شرعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان بمجلس النواب في مناقشة مشروع القانون رقم 19-46 المتعلق بالهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، وذلك بحضور وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، محمد بنشعبون. وأبرز السيد بنشعبون، في عرض قدمه مؤخرا أمام أعضاء اللجنة، أن المشروع يندرج في إطار التنزيل القانوني الأمثل للصلاحيات التي خولها الدستور لهذه الهيئة، تفاعلا مع تنامي آفة الفساد وامتداداتها الوخيمة على مختلف مجالات الحياة العامة، واستجابة للتوجيهات الملكية السامية الداعية إلى تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة ومحاربة كل مظاهر الفساد. كما يأتي هذا المشروع، يقول الوزير، تجاوبا مع انتظارات المواطنين وتطلعاتهم إلى الاستفادة من الخدمات العمومية وفق متطلبات الشفافية والنزاهة والجودة، وبصفة أعم، توفير شروط الإنصاف والفعالية من أجل تحقيق تنمية مستدامة ومدمجة لجميع الطاقات، تضمن الكرامة والرفاهية للأجيال الحالية والمستقبلية. وتوقف السيد بنشعبون عند المقتضيات القانونية والدستورية التي أطرت سياسات الوقاية من الرشوة، مذكرا في هذا السياق، بإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة لدى الوزير الأول بمقتضى المرسوم رقم 2.05.1228 الصادر في 23 من صفر 1428 (13 مارس 2007)؛ حيث أنيطت بها مهمة تنسيق سياسات الوقاية من الرشوة والإشراف عليها والسهر على تتبع تنفيذها وجمع ونشر المعلومات في هذا المجال، وإحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها بمقتضى الفصل 36 من دستور 2011 التي خ ص ها، إلى جانب هيئات ومؤسسات دستورية أخرى، بتوطيد قيم ومبادئ الحكامة الجيدة، كما حددها في بابه الثاني عشر. واعتبر الوزير أن الدستور شكل لبنة مهمة في صرح البناء الديمقراطي، إذ أقر إصلاحات هامة من خلال التنصيص على مبادئ قوية، من قبيل التخليق والشفافية والنزاهة والمساءلة والحكامة الجيدة، وذلك عبر ترسيخ دولة الحق والقانون، وتعزيز منظومة حقوق الإنسان بكل أبعادها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتنموية والثقافية والبيئية. وفي إطار استكمال المنظومة المؤسساتية الدستورية لهيئات الحكامة، يضيف الوزير، صدر القانون رقم 113.12 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2015، بهدف تنزيل مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، لافتا إلى أن تقييم مقتضيات هذه المنظومة، أظهر أن الاختصاصات المخولة لهذه الهيئة وآليات تفعيلها لا ترقى للتجاوب موضوعيا مع المواصفات المعيارية لمكافحة الفساد كما تضمنتها الاتفاقيات الدولية والتجارب الفضلى ذات الصلة، مما مما استوجب المراجعة العميقة لهذا القانون، انطلاقا من الإرادة الملكية المعبر عنها في عدة مناسبات، وأخذا بعين الاعتبار سقف الصلاحيات التي منحها الدستور لهذه الهيئة. وتجاوبا مع هذا المنظور الدستوري، يأتي مشروع القانون 46.19، وفق السيد بنشعبون، ليساهم في إذكاء الدينامية المطلوبة في المجهود الوطني لمكافحة آفة الفساد، بما يجعل الهيئة الوطنية للنزاهة أمام حتمية التصريف القانوني الأمثل لصلاحياتها الدستورية، كإطار مؤسسي منوط به ترسيخ متطلبات الحكامة الجيدة. كما يتطلع المشروع، يبرز الوزير، إلى استشراف بعد التكامل المؤسساتي والتعاوني المطلوب للنهوض بمبادئ الحكامة الجيدة، من خلال التنزيل الموضوعي للصلاحيات الأفقية التي منحها الدستور للهيئة على مستوى الإشراف والتنسيق وتتبع التنفيذ، والتي يحتاج تفعيلها إلى استنهاض جميع المعنيين لمواجهة مظاهر الفساد بمجهود مشترك. ويستهدف المشروع أيضا، النهوض بإطار مؤسسي قادر على إشاعة قيم النزاهة والشفافية والتدبير الرشيد، ومؤهل لمواجهة التطور الكمي والنوعي لمظاهر الفساد، مع الاستئناس بالمعايير المتعارف عليها بخصوص هيئات مكافحة الفساد، خاصة ما يتعلق منها بالاستقلالية وتوسيع مجال التدخل والجمع بين الحكامة والوقاية والمكافحة. وأشار السيد بنشعبون إلى أن مشروع القانون يأتي متضمنا لمقتضيات تتوخى التصريف القانوني الفعال للمهام الدستورية للهيئة، والمتعلقة بالمبادرة والإشراف والتنسيق وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة، وثقافة المرفق العام، وقيم المواطنة المسؤولة، وذلك وفق رؤية يؤطرها مبدأ التعاون المؤسسي وتكامل الجهود بين الهيئة ومختلف المؤسسات وسلطات إنفاذ القانون، في احترام لمقتضيات الدستور. واعتبارا لكون المشروع يعد مراجعة جذرية وعميقة للقانون الحالي للهيئة، سواء تعلق الأمر بمهامها أو بنظام حكامتها أو بكيفيات اشتغالها، يضيف المسؤول الحكومي، تأكدت ضرورة نسخ القانون رقم 12-113، والتوجه نحو إعداد إطار قانوني جديد يأخذ بعين الاعتبار بعدين أساسيين، يتمثلان في تحصين المكتسبات الدستورية ذات الصلة بالهيئة، وتثبيت وتدقيق مجموعة من الاختصاصات المخولة لها.