لم تكن الحركة في ميناء طنجة المتوسط صباح اليوم الأحد كما هي عادتها ككل صباح، لأنها ببساطة لم تكتفي في هذا الصباح بالحركة ذات الطابع الاقتصادي المعتاد، ولكن اكتست طابع السعي نحو أهداف إنسانية تضامنية، وذلك على كافة المستويات الرسمية وغير الرسمية. ففيما تعبأت السلطات العمومية باتخاذ تدابير خاصة لاستقبال فوج جديد من أفراد الجالية المغربية المقيمة في ليبيا الذين طردتهم سوء الأوضاع في دولة العقيد معمر القذافي، كان هناك أيضا نشطاء جمعويون من منظمة الهلال الأحمر للمساهمة في تسهيل عودة إخوانهم في الوطنية إلى بلدهم الذي لا مأوى غيره خاصة في أوقات الشدائد.
بهجة بالعودة تتخللها آلام الفراق
صحيح أن الابتهاج بالعودة إلى أرض الوطن، كان عنوانا بارزا للمشهد منذ اللحظات الأولى، أي منذ استعداد الباخرة "بركان" التي أقلت حوالي 2500 مقيم مغربي في ليبيا، حيث ارتفعت الهتافات من أعلى سطح السفينة تعبيرا عن هذا الفرح وامتنانا لملك البلاد الذي أصدر تعليماته السامية باتخاذ كافة إجراءات حفاوة الاستقبال. لكن سرعان ما تخللت مشاهد المأساة والبكاء هذا المشهد، بمجرد بدء نزول المسافرين من ظهر السفينة.
رجال الوقاية المدنية يحملون مواطنا مغربيا قيل أنه أصيب في مدينة بنغازي في الشرق الليبي، ثم مشهد سيدة تجهش بالبكاء وتقول للصحافيين إنها تركت زوجها وأبناءها الليبيين في بلاد "عمر المختار"، يواجهون مصيرا مجهولا على يد مرتزقة مجنون ليبيا، معمر القذافي. كانا من بين أكثر المشاهد تأثيرا وتجسيدا لحجم الكارثة التي تعصف بدولة ليبيا. إلا أن حالة هذه السيدة لم تكن الوحيدة، فعدد من المواطنين الذين التقتهم "طنجة 24"، أكدوا انهم عادوا إلى المغرب مرغمين تاركين ممتلكاتهم وأحبابهم تحت رحمة الأزمة المندلعة هناك.
هروب من المكروه
العائدون من جحيم ليبيا المستعير هذه الأيام، يجمعون أنه لم يكن بديل عن العودة إلى المغرب في هذه الظروف، وذلك حفاظا على سلامتهم من جهة، فالأوضاع الأمنية كارثية وتنبئ بالانتقال الى العاصمة التي ما زالت تحت قبضة العقيد الليبي في أية لحظة.
"نورة" شابة في أواخر العشرينات من عمرها، كانت تعمل في إحدى الشركات في العاصمة طرابلس، قالت إنها عادت الى المغرب بسبب إلحاح والديها عليها بضرورة الرجوع خوفا من أن يصيبها مكروه هناك.
وهو نفس السبب الذي دفع الفتاة " فاطمة" الى العودة رفقة إثنين من أخواتها ووالديها، حيث تؤكد في تصريحها للموقع بأن حالة الخوف السائدة هي التي دفعت أسرتها الى اتخاذ هذه الخطوة، وأضافت فاطمة بأن كل ما استطاعوا جلبه معهم من أرض المهجر هو بعض الملابس والمستلزمات البسيطة في حين أن أملاكهم وأموالهم ظلت هناك وسط الجحيم الليبي.
الظروف الأمنية الصعبة، كانت دافعا أيضا ل "سي محمد" المواطن المغربي الذي كان مقيما بالعاصمة طرابلس رفقة زوجته وابنته التي لم تتجاوز سنتها الثانية. فالخوف من المكروه كان السبب الأول للعودة الى المغرب بعد خمس سنوات ونصف من الإقامة في ليبيا.
تدابير رسمية لاستقبال العائدين من الجحيم
وضعت السلطات المغربية تدابير خاصة بميناء طنجة-المتوسط لاستقبال المغاربة العائدين, حيث قدمت لهم كافة المساعدات الضرورية بعين المكان, مع العمل على نقلهم إلى العمالات والأقاليم التي ينحدرون منها عبر 46 حافلة خصصت لهذا الغرض. وكانت الوزارة المكلفة بالجالية المغربية المقيمة بالخارج قد أعلنت , يوم الجمعة الماضي , أن باخرتين مغربيتين سترسوان , اليوم الأحد , بميناء طنجة-المتوسط, وعلى متنهما ما يفوق 4 آلاف من أفراد الجالية المغربية المقيمة بليبيا من ضمنهم 100 راكب من مواطني دول إفريقية صديقة وشقيقة. وتم إحداث لجنة موسعة تضم كافة السلطات والمؤسسات المعنية بتنسيق عملية استقبال العائدين وضمان كافة التدابير اللازمة في عين المكان لتوفير وسائل الراحة لهم وتفقد حالتهم الصحية, وكذا نقلهم إلى العمالات والأقاليم التي ينحدرون منها. وأوضحت الوزارة أن هذه الإجراءات تأتي تنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة الملك محمد السادس إلى الحكومة, المتعلقة بضرورة إيلاء عناية خاصة لأوضاع رعايا جلالته المقيمين بليبيا في ظل الظرفية التي يمر بها هذا البلد, مضيفة أن هذه التدابير تندرج في إطارالإجراءت التي تم اتخاذها لتسهيل ترحيل الرعايا المغاربة من ليبيا عبر الرحلات الجوية للخطوط الملكية المغربية أو عن طريق البحر. كما أن مؤسسة محمد الخامس للتضامن , وتنفيذا للتعليمات السامية لصاحب الجلالة , اتخذت التدابير والوسائل الضرورية لاستقبال ومساعدة المواطنين المغاربة المقيمين بليبيا الراغبين في العودة إلى المملكة عبر الجسور الجوية والبحرية التي تم إقامتها لهذا الغرض. وذكرت المؤسسة أن هذه الوسائل التي انطلق العمل بها منذ أمس السبت على مستوى مطار محمد الخامس الدولي بالدار البيضاء وميناء طنجة-المتوسط, تقدم للمهاجرين المغاربة كافة التسهيلات الضرورية لتمكينهم من العودة إلى المغرب وكذا المساعدة الملائمة لوضعيتهم حتى وصولهم إلى وجهتهم لدى عائلاتهم.