لو كنت جالسا هناك يوم تكريمك،لما تعرفت على بعض من نفسك. جاء أصدقاؤك الذين تحبهم وتبحث عنهم في جولاتك التي لا تفتر، وجاء أصدقاؤك الذين لا تحبهم رغم أنك تحترم الجميع ، لأن قلبك ملكك، والحب لا سلطة تعلو على سلطته. هناك من كرمك بما يليق بك وخاصة كلمة الافتتاح ، كلمة "العائلة"، المختصرة العميقة العذبة , لكن..وآه من لكن..جاء من حاول أن يمرر خطابه الإيديولوجي على جثتك ، وهو يعرف أنك طالما انتقدت تلك الخطابات المحنطة، لم يخجل حين نسب خطابه إليك ، دون أن يدري أنك تسمعه وتبتسم إشفاقا عليه ، تبتسم لأنك تعلم أن الخطابات لا تمرر بانتهاز الفرص، حتى ولو استعاروا صوت الموتى الذين نحبهم ، وصوت الموتى لا يموت ،هو ما يتبقى بعد موتهم، وخاصة إذا كان الصوت مجلجلا وعميقا مثل صوتك . قالوا كلمتهم عبرك وانسحبوا دون أن يحترموا حضرتك وأنت هناك بيننا، ولكنهم لا يعرفونك ولم يلاحظوك فينا، انسحبوا دون أن يستمعوا لأحد، يكفي أنهم تكلموا. جاء آخرون وصدحوا بنرجسية واضحة جعلت ذواتهم تطغى على ذاتك ، وقدموا شهادات حول أنفسهم وكرموا أنفسهم من خلالك ، وكثيرون استمرؤوا الكلام وعذبوا الحاضرين بسادية قد يتعجب من قسوتها "الماركيز دي ساد" نفسه وقد يعجز "فرويد" ذاته عن تحليلها،ووصلت السادية قمتها حين ادعى أحدهم أنه هيأ ما يفوق الخمسين صفحة لتكريمك. الضجر عذاب وممارسته تعذيب للآخرين،لكن لا أحد احترم حبك للصمت ولتكثيف الكلام وخاصة في الجموع العامة، ورأف بهؤلاء الذين جاؤوا لأنهم يحبونك،. كانت ديكتاتورية الكلام تجلد الحاضرين لكنهم صمدوا وبقوا لأنهم يحبونك....لو كنت حاضرا يا حسن....آه لو كرموك حيا....ترى ما رد فعلك؟ هل تنتفض؟ تنسحب؟...هل تصرخ : لا..لا.. هذا ليس أنا..وتسأل :من هؤلاء الذين يتكلمون؟ وعمن يتكلمون؟؟.....لكن أحبتك كرموك خير تكريم حين رابضوا هناك حبا لك وتقديرا...رابضوا لأنهم يعتبرونك فيهم وبينهم مصطفى بودغية