أكد سفير البيرو المعتمد بالمملكة، كارلوس بيلاسكو مينديولا، امس الثلاثاء بالرباط، أن بلاده والمغرب مدعوان إلى تعزيز نصف قرن من العلاقات الدبلوماسية التي تجمعهما، واستثمار رصيد التعاون المشترك الذي راكمه البلدان على مدى العقود الخمسة الماضية. وأبرز فيلاسكو مينديولا، خلال استضافته في اللقاء الدبلوماسي الأول الذي نظمته وكالة المغرب العربي للأنباء، ضمن سلسلة اللقاءات التي تعتزم تنظيمها كآلية للتواصل والنقاش بالتعاون من البعثات الدبلوماسية، أن المغرب والبيرو يجمعهما نصف قرن من العلاقات الثنائية القائمة على الصداقة والتعاون واحترام القيم المشتركة، لاسيما الديمقراطية ودولة الحق والقانون.
وأشار، خلال هذا اللقاء، الذي حضره دبلوماسيون وباحثون وشخصيات من مشارب متنوعة، إلى أن البلدين عززا علاقاتهما المتميزة، لاسيما عبر الزيارات رفيعة المستوى خلال العشر سنوات الأخيرة، مبرزا، في هذا الصدد، أن "الأهم بالنسبة للبيرو كانت هي الزيارة الرسمية التي قام بها صاحب الجلالة الملك محمد السادس للبيرو سنة 2004".
واستعرض بيلاسكو مينديولا السياق التاريخي للعلاقات الدبلوماسية المغربية البيروفية، مشيرا إلى أن الارتباط التاريخي بين البلدين، والذي يجد جذوره في التأثير العربي الامازيغي الذي حمله التواجد الإسباني بالبيرو، وكذا بروز المغرب كبلد مستقل خلال سنة 1956 يعتمد سياسة خارجية معتدلة هو ما فسر سعي البيرو إلى الاقتراب من المملكة، التي أخذت تضطلع حينها بدور ريادي هام في المنطقة المغاربية، ومن ثمة جاء تعيين سفير لليما بالرباط في 18 يونيو من سنة 1964.
وأضاف أن البلدين دشنا منذئذ علاقة قائمة على الصداقة والتعاون في المجال السياسي والدبلوماسي، امتدت لتشمل المجال الاقتصادي والتجاري، حيث وصلت صادرات المغرب لأول مرة إلى البيرو خلال سنة 1966.
ودعا فيلاسكو مينديولا، في هذا الصدد، المغرب والبيرو إلى استغلال الفرص التي تتيحها التجارة لتحقيق شراكات استراتيجية في مختلف المجالات، مبرزا أن المغرب يمكن أن يضطلع بدور رئيسي كبوابة بالنسبة للصادرات والمنتجات البيروفية نحو إفريقيا والعالم العربي، وبالمقابل يمكن للبيرو أن يكون الشريك الاستراتيجي الذي يحتاجه المغرب لدخول أسواق أمريكاالجنوبية ومنطقة الأنديز.
واعتبر أن آفاق تعزيز العلاقات المغربية البيروفية في المستقبل واعدة بشكل كبير، حيث أن "التطور الإيجابي" للعلاقات الاقتصادية بين البلدين خلال العقود الخمسة الأخيرة يؤكد الإمكانات الكبيرة والمستقبل الواعد الذي ينتظر تطور المبادلات التجارية والاستثمارات المتبادلة.
كما أبرز، في السياق ذاته، أن قرار الحكومة البيروفية فتح مكتب تجاري بالدار البيضاء، في سابقة من نوعها بإفريقيا، من شأنه أن يمكن البيرو وشركاءه الإقليميين من رؤية أكبر وأوسع للسوق المغربية، مشددا، في هذا الصدد، على ضرورة إشراك القطاع الخاص المغربي والبيروفي في مسلسل التقارب الذي باشره البلدان منذ 50 سنة، من خلال إقامة شراكات قطاعية استراتيجية على المستوى الاقتصادي.
من جانبه، أشار رئيس المركز المغربي للدراسات الاستراتيجية، محمد بنحمو، في كلمة خلال هذا اللقاء، إلى أن البلدين يتقاسمان تحديات مشتركة وأوجه تشابه على المستوى الديموغرافية والاجتماعي.
واعتبر هذه التحديات المختلفة المرتبطة بالاقتصاد والأمن لا يمكن رفعها إلا من خلال تعاون "شفاف وواضح وعميق"، مشيرا إلى أن العلاقات مع البيرو تتعزز أكثر فأكثر وتستند إلى مفهومي التعاون في مجال التنمية والتعاون جنوب - جنوب.
وسجل بنحمو، في الوقت ذاته، أن العلاقات بين البلدين، وإن كانت ممتازة، فهي تبقى "دون الإمكانات التي يتيحها البلدان"، معتبرا أن العلاقة مع البيرو والفضاء الأمريكي اللاتيني تشكل "فرصة يتعين استغلالها"، بالنظر إلى كون "المستقبل يرتسم في الجنوب وليس في الشمال".
وأكد الخبير المغربي في الدراسات الاستراتيجية أن إمكانات المغرب كمنفذ نحو إفريقيا وكفاعل رئيسي وثاني مستثمر في القارة الإفريقية"، مقومات كبيرة ينبغي أن يستفيد منها البيرو وباقي بلدان الفضاء الأمريكي اللاتيني.
وأضاف ا بنحمو أنه "بات واضحا أنه لدى المغرب رؤية بشأن كافة بلدان أمريكا اللاتينية تقوم على الاحترام والتضامن والالتزام".
من جهته، قال رئيس قسم أمريكا اللاتينية في مديرية الشؤون الأمريكية بوزارة الشؤون الخارجية والتعاون، السيد بدر رشدي، إن العلاقات بين المغرب والبيرو ما فتئت تنمو وتتطور وتتعزز، معتبرا أن أوجه التشابه بين البلدين وعلى الرغم من البعد الجغرافي، "مكنتنا، على المستوى الثنائي، من المضي قدما وبشكل راسخ، في إقامة شراكة أكثر طموحا".
واعتبر أن الزيارة الملكية لعدد من بلدان أمريكا اللاتينية أواخر سنة 2004 "أعطت دينامية للعلاقات مع هذا الفضاء"، بل وضعت "خارطة طريق" لتعزيز هذه العلاقات.
وأشار إلى أن البيرو والمغرب نجحا في إقامة شراكة بناءة تجلت من خلال تبادل الزيارات، والتي مكنت من استكشاف الإمكانيات والسبل التي من شأنها بناء "تعاون يمكن أن يكون في مستوى طموحات البلدين"، مضيفا أن الدبلوماسية البرلمانية شهدت بدورها دينامية جديدة مكنت من "تحديد آليات تطوير شراكة ممتازة".
وذكر الدبلوماسي المغربي بأن البلدين يزخران بالإمكانات الاقتصادية، التي لم تستغل بالشكل الأمثل، معربا عن أمله في أن تكون السنوات القادمة "سنوات نمو اقتصادي بالنسبة للمغرب ولأمريكا اللاتينية".
كما اعتبر أن الاحتفال بالذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والبيرو يشكل فرصة للتفكير في سبل تعزيز الإطار القانوني للتعاون.
يشار إلى أنه تم، على هامش هذا اللقاء، تنظيم معرض للصور ببهو وكالة المغرب العربي للأنباء، تبرز أهم المعالم التراثية والسياحية بالبيرو.
كما سيتم تنظيم العديد من الأنشطة الفنية والأكاديمية بالرباط وليما تخليدا للذكرى الخمسين لإقامة العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والبيرو.