بدأت جنوب إفريقيا، التي تعتبر إحدى أكبر القوى الاقتصادية في القارة الإفريقية، سنة 2018 التي توشك على الانتهاء، على وقع أزمة تجلت مؤشراتها في ضعف الاقتصاد، وتراجع المؤشرات الاجتماعية، وتفشي الفساد في المؤسسات العمومية. واعتبر غالبية المحللين السياسيين في بلاد قوس قزح وخارجها آنذاك أن جنوب إفريقيا تتجه نحو الانهيار الاجتماعي. لكن التغيير الذي طرأ في فبراير الماضي عقب خلع الرئيس السابق جاكوب زوما، الذي اتسمت سنوات حكمه التسع بسلسلة من الفضائح السياسية والمالية، أعطى بصيصا من الأمل في تدشين بداية جديدة في بلد نيلسون مانديلا، وذلك بقيادة رئيسها الجديد سيريل رامافوزا. ويحمل هذا النقابي السابق، الذي نجح في التحول إلى رجل أعمال، على عاتقه آمال 56 مليون جنوب إفريقي، لاسيما الشباب المنتمين للأغلبية السوداء، في تحقيق غد أفضل لهم. وبلغ الوضع الاقتصادي والاجتماعي في البلاد مرحلة لا تطاق. ولم يعد بإمكان الاقتصاد استعادة وتيرة نموه التي عرفها في سنوات الازدهار التي أعقبت نهاية نظام الفصل العنصري في عام 1994. وتفاقمت البطالة التي تطال، وفقا للبيانات الرسمية، أكثر من 27 في المائة من السكان النشطين، في حين تشير المصادر المستقلة إلى معدل مخيف يبلغ حوالي 60 في المائة من الشباب في المناطق الهشة؛ حيث تقطن الأغلبية السوداء، فيما اجتاح الفقر أكثر من نصف عدد السكان. وفي الوقت نفسه، تراجعت صورة البلاد لدى المؤسسات الدولية ووكالات التصنيف. وحذرت مؤسسات بريتون وودز، البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، من المسار القاتم للبلاد، فيما خفضت وكالات التصنيف الثلاث الرئيسية ، فيتش ريتنغز، وموديز، وستاندرد آند بورز من درجة التصنيف السيادي لجنوب إفريقيا إلى فئة المضاربة. في ظل هذا المناخ الذي لا يبعث على التفاؤل، انطلقت جذوة الأمل متمثلة في شخص قائد جديد، رامافوزا، الذي شرع في عملية شاقة لإنعاش اقتصاد يوشك على الانهيار . وكان رامافوزا، وهو خامس رئيس لجنوب إفريقيا الحرة، قد دعا قبل فترة طويلة من وصوله إلى الحكم، إلى ما سمي بالصفقة الجديدة. وهي مشروع إصلاحي يروم تعزيز ثقة المستثمرين. وقد بدأت التقارير الدولية تشيد بالرئيس الجديد ، الذي ق دم كرمز للخلاص. لكن الأرقام الصادرة عن البنك المركزي كشفت عن حقيقة مرة، إذ دخلت البلاد في حالة ركود في نهاية الفصلين الأولين من عام 2018. وخلال الأشهر التي تلت ذلك ، شمر رامافوزا وفريقه عن سواعدهم لوضع بدائل على الطاولة، بهدف طمأنة الشعب والفاعلين الاقتصاديين المحليين والأجانب. وتم اعتماد استراتيجية على جبهتين: وطنية ودولية، مع خطة إنعاش اقتصادي تقوم على ترويج قوي على المستوى الدولي لجذب الاستثمارات اللازمة للنهوض بمستقبل البلاد. وهكذا، كشف رامافوزا عن خطة للإنعاش الاقتصادي، بهدف استعادة ثقة المستثمرين وخلق فرص للشغل. وأخذا في الاعتبار الأزمة المالية العميقة التي تعيشها البلاد، لم تنص الخطة على أية زيادة في النفقات العامة، ولكنها تضمنت إعادة ترتيب الأولويات ضمن الميزانية الحالية. وبجعلها السياحة قطاعا رئيسيا ضمن استراتيجيتها، قررت حكومة بريتوريا تخفيف قوانين التأشيرات، خصوصا بالنسبة للقاصرين والأشخاص ذوي الكفاءات العالية. وفي هذا السياق، قال رامافوزا " إن السياحة مصدر مهم لفرص الشغل، ونحن واثقون من أن المزيد من السياح سيزورون جنوب إفريقيا ". وتشمل الخطة أيضا مجموعة من التدابير لدعم المزارعين السود وإنشاء صندوق لإحداث ودعم المقاولات في البلدات والمناطق القروية. كما أعلن رئيس جنوب إفريقيا عن إحداث صندوق للبنية التحتية بقيمة تزيد على 400 مليار راند، والذي سيجري تمويله بدعم من الشركاء الخواص. وفي أعقاب ذلك، تم عقد مؤتمر وطني لإيجاد حلول لمشكلة البطالة المتفاقمة. والتزمت الحكومة خلال الاجتماع بخلق 825 ألف منصب شغل مباشر وغير مباشر خلال العامين المقبلين. وبفضل السمعة الطيبة التي يتمتع بها داخل المجتمعات الاقتصادية الوطنية والأجنبية ،أطلق رامافوزا مبادرة طموحة تتمثل في جذب 100 مليار دولار من الاستثمارات للبلاد على مدار السنوات الخمس المقبلة. وفي شهر أكتوبر الماضي، تم عقد مؤتمر وطني حول الاستثمار ، أعلن خلاله مسؤولو الدولة عن التزامات استثمارية كبيرة تقدر قيمتها بمليارات الدولارات. لكن المحللين اعتبروا هذا الاجتماع "مجرد ممارسة لعلاقات عامة" يسعى رئيس الدولة من ورائها إلى ربح الوقت في انتظار موعد حاسم، يتمثل في الانتخابات العامة المقرر إجراؤها في شهر ماي 2019. يبدو أن التدابير التي تعمل إدارة رامافوزا على تفعيلها، بدأت تعطي نتائجها، في ظل تحديات ومخاطر لا يمكن تجاهلها خاصة في سنة انتخابية.