يخلد الشعب المغربي قاطبة الذكرى السبعين لوثيقة المطالبة بالإستقلال، هذه الوثيقة السياسية التاريخية المتميزة، التي لها قيمة ومكانة خاصة في تاريخ الحركة الوطنية المغربية بصفة خاصة، وتاريخ المغرب بصفة عامة. جاءت وثيقة المطالبة بالإستقلال كتتويج لمسلسل طويل من المقاومة، وبعد معركة أنوال في يوليوز 1921، والمقاومة المسلحة في الأطلس المتوسط، وبعد التصدي للظهير البربري في 16 ماي 1933، وبعد المظاهرات وأعمال فدائية ضد المحتل في إطار «كتلة العمل الوطني» التنظيم الذي كان أنذاك. جاءت أيضا بعد مطالبة الحماية الفرنسية بالمغرب بالإصلاحات، التي قدمها رجال الحركة الوطنية المغربية في «برنامج الاصلاحات» إلى الإقامة العامة، وسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب في فاتح دجنبر 1934، وبعد مطالب الشعب المغربي الكاملة سنة 1937، إلى أن توج ذلك بقيام مجموعة من الوطنيين من صفوف الحركة الوطنية بتقديم وثيقة المطالبة بالإستقلال المؤرخة في 11 يناير 1944، إلى جلالة الملك محمد الخامس، والمقيم العام وسلطات الحماية الفرنسية بالمغرب، ومفوضيات الولاياتالمتحدة وبريطانيا والاتحاد السوفياتي بالرباط. كما عززت الحركة الوطنية طلبها بتنظيم مجموعة من التظاهرات في جل المدن المغربية يوم 29 يناير من نفس السنة، لتأييد هذه الوثيقة، وتلتها حملة اعتقالات من طرف السلطات الاستعمارية، شملت العديد من رجال الحركة الوطنية. هذه الوثيقة التي تتضمن الأسباب الداعية إلى تقديم مطلب الإستقلال، ثم الاعلان صراحة بمطلب الإستقلال التام وتوحيد المناطق الأربع، وضمان هذا الإستقلال من قبل جميع الدول المعنية بالأمن، وقبول المغرب ضمن الدول الموقعة على الميثاق الأطلسي، ووضع دستور ديمقراطي والإشارة إلى السلطان بصفته الملك. هذه الوثيقة التي كتبت على ورقة واحدة، ومجموع كلماتها لا يتعدى 377 كلمة، وتحتوي على إمضاءات الموقعين وعددهم 65 من بينهم الشهيد المهدي بنبركة والفقيد عبد الرحيم بوعبيد كأصغر الموقعين، والمرحوم أحمد مكوار الذي كتبت في بيته في البطحاء بمدينة فاس، ومحمد العيساوي المسطاسي آخر الموقعين والموجود على قيد الحياة الذي نتمنى له الصحة والعافية وطول العمر، بالإضافة إلى امرأة واحدة المرحومة مليكة الفاسي أي 66 موقعا، وواحد وقع معنويا على الوثيقة وهو المغفور له محمد الخامس عندما أعطى موافقته على مضمون الوثيقة وفحواها، ليصبح في المجموع 67 شخصا. هذه الوثيقة التي تؤرخ لمرحلة مهمة من تاريخ المغرب، وقعها 50 عضوا من أعضاء الحزب الوطني أنذاك، ومن 9 شخصيات من قدماء تلاميذ مولاي ادريس، ومن 3 شخصيات حرة. كما وقعت عليها شخصيات من مجموعة المدن المغربية، كمدينة فاس التي وقع منها 13 شخصية، ومن الرباط 11، ومن سلا 7، ومن مراكش 5، ومن القنيطرة 3، ومن الخميسات 3، ومن آسفي 3، ومن الدارالبيضاء 2، وواحد من مدينة سيدي قاسم، وآخر من مدينة وجدة. هذه الوثيقة التي وقعت عليها 20 شخصية من رجال التعليم، و17 شخصية يعملون في مجالات مختلفة في التجارة والأعمال الحرة، و13 شخصية من الموظفين، و4 من قطاع المحاماة، و5 من رجال الاعلام، و3 يشتغلون في سلك القضاء، و2 من علماء القرويين، وواحد من قطاع الطب، وآخر يعمل في سلك الجندية. كما ركزت هذه الوثيقة على استقلال المغرب في ظل الوحدة الترابية للمملكة، وإرساء ملكية دستورية وديمقراطية، والحريات الفردية والجماعية، والمساهمة في الحياة الدولية بشكل يحترم سيادة المغرب، وإحداث نظام سياسي شوري شبيه بنظام الحكم في البلاد العربية والإسلامية بالشرق، وتحفظ فيه حقوق وواجبات جميع عناصر الشعب المغربي، والدفاع عن الوحدة الاجتماعية والعقدية للمغاربة لإفشال كل المخططات الاستعمارية. ويعتبر حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، منعطفا مفصليا وضع حدا فارقا بين عهدين في مسيرة الكفاح الوطني التحريري، يتمثل الأول في عهد مطالبة سلطات الحماية بالإصلاحات التي التزمت بها بمقتضى معاهدة الحماية، والثاني في عهد الجهر بمطلب الاستقلال والسيادة الوطنية. وفي هذا الصدد، أبرز المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير، مصطفى الكثيري، في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء، أن هذه الوثيقة التاريخية شكلت عهدا جديدا وميثاقا تاريخيا بين بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس وقادة وطلائع الحركة الوطنية، مجسدة بذلك إرادة مشتركة وإعلانا مبدئيا صريحا بين العرش والشعب من أجل إنهاء عهد الحجر والحماية، والتطلع إلى تحقيق الطموحات المشروعة لتحرير البلاد ولبناء مغرب حر مستقل. وذكر الكثيري بأن حدث الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال جاء في سياق التحولات الوطنية، وفي ظرفية دولية غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية، واللقاء التاريخي لمؤتمر آنفا بالدار البيضاء في 13 يناير 1943 بين جلالة المغفور له محمد الخامس والرئيس الأمريكي روزفلت والوزير الأول البريطاني تشرشل. وأضاف أن حدث تقديم هذه الوثيقة التاريخية عكس، على الصعيد الوطني، اتساع النضج السياسي، ومستوى تقدم العمل النضالي للحركة الوطنية، سواء في الجبهة الداخلية التنظيمية والتواصلية، أو على الصعيد الدولي مع تقوية الدبلوماسية الحزبية والوطنية وكسبها التأييد الواسع خاصة في هيئة الأممالمتحدة. وكان لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال لدى سلطات الإقامة العامة وللتمثيلياتالدبلوماسية المعتمدة بالمغرب آنذاك، يقول الكثيري، أكبر الوقع وأبلغ الأثر من حيث الصيغة التي حررت بها، ومن حيث مضمونها السياسي والفكري والبيداغوجي في تناول الأهداف والمطالب بما يجب من الشمول والدقة والعمق والوضوح. فجسدت هذه الوثيقة التاريخية تعبيرا حيا وقويا عن آمال وطموحات الشعب المغربي وتوجهاته الإصلاحية الحقيقية نحو الاستقلال الوطني والاختيار الديمقراطي والبناء المؤسساتي للدولة المغربية الجديدة. وأكد المندوب السامي أن هذه الوثيقة تمثل بحق «خارطة طريق» انطلقت في 11 يناير 1944 لتشق طريقها بعزم وحزم وإصرار لإلغاء وضع الحماية، وتوحيد البلاد مع الرحلة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس بمعية الأمراء إلى طنجة في 9 أبريل 1947 والتي أكدت على مطلب الاستقلال الوطني ووحدة البلاد وانتمائها لمحيطها العربي والإسلامي. وقد أدى تسارع الأحداث واحتدام المواجهات بين القصر والحركة الوطنية من جانب، وسلطات الإقامة العامة من جانب ثان، إلى الدخول في مرحلة المقاومة والفداء غداة نفي الملك الشرعي وعائلته في 20 غشت 1953 والتي توجت بانتصار ملحمة ثورة الملك والشعب وتحقيق مطلب 11 يناير 1944 للاستقلال. وأبرز الكثيري أن ما يستفاد من حيثيات هذا الحدث الهام هو أن المغرب وقف عبر تاريخه العريق بعزم وإصرار وتحد في مواجهة أطماع الطامعين، مدافعا عن وجوده ومقوماته وهويته ووحدته، ولم يدخر جهدا في مواجهة المستعمر الذي جثم بكل قواه على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي، فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعتها الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بالشمال والجنوب، فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي. فمن الانتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب، إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة ما يسمى بالظهير البربري التمييزي في 16 مايو سنة 1930، وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936، فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير سنة 1944. ولقد شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال بالنظر إلى سياقها التاريخي، ثورة وطنية بكل المعاني والمقاييس جسدت وعكست وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل والبرهان على قدرتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة، وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم للنفوذ الأجنبي والإصرار على مواصلة مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهته، والتصدي له إلى أن تحقق النصر المبين بفضل الإرادة المجتمعة للعرش والشعب. وتعتبر هذه الحقبة المهمة من تاريخ المغرب مليئة بالدروس والعبر، ومنعطفا حاسما ومحطة مشرقة في مسلسل الكفاح الوطني. حزبا «الاتحاد» والاستقلال» ينظمان مهرجان ذكرى تقديم وثيقة الاستقلال تنظم قيادتا الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال، مهرجانا وطنيا تخليدا للذكرى السبعين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، وذلك يوم السبت 11 يناير 2014 في الساعة الرابعة بعد الزوال بمركز «زينيت» للمؤتمرات الكائن بحي الرياضبالرباط.