طنجة : " عاش الملك "، كان يرددها مجموعة من العائدين من ليبيا بمجرد ما وطئت أقدامهم أرض الوطن، وسط زغاريد النساء، وهم يحملون ما خف وزنه من أمتعتهم، حصيلة سنوات غربتهم بالمهجر، بعدما تركوا الجمل بما حمل. من أجل سلامتهم . الساعة كانت تشير إلى حوالي الساعة السابعة من صباح أمس يوم الأحد 06 مارس الجاري، حين رست بميناء طنجة المتوسط للمسافرين باخرة " بركان "، بعد رحلة انطلقت مساء يوم الثلاثاء الأخير من ميناء مدينة بنغازي التي توجد تحت سيطرة " الثوار "، وعبرت ميناء العاصمة طرابلس يوم الخميس، قبل أن تبحر في اتجاه طنجة، وعلى متنها 1511 راكب من المهاجرين المغاربة بليبية، ويوجد من بينهم أيضا حوالي مائة مهاجر ينتمون لدول السينغال وغامبيا ومصر وتونس والجزائر وموريطانيا . العائدون بقدر ما عبروا عن فرحتهم بعودتهم إلى بلدهم آمنين، بقدر ما عبروا عن استيائهم من الظروف التي فرضت عليهم، بعدما فقدوا كل شيء، وعادوا إلى نقطة الصفر، ومنهم من احتار في تحديد الوجهة التي سيتجها، بعد سنوات طويلة في بلاد المهجر، الذي كا إلى حين هو الأمل والمستقبل. خاصة وأن مجموعة كبيرة منهم كانت تعد تحويلاتهم المالية مصدر عيش لعائلاتهم بالمغرب. أجواء الاستقبال بالميناء المتوسطي، أعادت الاطمئنان للعائدين، الذين لم تفارقهم أعينهم صور ومشاهد الدمار والتقتيل، التي تركوها بمدن إقامتهم، خاصة ساكنة بنغازي. شهادات العائدين، تختلف بين مؤيدين لعهد القذافي ما قبل " الثورة "، الذين يؤكدون على أنهم كانوا يعيشون في أمان، ويعاملون معاملة حسنة من قبل جميع الليبيين، وكانوا يصرفون على أنفسهم وعلى أقاربهم بالمغرب، وآخرون يرون أن " الثوار " بدورهم وعدوهم بأن تتحسن الأحوال أفصل بليبيا وطلبوا منهم عدم مغادرة البلاد نحو أوطانهم، لكن صوت الرصاص كان أقوى، وأرغم الأغلبية على الرحيل، تقول مهاجرة قضت أزيد من 10 سنوات ببنغازي. عبد العالي بوعزيزي ينحدر من مدينة الخميسات، قال إنه لم يعد إلى المغرب منذ 13 سنة، وكان يقيم بمنطقة الثمانين بضواحي العاصمة طرابلس لأزيد من 25 سنة، وإلى حدود الأسبوع المنصرم، لم تسجل بمنطقته وقوع أي أحداث، لكنهم كانوا يسمعون بالليل طلقات نارية وفي النهار تكون الحالة عادية، إلا أن خوفه دفعه إلى ترك منزله وكل ما يملك هناك ليعود إلى وطنه. منير شاب هاجر إلى طرابلس قبل حوالي شهر، ومن سوء حظه أن " الثورة " اندلعت قبل أن يصل إلى مدينة البيضاء، حيث كان سيشتغل سائقا، لكنه قضى الفترة الأخيرة داخل منزل شقيقه لا يسمع إلا صوت الرصاص إلى أن عادا معا . سيدة مغربية كانت تعمل خادمة بطرابلس، منذ أربع سنوات، تزوجت بمواطن سوداني، لم تنجب منه أطفال، الأحداث الأخيرة فرقت بينهما، وعادت إلى وطنها دون زوجها، وتحكي أن هناك العديد من المغربيات تخلى عنهن أزواجهن العرب وبقين بدون معيل. حكايات كثيرة يحكيها العائدون عن معاناة الشعب الليبي بعد حالة الفوضى والرعب، التي عمت العديد من المناطق، وما تسبب ذلك في نقص التموين، ومجموعة من الشبان كانوا يحملون صور فيديو ملتقطة بهواتفهم النقالة، عن مشاهد لعمليات التقتيل نفذها مجهولون ضد مدنيين ببعض الشوارع. كما اتهم مجموعة من العائدين مصالح السفارة والقنصلية المغربية بالتقصير، وطالبوا الجهات المسؤولة باتخاذ اجراأت أكثر فاعلية لإنقاذ المهاجرين وحمايتهم، بعد تسجيل حالة وفاة وحيدة بمدينة البيضاء ويتعلق الأمر بمهاجر مغربي ينحدر من مدينة الناضور. محمد عامر الوزير المنتدب لدى الوزير الأول المكلف بالجالية المغربية المقيمة بالخارج، كان في استقبال العائدين إلى جانب محمد حصاد والي جهة طنجة تطوان، بعدما تجندت جميع المصالح لتوفير الظروف المناسبة للاستقبال، حيث تم نصب خيمة كبيرة للاستراحة، في انتظار نقلهم إلى مدن إقامة عائلاتهم، على متن حوالي مائتي حافلة تم تخصيصها لهذا الغرض. " الحكومة تحملت نفقات النقل البحري التي تقدر بحوالي 12 مليون درهم عن كل رحلة "، هذا ما أعلن عنه عامر في لقاء صحفي نظمه بعين المكان، و تحدث خلاله عن إعلان السلطات المغربية حالة التعبئة لتجاوز الصعوبات التي تواجه المصالح القنصلية بليبيا من أجل الاستجابة لطلبات جميع الراغبين في العودة إلى بلدهم، مشيرا إلى أن عدد العائدين بلغ أزيد من 9 آلاف مهاجر، من بينهم حوالي 5 آلاف عادوا عبر الجو، فيما الباقي تم ترحيلهم بحرا في رحلتين. الباخرة الثانية " ميسترال "، من المنتظر أن تكون قد وصلت إلى ميناء طنجة المتوسط مساء أمس، وعلى متنها أزيد من ألفي مهاجر مغربي بليبيا.