أعرف أنك لم تعودي تقرئين رسائلي. أعرف أنك عندما تسمعين صوت محرك دراجة ساعي البريد تطلين من نافذة شقة أسرتك التي تحتل الطابق العاشر في العمارة. أعرف أنك تتعمدين البقاء في النافذة ولا تنزلين لاستلام رسالتي إلا عندما تتأكدين أن أطفال جيرانكم الذين يسكنون في الطابق السفلي قد عبثوا بها وحولوها إلى أشلاء متطايرة في الهواء. أعرف أنك تكونين لحظتها سعيدة، وتبتسمين في قرارة نفسك عندما ترين كلمات الحب التي كتبتها بقلمي العاشق مشتتة على الدرج وأمام باب العمارة. أعرف أنك تشعرين لحظتها أنك تنتقمين مني شر انتقام. لكن لا تنكري أبدا أنك تندمين بعد ذلك. لا تنكري أنك تجثين على ركبتيك لتجمعي أجزاء رسالتي الممزقة، وتصعدين إلى غرفتك في الطابق العاشر لترتيبها. لا تنكري أن قلبك يتمزق من الألم عندما تجدين أن رسالتي ليست مكتملة لأن الرياح عبثت بأحد أجزائها وحملته بعيدا. لا تنكري أنك تنزلين الدرج بلا حذاء لتبحثي عن جزء رسالتي المفقود أمام باب العمارة مثل راعية ضاع قطيع إبلها وسط رمال الصحراء. لا تنكري أنك عندما لا تعثرين على ذلك الجزء الصغير تعودين مسرعة إلى غرفتك وترتمين على السرير باكية مثل طفلة صغيرة ضاعت منها لعبتها المفضلة. لا تنكري أن القسوة التي تواجهين بها رسائلي يعقبها ندم شديد يجعل قلبك يتمزق وينزف مثل ليمونة ثقبها غراب بمنقاره الحاد. قد تكونين الآن معجبة برجل آخر يسكن في نفس العمارة التي تسكنين فيها. قد تشعرين ببعض الارتباك عندما تلتقين معه في درج العمارة. قد تحمر وجنتاك عندما تصادفينه في المصعد حاملا في يده طعام الغذاء الذي جاء به من أحد مطاعم الوجبات السريعة، وعندما ينزل في الطابق السابع حيث يقيم، تتمنين لو تسألينه عن اسمه الكريم وتوجهين إليه بعد ذلك دعوة كريمة لتناول وجبة الغذاء رفقة أفراد عائلتك. قد تستيقظين في الصباح الباكر وتظلين متسمرة في النافذة مثل تمثال من الشمع تنتظرين أن يخرج من باب العمارة، وعندما يخرج تتبعينه بعينيك الناعستين إلى أن يختفي في منعطف الشارع، فتشعرين أنك حقا معجبة به وبهندامه الأنيق وقصة شعره العصرية، لكنك لا تستطيعين أن تحبيه. قد تقولين لصديقتك التي تفتحين معها جميع ملفاتك الخاصة عندما تسألك إن كنت ما تزالين تحبينني أن آخر شيء يمكن أن تفكري فيه هو أنا. لكنك لا تستطيعين أن تشرحي لها لماذا تجمعين أجزاء رسائلي بعد أن يمزقها الأطفال المشاغبون. أخشى أن يوصلك عنادك إلى اقتراف حماقة في حق نفسك. أخشى أن تقبلي الارتباط برجل آخر لا تحبينه فقط لتنتقمي مني، وفي النهاية تجدين أنك انتقمت من نفسك بدون شعور. أخشى أن يتحول الإعجاب الذي يحظى به الرجل الذي يسكن في الطابق السابع داخل عينيك إلى زواج بمباركة قاضي المحكمة. أخشى أن يكون الطابق السابع هو القفص الذي ستقضين فيه ما تبقى من أيام عمرك بدون حب. أخشى أن تصير حياتك عندما تتزوجين غيري مجرد أوقات ضائعة يعمها الصمت الرهيب بعدما كنت تتمنين وتحلمين أن تعيشي حياة تفيض بالحب كما يفيض الحليب على أطراف الإبريق عندما تنسينه على الفرن، واللحظات الرومانسية التي تتكسر على أطراف ستائر النوافذ تماما كما تتكسر الأمواج البيضاء على أطراف الشاطئ في صباحات غشت المشرقة. أنت الآن تكرهينني. تدعين ذلك فقط ، وتدعين أنك طردتني من قلبك الذي سكنت فيه سنوات طويلة إلى الأبد، لكني مع ذلك سوف أظل أبعث إليك برسائلي. سوف أشتري مزيدا من قواميس العشق، وأبحث بين سطورها عن الكلمات الحالمة التي قد تعيدك إلي يوما. سوف أظل أحبك إلى أن تصعد روحي إلى السماء كما وعدتك ذات لحظة جميلة. وعندما يصلني خبر زواجك من الرجل الذي يقيم في الطابق السابع سوف أكسر أقلامي كلها، وأمزق أوراقي، ثم أحمل حقيبتي الصغيرة لأنضم إلى ركاب قطار العزوبة إلى الأبد. أنت تعرفين أني لا أستطيع أن أحب امرأة أخرى. وتعرفين أن المرة الأولى والأخيرة التي خفق فيها قلبي بالحب الصادق كانت عندما التقيتك لأول مرة. لذلك أفضل أن أستقل قطار العزاب عوض أن أعيش مع امرأة أخرى أعرف مسبقا أن قلبي لن يخفق لها ولو مرة واحدة. لكن ماذا سأقول لأمي عندما تخبرني أن أكبر أمنية لها قبل أن