يخلد الشعب المغربي، وفي طليعته رجال الحركة الوطنية وأسرة المقاومة وجيش التحرير، اليوم الجمعة، في أجواء مفعمة بقيم الإجلال والإكبار، الذكرى 66 لانتفاضة 29 يناير 1944، التي تشكل استحضارا للفصول السنية والصفحات المشرقة من نضال العرش والشعب من أجل الحرية والاستقلال. إن هذه الانتفاضة جسدت أروع مواقف البطولة والتضحية، تأكيدا لحدث تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال التاريخية، الذي مثل محطة بارزة في مسيرة كفاح الشعب المغربي بقيادة العرش العلوي المنيف من أجل الحرية والاستقلال والدفاع عن المقدسات الدينية والثوابت الوطنية. واندلعت انتفاضة 29 يناير 1944، تأكيدا لمضامين وثيقة المطالبة بالاستقلال، واستنكارا لحملات التقتيل والتنكيل والاعتقالات، التي أقدمت عليها قوات الحماية مستهدفة رجال الحركة الوطنية وعموم أبناء الشعب المغربي، إثر تقديم هذه الوثيقة التاريخية المجسدة لإرادة العرش والشعب، ونضالهما البطولي في سبيل الحرية والانعتاق. ففي مثل هذا اليوم من سنة 1944، خرجت حشود من الجماهير الشعبية من قلب مدينة الرباط، منددة بإقدام سلطات الحماية على اعتقال زعماء من الحركة الوطنية، وبلغ صدى هذه المظاهرات ولي العهد آنذاك جلالة المغفور له الحسن الثاني، قدس الله روحه، وهو داخل المعهد المولوي، فتخطى سوره والتحق بصفوف المتظاهرين. وأمام حملة القمع الاستعمارية التي تلت تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، ألح رمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس، قدس الله روحه، على الإفراج عن المعتقلين جميعهم، لكن سلطات الحماية استغلت مقتل أحد الأوروبيين لتطوق المدينة، وتقوم بإنزال قواتها، وأطلقت النار على المتظاهرين، الذين دافعوا عن أنفسهم بكل شجاعة واستماتة، ما خلف شهداء رووا بدمائهم شجرة الحرية ومعتقلين صدرت أقسى الأحكام في حقهم. وكان لحاضرة سلا المجاهدة، إسهام بارز في هذه الانتفاضة العارمة، التي اندلعت مواجهة للغطرسة الاستعمارية، وتأييدا لمضمون وثيقة المطالبة بالاستقلال، ودفاعا عن مقدسات الوطن، حيث هب وطنيون أفذاذ من هذه المدينة في انتفاضة تاريخية مخترقين شوارعها، متحدين قوات الاحتلال وهجومها الشرس، الذي أدى إلى سقوط شهداء أبرار بذلوا أرواحهم فداء للوطن، تغمدهم الله بواسع رحمته وأسكنهم فسيح جناته. واتسع هذا الحدث وامتدت المظاهرات لتشمل مختلف المدن المغربية، مثل فاس، ومكناس، ومراكش، وغيرها من المدن الأخرى. وتسارعت الأحداث لتحتدم المواجهة بين الوجود الاستعماري والقصر الملكي، إذ أقدمت سلطات الحماية في 20 غشت 1953، على نفي بطل التحرير وأسرته الملكية الشريفة، في محاولة يائسة لإخماد الروح الوطنية، ما أجج شعلة الكفاح الوطني لتنطلق المقاومة المسلحة، والمظاهرات العارمة، وعمليات جيش التحرير، إلى أن تحققت إرادة العرش والشعب وعاد رمز المقاومة جلالة المغفور له محمد الخامس منصورا مظفرا من المنفى إلى أرض الوطن، في 16 نونبر1955، رفقة شريكه في الكفاح جلالة المغفور له الحسن الثاني، والأسرة الملكية الشريفة، حاملين بشرى انتهاء عهد الحجر والحماية وبزوغ فجر الحرية والانعتاق. وحظيت هذه الملحمة البارزة والمحطة التاريخية المهمة في تاريخ الشعب المغربي بعناية موصولة، واحتفاء دائم ومستمر، ومن ذلك تنظيم مهرجان كبير بمناسبة الذكرى الخمسين، حيث تفضل جلالة المغفور له الحسن الثاني، فأناب عنه سمو ولي العهد آنذاك، جلالة الملك محمد السادس لإزاحة الستار يوم 29 يناير 1994، عن اللوحة التذكارية المقامة تخليدا لأحداث يوم 29 يناير1944، بساحة مسجد السنة بالرباط، والبرور الموصول بشهداء وأبطال هذه الملحمة الخالدة، وتكريم ذكراهم إكبارا لتضحياتهم الجسام وأعمالهم الجليلة، دفاعا عن عزة الوطن وكرامته بقيادة العرش العلوي المجاهد.