وجه الشيخ السلفي محمد الفيزازي رسالة إلى جماعة العدل والإحسان ينتقدها فيها، وهي رسالة إن كان ظاهرها وضع محددات للحوار بين الجماعة وباقي الأطراف بما في ذلك الدولة، فإن باطنها هو دعوة إلى جماعة الشيخ عبد السلام ياسين إلى معرفة حقيقتها وحجمها الطبيعي وقدرتها السياسية وموقعها داخل حركة 20 فبراير، مع التأكيد على أن الطلاق بين الجماعة والحركة سيتم لا محالة آجلا أو عاجلا نظرا لكون التناقضات بين الطرفين كبيرة، خصوصا وأن الشيخ الفيزازي يعتبر أن الحركة مليئة بالتيارات الإلحادية والشاذة. والاحتفاء بكل رسالة يوجهها الشيخ الفيزازي لجماعة العدل والإحسان ليس اعتباطيا، باعتباره واحدا من أقدر الناس على انتقاد الجماعة، لأنه يصدر عن نفس المنبع الذي تصدر عنه الجماعة، ويقف معها على نفس الأرضية التي هي المرجعية الإسلامية بتنويعات مختلفة، وثانيا لأن السلفية من أشرس منتقدي الصوفية، بالإضافة إلى شراسة الصراع بين السلفية العقدية والصوفية السياسية التي يتبناها عبد السلام ياسين، وبالتالي فإن النقد الموجه للجماعة من طرف الفيزازي له قيمته الشرعية والعلمية.
إن المحتوى الأساسي للرسالة هو وضع حد للنفخ في الجماعة إذ يقول "إن وضع جماعة العدل والإحسان بقَضّها وقضِيضِها في كفة ووضع ما تبقى من الشعب في كفة يعطينا الصورة الحقيقية للمعادلة بين الجانبين إن صح أن أقول إنهما جانبان. والخلاصة التي لا ينكرها أحد بما في ذلك الجماعة نفسها هي أننا أمام أقلية قلية من الشعب في معارضة من خارج المؤسسات لنظام ليس ككل النظم، ولدولة ليست ككل الدول. فإذا كانت الجماعة ذات خصوصية تميزها عن كل فئة معارضة أخرى، وهي كذلك، فإن الدولة المغربية أيضا ذات خصوصيات تميزها عن كل دولة أخرى... تاريخيا ودينيا وجغرافيا... ولا بد من استحضار كل هذا ونحن نتحدث عن ضرورة الحوار".
إن المضمر من هذا الكلام، حتى وإن كان في موضع آخر يصفها بالجماعة القوية تنظيميا، فهو إرادة القول بأن الجماعة انتفخت أو تم النفخ فيها حتى أصبحت مثل البالوعة، وواقع الأمر أنها مجموعة بشرية من المجتمع ليس من الجيد أن تبقى على الهامش. شذوذ فكري يقابل شذوذا في السلوك الاجتماعي. والعارف بالخطاب السلفي يستنتج من كلام الفيزازي أنه يوجه اللوم للجماعة بحيادها عن الخطاب الشرعي، أي أنه في حالة الاختلاف ينبغي الرد إلى كتاب الله، الذي يحدد قواعد الحوار ويؤطر محددات الخروج عن الحاكم وهو في حالة جماعة العدل شبيه بالخوارج الفرقة التي ظهرت في التاريخ، والتي أعلنت تبنيها لكتاب الله وكانت من أولى من خرج عنه، حيث يعتبر الفيزازي "أن مرد الخلاف إلى الكتاب والسنة عند التنازع في أي شيء مهما كان صغيرا جدا هو الباعث على الوحدة والاتحاد ونبذ الفرقة. فكيف إذا كان الخلاف في الأمور العظيمة التي يؤول إليها مصير البلاد والعباد؟".
وقال الفيزازي "إن التطاول على ملك البلاد ورفع شعارات إسقاط النظام تصريحا، أو تلميحا عبر شعارات (الله يبارك في عمر شعبي) أو (يحيى الشعب) أو (الله الوطن الشعب) مثلا، وهي العبارات المتعارف عليها أنها تخص الملك، فيه استفزاز للشعب الذي يحب ملكه أكثر من استفزاز الملك شخصيا. كما أن بخس الدولة حقها في كثير من منجزاتها العملاقة في البنية التحتية والتنمية البشرية والعمران والصناعة والازدهار الملحوظ في شتى الميادين على الرغم من الأزمة المالية العالمية وعلى الرغم من أننا لسنا دولة نفطية... فيه عدم العدل في القول وتحامل بطعم زرع التيئيس والعدمية. على حين تكفي مقارنة بسيطة مع جيراننا (ليبيا والجزائر) الذين لهم من الغاز والبترول والعملة الصعبة ما يجعلهم يعيشون فوق سطح القمر ومع ذلك فالمغرب يبدو أنه أرقى وأنقى. وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على أن النظام المغربي ليس بذلك السوء الذي يستدعي "إسقاطه". لا سيما وهو لم ينزل إلى الشارع بدبابات ولا مدرعات ولا راجمات صواريخ كما يفعل آخرون. ثم من يملك إسقاطه أو يستطيع أصلا وهو محمي بأغلبية الشعب قبل أي شيء آخر. ولا أقول بالعسكر والبوليس ووسائل القمع... كما هو حال غيره في بلاد العرب والأمازيغ بل بأغلبية الشعب".
إن هذه الفقرة من الرسالة تحمل من المداليل ما تنوء به القدرة الفكرية لجماعة العدل والإحسان، أي الرد إلى كتاب الله الذي يدعو إلى قول الحق ولو كان في النفس والحكم على الخصم من خلال ما يقوم به لا من خلال الموقف المسبق.