شكلت زيارة جلالة الملك محمد السادس للبيرو سنة 2004 منعطفا حاسما في تاريخ العلاقات بين الرباط وليما اللتين تخلدان هذه السنة الذكرى الخمسين لإقامة علاقاتهما الدبلوماسية ( 18 يونيو 1964). فقد أعطت هذه الزيارة، الأولى التي يقوم بها عاهل مغربي إلى البيرو في إطار جولة ملكية كانت قد شملت خمسة بلدان في أمريكا اللاتينية (المكسيك والبرازيل والبيرو والشيلي والأرجنتين)، دينامية جديدة للعلاقات بين الرباط وليما في المجالات السياسية والاقتصادية والتجارية والثقافية، فاتحة بذلك آفاقا واسعة لتعاون ثنائي واعد.
ومكنت الزيارة أيضا البلدين من قطع خطوة كبرى في اتجاه تجسيد شراكتهما الاستراتيجية التي تهم محاورها الرئيسية بالخصوص تطوير التعاون في المجالات السياسية والدبلوماسية، وبث الدينامية في التعاون في مجال التجارة والسياحة والاستثمارات، فضلا عن تشجيع المبادلات الثقافية.
وتسعى هذه الشراكة الاستراتيجية إلى جعل البيرو بوابة لولوج المنتوجات المغربية لمجموعة دول الأنديز (التي تضم البيرو وبوليفيا وكولومبيا والإكوادور وفينزويلا) ولأمريكا الجنوبية، وجعل المغرب نقطة ولوج لمنتوجات بلدان الأنديز نحو المنطقة المغاربية والعالم العربي وإفريقيا.
وهكذا شهدت العلاقات الممتازة بين المغرب والبيرو خلال السنوات العشر الأخيرة طفرة كبيرة من خلال تكثيف تبادل زيارات المسؤولين الحكوميين، مما مكن من استكشاف السبل الكفيلة بإرساء تعاون مثمر يرقى إلى مستوى طموحات البلدين والشعبين الصديقين.
وتم في هذا الاتجاه تعزيز الإطار القانوني للتعاون الثنائي بالتوقيع على العديد من اتفاقيات التعاون التي تغطي مختلف القطاعات.
وفي المجال التشريعي، تميزت السنوات الأخيرة باستمرارية وانتظام تبادل زيارات الوفود البرلمانية بغية ترسيخ العلاقات بين الرباط وليما، عبر الدبلوماسية البرلمانية.
وفي نفس السياق، تم منذ أزيد من نحو عشر سنوات إحداث مجموعة صداقة برلمانية مغربية-بيروفية ساهمت بشكل كبير في تطوير العلاقات السياسية والدبلوماسية والصداقة والتعاون بين البلدين.
وفي مجال التجارة، يدل قرار ليما بفتح مكتب تجاري في الدارالبيضاء للترويج للأنشطة التجارية والسياحة والاستثمارات على الأهمية الكبيرة التي يحظى بها المغرب كأحد أهم شركاء البيرو في إفريقيا والعالم العربي.
ومن جهتها، ساهمت الأنشطة الثقافية المتواترة المنظمة سنويا، سواء في البيرو أو في المغرب، في استكشاف روابط الصداقة والتعاون القائمة بين البلدين وقواسمهما المشتركة في العديد من المجالات استنادا إلى موروثهما الثقافي المشترك.
ويشكل التراث العربي والأندلسي في هذا الصدد عاملا إضافيا للتقارب بين الرباط وليما، وخاصة اللغة الإسبانية التي يستعملها عدد كبير من المغاربة.
وسيتم بمناسبة تخليد الذكرى الخمسين للعلاقات الدبلوماسية بين المغرب والبيرو تحت الرعاية السامية لجلالة الملك محمد السادس التوقيع في ليما على العديد من اتفاقيات التعاون الثنائية.
ويتضمن برنامج تخليد هذا الحدث أيضا تنظيم مجموعة من الأنشطة الثقافية والفنية، منها معرض للأرشيف ذي الطابع التاريخي حول العلاقات الثنائية طوال خمسين سنة الماضية، ومعرض للصور الفوتوغرافية وشريط فيديو حول المغرب، ودورة للسينما وحفل موسيقي.