لا يختلف اثنان أن أزمة القيم التي يعيشها مجتمعنا يعود جزء مهم منها للانهيار البشع الذي تعيشه منظومتنا التربوية والتعليمية، والتي من نتائجها المباشرة التطاول على مهنة كانت إلى حدود الأمس القريب تصنف ضمن خانة أشرف وأقدس المهن ألا وهي رسالة التعليم... كما لا يختلف اثنان أن سياسة فئران التجارب التي سميت ظلما وعدوانا "إصلاحا" قد أدخلت هذه المنظومة نفقا مظلما ومسدودا نحن بصدد جني "ثماره السامة" اليوم... ومع كل هذا فإن استقالة الأسرة من مهمتها الأساسية في التربية والتوجيه يعد سببا رئيسيا في هذا التراجع، إن جزءا هاما من هيبة رجل التعليم تعلمناها على يد آبائنا وأمهاتنا، فكان احترام المعلم خطا أحمرا ليس فقط داخل المؤسسة التعليمية بل وخارجها وبتزكية وتأكيد من أسرنا ولذلك كنا نلج المدرسة ونحن على بينة من العمل الجليل الذي سيقدمه لنا هذا المعلم أو الأستاذ، وكنا على بينة أن احترام بل وطاعة هذا المربي من طاعة آبائنا وأمهاتنا وهذا الشعور كان كافيا لاعتبار أساتذتنا في مقام رفيع... تطورت الظروف وتحول المجتمع الذي كان يقدس مهنة التعليم فأصبح يبدع في إنتاج "نكت" تتهكم عن المعلم وتناديه "كعلم" وتحولت مهنة المعلم أو الأستاذ التي كانت بالأمس مطمحا مشرفا إلى عقاب مهني، فسادت عبارة "شوف فين غادي يسيبوك (التعيين)"... لتتطور الأمور –أمام تطور وسائل التصوير وشبكات التواصل الاجتماعي- لنرى بأم أعيننا رجال التعليم وهم يهانون ويضربون و...و... لقد صادفنا في مشوارنا التعليمي أساتذة أثروا فينا ووجهونا وساهموا في تحديد معالم شخصيتنا وتوجهاتنا العلمية والمهنية، وصادفنا آخرين لم يكن لديهم نفس التأثير فمروا مرار الكرام ومع ذلك كان احترام رجل التربية والتعليم مسلمة قائمة لا يزحزحها أحد، وحتى عندما كان يحدث الاستثناء فقد كان الكل يتصدى له دفاعا عن هذا الكائن العظيم "الأستاذ".. أعتقد أننا مطالبون بفتح نقاش جاد وصريح عما آلت إليه المنظومة التربوية ببلادنا، فما يحدث لا ينبئ بخير، فنحن نحدد مصير الجيل الذي يفترض أنه سيحمل مشعل هذا البلد "الأمين"... فتحياتي واحترامي لكل من علمني حرفا فبفضلهم وصلت لما أنا عليه الآن، وبفضلهم أستطيع اليوم أن أخط كلماتي هذه وأساهم بوجهة نظري.