في إطار الأنشطة الثقافية والتربوية لثانوية الجولان التأهيلية بالمحمدية، وإسهاما من شعبة "التاريخ والجغرافيا" في تدعيم لبنات التربية على المواطنة وإدماج "المتعلم(ة)" في صلب الأحداث والقضايا الوطنية، وتخليدا للذكرى "75" لتقديم "عريضة المطالبة بالاستقلال"، وبمبادرة وتنظيم من أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا "عزيز لعويسي"، انعقد بقاعة الأنشطة مساء يوم الخميس 10 يناير، عرض تحت عنوان "عريضة المطالبة بالاستقلال :السياقات والدلالات" حضره تلاميذ السنة الأولى باكالوريا مسلك العلوم الرياضية (1). وقد استهل هذا العرض، بكلمة موجزة تقدم بها الأستاذ "عزيز لعويسي" أشار من خلالها إلى قيمة الحدث في تاريخ المغرب المعاصر باعتباره مرآة عاكسة لقيم الوطنية والتضحية والوفاء في سبيل تحقيق الحرية والاستقلال، وبعدها، مكن التلاميذ الحاضرين من متابعة "شريط" موجز يؤرخ للذكرى المجيدة من حيث سياقاتها وما تحفل به من دلالات وقيم، عقب ذلك، وإيمانا منه بضرورة فسح المجال للتلاميذ للتعبير والتفاعل وإبراز وجهات النظر، فقد منح أستاذ مادة التاريخ والجغرافيا، الفرصة للتلميذتين "ز. العربي" و"م. القيمي" من أجل تقديم عرض -من إعداده- تحت عنوان "عريضة المطالبة بالاستقلال" : السياقات والدلالات . تقديما للعرض، تمت الإشارة إلى أن تاريخ المغرب المعاصر والراهن، تؤثثه مجموعة من الأحداث البارزة التي ارتقت إلى مستوى الأعياد الوطنية التي يحتفي بها المغاربة كل سنة ليس فقط من أجل استحضار ما قام به الأسلاف من تضحيات جسام سواء على مستوى بناء الوطن أو على مستوى الدفاع عن حوزته، بل أيضا لما تحمل هذه الأحداث من رمزية متعددة المستويات، وقد تمت الإشارة في هذا الصدد إلى أعياد تؤرخ لحقبة الاستعمار بدء بحدث 11 يناير 1944 (تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال) - موضوع العرض - وحدث " ثورة الملك والشعب" (20 غشت 1953) وحدث "الاستقلال" (1956م) ، بالإضافة إلى الأعياد الوطنية التي تؤرخ لحقبة ما بعد الاستقلال، وفي طليعتها حدث "المسيرة الخضراء" ( 6 نونبر 1975م) ، وهي أعياد مجيدة لها مكانتها في قلوب المغاربة لما تحمله من دروس وعبر، بعد ذلك، بادرت التلميذتان العارضتان بالتناوب وبشكل تفاعلي مع التلاميذ الحاضرين، إلى تقديم مواد وفقرات العرض، والتي جاءت خطوطها الكبرى على النحو التالي : في محاولة لوضع 11 يناير في صلب السياق التاريخي الذي أنتجه، فقد تمت الإشارة أولا،إلى أن الحدث أحاطت به ظروف معقدة، منها ما هو داخلي ومنها ما هو خارجي دولي، والظرفان معا ساهما في بلورة الوثيقة والإقدام على صياغتها وتوزيعها على الجهات المسؤولة، وفي هذا الصدد تمت إثارة جملة من التطورات الكبرى التي طبعت المغرب في ظل نظام الحماية، بدءا باندلاع شرارات المقاومة العسكرية التي عمت كل المناطق، وبرز خلالها زعماء كبار (أمثال أحمد الهيبة ، مربيه ربه ، موحى أوحمو الزياني ، عسو أوبسلام ، محمد بن عبدالكريم الخطابي ...) أحرجوا المستعمر في عدد من المعارك رغم محدودية الوسائل وضعف التنسيق والتواصل، واستكمال فرنسا سيطرتها على البلاد مطلع سنة 1934م بعد هزيمة المقاومة المسلحة، وشروعها في استغلال البلاد اقتصاديا واجتماعيا وإداريا، وبروز معالم حركة وطنية بالمدن، تبنت الخيار السياسي كآلية سلمية لمواجهة سلطات الاحتلال الفرنسي والإسباني، حركة وطنية برزت في ظرفية حرجة أبانت من خلالها فرنسا عن حقيقة مخططاتها الاستعمارية من خلال إصدارها لما يعرف ب"الظهير البريري" (16 ماي 1930م) الذي توخت عبره عزل الأمازيغيين عن العرب بإخضاع كل طرف منهما لقوانين خاصة تكريسا لمبدأ "فرق تسد"، ومن حسنات هذا الظهير أنه أسهم في توحيد صفوف الحركة الوطنية الناشئة، وعكس انسجاما في مواقف المغاربة (عرب وأمازيغ) تجسد على أرض الواقع في موجات الاحتجاجات الواسعة التي عمت كل المدن المغربية كتعابير عن تشبت المغاربة بوحدتهم الترابية، لكن أهم متغير في تلك الفترة خصوصا والحياة السياسية المغربية عموما، كان هو تشكل أول حزب سياسي مغربي من طرف قادة الحركة الوطنية (علال الفاسي ومحمد بلحسن الوزاني ومحمد بلافريج) ويتعلق الأمر ب"كثلة العمل الوطني" (1933)، التي نددت بالاستغلال الاستعماري مسخرة في ذلك عدة وسائل وأساليب سلمية من قبيل تأسيس الجرائد والمجلات والمدارس الحرة ومقاطعة مختلف السلع والبضائع الأجنبية، فضلا عن الاحتفال بعيد العرش باعتباره رمزا للوحدة الوطنية . وفي ظل هذا الحراك السياسي ، تم تقديم "برنامج الإصلاحات" (1934م) إلى السلطان محمد بن يوسف والإقامة العامة بالرباط وإلى الحكومة الفرنسية، تميز بلهجته المعتدلة ، حيث لم يعترض على نظام الحماية، وطالب الحكومة الفرنسية باحترام روح ومنطوق "معاهدة فاس"، وعلى غرار المنطقة الفرنسية، فقد شهدت المنطقة الخليفية (الخاضعة لإسبانيا) هي الأخرى مطالب إصلاحية تقدم بها الوطنيون في هذه المنطقة إلى سلطات الاحتلال الإسباني، لم تنص بدورها على المطالبة بالاستقلال، بل اكتفت بمطالب إصلاحية سياسيا وإداريا واقتصاديا واجتماعيا، وفي ظل تجاهل سلطات الحماية لهذه المطالب الإصلاحية، واصلت الحركة الوطنية نضالها واشتدت المواجهات والاحتجاجات على سياسة الاستغلال الاستعماري ( السطو على الأراضي الزراعية التي يملكها الفلاحون المغاربة ، تحويل مياه واد بوفكران لتسخيرها في سقي أراضي المعمرين الفرنسيين ...) وقد واجهت الإقامة العامة هذه الأوضاع المضطربة بالقمع و تضييق الخناق على قادة الحركة الوطنية ( نفي ، فرض الإقامة الجبرية ...) . لكن إذا كان عمل الحركة الوطنية لم يبارح خلال فترة الثلاثينيات حدود المطالبة بالإصلاحات، فقد بدا واضحا أن رؤية الوصول إلى الاستقلال عن طريق الإصلاحات كانت رؤية غير صائبة ولا يمكن أن تحقق أية الأهداف المرجوة على أرض الواقع في ظل سياسة استعمارية جمعت في آن واحد بين يديها "سلطة الاستغلال" المكثف للخيرات و"سلطة التضييق" و"القمع" و"القتل"، لذلك كان من المنطقي ومن أجل الإصلاح لا بد من الاستقلال. لذلك عرفت "الحركة الوطنية" تطورات خلال فترة الأربعينيات من سماتها البارزة تجاوز رؤية المطالبة بالإصلاح وتبني نهج "المطالبة بالاستقلال"، وهذا التحول الجدري استفاد من الظروف الخارجية الدولية المرتبطة أساسا بمجريات الحرب العالمية الثانية التي انخرطت فيها الدول الإمبريالية، ومنها احتلال الدولة المستعمرة (فرنسا) من قبل القوات النازية وصدور "ميثاق الأطلسي" (1941م) ولقاء أنفا بالدار البيضاء ( 1943م ) الذي أبدى فيه الرئيس الأمريكي (روزفلت) تفهمه وعطفه ببذل الجهد لتحقيق الأماني المغربية في الاستقلال بعد نهاية الحرب، بالإضافة إلى تعزز الحركة الوطنية بظهور أحزاب سياسية جديدة (حزب الاستقلال وحزب الشورى والاستقلال والحزب الشيوعي ...) وإقبال العمال المغاربة على العمل النقابي، فضلا عن النجاحات التي حققتها الحركات الاستقلالية بالمشرق العربي والتي مهدت للإستقلال وشكلت بذلك دافعا محفزا لزعماء الحركة الوطنية . إذن وفي ظل هذا السياق التاريخي العام الذي تقاطعت فيه تطورات الوضع الداخلي بالمتغير الدولي، أصدرت الحركة الوطنية " عريضة المطالبة بالاستقلال" في 11 يناير 1944م التي أكدت بوضوح وبشكل مباشر على "مطلب الإستقلال" بعد أن اكتفت في مرحلة سابقة بالمطالبة بالإصلاح في ظل الحماية . استرسالا في العرض، وبعد مقاربة السياق التاريخي لحدث 11 يناير، تم التعريف بمضمون عريضة المطالبة بالاستقلال، التي تقدم بها حزب الاستقلال الذي ضم أعضاء عن الحزب الوطني السابق وشخصيات حرة بتاريخ 11 يناير 1944م، وتضمنت أربعة مطالب كبرى منها ما يرتبط بالسياسة العامة ومنها ما يرجع للسياسة الداخلية، وهي على النحو التالي : - المطالبة باستقلال المغرب ووحدة ترابه تحت ظل ملك البلاد محمد بن يوسف (محمد الخامس). - الإلتماس من جلالة الملك، التدخل لدى الدول التي يهمها الأمر ، الاعتراف بهذا الاستقلال وضمانه. - أن يطلب انضمام المغرب للدول الموافقة على ميثاق الأطلسي والمشاركة في مؤتمر الصلح . - الالتماس من جلالة الملك أن يشمل برعايته حركة الإصلاح التي يتوقف عليها عقب ذلك تم توجيه البوصلة نحو الموقعين على الوثيقة الذين اختلفوا من حيث الانتماءات (أندلسيون، موريسكيون، العنصر العريي، العنصر الأمازيغي، العنصر الشريف، العنصر الفاسي القح، العنصر السلاوي، العنصر الجبلي..) والأعمار ( تفاوت أعمار الموقعين وقد كان أصغرهم هو "عبدالله الرحماني" (عمره آنذاك 21 سنة) وأكبرهم سنا هو الحاج "محمد الرفاعي" (عمره انذاك 58 سنة)، وقد تم تخصيص ورقة تعريفية للسيدة "مليكة الفاسي" باعتبارها المرأة الوحيدة الموقعة على العريضة، مشكلة بذلك "صورة" متوهجة ومشرقة للمرأة المغربية في ذاكرة الحركة الوطنية، أما على المستوى المهني فقد حملت الوثيقة توقيعات فئات اجتماعية مختلفة من رجال أعمال وتجار ورجال تعليم ومدراء مدارس وفلاحون ورجال الصحافة وموظفون وقضاة . وقد تم إنهاء الشق الأول من العرض، برصد موقف السلطات الاستعمارية من المطلب المغربي، إذ تمت مواجهة المطلب بأساليب عنيفة تجسدت في شن جملة من الاعتقالات التي طالت عددا من الموقعين واقترفت عددا من الإعدامات دهب ضحيتها آلاف من المغاربة، وبدا واضحا أنها فقدت البوصلة بنفي الملك محمد بن يوسف وتنصيب بن عرفة مكانه في محاولة منها تغيير الوضع السياسي القائم ، لكن المغاربة واجهوا التضحية بالتضحية والوفاء بالوفاء، وأشعلوا فتيل ثورة الملك والشعب (20 غشت 1953م) واعتمدوا على العمليات الفدائية لاستهداف المصالح الاستعمارية، وأمام ذلك لم تجد فرنسا بدا من تغيير نهجها والسماح بعودة الملك من المنفى، لتدخل في مفاوضات الاستقلال، ليتم توقيع معاهدة إنهاء الحماية الفرنسية ثم الإسبانية، وهذا التلاحم المتين بين الملك والشعب جسد قيم الوفاء والتضحية والصمود بين ملك مجاهد وشعب مكافح . وبعد أن تم تأطير حدث تقديم عريضة المطالبة بالاستقلال ( 11 يناير 1944م) ووضعه في سياق الظروف الداخلية والخارجية التي أفرزته ومقاربة مضمون هذه العريضة والأشخاص الموقعين عليها ، فقد تم التأكيد على أن هذا الحدث الوطني ، شكل منعطفا حاسما في تاريخ المغرب زمن الحماية لاعتبارين اثنين : -أولهما : أنه جاء تتويجا لمسلسل طويل من النضال المتعدد المستويات، تم من خلاله اختبار كل الخيارات الممكنة(المقاومة العسكرية ، المطالبة بالإصلاحات ...) قبل أن تنضج فكرة المطالبة بالاستقلال استغلالا للمتغيرات الدولية ( هزيمة فرنسا أمام ألمانيا ، ميثاق الأطلسي ، لقاء أنفا بالدار البيضاء ، نجاحات الحركات الاستقلالية بالمشرق العربي ...) والداخلية (خروج فرنسا عن روح معاهدة فاس وجنوحها نحو الحكم المباشر المبني على الاستغلال والقمع ) . -ثانيها : ما ترتب عن هذه العريضة من أحداث داخلية لاحقة، في طليعتها نفي الملك محمد بن يوسف واندلاع شرارة ثورة الملك والشعب (20 غشت 1953م) التي أربكت حسابات المستعمر ، وشكلت بالتالي، آخر منعرج في اتجاه تحقيق الحرية والاستقلال. وبما أن الذكرى، تبقى حبلى بالدلالات والقيم، فقد تم التوقف عند جانب من هذه الدلالات والقيم منها : - أن العريضة لم تكن لتخرج إلى حيز الواقع وترفع كسلاح فتاك في مواجهة المستعمر، لولا التنسيق المسبق والمحكم بين الملك محمد بن يوسف وأعضاء الحركة الوطنية، بمعنى أن مطلب الإصلاح وجد البيئة المناسبة للنجاح، من حركة وطنية ناضجة وفاعلة وملك متفاعل ومساند لم ينصع للمؤامرات الاستعمارية، وهذا التلاحم بين العرش ومكونات الشعب بكل أطيافه وتعبيراته، كان هو المدخل الوحيد الذي مكن من مواجهة المستعمر و إجهاض كل مخططاته . - أن العريضة حملت توقيع كل الشرائح الاجتماعية من عرب وأمازيغ وأندلسيين وموريسكيين وأشراف وجبليين وسكان المدن الكبرى، وهذا يعكس صورة راقية تم من خلالها تجاوز الخلافات العرقية أو الاجتماعية الضيقة من أجل قضايا الوطن، وهنا لا بد من التذكير أن وحدة الصف وطرح الخلافات السياسوية الضيقة، هي صمام الأمان لمواجهة التحديات التي تواجه المغرب اقتصاديا واجتماعيا وتنمويا وغيرها . - أن المستعمر حاول اختراق الوحدة الوطنية من خلال تنزيل ظهير 16 ماي 1930 تكريسا لمبدأ "فرق تسد" ، لكن المغاربة تصدوا لذلك بالرفض والمزيد من التكتل والتوحد بمختلف انتماءاتهم الاجتماعية والمهنية ، ووحدة الصف كانت بمثابة السلاح الفتاك الذي حطم كل المخططات الاستعمارية . - أن الموقعين على العريضة ، كانوا يقدرون ما سيصدر عن سلطات الاحتلال من ردات فعل عنيفة ، إلا أنهم أشهروا سلاح مطلب الاستقلال غير مكترثين بما يمكن أن يطالهم من قمع وسجن وتنكيل، وهذه عبرة أخرى تعكس أن حب الأوطان من الإيمان ، والإيمان هو من يهب الصمود والتحدي وقوة التحمل . - أن الملك محمد بن يوسف، وهو يتبنى مطلب الإصلاح بدون قيد أو شرط، لا شك أنه كان يدرك ردة فعل الإقامة العامة ويقدر حجم الخطر الذي يمكن أن يطاله بمعية الأسرة الملكية، بل أكثر من ذلك يسجل له التاريخ زيارته لمدينة طنجة الدولية في ظرفية حرجة وألقى خطابا فيها (1947م) ، وهذا تحدي صارخ لسلطات الاحتلال الفرنسي والإسباني، وتعبيرا واضحا عن وحدة المغرب، رغم الواقع الذي فرضه الاستعمارين الفرنسي والإسباني. - أن العريضة حملت توقيع امرأة وحيدة (مليكة الفاسي)، وهي تعد ولا شك أيقونة في عريضة كل موقعيها رجال، وهذه صورة مشرقة للمرأة المغربية التي بإمكانها أن تقدم الكثير للوطن وبإمكانها أن تكون شريكا للرجل في بناء هذا الوطن، وقيمة حضور "مليكة الفاسي" لا يمكن تقدير قيمته، إلا إذا تم استحضار طبيعة المجتمع المغربي وقتها ، الذي كان مجتمعا محافظا ورجوليا بامتياز لا يسمح بخروج المرأة من البيت، فكيف يسمح لها بممارسة العمل السياسي بل وتوقيع عريضة كل موقعيها رجال . - لا بد من التأكيد أن بناء الوطن مسؤولية تتحملها المرأة والرجل، الحضري والريفي والجبلي، الفاسي والمراكشي والسلاوي والرباطي والدكالي ... ، العربي والأمازيغي والأندلسي ... ، فالوطن وطن للجميع ، ومن واجبات المواطنة أن يتم تمكين كل الطاقات والقدرات والكفاءات المغربية من الإسهام في بناء الوطن بدون تمييز أو إقصاء . وفي أعقاب العرض، تمت الدعوة إلى استحضار ما قام به الأسلاف من تضحيات جسام في سبيل الدود عن حمى الوطن، واستلهام ما يزخر به الحدث من دروس وعبر وقيم وطنية، فما ننعم فيه اليوم من أمن واستقرار و طمأنينة أدى ثمنه الأسلاف الذين تحملوا وزر كل السياسات الاستعمارية الظالمة التي زاغت عما تعهدت به من إصلاحات، وحولت النظام إلى حكم مباشر مبني على الإستغلال المفرط والقتل والتنكيل والتجويع، وهي مناسبة لجميع المغاربة خاصة المسؤولين منهم، أن يستلهموا من هذه الذكرى الغالية، الوطنية الصادقة التي تنتصر لقضايا الوطن، وأن يطرحوا حساباتهم الضيقة و يتحلوا بروح المسؤولية وبالضمير المهني وبحس المواطنة، من أجل الإسهام في بناء الوطن الذي تواجهه عدة تحديات في طليعتها قضية الوحدة الترابية (آنيا) واستكمال مسلسل الوحدة الترابية (مستقبلا) وكذا تحدي التنمية الشاملة ورفع مظاهر الإقصاء عن الكثير من المجالات الترابية الفقيرة والهشة. بعد إنهاء العرض الذي تخلله نقاش وتفاعل بين العارضتين والتلاميذ الحاضرين، تناول الكلمة مجددا الأستاذ "عزيز لعويسي" وقدم كلمة شكر وتقدير للتلميذتين على ما بدلاه من مجهود، وثمن استيعابهما لمحتويات العرض وطريقة تقديمهما لمواده وفقراته، ثم تقدم بعرض موجز في حدود ما سمح به الحيز الزمني المتبقي، تحت عنوان "رؤية قانونية لعريضة 11 يناير"، أفاد من خلالها أن العريضة، صيغت وفق رؤية منهجية تعكس خلفية قانونية، حيث استهلت في مرحلة أولى، بالحيثيات كفعل ينتمي إلى القاموس القانوني، يرتبط أساسا بشكليات الكتابة القانونية التي تبنى عبرها الشكايات أو الدفوعات أو المرافعات أو الأحكام، وفي مرحلة ثانية بالمطالب، بمعنى أن الحيثيات جاءت حبلى بعدد من التبريرات والوقائع التاريخية والقانونية والواقعية، التي تزكي المقصد الأساس (مطلب الاستقلال)، مما يعكس أن الموقعين كانوا من رجالات الثقافة والفكر، منهم رجال الثقافة الأصيلة المتخرجين من جامع القرويين والمساجد الكبرى في المدن، ومنهم رجال الثقافة المصرية الذين نالوا تكوينا علميا حديثا وانفتحوا على اللغة الفرنسية والرياضيات والعلوم الطبيعية والعلوم القانونية، خاتما تدخله بالإشارة إلى أن العريضة، شكلت -ليس فقط- نقلة نوعية في تاريخ الحركة الوطنية ونقطة تحول كبرى ترتبت عنها أحداث لا تقل أهمية في طليعتها "ثورة الملك والشعب" (20 غشت 1953م) التي شكلت منعطفا أخيرا في اتجاه التحرر والانعتاق، ولكن أيضا، جسدت مرآة عاكسة لقيم الوطنية والتضحية والوفاء ونكران الذات من أجل الوطن، مفيدا أنه لامناص اليوم من استلهام روح ذكرى 11 يناير، واستحضار ما تحمله من ملاحم بطولية، في زمن تراجع فيه منسوب المواطنة والقيم، حاثا المتعلمين الحاضرين على ضرورة التحلي بقيم الوطنية والأخلاق الحميدة وروح المسؤولية والمثابرة في الدراسة والإسهام الإيجابي في خدمة الوطن والدفاع عن قضاياه. هذا،وقد انتهى هذا اللقاء الثقافي والتربوي، في حدود الساعة 18و40د، بالترحم على فقيد أسرة التعليم بالمحمدية، ويتعلق الأمر بمدير الثانوية التأهيلية "العاليا" بالمحمدية، والذي وافته المنية قبل ثلاثة أيام، وبأخد صور تذكارية جماعية، في وقت أسندت لتلاميذ القسم، مهمة إنجاز بطاقات خاصة تعرف بجميع الشخصيات التي تركت توقيعها في عريضة 11 يناير 1944 (66 شخصية)، في أفق إنجاز "كتيب" جماعي يوثق لهذا الحدث المجيد، ولم يدع الأستاذ "عزيز لعويسي" الفرصة تمر، دون التنويه بالمستوى العام للتلاميذ (الأولى باكالوريا علوم رياضية1)، والإشادة بانضباطهم ومثابرتهم سواء داخل الفضاء الفصلي، أو من خلال الأعمال اللاصفية التي تطلب منهم، مشجعا إياهم على المزيد من الجهد والعطاء، من أجل الحصول على نقط جيدة في فروض المراقبة المستمر، وخاصة في الامتحان الجهوي الموحد .
كاتب رأي، أستاذ التاريخ والجغرافيا بالسلك التأهيلي (المحمدية)، باحث في القانون، مهتم بقضايا التربية والتكوين .- [email protected]