– من مبعوثنا عبد الرحيم الرايس حرص السيد فؤاد عالي الهمة مستشار جلالة الملك ليلة أمس على مغادرة الراشيدية عل عجل، حيث كان يتواجد ضمن الوفد الملكي، للالتحاق بمدينة الدارالبيضاء، ليكون في التاسعة من صباح يوم الجمعة 4 أكتوبر 2013 بين الحضور المميزين في افتتاح "المناظرة الدولية حول التربية: سبيل النجاح"، التي احتضنت أشغالها قاعة المؤتمرات بمؤسسة عبد العزيز أل سعود بعين الدياب، والتي أشرفت على تنظيمها مؤسسة "زاكورة" برئاسة الفاعل الجمعوي والأخصائي في الإشهار السيد نور الدين عيوش.
كان ضمن المتدخلين في الجزء الأول من الندوة الذي تمحور حول إشكالية تدبير الزمن السياسي وزمن تحقيق الأهداف في المجال التربوي، كل من الأستاذ عمر عزيمان مستشار جلالة الملك ورئيس المجلس الأعلى للتعليم، والسيد محمد القباج المستشار السابق لجلالة الملك ووزير التكوين المهني وتكوين الأطر سابقا، والسيد محمد حصاد وزير التجهيز والتكوين المهني وتكوين الأطر سابقا ورئيس وكالة طنجة المتوسط. ووزيري التربية الوطنية السابقين رشيد بلمختار ومولاي إسماعيل العلوي.
في حين تسبب رئيس الحكومة عبد الإله بنكيران في غياب السيد الحبيب المالكي الذي سبق له أن تولى حقيبة التعليم في حكومة التناوب، إذ انشغل المالكي بصفته رئيسا للجنة الإدارية للاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية بالتحضير للمهرجان الاحتجاجي الذي ستشهده الرباط اليوم السبت 5 أكتوبر الجاري ضد سياسة حكومة بنكيران.
وقد تعمد المنظمون إهمال دعوة وزير التعليم الحالي الاستقلالي محمد الوفا الذي رفض الانضباط لقرار حزبه بالانسحاب من الحكومة.
واعتذر سلفه في الوزارة أحمد اخشيشن عن المشاركة في الندوة الدولية، نظرا لحداثة مغادرته للمنصب، كما برر هو اعتذاره. ولم يحضر الأستاذ عبد الله ساعف الذي جلس لفترة على كرسي وزارة التربية الوطنية بسبب عدم توجيه الدعوة إليه.
وقد استطاع محمد حصاد شد انتباه المشاركين أكثر من غيره من المتدخلين، من خلال اللوحة القاتمة التي قدمها حول التعليم في المغرب، عبر ملاحظاته الشخصية التي عاشها كمسؤول حكومي، ملاحظات قدمها بسخرية سوداء مثيرة للضحك، ذلك الضحك الذي قال عنه الشاعر المتنبي "ضحك كالبكا". ولو سمع أجنبي انتقادات حصاد للسياسة التعليمية ببلادنا اليوم لظنه واحدا من عتاة النقابيين أو من المعارضين السياسيين الجهابذة، وليس مسؤولا حكوميا من زمرة التكنوقراط.
تلك اللغة المريرة والسخرية السوداء شفعت للوالي محمد حصاد بتجاوز الوقت المخصص لتدخله وانتزعت له التصفيقات وتحلق المشاركون حوله بعد نهاية المحور الأول من الندوة.
ولم يأت حصاد عجبا، بل كان هو وباقي المتدخلين في صلب اللحظة التاريخية التي يعيشها المغرب الراهن، وفي عمق مضمون الخطاب الملكي الأخير بمناسبة ذكرى 20 غشت 2013. حيث وضع جلالة الملك في خطابه السامي، الأصبع على مكامن الخلل حين أشار إلى أن قطاع التعليم يواجه عدة صعوبات ومشاكل، خاصة بسبب اعتماد بعض البرامج والمناهج التعليمية التي لا تتلاءم مع متطلبات سوق الشغل، فضلا عن الاختلالات الناجمة عن تغيير لغة التدريس في المواد العلمية.
تدخل حصاد أثار إحدى الحاضرات من هيأة التدريس حين توجهت لمن حولها خلال استراحة الشاي بالقول: "هذا هو الشخص المناسب للمكان المناسب، لو جاؤوا لنا بحصاد وزيرا للتعليم لحلت المشاكل، فالقضية ليست قضية غياب رؤية واضحة أو انعدام استراتيجية بقدر ماهي - حسب حصاد - مسألة تسيير جيد". فتحية بنيس المسؤولة السابقة عن المكتب الوطني المغربي للسياحة والفاعلة الجمعوية انتفضت متدخلة بالقول أن التعليم يجب أن يبقى وزارة سيادية وأن لا تسند مهامها إلى أي وزير متحزب، وهو ما أكده في تدخله المحامي الاستقلالي أحمد القادري رئيس جماعة المعاريف بالدارالبيضاء أنفا، حين قال إن التكنوقراط لا يصلحون للسياسة، فما كان لمحمد حصاد إلا أن انبرى له بالرد باسما: - من قال لك إن التكنوقراط لا يمارسون السياسة؟ إنهم يمارسون السياسة وحين يمارسونها "كيديروها مزيان".
في الفترة الزوالية توبعت أشغال الندوة بمحور حول إصلاح التعليم، وبمحور ثان حول اللغات الوطنية ولغات المستقبل، وجاء المحور الأخير من اليوم الأول للندوة حول موضوع التعليم والشغل.
وقد عرفت المحاور الأربعة مساهمة عدد من الخبراء المغاربة والأجانب من الولاياتالمتحدةالأمريكية وألمانيا وفرنسا. وتفاعل الحضور مع المتدخلين فأثمر ذلك درجات عالية من النقاش أبانت عن نضج وثقافة وغيرة وطنية قلما شاهدناها في ندوات مماثلة، وهو ما دعا أحدهم للتنويه بمستوى هذه الندوة الدولية التي تم التحضير لها على مدى عشرة أشهر، أي قبل الخطاب الملكي المشار إليه، كم أكدت لنا ذلك الأستاذة فرتات التيجانية المديرة السابقة لأكاديمية التربية الوطنية بجهة الرباطسلاأزمور زعير، والتي قامت بجهد وافر ملحوظ في الإعداد للندوة وتهيئة محاورها إلى جانب آخرين.
وستستأنف الندوة اليوم السبت 5 أكتوبر، المصادف للاحتفال باليوم العالمي للمدرس، بثلاثة محاور حول القطاع الخاص في التعليم، ودور المجتمع المدني في التربية والتعليم، وإعادة الثقة والاعتبار للمدرسة العمومية.