إلى وسط بيروت المنكوبة، عاد آلاف المتظاهرين السبت حاملين أسماء ضحايا الانفجار في مرفأ بيروت تحت شعار "يوم الحساب"، مطالبين بالاقتصاص من المسؤولين عن الفاجعة التي دم رت عاصمتهم وحولت مرفأها ساحة خردة. ليست هذه المرة الأولى التي يتظاهر فيها نجيب فرح (35 عاما ) في بيروت التي شهدت ساحاتها منذ الخريف الماضي احتجاجات واسعة النطاق ضد الطبقة السياسية المتهمة بالفساد والفشل في إيجاد حلول لأزمات البلاد المتلاحقة. لكن المرارة هذه المر ة مضاعفة. ويقول لوكالة فرانس برس بانفعال "ثمة دماء بيننا وبين هذه السلطة اليوم، والشعب يريد الانتقام من هذه السلطة.. دمروا المدينة جراء إهمالهم ومنظومة فسادهم". على بعد أمتار، رفع بعض المحتجين الغاضبين حبال مشانق رمزية. ورفعت شابة وضعت كمامة سوداء لافتة كتبت عليها "كنتم فاسدين وأصبحتم مجرمين"، بينما حملت أخرى ورقة كتبت عليها "الطبقة الحاكمة تراكم الثروات تراكم الضحايا". وبينما كانوا يتابعون بعجز الانهيار الاقتصادي المتسارع في بلدهم ويعيشون تبعات هذا الوضع الهش الذي أضيف إليه تفشي كوفيد-19 مع تسجيل معدل إصابات قياسي في الأيام الاخيرة، أتى انفجار مرفأ بيروت ليشكل أكبر كوارث اللبنانيين. وأعلنت وزارة الصحة السبت في حصيلة جديدة ارتفاع ضحايا الانفجار، الذي يعد من بين الأكبر في التاريخ الحديث، إلى 158 قتيلا وأكثر من ستة آلاف جريح، فيما بات عدد المفقودين 21 شخصا . ورد د المتظاهرون شعارات عدة بينها "الشعب يريد اسقاط النظام" و"انتقام انتقام حتى يسقط النظام" و"بالروح بالدم نفديك يا بيروت" التي شرد الانفجار نحو 300 ألف من سكانها، نحو مئة ألف منهم أطفال. وأثار الانفجار حزنا عميقا وغضبا واسعا لدى اللبنانيين. وأثار تساؤلاتهم عن سبب تخزين كميات كبيرة من مادة نيترات الأمونيا في المرفأ منذ ست سنوات، من دون أن تحر ك السلطات المعنية ساكنا او تتخذ أي تدابير حماية خاصة. وحملت متظاهرة لافتة بالانكليزية كتبت عليها "حكومتنا تقتل شعبي". ويوضح شربل (22 سنة) الطالب الجامعي لفرانس برس "بعد الانفجار، شعرنا جميعا بأننا معنيون، كما لو أن لدينا ثأرا شخصيا" من السلطة. ويضيف "نحن سلميون لكن وجع الناس.. كفيل وحده أن يسقط هذه الدولة". وأعادت تحركات السبت إلى الأذهان مشهد التظاهرات التي شهدتها بيروت منذ 17 أكتوبر، قبل أن يتراجع زخمها مع تشكيل حكومة جديدة مطلع العام ومن ثم تفشي فيروس كورونا المستجد. واقتصرت منذ ذاك الحين على وقفات أو تحركات رمزية أمام إدارات الدولة ومرافقها. وأعرب جاد (25 عاما )، الموظف في مجال الاعلانات لفرانس برس بينما رفع مشنقة على مكنسة، عن "غضب وحزن ومرارة وأحاسيس كثيرة لا يمكن التعبير عنها". وقال إن التظاهرات "مستمرة منذ 17 أكتوبر وليست بجديدة لكن اليوم توجهنا مختلف لأننا نسير على ركام مدينتنا"، منتقدا غياب إدارات الدولة ومؤسساتها عن إغاثة المتضررين. ولليوم الرابع على التوالي، لملمت بيروت جراحها وعمل متطوعون وسكان في أحيائها المتضررة على رفع الركام والزجاج المحطم واصلاح ما يمكن اصلاحه. وقدر محافظ بيروت كلفة الدمار بثلاثة مليارات دولار. ويشهد لبنان منذ العام الماضي أسوأ أزماته الاقتصادية تترافق مع أزمة سيولة حادة وشح الدولار وفقدان العملة المحلية لأكثر من ثمانين في المئة من قيمتها مقابل الدولار في السوق السوداء. وبات نصف اللبنانيين تقريبا يعيشون تحت خط الفقر بينما ارتفع معدل البطالة خلال الأشهر الأخيرة إلى 35 في المئة من القوى العاملة. ورفع أحد المتظاهرين في وسط بيروت صورة تجمع أبرز الزعماء السياسيين مع عبارة "أعدموهم" فيما وضعت منصة شنق خشبية في وسط العاصمة. وقالت إحدى المتظاهرات "جميعهم قتلة ونريد اقتلاعهم من مراكزهم".