تشكل الزيارة التي يقوم بها فرنسوا هولاند، الرئيس الفرنسي، إلى المغرب للمباحثة الثنائية مع جلالة الملك محمد السادس، عنوانا كبيرا لعمق العلاقات الثنائية بين المغرب وفرنسا، والتي تعتبر علاقات استراتيجية غير تقليدية، بل من أهم العلاقات الاستراتيجية في ضفتي المتوسط. وحاول الإعلام المعادي وحتى بعض ممن لم يفهموا قدرات البلدين على تطوير العلاقات بينهما، الايحاء بأن الزيارة تشكل موضوع مصالحة بعد أزمة 2014، وهذا فهم قاصر، لأن الصفحة المذكورة تم طيها نهائيا، وبالتالي فإن الزيارة الحالية لها أبعاد أخرى ولها أهداف مختلفة.
وبالنظر لطبيعة هذه الزيارة فأن لها مضمونا خاصا يتماشى مع الرهانات الدولية، ومع الظروف الإقليمية، ولها هدف استراتيجي، فالزيارة تمنح المغرب دورا رياديا في القارة الإفريقية، التي يوليها جلالة الملك عناية خاصة، وأولاها اهتماما منقطع النظير على قاعدة التعاون حيث رفع شعار "كفى من استغلال إفريقيا وإنهاك ثرواتها"، كما أن المغرب يقوم بدور كبير في محاربة التطرف بإفريقيا عبر تكوين الأئمة في معهد خاص وعبر نشر قيم الوسطية والاعتدال.
ويعتبر تفعيل محاربة التعصب والتطرف من بين أهم المحاور الاساسية للشراكة المغربية الفرنسية، التي حضيت باهتمام كبير خلال هذه الزيارة الهامة، وذلك من خلال التوقيع على اعلان مشترك حول تكوين الأئمة الفرنسيين بالمغرب كبادرة تؤكد مدى فعالية ونجاعة النموذج المغربي في تدبير الشأن الديني .
وفي هذا الاطار، قال عبد السلام لزعر مدير معهد محمد السادس لتكوين الأئمة، في تقييمه للزيارة التي يقوم بها فرنسوا هولاند للمغرب، والتي تم تتويجها يتوقيع اتفاقية لتكوين الأئمة الفرنسيين، "إن الاتفاقية جاءت كثمرة لطلب تقدم به اتحاد مساجد فرنسا لأمير المؤمنين جلالة الملك محمد السادس، قصد تكوين الأئمة الفرنسيين بالمغرب، وسيتم تكوين خمسين طالبا كل سنة".
وأضاف لزعر، في تصريح خص به تلكسبريس اليوم الاحد، "ان توقيع رئيس الدولة الفرنسية بنفسه على هذه الاتفاقية يعتبر من جانب اعترافا باتحاد مساجد فرنسا بعيدا عن المنازعات ذات الطابع السياسي، وهو ثانيا اعتراف بالنموذج المغربي في محاربة التطرف."
وأشار لزعر إلى أن كل الدراسات والمقاربات أكدت أن النموذج المغربي في التدين فريد من نوعه، حيث ترعاه إمارة المؤمنين، التي اختارت تاريخيا الاسلام الوسطي المعتدل، وهو أفضل نموذج للتدين في العالم الإسلامي حيث يتعامل المسلم مع باقي أتباع الأديان الأخرى بالرحمة والتسامح.
وأوضح لزعر أن محاربة التطرف في العالم تتجه نحو المقاربات الأمنية والحلول العسكرية وهي على أهميتها لا يمكن أن تكون حلا ناجعا وجذريا لأن الإرهاب هو أولا أفكار، ولا يمكن محاربتها إلا بنموذج فكري يواجه الفهم الخاطئ للدين الذي يعود بالضرر على البشرية، ومن هنا أهمية توقيع هذه الاتفاقية التي ستكون لها نتائج مهمة في محاربة التطرف بضفتي المتوسط.
ويعتبر دور المغرب في هذا المجال كبيرا، ووصلت فرنسا إلى خلاصة مفادها أنه لا يمكن الاستغناء عن المغرب في تنفيذ أية استراتيجية نحو إفريقيا سواء كانت أمنية أو في مجال مكافحة التطرف أو حتى على المستوى الاقتصادي.
ولولا المغرب لكانت إفريقيا اليوم مرتعا للتطرف والإرهاب، حيث أن المغرب يعتبر عنصر استقرار في المنطقة سواء من خلال النظام الذي أرساه أو من خلال نشر إسلام التسامح.