احتضنت مدينة القنيطرة مساء أمس الجمعة حفل تكريم الراهبتين ماري تيريز مارتيال (86 سنة) وسانت شارلز دولاهاي (88 سنة)، اللتين ستغادران المغرب نهائيا بعد نصف قرن من العطاء في مجال التعليم، في إطار الجمعية الكاثوليكية (الأسرة القديسة). وعبرت الراهبتان ماري تيريز وسانت شارلز، اللتان وصلتا للمملكة سنتي 1958 و1964، عن شعورهما بالأسى، لمغادرة المغرب نهائيا بقرار من السلطات العليا بالكنيسة، خاصة وأنهما ارتبطتا عاطفيا وإنسانيا بالمملكة وبالقنيطرة على وجه الخصوص.
وقالت ماري تيريز وسانت شارلز، أو(أختا القنيطرة) كما يحب سكان المدينة أن يطلقوا عليهما، إنهما كانت تأملان أن تقضيا آخر أيامهما فوق أرض المغرب.
وشكلت لحظة تسليم هدايا تذكارية للراهبتين، خلال الحفل الذي احتضنته مدرسة (الأسرة القديسة) بحضور ممثلين عن السلطة المحلية والمندوب الإقليمي للتربية الوطنية وأسقف مدينة الرباط، إحدى أقوى لحظات التكريم إذ اختلطت فيها مشاعر الوفاء والامتنان لما قدمته السيدتان لأجيال عديدة بالمدينة، في مجال التربية والتعليم.
وفي تصريح لوكالة المغرب العربي للأنباء، قالت سانت شارلز دولاهاي إن "الرحيل هو أشبه بالموت بالتقسيط، كما أنه بداية لمرحلة جديدة في الحياة، وبرغم كل مشاعر التأثر والحزن التي تخالجنا إلا أننا نأمل أن تثمر البذور التي زرعناها هنا على مدى سنوات طويلة".
وأضافت "سنحتفظ بذكريات جميلة عن المغرب، قوامها التعاون الكبير والتشارك منقطع النظير. لقد كانت رحلة حقيقية للتبادل على مستوى الإيمان والثقافة وكل ما يعد جزءا من قيم الحياة الإنسانية".
وكان أسقف مدينة الرباط المونسينيور فانسان لاديل قد عبر عن امتنانه الجزيل للراهبتين للعمل الكبير الذي قامتا به. وقال بهذه المناسبة "لقد قدمتا عطاء بلا حدود، وأقصى ما في جعتبهما، ولن نطلب منهما المستحيل أو ما يتجاوز قدرة الإنسان، لأن ذلك سيكون منتهى الأنانية من جانبنا. إننا ممتنون لهما، ونعمل على ترجمة هذا الامتنان من خلال إحياء الرسالة التي بذلتا جل حياتهما من أجل نشرها، عبر التربية والتعليم، في إطار احترام قيم هذا البلد وعقيدته".
وكان مسؤولو التعليم الكاثوليكي، ومجموع الهيئة التربوية لمدرسة (الأسرة القديسة) ومدرسة (دون بوسكو) قد برمجوا العديد من الأنشطة الفنية والثقافية، كعربون وفاء وامتنان واعتراف بما قامت به ماري تيريز مارتيال وسانت شارلز دولاهاي لفائدة أجيال كثيرة من التلاميذ والمربين بالقنيطرة. كما تم إطلاق عملية لجمع التبرعات لترميم مدرسة (الأسرة القديسة) والتي تم إطلاق اسمي الراهبتين على قاعتي الأنشطة والرياضة بها.
وساهمت الجمعية الكاثوليكية (الأسرة القديسة)، منذ إحداثها بالقنيطرة في 23 يونيو 1925 في العديد من الأنشطة الاجتماعية، شملت على الخصوص توزيع وجبات غذائية على الفقراء والمحتاجين وتوفير استشارات وفحوصات طبية للأطفال، وتوزيع حليب الرضاعة ولقاحات للأطفال.
كما تواصل العمل الإنساني للمؤسسة، لفائدة طفولة المدينة، على مدى 87 سنة، مع إحداث مدرسة (الأسرة القديسة) سنة 1926. وتميزت سنة 1958 بتوسيع مجال عمل المؤسسة ليشمل التكوين ولاسيما في ما يخص مهن الخياطة والطرز إلى جانب تعليم اللغة الفرنسية والإعلاميات.
وقد تم تجميع هذه الأنشطة والتكوينات انطلاقا من سنة 1966 في إطار مركز التكوين النسوي المنزلي بمدرسة (الأسرة القديسة)، والذي يستهدف بالخصوص الفتيات المعوزات اللواتي لم يسعفهن الحظ في مواصلة مسارهن الدراسي.
وتقديرا للجهود الكبيرة التي بذلتها راهبات الجمعية الكاثوليكية (الأسرة القديسة)، في المجال الاجتماعي طيلة عقود لفائدة الطفولة المحرومة سواء بمدينة إفران أو القنيطرة بالخصوص، فقد حصلت مؤطرات المؤسسة على العديد من الأوسمة الرفيعة على مستوى الجمهورية الفرنسية، كما هو الحال بالنسبة للراهبة سانت شارلز التي حصلت على وسام الاستحقاق الوطني سنة 1991 وعلى وسام جوقة الشرف سنة 2012.
يشار إلى أن الراهبة سانت شارلز، المزدادة سنة 1925 بمدينة أسكك (شمال فرنسا)، قدمت للمغرب سنة 1964 بهدف تأسيس مركز بإفران، قبل أن يتم تعيينها سنة 1969 مسؤولة عن مركز مدينة القنيطرة الذي كان يضم حينها مدرسة للتعليمين الأولي والابتدائي تشمل 300 طفل، ووحدة للتدبير المنزلي، إلى جانب مطعم للتلاميذ. وفي سنة 1992 قامت سانت شارلز بإحداث وحدة للتكوين خاصة بالممرضات تهدف لتوفير خدمات تشمل مساعدة الأمهات خلال مرحلة ما قبل الدراسة والتكوين على رعاية الأطفال بالحضانات والأسر. وهي الوحدة التي مازالت تزاول نشاطها إلى غاية اليوم.
ومن جانبها، حلد الراهبة ماري تيريز، المزدادة سنة 1927 بكوساك (فيين العليا بفرنسا)، بالقنيطرة في 22 شتنبر 1958 لتعويض راهبة أخرى تم تعيينها بإيطاليا، حيث تخصصت في تعليم أبناء الجالية الفرنسية بالمدينة حينئذ. كما تولت تقديم دروس اللغة الفرنسية بمركز التكوين النسوي ودروس التدبير المنزلي والخياطة والحياكة بالأقسام الابتدائية بالمدرسة، إلى جانب تكليفها بمراقبة اللغة الفرنسية في الأقسام الابتدائية بمدرسة (دون بوسكو).