كنا في ما مضى..نرى أعضاء من الأحزاب اليمينية أو الإدارية "متفرغين" للعمل السياسي أو النقابي..وكنا نعتبر ذلك سلوكا انتهازيا..وأتى وقت أصبح فيه حتى من يسمون أنفسهم يساريين مناضلين..يقبلون بحالة التفرغ..بل يطلبونها..وحبذا لو كانت "مؤقتة"..بل يستميتون في الدفاع عنها..لتحويلها إلى "حالة" دائمة..مستخدمين كل ارتباطاتهم السياسية أو النقابية بمراكز القرار حتى لا يعودوا إلى عملهم..تراهم يقضون النهار يجوبون الشوارع بحقيبة صغيرة على الكتف..لا يفعلون شيئا..لا ينجزون شيئا..ولكنهم متفرغون..حكى لي صديق "نقابي" أن بعض الشركات في القطاع الخاص كانت تعرض على "المكتب النقابي" الذي يؤطر العاملين المنتسبين لها..تعرض عليه التفرغ..لكن أعضاء المكتب يرفضون..لأن منح التفرغ بداية كسر شوكتهم.. والاستمرار في الراحة يجعل العودة إلى العمل صعبة..ولهذا كان هؤلاء النقابيون يرفضون..إضافة إلى ان مكان تواجدهم للنضال هو مواقعهم في العمل..قرب ظروفه وشروطه..وبجانب زملائهم في العمل..طبعا الريع درجات متفاوتة متراتبة..قد يصل إلى الملايين..وقد يكون مجرد "فتات"..لكن الريع في مضمونه هو الريع..ومن يقبل بالقليل..سيقبل لا محالة بالكثير.. من المعلوم أن النضال عمل تطوعي..فكيف يصبح له أجر من "المال العام"..أليس هذا ريع ؟؟..وما هي الحدود النضالية لمن تتغاضى الدولة عن تفرغه مع التوصل براتبه كاملا نهاية كل شهر؟؟..وما علاقة الراتب المتعلق بالوظيفة..بالعمل النضالي ؟؟..وأي عمل النضالي ؟؟..أين هي النتائج ؟..ماهي تراكمات هذا العمل النضالي ؟؟..لا شيء..وفي نفس الوقت لا أحد يقف وقفة نقد ذاتي..وقفة مناضل حقيقي..ويسائل نفسه..بعضهم يحاول أن يداري الموقف ويخفيه..بترشحه المتعدد في النقابة والحزب والجمعيات..لعل وعسى يظهر غبار "النضال" وهو يتطاير من حوله..لكن في النهاية: لا شيء..صدق من قال إن أصعب نضال هو النضال ضد النفس..ضد الذات..أما أن تفتح فمك منتقدا الآخرين..فهذا أمر لا يصعب على كل ذي لسان.. ملحوظة:هذا الكلام يتناول "ظاهرة عامة" وليس موجها لأفراد بعينهم..هو وجهة نظر لا أقل ولا أكثر..مع احترامي للجميع.. طباعة المقال أو إرساله لصديق