تندرج مبادرة فتح المتحف الجهوي بتازة ضمن الجهود التي تروم صيانة الذاكرة الوطنية المرتبطة بتاريخ الكفاح الوطني. فاعتبارا للموقع المتميزالذي تحتله مدينة تازة وضواحيها على خريطة وقائع المقاومة المسلحة ضد الاستعمارين الفرنسي والاسباني، فإنه تم القيام بمساعي عديدة بغية تشريف وتكريم رجال المقاومة وجيش التحرير بالمنطقة، حيث تم تتويج هذه المساعي بتوقيع اتفاقية تعاون وشراكة بين المندوبية السامية لقدماء المقاومين وأعضاء جيش التحرير والجماعة الحضرية بتازة قصد إحداث نواة مشهد متحفي يستحضر من خلاله الجيل الصاعد الصور المشرقة للملاحم والبطولات التي صنعها أبناء هذه المدينة المجاهدة، الذين يفتخرون بأصالتها العريقة وبموروثها التاريخي المجيد. لقد تحقق طموح افتتاح المتحف الجهوي لتازة ليشكل قيمة إضافية في المشهد الثقافي المحلي، الذي ينفرد بخصوصيات عديدة مستوحاة من جغرافية وتاريخ متميزين بالثراء والتنوع والإثارة. فبمناسبة تخليد المغرب فاطبة للذكرى الذهبية لعيد الاستقلال سنة 2005، تم الافتتاح الرسمي لأبواب المتحف وذلك برئاسة السيد المندوب السامي لقدماء المقاومين واعضاء جيش التحريروالسيد عامل الاقليم وبحضور فعاليات وازنة في مجال الاعلام والثقافة والتراث والتربية والتكوين، حيث لقيت هذه المبادرة ترحيبا كبيرا واستحسانا جميلا من طرف القائمين على الشأن التربوي والتعليمي والمهتمين بالتراث التاريخي، هذا علاوة على أن البناية المحتضنة للمتحف آية في الهندسة المعمارية القديمة ، مما يجعل منها تحفة تاريخية مستقلة بذاتها و تستحق الصيانة، إذ يكفي التذكير هنا أن مقر المتحف كان في الأصل مسجدا على العهد الموحدي والمريني، ولا زالت دعائمه ومحرابه وأقواسه شاهدة على وظيفته الأصلية. وخلال مرحلة الحماية اتخذته السلطات الاستعمارية سجنا لمقاومي المنطقة ومعتقلا للمناهضين للاستعمار من رجال الحركة الوطنية المغربية أمثال محمد حسن الوزاني وعلال الفاسي وغيرهما من أبناء هذه الربوع، الذين اقلقوا راحة الفرنسيين، لذلك حق اعتبار هذا الفضاء جزءا من الذاكرة النضالية الحية لهذه المدينة . ورغم أن المتحف حديث العهد الا أنه يحق لساكنة تازة عموما وأسرة المقاومة وجيش التحرير بالخصوص الافتخار بالرصيد المحترم من المعروضات المتواجدة حاليا بالمتحف والمتضمن لقطع أسلحة قديمة أستعملت خلال فترة الكفاح الوطني، وألبسة عسكرية ومدنية تقليدية ومعدات مختلفة ، بالاضافة الى صور تاريخية ووثائق ومخطوطات ترجع الى عهد الحماية. وكل هذه المعروضات تم توزيعها وفق سينوغرافيات منظمة داخل زجاجيات العرض الخاصة ، وتبعا لمسار كرنولوجي لأهم المحطات النضالية في تاريخ المقاومة المغربية. كما تم تخصيص أروقة المتحف الجانبية لمشاهد موضوعاتية والواح توضيحية لمختلف وقائع المقاومة وحركة جيش التحرير بالمنطقة الشمالية. هذا بالإضافة إلى قاعة مخصصة للمطالعة وعرض الأشرطة الوثائقية ذات الصلة بالاحداث الوطنية المجيدة ، زيادة على احتضان المتحف لخزانة غنية بمنشورات المندوبية السامية ومختلف الاصدارات العلمية المرتبطة بموضوع المقاومة والحركة الوطنية المغربية ( ندوات علمية، نشرات ،كتب تاريخية، بحوث جامعية، مجلة الذاكرة الوطنية ، سلسلة من كتاب الطفل، موسوعة المقاومة ....) ونظرا لأهمية المتحف كواجهة جديدة في المشهد الفني والثقافي والتربوي المحلي ، فان عدد الزوار الوافدين على المتحف يرتفع بوتيرة ملحوظة خاصة خلال فترات تنظيم الأبواب المفتوحة بمناسبة تخليد اليوم العالمي للمتاحف أو الاحتفال بالذكريات الوطنية والمحلية، حيث يستقطب أعدادا متزايدة من تلاميذ المؤسسات التربوية وطلاب الجامعة الذين يستفيدون من مختلف الأنشطة المنظمة بفضاء المتحف بتعاون مع المجلس العلمي المحلي ، وبتنسيق مع نيابة وزارة التربية الوطنية ومختلف الفعاليات التربوية والتكوينية الاخرى كالجمعيات الثقافية والنوادي النسوية ، فيتم التركيز على مسابقات ثقافية وورشات فنية في الرسم وعرض أشرطة وثائقية وإلقاء محاضرات وعروض تاريخية من طرف أساتذة التاريخ وأطر المتحف، وكذا استغلال فضاء المتحف من أجل تنظيم معارض تشكيلية وعرض مسرحيات للأطفال وانجاز البحوث والدراسات من قبل المهتمين والباحثين في تاريخ المنطقة. ومن المعلوم أن المتحف فتي وطموح أسرة المقاومة أكبر ، لذا فان مساعي وجهود كثيرة تبذل على مستويات مختلفة وبوسائل متنوعة من أجل استقطاب ذخائر تاريخية أخرى لإغناء خزان المتحف بوثائق وصور تاريخية ومخطوطات وقطع أسلحة قديمة إضافية، مما يقتضي بذل مزيد من الجهد من طرف جميع المواطنين والمهتمين وهيئات المجتمع المدني ورجال المقاومة ، ولم لا إعطاء هذه العملية بعدا واسعا وذلك باسترجاع الأرشيف والوثائق والتقارير العسكرية المتعلقة بتاريخ الحماية بالمغرب عبر تكثيف الاتصال بالدول الاروبية في إطار صيانة الذاكرة المشتركة من أجل التوثيق والتأريخ لمرحلة مهمة من تاريخ الدول الاستعمارية والكيانات المستعمرة . عمر الصديقي المشرف على المتحف الجهوي للمقاومة وجيش التحرير بتازة [email protected]