على الرغم مما يجمع البلدان الخمسة لاتحاد المغرب العربي من رصيد تاريخي وحضاري مشترك، ومصير واحد، وعلى الرغم من أن المصالح الإستراتيجية المتبادلة تشكل مدخلا رئيسا لرفع التحديات الاقتصادية والأمنية المشتركة، إلا أن قطار هذا الاتحاد ما تزال تعوزه، بعد مرور 25 سنة على انطلاقه، إرادة سياسية صلبة لتجاوز الخلافات، والمضي قدما لتحقيق تنمية متوازنة داخل الأقطار المغاربية. ففي ظل غياب اتحاد مغاربي حقيقي تبقى الكلفة المالية والاقتصادية والسياسية، وأيضا الإنسانية، باهظة يؤديها المواطن المغاربي، الذي يدرك جيدا أن لا مستقبل لهذا التجمع الإقليمي دون تكتل تستثمر فيه بلدانه ثوراتها الطبيعية والبشرية ومؤهلاتها الاقتصادية، وتوحد موقفها إقليميا ودوليا دفاعا عن مصالحها. فالتكتلات الإقليمية، التي أضحت لغة العصر لكي تقول البلدان كلمتها على الساحة الدولية، والتحولات المتسارعة التي تشهدها المنطقة في الوقت الراهن، ولاسيما الوضع الأمني ببعض بلدان الاتحاد وببلدان منطقة الساحل والصحراء، تجعل من العمل المشترك ضرورة ملحة، تفرض على مكونات هذا الاتحاد التجاوب، ليس لتحقيق منافع اقتصادية وتنموية فحسب، ولكن من أجل التصدي لخطر الجماعات الإرهابية الذي تجد في المنطقة بؤرا متاحة لتنفيذ مخططاتها. وفي هذا الصدد، يقول منار السليمي، الأستاذ بكلية الحقوق أكدال - الرباط ورئيس المركز المغاربي للدارسات الأمنية وتحليل السياسات، "إن الاتحاد المغاربي لم يتطور على الرغم من التحولات الدولية منذ نهاية عقد الثمانينيات من القرن الماضي"، معتبرا أن التحولات الإقليمية للسنوات الأخيرة كشفت أن "شلل هذا التنظيم المغاربي بات يخلق مجموعة من المخاطر الأمنية، نظرا لكون هذه الفترة شهدت تجمع شتات تنظيم +القاعدة+ في المنطقة المغاربية ووقع نوع من الالتقائية بين الجماعات الإرهابية وتجار الأسلحة والمخدرات وميلاد تنظيم +أنصار الشريعة+ المتشدد في ليبيا وتونس، إضافة إلى الفراغ الديني في دول مغاربية والذي قاد إلى زحف موجات التشيع، ومحاولة الجزائر عزل المغرب عن القضايا الأمنية في الساحل". هذه التحولات، يوضح الأستاذ السليمي، "تلتقي مع غياب الدولة في ليبيا بعد انهيار نظام القذافي"، مشيرا إلى أن "الجنوب الغربي لليبيا أصبح يشكل منطلقا لكل التنظيمات الإرهابية نحو مالي وجبال الشعابني، إضافة إلى إصرار الجزائر على الاستمرار في دعم كيان "البوليساريو". نفس الفكرة يشاطرها أستاذ العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس أكدال مولاي هشام الإدريسي، الذي أكد، في حديث مماثل، خطورة ظاهرة الإرهاب على المنطقة، خصوصا مع انتقال الجماعة السلفية للدعوة والقتال في الجزائر إلى نواة تنظيمية للقاعدة في المغرب العربي(تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي) وظاهرة الهجرة الإفريقية المتزايدة وظهور تحالفات في منطقة الساحل بين الجماعات المتطرفة وأباطرة المخدرات وتجار الأسلحة وتهريب المهاجرين. وأبرز أن الأحداث الأخيرة التي عرفتها المخيمات تؤكد هذه التوقعات والمخاطر، زيادة على الاتهامات الموجهة إلى قيادات جبهة "البوليساريو" وعلاقاتها بالمشاكل الأمنية المتمركزة في المنطقة الممتدة بين موريتانيا وشمال مالي وجنوب الجزائر، وامتداداتها إلى قرب الجدار الأمني المغرب، مشددا على أن هذه المخاطر تشكل تحديات لا يمكن مواجهتها، بشكل فعال، إلا من خلال تنسيق الاستراتيجية الدفاعية الأمنية بين دول اتحاد المغرب العربي. عدم استقرار الوضع الأمني سيزداد تعقيدا بالمنطقة خاصة بعد "الربيع العربي" الذي أضفى حالة من الفوضى بعدد من بلدانها. وفي هذا السياق، يقول الأستاذ السليمي "إن الدول المغاربية تأخذ في هذه المرحلة مسارات مختلفة، فخلافا للمغرب الذي يشهد استقرارا نتيجة الإصلاحات الدستورية والسياسية التي بوشرت في محطات مختلفة، وتونس التي تبحث عن إرساء التوازنات السياسية بعد توافق حزب النهضة وباقي الأحزاب السياسية، تعيش الجزائر وضعا صعبا بسبب الصراع الداخلي على السلطة والفراغ الديني والاضطراب الاجتماعي وبداية انتقال طائفية الشرق الأوسط إلى هذه الدولة".
وفي هذا السياق يقول الأستاذ الإدريسي إنه "باستثناء الجزائر التي لها نظام عسكري يتحكم في دواليب الدولة، فإن الدول المغاربية الأخرى عاشت ربيعا عربيا تختلف ملامحه ونتائجه من بلد إلى آخر"، مضيفا أن المغرب استطاع تجاوز المرحلة بإدخال إصلاحات استراتيجية وحيوية في نظامه السياسي والاجتماعي من خلال وضع دستور جديد ساهم في تسريع وتيرة الانتقال الديمقراطي الحقيقي وهو نفس الاتجاه الذي نهجته تونس بعد إقرارها لدستور جديد، ليبقى الوضع غير واضح في ليبيا في ظل تعدد التصورات والطروحات، ما يجعل الطريق أمامها ما يزال طويلا".