يعتبر حدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال٬ الذي يخلد الشعب المغربي بعد غد الجمعة ذكراه ال69٬ منعطفا مفصليا وضع حدا فارقا بين عهدين في مسيرة الكفاح الوطني التحريري٬ يتمثل الأول في عهد مطالبة سلطات الحماية بالإصلاحات التي التزمت بها بمقتضى معاهدة الحماية٬ والثاني في عهد الجهر بمطلب الاستقلال والسيادة الوطنية. وفي هذا الصدد٬ أبرز المندوب السامي لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير٬ السيد مصطفى الكثيري٬ في حديث لوكالة المغرب العربي للأنباء٬ أن هذه الوثيقة التاريخية شكلت عهدا جديدا وميثاقا تاريخيا بين بطل التحرير جلالة المغفور له محمد الخامس وقادة وطلائع الحركة الوطنية٬ مجسدة بذلك إرادة مشتركة وإعلانا مبدئيا صريحا بين العرش والشعب من أجل إنهاء عهد الحجر والحماية والتطلع إلى تحقيق الطموحات المشروعة لتحرير البلاد ولبناء مغرب حر مستقل. وذكر السيد الكثيري بأن حدث الإعلان عن وثيقة المطالبة بالاستقلال جاء في سياق التحولات الوطنية٬ وفي ظرفية دولية غداة انتهاء الحرب العالمية الثانية٬ واللقاء التاريخي لمؤتمر آنفا بالدار البيضاء في 13 يناير 1943 بين جلالة المغفور له محمد الخامس والرئيس الأمريكي روزفلت والوزير الأول البريطاني تشرشل. وأضاف أن حدث تقديم هذه الوثيقة التاريخية عكس٬ على الصعيد الوطني٬ اتساع النضج السياسي٬ ومستوى تقدم العمل النضالي للحركة الوطنية٬ سواء في الجبهة الداخلية التنظيمية والتواصلية٬ أو على الصعيد الدولي مع تقوية الدبلوماسية الحزبية والوطنية وكسبها التأييد الواسع خاصة في هيئة الأممالمتحدة. وكان لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال لدى سلطات الإقامة العامة وللتمثيليات الدبلوماسية المعتمدة بالمغرب آنذاك٬ يقول السيد الكثيري٬ أكبر الوقع وأبلغ الأثر من حيث الصيغة التي حررت بها٬ ومن حيث مضمونها السياسي والفكري والبيداغوجي في تناول الأهداف والمطالب بما يجب من الشمول والدقة والعمق والوضوح. فجسدت هذه الوثيقة التاريخية تعبيرا حيا وقويا عن آمال وطموحات الشعب المغربي وتوجهاته الإصلاحية الحقيقية نحو الاستقلال الوطني والاختيار الديمقراطي والبناء المؤسساتي للدولة المغربية الجديدة. وأكد المندوب السامي أن هذه الوثيقة تمثل بحق "خارطة طريق" انطلقت في 11 يناير 1944 لتشق طريقها بعزم وحزم وإصرار لإلغاء وضع الحماية وتوحيد البلاد مع الرحلة التاريخية التي قام بها جلالة المغفور له محمد الخامس بمعية الأمراء إلى طنجة في 9 أبريل 1947 والتي أكدت على مطلب الاستقلال الوطني ووحدة البلاد وانتماءها لمحيطها العربي والإسلامي. وقد أدى تسارع الأحداث واحتدام المواجهات بين القصر والحركة الوطنية من جانب٬ وسلطات الإقامة العامة من جانب ثان٬ إلى الدخول في مرحلة المقاومة والفداء غداة نفي الملك الشرعي وعائلته في 20 غشت 1953 والتي توجت بانتصار ملحمة ثورة الملك والشعب وتحقيق مطلب 11 يناير 1944 للاستقلال. وأبرز السيد الكثيري أن ما يستفاد من حيثيات هذا الحدث الهام هو أن المغرب وقف عبر تاريخه العريق بعزم وإصرار وتحد في مواجهة أطماع الطامعين مدافعا عن وجوده ومقوماته وهويته ووحدته٬ ولم يدخر جهدا في مواجهة المستعمر الذي جثم بكل قواه على التراب الوطني منذ بدايات القرن الماضي٬ فقسم البلاد إلى مناطق نفوذ توزعتها الحماية الفرنسية بوسط المغرب والحماية الإسبانية بالشمال والجنوب٬ فيما خضعت منطقة طنجة لنظام حكم دولي. فمن الانتفاضات الشعبية إلى خوض المعارك الضارية بالأطلس المتوسط وبالشمال والجنوب٬ إلى مراحل النضال السياسي كمناهضة ما يسمى بالظهير البربري التمييزي في 16 مايو سنة 1930٬ وتقديم مطالب الشعب المغربي الإصلاحية والمستعجلة في 1934 و1936٬ فتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال في 11 يناير سنة 1944. ولقد شكلت وثيقة المطالبة بالاستقلال٬ بالنظر إلى سياقها التاريخي٬ ثورة وطنية بكل المعاني والمقاييس جسدت وعكست وعي المغاربة ونضجهم وأعطت الدليل والبرهان على قدرتهم وإرادتهم للدفاع عن حقوقهم المشروعة وتقرير مصيرهم وتدبير شؤونهم بأنفسهم وعدم رضوخهم للنفوذ الأجنبي والإصرار على مواصلة مسيرة النضال التي تواصلت فصولها بعزم وإصرار في مواجهته والتصدي له إلى أن تحقق النصر المبين بفضل الإرادة المجتمعة للعرش والشعب. وتعتبر هذه الحقبة المهمة من تاريخ المغرب مليئة بالدروس والعبر٬ ومنعطفا حاسما ومحطة مشرقة في مسلسل الكفاح الوطني الذي خاضه الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي من أجل الحرية والاستقلال.