قال إدريس لشكر, الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، إننا نؤمن صادقين أن المدرسة المغربية هي شأن جميع المغاربة ، وأن الشأن التربوي يخص الأمة المغربية بكل مكوناتها كل من موقعه وحدود مسؤولياته، وان الشعب المغربي يستحق مدرسة أفضل بكثير من هذه المدرسة التي توجد اليوم رهينة بين يدي رئيس الحكومة ووزيره المستعار المكلف بالتدبير المفوض. وأضاف لشكر, الذي كان يلقي كلمة بمناسبة الندوة الوطنية حول المسألة التعليمية، «إصلاح منظومة التربية والتكوين: أي تعليم لمغرب المستقبل؟» أن تفعيل المجلس الأعلى للتربية والتكوين والبحث العلمي الذي أقره دستور 2011 باعتباره هيئة دستورية عليا، هو المؤهل لاحتضان حوار وطني حول إصلاح منظومة التربية والتكوين، وهو المؤهل دستوريا لبلورة المشاريع الإصلاحية وتقديم الآراء الاستشارية. وفي هذه الندوة الوطنية التي حضرها فاعلون تربويون، وخبراء وأكاديميون، وجمعويون مهتمون بالشأن التعليمي، سجل الكاتب الأول لشكر، أن أفضل سبيل لضمان استمرارية المسارات الإصلاحية التي نبه إليها جلالة الملك ، ولتأمين استقرار المشاريع التربوية البعيدة المدى، هو الخروج من منطق التوافق إلى سلطة التشريع. وأوضح في هذا السياق أنه لا يمكن الاستمرار في تدبير الاستراتيجيات الإصلاحية للشأن التربوي بمرجعيات توافقية عامة لا تلزم بالضرورة الفاعلين السياسيين، ولا تترتب عن خرقها أية مساءلة ذات صبغة قانونية أو مؤسساتية، نعم للحوار الوطني وللاستشارة الواسعة، وللتوافق حول التوجهات الإصلاحية الكبرى ، لكن لابد من ترجمة هذا التوافق إلى مقتضيات قانونية لتحصين المكتسبات، ولتوثيق التعاقدات، ولحماية الحقوق. ورفض لشكر أن تبقى إشكالية التربية والتكوين في بلادنا موضوع مجادلات ايديولوجية لا تنتهي، داعيا إلى أن تتوفر المنظومة الوطنية للتربية والتكوين على قانون إطار أو مدونة قانونية تحدد التوجهات الكبرى والخيارات الإستراتيجية التي من شأنها تأطير السياسات التعليمية وتحدد وظيفة المدرسة ومكانة الجامعة، ودورهما في تعزيز التماسك الاجتماعي وتحقيق التنمية الاقتصادية. وحذر لشكر من العناد المثير للحكومة الحالية والدافع بالمدرسة المغربية إلى حافة الانهيار، حيث سعت أن تجهض في ظرف وجيز ما تبقى من أمل الإصلاح، واستطاعت أن تزرع في جسم المنظومة التربوية كثيرا من الألغام و الأوهام ، و أن تقحم في هذا القطاع حالة وسواسية لاعلاقة لها بروح التربية والتعليم، وزجت به في نمط غريب من التدبير الأخرق المتسلط ، العابث بالمكتسبات، والمستهتر بأبسط ضوابط الحكامة الجيدة في كل سياسة عمومية. ومن جهته اعتبر وائل بنجلون التويمي, رئيس جامعة محمد الخامس، في مداخلة له بنفس المناسبة حول التعليم العالي بين الثوابت والمتغيرات ، أن جودة برامج الجامعة وتكويناتها المتعددة والمتنوعة وانفتاحها على محيطها الاقتصادي وملاءمة برامجها ومسالكها مع سوق الشغل هي التي توضح بشكل جلي مدى طموح الدولة المغربية على السير قدما في البناء واستشراف المستقبل واقرار التنمية المجتمعية المستدامة. وأشار بنجلون إلى إشكالية استقلالية الجامعة المغربية من الناحية المالية، مبرزا في هذا السياق أنه اليوم لا يمكن التخطيط على المدى القصير أو المتوسط داخل الجامعة بسبب غياب الرؤية المالية، لذلك المطلوب توفير جميع الشروط المادية والمعنوية والبشرية مع أخذ ذلك بعين الاعتبار مع حاجيات المستقبل لضمان تدبير عقلاني ومستقبلي للجامعة ولكي تتمكن من أداء وظائفها. كما طالب بنجلون بضمان المنافسة الشريفة ما بين القطاع العام والقطاع الخاص في مجال التعليم الجامعي، موضحا أنه ليس ضد الاستثمار في القطاع الخاص في مجال التعليم العالي ولكن مع ضمان التنافس الشريف وعلى قواعد سليمة. ومن جانبه أوضح محمد بنعبد القادر, الإطار بوزارة التربية الوطنية، في مداخلة له حول الميثاق الوطني : ملاحظات أولية في أفق المراجعة، لماذا تعتبر قضية التعليم بالمغرب القضية الوطنية الثانية بعد القضية الوطنية، مبرزا أن قضية التعليم تشكل أولوية لأننا في حالة حرب مع الجهل والأمية وبفضل التعليم سنبوئ البلاد المكانة اللائقة بها والاستثمار في الموارد البشرية وتكوين الإنسان المغربي هو الضمانة الأساسية لكسب الرهانات ومجابهة التحديات في المستقبل داخل هذه التحولات الدولية الصعبة على جميع المستويات. وسجل بنعبد القادر أن ميثاق التربية والتكوين هو أول وثيقة متوافق عليها بعد الاستقلال, فتحت ورش الإصلاح في التعليم، أما فيما قبل فقد طغت الديماغوجية أكثر من البيداغوجية على مستوى الإصلاحات، كما حذر من الحكم على ميثاق التربية والتكوين دون استحضار سياقاته العامة التي جاء فيها وعدم تغافل أنه وثيقة مهيكلة لعدد من الإشكاليات التربوية والعلمية, لكن في إطار توافقي. وادلى بنعبد القادر بسبع ملاحظات أولية تهم مراجعة ميثاق التربية والتكوين,أولها ماهية النموذج الإصلاحي الذي نسعى إليه، ثانيا مسألة الهوية الوطنية، ثالثا التوجيه وهندسة الأسلاك, رابعا تحرير الكتاب المدرسي، خامسا تدريس اللغات ولغات التدريس، سادسا التعليم الخصوصي وأخيرا الإصلاح من التوافق إلى التقنين. أما بالنسبة لعمر حلي, رئيس جامعة ابن زهر بأكادير, الذي تدخل في محور «تحديات الجامعة بين الأمس واليوم»، فقد أبرز أن الجامعة المغربية قد كانت في الأمس حاملة للمشعل الفكري وظلت تلعب دورها كقاطرة للتنمية رغم ضعف الإمكانيات وتخرج منها عدة أطر ونخب مغربية، واليوم بالإمكان من الاستمرار في هذه الأدوار المختلفة والمتنوعة وأن تؤدي وظائفها على مستوى الدفع بالتنمية الشاملة في البلاد على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والسياسي. وشدد على أن البعض يخطئ حين يفهم الحرم بأن هناك ما يجب أن يحرم داخل الجامعة وهذا مفهوم شائع وخاطئ، فالحرم هو أن لا تداس كرامة الجامعة، وأن تتحرك كيف ما تشاء من أجل الإبداع الفكري والابتكار العلمي وحرية البحث العلمي من أجل التقدم والنماء. وتساءل حلي هل لازالت الجامعة المغربية ذاك الخزان المجدد للنخب المغربيةو أم هناك مسارات أخرى لتجديد النخب غير المسار السابق في الجامعة، منبها أن لا تكون هناك قسوة في الحكم على الجامعة المغربية التي تتأسس وترسم طريقها من أجل أن تكون في مستوى التحديات والرهانات، مطالبا في هذا السياق بالاهتمام بثلاثة عناصر أساسية في الجامعة: الطالب، الموظف والأستاذ باعتبار هؤلاء هم رحى التعليم العالي في عمليات كل إصلاح منشود. وتدارست الجلسة الثانية ،أولويات الإصلاح والرهانات المستقبلية، في هذه الندوة التي سير أشغالها الباحث التربوي إبراهيم باعمراني، حيث تدخل فيها عبد العزيز ايوي الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم فدش في محور ، لماذا فشل البرنامج الاستعجالي، معددا هذه الأسباب على عدة مستويات، أولها على مستوى المنهجية المعتمدة المتسمة بالانغلاق التام طيلة مراحل اعداد المخطط. أما بالنسبة للمستوى الثاني, فقد حدده ايوي على صعيد الحكامة, حيث انطلق المخطط الاستعجالي بعدة معوقات، أبرزها وجود وزيرين على رأس وزارة التعليم ودخولهما في صراع حول الاختصاصات لمدة سنة ونصف، إلى أن تدخل الوزير الأول للتحكيم، واعتماد أطر جديدة على القطاع ومن خارجه لقيادة مرحلة عسيرة من الإصلاح، فضلا عن أنه بقيت ثقافة التمركز طاغية فقد تمت حتى في الأكاديميات. أما على الصعيد البيداغوجي فقد ظلت المناهج والبرامج والكتب المدرسية بعيدة عن المراجعة والتطوير وظل الكتاب المدرسي خاضعا للوبي مصلحي لا يأخذ بعين الاعتبار المصالح الاقتصادية للبلد ولا المصالح التربوية، أما على صعيد الموارد البشرية فقد تم إهمال العديد من الحقوق. وفي مداخلة للباحث الأكاديمي والناشط الأمازيغي أحمد عصيد حول الرهانات الكبرى للأمازيغية في التعليم، أكد على أن فكرة التوحيد عبر التأحيد قد شكلت الأساس العقدي لقيام الدولة الوطنية المركزية خاصة النموذج الذي تبناه المغرب بعد الاستقلال، وقد ترتب عن هذه الفكرة الاعتقاد بأن الاستقرار السياسي رهين بنجاح السلطة عبر قوة الدولة وغلبتها في إقرار وترسيخ ثقافة ولغة وهوية وحيدة للأمة. وأضاف عصيد الذي أرسل مداخلة مكتوبة وغاب عن الندوة بسبب وعكة صحية مفاجئة، أن الفكر الديمقراطي الحديث أظهر قصور هذا النموذج الدولتي بعد تزايد خطابات الاحتجاج التي اظهرت أهمية التنوع الثقافي وضرورة حمايته ورعايته حيث لايكمن المشكل في وجود التنوع , بل في غياب سياسة لتدبيره بعقلانية وواقعية, وبهذا أصبح الاستقرار السياسي يتوطد عبر التنوع ذاته كما أصبحت الوحدة قائمة على التعدد. وأبرز عصيد ان تعليم الأمازيغية في المدرسة المغربية من شأنه أن يكون المتمدرسين على قيم التعدد والاختلاف المقترنة براهنية التسامح وبالتفكير النسبي , وهذا ما يساهم بشكل فعال في إشاعة ثقافة الحوار والحس الواقعي التشاركي والمنتج، و تعريف المتمدرس بواقعه الثقافي المتعدد. وشدد عبد الناصر ناجي, رئيس جمعية أماكن، في مداخلة له حول «أولويات الإصلاح ورهان المستقبل» على ضرورة أن تكون للفاعل السياسي قدرة على التفكير الاستراتيجي خاصة في مجال الإصلاحات التي تتعلق بمنظومة التربية والتكوين، والقدرة على المعرفة الدقيقة لكل الاتجاهات واستيعاب التجارب الدولية في هذا المجال. وأكد الناجي في نفس السياق، أن الإصلاح في مجال التربية والتكوين يتطلب رؤية استراتيجية على المدى القريب والمتوسط والبعيد، وأن تكون للمسؤولين على عمليات الإصلاح قدرة استباقية لحل المعضلات والمشاكل المرتبطة بالقطاع، مسجلا في نفس الوقت أن الرهانات المستقبلية للإصلاح ترتبط بعدد من القطاعات الأخرى التي يجب الانتباه إليها وأخذها بعين الاعتبار. كما شهدت هذه الندوة جلسة ثالثة حول المنظومة التربوية ورهانات التنمية الاقتصادية والاجتماعية, سيرت أشغالها فرتات التيجانية, الخبيرة في الشأن التعليمي، حيث تدخل في هذا المحور كل من الأستاذ الباحث ادريس خروز في موضوع «جودة الاقتصاد وإصلاح التعليم» ثم عبد الكريم مدون الكاتب العام للنقابة الوطنية للتعليم العالي في موضوع «الجامعة والمجتمع، أية علاقة بين البحث العلمي والتنمية»، ثم فؤاد شفيقي مدير المناهج بوزارة التربية الوطنية, الذي قدم مداخلة في» قراءة مسار اصلاح المناهج خلال العشرية»، وستعمل اللجنة المشرفة على تنظيم الندوة بمد الجريدة بمداخلات المتدخلين من أجل نشرها كاملة لاحقا.