في الخطاب الملكي الذي ألقاه جلالة الملك محمد السادس، بمناسبة ذكرى ثورة الملك والشعب، أظهر جلالته أن اعتماد النموذج التنموي المستقبلي لن يكون اعتباطيا ولكن سيعتمد على المعايير الدولية التي تنتمي إلى الجيل الجديد من الدراسات المستقبلية، ويتعلق الأمر بالتقويم والاستيباق والاستشراف، وهي المقاربة المعتمدة في كافة النماذج التنموية عالميا. فالنموذج التنموي ليس أداة لإنتاج الثروة فقط، ولكنه في صيغته الجديدة، يشكل قاعدة صلبة لانبثاق عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع حسب ما قال جلالته. وقال جلالته "إننا نتطلع أن يشكل النموذج التنموي، في صيغته الجديدة، قاعدة صلبة، لانبثاق عقد اجتماعي جديد، ينخرط فيه الجميع: الدولة ومؤسساتها، والقوى الحية للأمة، من قطاع خاص، وهيآت سياسية ونقابية، ومنظمات جمعوية، وعموم المواطنين". فالمغرب اليوم ليس هو مغرب الأمس، فالمجال عرف تطورات كبيرة تحتاج إلى مقاربات مختلفة باعتبارها "مرحلة المسؤولية والإقلاع الشامل"، مرحلة تجعل المواطن المغربي في صلب عملية التنمية، والغاية الأساسية منها. هذه المقاربة دفعت جلالته إلى اعتماد مقاربة تشاركية وإدماجية، في معالجة القضايا الكبرى للبلاد، تنخرط فيها جميع القوى الحية للأمة. فالمقاربة تعتمد ثلاث عناصر مهمة وهي معايير دولية، فأول تلك العناصر هو التقويم، حيث لا يمكن الإقلاع دون تقويم الواقع وتحديد المعيقات، وبغض النظر عن النقاش حول مستويات وأرقام النمو، فإن الأهم هو العمل على تجاوز المعيقات، التي تحول دون تحقيق نمو اقتصادي عال ومستدام، ومنتج للرخاء الاجتماعي، وفق ما جاء في الخطاب الملكي. والنقطة الثانية في معايير إنتاج النموذج التنموي هي الاستيباق، ولا يمكن أن يكون المشروع استراتيجيا ما لم يكن استيباقيا، يهدف إلى توقع المستقبل، لا على سبيل التوهم، ولكن بناء على معطيات الواقع، المستخلصة من التقويم، ولا حاجة بنا إلى نموذج تنموي لا يتميز بعنصر الاستشراف.