شرعت لجنة العدل والتشريع وحقوق الإنسان في مجلس النواب، أمس (الخميس) في دراسة مشروع القانون رقم 46-19 المتعلق ب"الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها"، والذي يهدف، بحسب الحكومة، إلى تعزيز موقع الهيئة، كمؤسسة وطنية للحكامة، وتأهيلها للنهوض بالمهام الملقاة على عاتقها، سواء في نشر قيم النزاهة والشفافية والوقاية من الرشوة، أو في مجال الإسهام في مكافحة الفساد. وفي معرض تقديمه لمشروع هذا القانون، أمام أعضاء لجنة العدل، قال محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، إن هذا النص التشريعي الجديد، "يندرج في إطار التنزيل القانوني الأمثل للصلاحيات التي خولها الدستور لهذه الهيئة، تفاعلا مع تنامي آفة الفساد وامتداداتها الوخيمة على مختلف مجالات الحياة العامة، واستجابة للتوجيهات الملكية السامية التي دعت، في غير ما مناسبة، إلى تخليق الحياة العامة وتعزيز النزاهة ومحاربة كل مظاهر الفساد، وكذا تجاوبا مع انتظارات المواطنين وتطلعاتهم إلى الاستفادة من الخدمات العمومية وفق متطلبات الشفافية والنزاهة والجودة". المسؤول الحكومي ذاته، وبعدما أشار إلى المرسوم الصادر في 13 مارس 2007، المتعلق بإحداث الهيئة المركزية للوقاية من الرشوة لدى الوزير الأول آنذاك، ذكر بأن الفصل 36 من دستور 2011، نص على إحداث الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث خصها، إلى جانب هيئات ومؤسسات دستورية أخرى، ب"توطيد قيم ومبادئ الحكامة الجيدة، كما حددها في بابه الثاني عشر. وأوكل لها، بمقتضى الفصل 167، على الخصوص مهام المبادرة والتنسيق والإشراف وضمان تتبع تنفيذ سياسات محاربة الفساد، وتلقي ونشر المعلومات في هذا المجال، والمساهمة في تخليق الحياة العامة، وترسيخ مبادئ الحكامة الجيدة وثقافة المرفق العام وقيم المواطنة المسؤولة". وتابع الوزير وهو يكشف دواعي إعداد هذا المشروع، أنه "في إطار استكمال المنظومة المؤسساتية الدستورية لهيئات الحكامة، صدر القانون رقم 113.12 الصادر بتاريخ 9 يونيو 2015، بهدف تنزيل مهام الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها، حيث تَبيَّن فيما بعد، من خلال تقييم مقتضياته، أن الاختصاصات المخولة لهذه الهيئة وآليات تفعيلها لا ترقى للتجاوب موضوعيا مع المواصفات المعيارية لمكافحة الفساد كما تضمنتها الاتفاقيات الدولية والتجارب الفضلى ذات الصلة، في مقدمتها أحكام اتفاقية الأممالمتحدة لمكافحة الفساد لا سيما المادتين 6 و36 منها؛ بما من شأنه أن يَكبَح قدرتها على المكافحة الناجعة لآفة الفساد". وزاد المسؤول الحكومي موضحا، أنه "على هذا الأساس، تأكدت الحاجة الملحة إلى المراجعة العميقة للقانون رقم 113-12 السالف الذكر انطلاقا من الإرادة الملكية المعبر عنها في عدة مناسبات، وأخذا بعين الاعتبار سقف الصلاحيات التي منحها الدستور لهذه الهيئة"، مبرزا أن الاقتناع بهذه المراجعة، ترسخ، بعد صدور بلاغ الديوان الملكي بتاريخ 14 دجنبر 2018 على إثر استقبال وتعيين رئيس الهيئة"؛ حيث جاءت مضامينه "مؤكدة على ضرورة التفعيل الأمثل للمهام التي أوكلها الدستور لهذه الهيئة الوطنية، خاصة ما يتعلق منها بالمبادرة والتنسيق والإشراف على تنفيذ سياسات محاربة الفساد وضمان تتبعها"، يضيف بنشعبون. وأبرز الوزير أن مشروع القانون 46.19 المعروض على أنظار لجنة العدل والتشريع، سيساهم في إذكاء الدينامية المطلوبة في المجهود الوطني لمكافحة آفة الفساد، "بما يجعل الهيئة الوطنية للنزاهة أمام حتمية التصريف القانوني الأمثل لصلاحياتها الدستورية، كإطار مؤسسي منوط به ترسيخ متطلبات الحكامة الجيدة"، على حد تعبيره. ويتطلع هذا المشروع، يردف بنشعبون، إلى "استشراف بعد التكامل المؤسساتي والتعاوني المطلوب للنهوض بمبادئ الحكامة الجيدة"، من خلال "التنزيل الموضوعي للصلاحيات الأفقية التي منحها الدستور للهيئة على مستوى الإشراف والتنسيق وتتبع التنفيذ"، والتي يحتاج تفعيلها إلى "استنهاض جميع المعنيين لمواجهة مظاهر الفساد بمجهود مشترك، تتظافر فيه جهود سائر المعنيين؛ بما يقتضيه الأمر من تواصل وتعاون وتكامل". كما يستهدف المشروع أيضا "النهوض بإطار مؤسسي قادر على إشاعة قيم النزاهة والشفافية والتدبير الرشيد، ومؤهل لمواجهة التطور الكمي والنوعي لمظاهر الفساد، مع الاستئناس بالمعايير المتعارف عليها بخصوص هيئات مكافحة الفساد، خاصة ما يتعلق منها بالاستقلالية وتوسيع مجال التدخل والجمع بين الحكامة والوقاية والمكافحة". واستعرض الوزير المقتضيات الواردة في مشروع هذا القانون والذي يتضمن 54 مادة موزعة على سبعة أبواب، موضحا أن النص الجديد تبنى "مفهوما موسعا للفساد، كما حدد صلاحيات الهيئة، سواء المرتبطة بالاستشارة والاقتراح والإشراف والتنسيق وتقييم السياسات العمومية المتعلقة بالوقاية من الفساد ومكافحته، أو صلاحياتها المتعلقة بتلقي ومعالجة الشكايات والتبليغات والتصدي التلقائي والتحري بشأن ملفات الفساد وتحويلها إلى قضايا قادرة على أن تأخذ طريقها نحو سلطات المتابعة الجنائية أو التأديبية". وبعدما لفت إلى أن المشروع الجديد هو مراجعة جذرية وعميقة للقانون الحالي للهيئة، سواء تعلق الأمر بمهامها أو بنظام حكامتها أو بكيفيات اشتغالها، خلص بنشعبون في عرضه إلى التأكيد على أن تمكين البلاد من هيئة وطنية تمتلك المقومات القانونية لممارسة صلاحياتها في الوقاية والحكامة ومكافحة الفساد، من شأنه أن "يعزز المجهودات الوطنية المبذولة في هذا المجال، ويستكمل حلقات العِقد المؤسسي المدعو بإلحاح لتجسير علاقات تعاونه وتوطيدها، لضمان المواجهة الناجعة لآفة الفساد في إطار مجهود مشترك ومنظور شمولي للنزاهة والوقاية من الفساد ومحاربته".