الخطابات الملكية ليست بروتوكولية، يعني أنها لا تأتي فقط لمجرد ملأ اللحظة التي يعيشها المغاربة والاحتفال بالذكريات، ولكنها خطابات تأسيسية، ففي كل مناسبة يتطرق جلالة الملك إلى تقييم للوضع، الذي يكون فيه المغرب، ويتطلع إلى حالة جديدة ينبغي أن يعيشها المغاربة في المستقبل، بما يمكن وصفه بأنه ملك المستقبل، الذي لا ينظر إلى الماضي إلا من باب استيعاب الدروس والعبر من التاريخ من أجل بناء مستقبل زاهر يستحقه المغاربة. يخلد اليوم المغاربة ذكرى ثورة الملك والشعب، وقبل 20 يوما خلد المغاربة عيد العرش المجيد، الذي وقف فيه جلالته على مكامن الخلل، والعوائق التي تحول دون إقلاع النموذج التنموي، بشر جلالته المغاربة بالتغيير الجذري القادم، الذي سيمس الحكومة والمسؤوليات الكبرى، إذ لا يمكن السير بوثيرتين مختلفتين وسرعتين متناقضتين، وبالتالي البحث عن الأطر والكفاءات، حتى يتم الموازنة بين سرعة المؤسسة الملكية وسرعة باقي المؤسسات، التي تتحول بسلحفاتيتها أحيانا إلى عائق في وجه التقدم. والملك الفاعل القائم على تحقيق المطالب المشروعة لشعبه، والسريع الاستجابة لنداء الشارع، عازم كل العزم على خلق الزلزال الحقيقي، الذي كانت معالمه الأولى السنة الماضية من خلال إعفاء كثير من الوزراء والمسؤولين، وسوف يتم ويكتمل من خلال إعفاء عدد من الوزراء وتغييرهم بآخرين أكفاء وكذلك إزاحة بعض المسؤولين الكبار من مواقعهم لفائدة الأطر القادرة على خدمة الوطن. فاليوم يمكن القول إنه يوم "زلزلت فيه الحكومة زلزالها" لتخبر المواطن عن فشلها في تدبير الشأن العام وعدم قدرتها على اقتراح نموذج تنموي، وارتدادات الزلزال لابد أن تستمر إلى حين القضاء على التكلسات السياسية الشبيهة بالطبقات الجيولوجية غير النافعة التي تضر دون أن تنفع. جلالة الملك كعادته كان واضحا ومنهجيا وما على السامعين سوى الانتباه إلى إشاراته القوية الرامية إلى التغيير الجذري في إطار استمرار متواصل لثورة الملك والشعب ضد الفساد والمفسدين الجاثمين على صدور المسؤوليات بالإدارة والحكومة والمؤسسات العمومية وشبه العمومية. ولهذا ركز جلالته على التلاحم الجماعي في العمل قائلا إنه يريدها ثورة مستمرة حسب ما قاله جلالة المغفور له محمد الخامس "عدنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر"، جهاد بناء الدولة الحديثة. وفي هذا السياق يدخل النموذج التنموي ضمن مسلسل الجهاد الأكبر من خلال اللجنة المذكورة التي ستعتمد على التقويم والاستيباق والاستشراف.