتابة والتجوال فيها. ومنذ ذلك الحين كتبت الكثير من الاعمال القصصية في مجال الادب، لكنك لم تكتب الرواية.ما السبب في ذلك؟ كتابة النص السردي أو القصصي أخذ بلبي منذ تلك الفترة وإلى الآن، حين أجد في نفسي مللا أترك الكتابة العلمية البحثية والتحقيقية وآخذ في قراءة النصوص السردية وقد أجري قلمي بنص أو نصين لكنها دائما نصوص قصيرة. أو بعد ذلك نصوص قصيرة جدا وهي التي جمعتها في كتابي "كر وفر" وهو نصوص لا تعدو أربعة اسطر.أما الرواية فقد فكرت مرة في كتابتها وشرعت في بعض سطورها ثم عدلت عن ذلك لأنني لم أجد نفسي فيها.لكنني لم أتوقف يوما عن الكتابة التي ترتبط عندي بالوجود ذاته. مازلت تعقد في بيتك صالونا أدبيا أسميته ندوة زمزم، حدثنا عن تجربة الندوة وكيف جاءت الفكرة ؟ فكرة الندوة ترجع إلى سنوات خلت ومنذ سنوات الدراسة في المشرق.كانت قد أتيحت لنا الفرصة للدراسة في مصر فكنا نتردد على بعض الصالونات الادبية هناك أذكر منها صالون نجيب محفوظ، الذي كان يرتاده كثير من الادباء والشعراء. وكذلك نرتاد عددا من صالونات أهل العلم والادب هناك. ثم حين قضى الله بالذهاب إلى السعودية ظللت أتردد على بعض الصولونات الادبية في مكة والرياض وجدة.ومن هنا جاءت فكرة أن اجعل من بيتي يوم الجمعة مجمعا من هذا يتردد عليه الطلاب الذين كنت أشرف على رسائلهم وبعض الاساتذة من جامعة القرى. فبدأت فكرة ندوة زمزم في مكة وكنت حين العودة إلى المغرب في الصيف أواصل هذا المجلس العلمي الادبي الثقافي.ثم لما رجعت بعد انتهاء عملي في الجامعة واصلنا هذا المجلس بتطوان.والآن يعد صديقنا الدكتور محمد المعلمي كتابا عن هذه المسيرة العلمية "ندوة زمزم المكية والتطوانية".وقد استطعنا بفضل الله الحفاظ على انعقادها الاسبوعي -إلا إذا حال سفر بين ذلك- حيث تقدم فيها قرءات ادبية وثقافية وفقهية وتاريخية فهي مجلس علمي وأدبي متنوع يحضره الفقيه والمؤرخ والاديب والعالم. بالنظر إلى احتكاكك بالساحة الأدبية في المشرق سواء للدراسة أو العمل، ما أهم ما لفت انتباهك في التشابه أو الاختلاف بينها وبين البيئة المغربية؟ في الواقع الكتابة العربية أو الادب العربي يمتح من الاصول العربية نفسها في المشرق و المغرب.فكلاهما يأخذ من الروافد العربية المشتركة لأن الاصل واحد بدرجة يصعب التفريق عامة بين العمل المغربي أو السعودي مثلا.لكن يمكن أن يبقى بعض التميز بحسب البيئة والمجتمع في إطار ما يسمى الأدب الاقليمي. كثرت في الآونة الأخيرة الانتاجات الأدبية والبحثية التي تهتم بالموريسكيين، وأنت عضو جمعية الدارسين الموريسكيين، كيف ترى هذا التنامي في الموضوع؟ هذا الموضوع عموما بدأ عند الباحثين العرب متأخرا حيث تقدم علينا غيرنا من الباحثين في اسبانيا وفرنسا وانجلترا وأمريكا الذي اعتنوا بهذا الجانب من تراثنا الثقافي والعلمي.وأذكر أنني دعيت مرة إلى تونس لمؤتمر حول الموريسكيين وكنت أنذاك مهتما بالموضوع حيث اشتغلت عليه في أطروحتي للدكتوراة في الجامعة التي كنت مسجلا بها بإسبانيا؛ فوجدت أن أكثر الباحثين من غير العرب والمسلمين، لكنه الآن أدرك العرب والمغاربة بالذات أن موضوع الموريسكيين موضوع مهم فبدأ تنامي البحث فيه.وأعتقد أن الموضوع ينبغي أن يوليه المسلمون الأهمية قبل غيرهم والمغاربة قبل غيرهم باعتبار المشترك بينهم. أنت واحد ممن اشتغل طويلا ضمن نظرية الادب الاسلامي، وانتج فيها.هل تتفق مع ما صرح به رئيس المكتب الإقليمي السابق للرابطة حسن الأمراني من أنه لم تعد هناك حاجة لرفع شعار الأدب الاسلامي اليوم؟ أتفق مع فكرته تماما، ذلك لأن الأدب الاسلامي قطع سنوات من المخاض والتنشئة قبل نحو ربع قرن. وقد قطع الأدب الاسلامي بجميع أبعاده أشواطا كبيرة واستطاع اليوم أن يفرض نفسه على القراء وعلى كثير من الذين كانوا يرفضون هذا الضرب من الكتابة، وأيضا على الذين كانوا لا يرون منه فائدة.