هذه المقالة هي قراءة في بعض العروض المسرحية المقدمة ضمن الدورة السابعة للمهرجان الدولي الاحترافي السابع المنظم من قبل النقابة المغربية لمحترفي المسرح للقارئ اللبيب وللمهتمين بفنون العرض بكلامي هذا أتوجه يا إخوان، مخبرا إياهم وكما يعلمون أن فنون الفرجة عديدة منذ غابر الأزمان ، في بعض الساحات والأسواق المعلومة كان لها موعد وميعاد،بمناسبات أو بدونها يلتئم حولها الأطفال والشباب وكل العباد، أبطالها ورموزها أضحوا ببديع أقوالهم وأفعالهم في أمهات الكتب خالدين ، كجحا وأشعب وأبو دلامة وقراقوش ومن سبقهم وتلاهم أجمعين، ولما كنت بإبداعاتهم وجميل قولهم ومقالبهم مفتتنا، وسمو أخلاقهم ولطف معشرهم ولصداقاتهم مطمئنا وآمنا، حصل أن وطدت مع العديد منهم صداقات وصلات، بهم أستمتع لما أكون مكدر البال أو صافي الذهن، أستمع لهذا وأتابع ذاك حتى وإن صعد البصرة أو انحدر إلى عدن، إلى أن حصلت المحبة والألفة بيننا، وبصدق ونبل أخلاق طورنا صداقاتنا. ولما كنت دائما وفي عديد مناسبات ضيفهم، اقترحت على بعضهم مشاركتنا بعض فرجاتنا في زمننا فاعتذروا كلهم، لتخوفهم من السفر إلى زمن غير زمانهم، كله عجائب وغرائب كما يقولون، وتبدل أحوال الناس والعباد في العيش والفرجة كما يزعمون، زمن قد لا يقوى فيه عاقل على الحفاظ على لبه و إدراكه بالحلول فيه، لأنه يماثل السفر إلى جزيرة الواقواق آنذاك أو يزيد عليه، نشرت إعلاني بين دفات كتب ومواطن هؤلاء، وهو إعلان عن موعد مهرجان مسرح بمدينة فاس التي يعزها أولئك الفضلاء. كل ليلة أفتح الكتب مترقبا الردود على دعوتي، لكني أعود خائبا خافضا هامتي، إلى أن حلت إحدى ليالي آخر أبريل، وموعد الفرجة لا يفصلنا عنه من الأيام إلا القليل، وأنا أفتح كتاب ابن الجوزي وأقلب صفحاته،وعنوانه بالمناسبة أخبار الحمقى والمغفلين الذي كثيرا ما استطبت نوادره وطرائفه، إذ ببصري يشخص على إحدى الصفحات، تسارعت أنفاسي ودقات قلبي زادت، أخيرا لبيت دعوتي لنفسي قلت، استاحالت فرحتي إلى ندم وحسرة، لمعرفتي المسبقة بمن لبى الدعوة، هو مجنون فاقد عقل ذاك الزمان، ومن غيره يغامر بفقدان عقله في سفر إلى هذا الأوان، هبنقة إسمه وبلاد قدماء العرب موطنه وزمانه، هو في أبهى حلة استعدادا للرحيل، أثوابه مزركشة تبدوعلى بعد ميل، وقلنسوته مزينة بريشة ذيل طاووس جميل، في أعلى الإعلان هو يربض، على كلمة المسرح جسده يمدد، وظهره على اللام يسند، إحدى رجليه بين الحاء والراء نازلة، والأخرى على الحاء وإلى الأمام مائلة، صرة أمتعته على الألف معلقة وأمامي ماثلة، بابتسامة ماكرة هو الآن إلي ينظر، مخاطبا إياي هيا فلنرحل ماذا تنتظر، إليه مرحى وأهلا يا هبنقة قلت، ولكن بشروط عليك قبولها أردفت، كلي آذان صاغية لسماع شروطك قال، وأعدك باحترامها من الصباح إلى الليل وحتى بعد الزوال، شروطي له عددتها ورتبتها أولا بأول، وعلى رأسها الامتثال لتوجيهاتي ونصائحي في قاعة العروض وأثناء التجول، من زمنه ووطنه إلى زمني ووطني استقدمته ، وفي منزلي كان مقامنا وبذلك أقنعته،بعد الراحة والاستراحة في اليوم الموالي، كانت المناسبة لجولة في المدينة وزيارة الأهالي، بعدها كانت للتعرف على تاريخ المسرح وتاريخ ظهوره عند العرب جلسة، ولتاريخ المسرح بالمغرب ومشاهدة بعض العروض المصورة حصة، حتى يحصل له بهذا الفن الغريب عنه الاستئناس، ويتمكن من متابعة العروض دون أدنى باس. قبل انطلاق موعد الاحتفال بيوم واحد، اصطحبته إلى مقهى الناعورة ليكون لهذه الأخيرة يشاهد، بعد ارتشاف من كأس القهوة رشفات، قال لك أنا مستمع فأكمل حديثك ولجديد مسرحكم هات، أجبت عن أحوال المسرح والمسرحيين كلنا الآن آسفون ، لتبدل في الأخلاق والسلوك وما آل إليه الإبداع متأسفون، فعندما تمرض نفس الفنان يا هبنقة وتتضخم أناتها، ينتفخ الجسد بوهم التعالي والاستعلاء، والتميز والاستفراد، فتخال قامتها إلى الأعلى مديدة، وعلى أديم الأرض تمشي مشية الخيلاء، لوجوه تصادف تفحص بجلاء، وكأنها لهم سائلة ألا تعرفونني أيها البلداء، أنا الفنان القادر وعلى كل شيء مقتدر، وفوق العديد من خشبات العرض دائما منتصر، لي دائما في العديد من الملتقيات والمهرجانات، معلومة هي صولات وجولات.والويل كل الويل لمن إليه بالبنان أشار، أو فضح حقيقته بعد فحص وتشريح من لجنة ذات علم واقتدار، في مناسبة تكون فيها احتفال ، بأبي الفنون الذي دائما هو في البال، به معتزين كنا ولازلنا، لأفضاله الكثيرة علينا، من معارف وفنون من شتى الألوان، وأخلاق بقيم راقية على مر الأزمان. فبالأمس القريب كان على الركح الصراع، حول أفكار جريئة بحجة الإقناع والاقتناع، لهموم الإنسان وقضاياه كانت دائما منتصرة ومناصرة، بعمق فلسفي وأفق سياسي، دون المبالاة بالتضييق أو أي حكم قاسي، لرفع حيف أو ظلم منه الفرد أو الجماعة تقاسي ،إيمانا بقيمة ونبل الرسالة، دون إضفاء على النفس هالة، فعن المعلومة كان الجري واللهث ، وفي الكتب والمجلات يتم البحث، في ميادين الفكر والفن والسياسة والفنون ، لتقديم فرجة أسها علم ومعرفة والانتشاء بها مضمون، بذوق فني وعمق تخييل ، وللجمهور كان دائما الاحترام والتبجيل،باستلهام أشخاص وأحداث من التراث الإسلامي والإنساني، وتوظيفها بفنية للتدليل على كل حدث آني،وبالعلامات المسرحية والرموز كان المستعان، سواء عند الكتابة أو الإخراج أو تأثيث المكان، والممثل فوق الخشبة كان محور هذه الأمور، فقد تغيب كلها أو بعضها وهو دائم الحضور، إذ بدونه لن تتحقق الفرجة والحبور، ويصل الأثر والتأثير إلى عقل ووجدان الجمهور، فجسده آلة عليها يعزف لنقل الخطاب، لكل من حضر القاعة متأسفا على من غاب، والسينوغرافيا بعناصرها كلها، من تأثيث وإنارة وملابس وغيرها، في العرض استعملت كلغة درامية،إلى جانب الممثل والكلمة والإخراج سوية، فبمعيتهم لفضاء اللعب تحدد، ولبعض الأفكار تشرح ولأخرى تؤكد، بها كان يستعان لتفكيك شفرات بعض الخطابات، في النص هي رابضة كرموز وعلامات،ومن تم فهي للعرض تغري وتثري، برسوم وألوان للعين بالنظر تغري،تكون للعرض كأفكار إضافية،بجمالية وفنية عالية،في انسجام وتناغم تام، مع باقي مكونات العرض يا سلام. ولضبط مكونات العرض أجمعها ، حتى تحصل المتعة الفكرية والفنية في أتمها، كان لابد من مخرج مثقف فنان، هو بشتى الفنون ملم منذ غابر الأزمان، من موسيقى وتشكيل ورقص على عزف عود أو كمان، وبشتى العلوم الإنسانية محيط بأمانة واطمئنان، كفلسفة الفن وعلم الجمال، لدورهما في شحذ العقل وتطوير الخيال، ومعرفة بقوانين التطور الاجتماعي عليه واجب، وفي ميكانزمات الصراعات الإنسانية دائما كان راغبا،لبلورة نظرته وأسلوبه في الحياة، بأسلوب فني وجمالي يتطور حتى المماة، لنقل الواقع والحياة على الخشبة بفنية وجمالية، وليس التعامل معها بطريقة ميكانيكية. كان هذا في قريب الأزمان،تؤطره الهواية التي كان لها مهرجان، تتنافس خلاله العروض من شتى الأطياف والألوان،اجتهد بعض مبدعيها فأنتجوا اتجاهات مسرحية،ذات تصورات بأبعاد فكرية وجمالية،على التراث الإنساني اعتمدت وارتكزت،ومن نظريات غربية غرفت واستفادت، فانطلق العنان للتجريب والتغريب،فبقاعات السينما كان للعروض ميعاد وموعد، بشراء تذكرة كان عليها الجمهور متعودا،أما المعاهد العليا يا هبنقة والجامعات، كانت للفرق الهادفة فيها صولات وجولات، لاتختار لأنشطتها غيرها، فهي دائما حاضرة في برمجتها، لمعرفتها المسبقة بالتزامها، فبعد العرض تبسط موائد النقاش والجدال، لتعميق الإدراك وتقويم أي اعتلال، باعتماد الصراحة والمصارحة، بدون مجاملة وبكل فصاحة،لساعات مديدة طوال،فائدتها تبقى راسخة دائما في البال، بسعة صدر يتم تلقي الملاحظات ويتم لها القبول،لسداد آراء أصحابها أملا في تخطي المجهول، إيمانا ودفاعا عن حق الخلاف والاختلاف، وممارسته في إخاء وود وائتلاف، فعلى التكوين الذاتي كان للأعضاء الحرص والتعويل،لتطوير الممارسة والتجربة بكل مسؤولية دون تهويل، ممارسة كانت لكل الأشياء مدركة وواعية، مؤطرة بأخلاق عالية وراقية. وبعد أن كانت هذه التجربة لبعض المسؤولين مقلقة ومحرجة، فلها كانوا بالمرصاد وعن طاعتهم هي كانت خارجة، فنشطت الدسائس وبثت الأحقاد، ليتحمل النتائج الأولاد والأحفاد، فكان أن أجهز على تلك التجربة الغنية والثرية، التي كانت وما زالت لتاريخ المسرح المغربي مزية، بها يفتخر في كل محفل او ميعاد، بحنين وأسف على ضياعها تستعاد. قالوا للمسرح في البلاد لنا خطة ومنهجية, قوامها الدعم والنقابة والبطاقة الفنية, والجدة والجودة والمهنية،على أساسها سيتم الاغتراف من الطنجية, بعنوان عريض بحبر جاف, اقرؤوه يا ناس هو الاحتراف, فتم حوله الالتفاف وبقربه الاصطفاف, للنيل من بركاته فحذار يا إخوة من الابتذال والإسفاف. تحذيرات ونصائح صمت الآذان لها , فعلى الطنجية شخصت الأعين وكان الترحال صوبها, ونحن لا ننكر أهميتها في التغذية ومراحل إنتاج العمل كلها, هوحج في كل موسم وموعد قار, يأتيه الحجيج من كل البقاع والأقطار, فانطلقت مواسم الحج وتتالت, ومعه انحدرت قيمة جل العروض المسرحية وتراجعت, لاختلالات في سياسة الدعم طالت, فبحضور المال بين الأفراد والجماعات, كانت الصراعات البينية للأفراد علامات, فانشطروا وتفرقوا, وبعضهم استمر وآخرون توافقوا, فبأعناقهم شدت خناقات, لالتزامات أحدثت وجبت عليها اتفاقات, للوفاء بكل العقود والواجبات, منها عشرة عروض للإنتاج وللترويج بضعة, في جولة تجوب مدن وقرى في مجالات رحبة, فتم بذلك عن الإبداع صرف النظر, إلا من فرق قليلة دائما هو في بالها حضر, فبسرعة قياسية أصبحت العروض تنجز بعد أن كان في السابق زمن طويل لها يحجز، والفن والجمال أصبح لبعضهم بدعة, ابتعدوا عنه كثيرا دون رجعة، والتأليف المسرحي أضحى خدعة, تكالبت عليه الأطماع بالإعداد بكامل سرعة, دون إلمام بقواعده واستحضارها, للظفر بغنيمة مستحقاته وثمنها, في تهميش وتحقير للتأليف الأصيل, وحتى وإن تم فجله يشكو من جسم عليل, تزيده تصرفات بعض المخرجين علة وشكوى, بحذف كل فكرة غامضةهي في نظرهم بلوى, لضحالة فكر وضعف مخيلة, عند بعضهم في عروضهم ماثلة, فبشطبهم أفكارا نيرة وتعويضها بأخرى في نظرهم خيرة, يمارسون ذبحا مستباحا لأفكار أصحابها, سلخوا ليالي وأياما لبلورتها, باستحضار قواعد الكتابة والإبداع, واستلهام أفكار من كل الأزمان والبقاع, فبأفكار مبتذلة عنها استعاضوا, وبإيحاءات جنسية وعري عوضوا, لاستدرار عطف الجمهور وإضحاكه, وهم بذلك لا يكرسون إلا إفساد ذوقه, محتقرين بذلك ذكاءه, فتعددت المهرجانات والملتقيات, الوطنية والدولية في كل ميقات, صمد منها الآن إثنان هما مراكشوفاس يا بني إنسان, دون أن يكون لمهرجان مكناس نسيان. فيا هبنقة ها أنت بأحضان مهرجان فاس الاحترافي السابع, لعروضه المسرحية أنت تتابع, اختاروا أن يكون دوليا من بضع دورات, أملا في تلاقح التجارب واكتساب الخبرات . هبنقة إلي كان ملازما ودائما متسائلا, عن غموض وتشويش يصبح على إثره العرض مائلا, إلى المنحدر والقاع مصيره آيل , لعسر فهمه وصعوبة إدراكه, أو لتشويه خطابه المسرحي وشكله, فبذلك يحصل التضليل بدل التهليل, والتنفير للجمهور بدل الاحترام والتبجيل, بصعوبة ومجهود ومشقة, أقنعت ضيفي هبنقة, بمواكبة كل العروض والفرجات, واعدا بأنه سيحصل على ظالته في قريب الأوقات, أمنيته تحققت في بعض العروض كما وعدت, لكن سرعان ما خاب ظنه في عروض تلت, إلي نظر مقطبا حاجبيه,واضعا يديه كلتيهما في طي حزامه, توجه لي بنبرة صارمة, فاس محبتها في قلبي دائما قائمة, بيد أن عروضها ألوانها قاتمة, حيث غالبا ما تخسر النزال, في مجمع تحضره عروض تبقى دائما في البال, فهل من تفسير لذلك أو تعليل, لوضع اليد على الجرح وعلى البراء منه يتم التعويل, من ساعده مسكته واصطحبته, إلى زاوية في المقهى أقعدته, قبالته على مقعد واجهته, عينيه في محجريهما تتحركان, لماعتان وعلى وجهي أضحتا شاخصتين, أسماعه إلي مسيخة, آمرة إياي بالنطق بلغة واضحة وفصيحة, إليه قلت هاك بعض الجواب, وانشره بين من حضر وغاب. فالعرض الأول لعب بالحرية وتلاعب, باختلالات في البناء الدرامي شكلت للفرجة بعض متاعب ومصاعب، فجاءت الشخصيتان في العرض بكائيتين, انهزاميتين غير مقنعتين, فما من سبب وجيه لسجنهما, أو موقف سياسي لأسرهما, حتى يكونان للحرية عنوان, ولها هما دائما ناشدان, في صراع مقنع ضد المسؤول عن مصيرهما, حتى وإن وظفت علامة الكف ضد منعهما, بعد أن وظفت في النص الأصلي بجمالية واحترافية, وتطوير الصراع الدرامي بمهنية. في إحدى المناسبات من طرف فرقة وطنية. تتابعت الأخطاء وتتالت, في التحركات والتموقعات, فما من سبب مقنع لان يتموقع في الأعلى سجينان, لأنها حسب القواعد منطقة الأقوى, ولا مبرر لإقحام في الاستنطاق لغة بذيئة, لأن الركح يتطلب لغة فنية جريئة, للابتعاد عن النقل الحرفي, للأحداث فوق الخشبة بشكل وفي, لأننا يا هبنقة في حضرة أبي الفنون, وعلى العلامة وبالإيحاء الحركي يجب التعبير وليس بالمجون, وما دواعي مع حركة المثليين التقابل والتضاد, مع فكر مناهض أسه الدين والتعسف في تأويل النصوص وليس الاستشهاد, هذا ما ورد في العرض وليس ما رواه النقاد, أليست الغاية من ذلك الالتفاف عل الصراع الحقيقي, لمشروع حقوقي ديمقراطي, هو في المجتمع حاضر من قديم الزمان, فاضح مكامن الفساد والإفساد في كل مكان, فيها هو مستشر ورابض في أمان, فالشذود الجنسي علة جسدية ونفسية, كان أحرى تناولها بطريقة علمية وفنية, بأسلوب مقنع يروم التشخيص والتمحيص, وليست السخرية بلغة حركية ولفظية, بتحريك المؤخرة وتدويرها, لابتزاز الجمهور قصد الضحك والتصفيق لها. فبالله يا هبنقة قل لي ماذا أصاب الإبداع في هذا الزمان؟ أزلت كفي هبنقة من على وجهه من شدة الحياء , وإليه أكملت تعليقي على العرض دون عناء. فالسينغرافيا يا هبنقة انطوت على بعض الملامح الجمالية, بيد أنها لم توظف في العرض كلغة درامية, لاحتوائه على اعتلالات واختلالات, في الإعداد والإخراج ظهرت لها علامات, فالألوان في فنون العرض لها لغة ودلالة, فما سبب طغيان الأبيض على الأسود على الأثواب؟فالأسود في الصراعات الدرامية رمز القبح والشر, والأبيض رمز الحسن والخير. لا أكلف نفسي عناء الحديث عن الإضاءة , بألوانها وكمياتها وتأثيرها على الأجسام المضاءة, في تفاعل وتناغم مع مكونات العرض جميعها, حتى يحصل الانسجام بين مفاصلها وأعضائها جميعها, فبذلك كانت السينوغرافيا للإعداد والإخراج ضحية حرمتها من التتويج باستحقاق وأفضلية. أما العرض الثاني يا هبنقة, فبحق كان رحلة في الغرائب والعجائب, بعضها منك صدر لما قلت لي إن الممثلين لك أقارب, من شبه في اللسان والملابس, فقفزت من مكانك فرحا غير عابس, وأردت بهم اللقاء ومشاركتهم الفرحة والفرجة, على خشبة العرض وأنت في كامل بهجة, على مقعدك أقعدتك وألزمتك القعود, قلت ذاك لا يجوز فالزم مكانك حتى لا تصبح لي مفقودا, ما أن بدأت أحداث العرض تتوالى وتسترسل, حتى علي أكثرت من الاستفسار والتساؤل, لعدم قدرة فهم وإدراك, وصعوبة تتبع خيوط الحكي التي استحال بها الإمساك, لحظة إلي أدرت وجهك, وعلى الأريكة مددت جسدك, ما بال هذا الزمان استعصى فيه اللسان حتى وهو مليء بالبيان؟ قلت هي لغة أعرفها وأتقن التخاطب بها , لكني لم أقو على فهمها وفك شفراتها, بالسؤال ثانية بادرتني, وبكثرة أسئلة أقلقتني, أصحابنا هؤلاء بالمغرفة من الطنجية اغترفوا أو بالملعقة؟ إياك أجبت من كثرة أسئلتك أخي ارحمني, فدعني وشأني, أتمناه أن يكون آخر سؤال , فهاك الجواب ودعه يستقر في البال, أصحابنا بالمغرفة اغترفوا, وأصحاب الحرية بالملعقة تشرفوا, فلا تجعل أهل عشيرتك يتقولون, لأنها نميمة قديما قالوا. لم يهدأ لي بال ويستقر لي حال, إلا بعد أن نومك طال, فاتحا فاك ولعابك على ضفة ذقنك سال, للعرض وبقية مشاهده واصلت, وبمجهود مضاعف لخطابه الفكري أدركت. فالصعوبة التي حالت دون فهمك يا هبنقة بدوري استشعرتها, لتصرف غير مدرك مس الكتابة الأصلية برمتها, على إثره انشطرت إلى نصفين شخصية نجمة, وأبو الغرائب إلى ثلاثة, فالوحدة العضوية للشخصية بذلك ضاعت, في متاهة رحلة الغرائب تاهت, فأصبحت الشخصية أحيانا تؤدي دور نقيضها, رغم حفاظها على اسمها وخصائصها, وهو ليس مسرح داخل المسرح كما في علمك أيها اللبيب ويخطر على بالك. فلو تم من تفكيك شفرة نجمة الانطلاق, كمصدر للضوء والنور في العتمة في كل الآفاق, وبعدها بأميال ضوئية عن الأرض ونأيها, وسعي أبي الغرائب الحثيث للظفر بها, موظفا كل ما أوتي من قدرات لوصالها,من أموال وحيل هو خبير بها, جوابا للأقطار ملاقيا العباد, أقطار كلها فيها فساد وإفساد,في حدوده الدنيا كما ورد في العرض, من خمر ومجون ونشل وطعن في عرض, فالإخراج على الفساد الصغير في الفرجة اقتصر, ونأى عن مثيله الكبير وفر, فهو يملك من القدرات التعبيرية شتى, من ممثل وموسيقى وألوان وإضاءة حتى, دون نسيان تأثيث الفضاء وملئه, بقطع كبيرة الحجم وصغيرته, في انسجام مع المضامين والأفكار، تكون لها شارحة وموضحة يا أهل الدار, مثرية للعرض ومغنية, بإضافات فكرية وفنية, بصياغة صور إخراجية فريدة وبديعة, تنطق معنى غير مفرطة في المبنى. فالصورة لابد أن تقول شيئا يقول العقلاء, ولابد أن يكون لها شكل ترتاح له العين يزيد الحكماء, والعرض هو تتابع للصور وتتاليها, واختفاء صورة لتحل أخرى بدلها, بمراعاة فوق الخشبة زمنها, قوة الدفع فيها وثقلها, دون إغفال صفائها ونقائها, بالارتكاز على قانون السبب والنتيجة في إنتاج الفكرة والمعنى, وتبادل عوامل التأثير مع العناصر الأخرى, لأن الصورة إذا توفرت الخبرة والدربة, لابد وان تحكي قصة إذا حضرت التجربة, فتفيض بالفن والخيال غزارة وخصوبة, لأن ولوج عالم الفن يا إخوان , يقتضي الدراية بعالم الفكر والفلسفة والبيان, وفلسفة الفن وعلم الجمال, دون إهمال التواضع وسمو الأخلاق يا خلان, واحترام العلم والعلماء قديمهم وجدديهم, خاصة إذا كنت بالأمس تلميذا لهم, فابدأ عليك ألا تنسى أفضالهم, وهذه فضيلة الأخلاق التي ربانا عليها أسلافهم. قلت عليك استعصت الرسومات المؤطرة للفضاء يا هبنقة, ولك سأشرح الأسباب فستفهم دون مشقة, فالأحداث في العرض وردت في سفر وعبور, وتجوال وقطع أميال في زمن مختلف وليس دهورا, فظلت الأثواب التي هي من الأعلى نوازل, ثابتة غير متبدلة ثبوت المنازل, رغم تغير الأزمنة والأمكنة, حيث ظلت في مكانها كامنة, دون مبرر درامي يجعلها آمنة, أما ما رسم عليها من أشكال وألوان، فلم يجعلها مع العرض منسجمة في أمان, ومبدعة بأفكار مقنعة, فهي لملامح إحدى الشخصيات كررت , على إحدى النازلتين من أعلى استقرت, إلى الأعلى رافعة يديها مستصرخة, أو مستنجدة بكلتيهما أو متضرعة, على إحدى المواضع في الخلاء, قد تكون تلة أو صخرة واقفة بجلاء, لكن يا هبنقة إنتبه معي فبأسفل الموضع مسننات بألوان زرقاء, مرتطمة بالصخرة والتلة في بهاء, فهي بذلك للماء علامة, كأن تكون بحرا أو يما لا تضلله غمامة, ومن تم في الخطأ كان الوقوع , لأن الماء في المخيال من فضاء اللعب قادم في خشوع, لتتكسر أمواجه على البر في خنوع, فأصبح الممثلون في وسط الماء يتحركون , وهم لذلك لا يدركون. هذا ما تنقله الصورة لذهن المتلقي يا سادة, ليضيع المعنى ولا تتحقق الاستفادة, فصعب الفهم واستحال الإدراك, خاصة لما بممرات الدخول والخروج لم يتم الإمساك, وما زاد في الطين بلة, حتى صارت للأرجل عليه زلة, اختيار بين النوازل للحانة موضع, بعد أن كان ذلك الممر في السابق للدخول والخروج موقع, فتداخلت النوازل وما عليها من رسومات, مع أثاث الحانة وما له من دلالات, فكثرت بذلك التساؤلات والاستفهامات, وتشتت التركيز والانتباه, حتى قلت يا هبنقة وا أسفاه, رددتها مرات وقلت أنا آه . ولما كان ثالث عروض فاس, وانأ بقاعة العرض يا ناس ، فقدت هبنقة الذي كان لي مرافقا, والعرض لم تفصله عن الانطلاق إلا دقائق, عليه شرعت أبحث بين الحضور, وإذا بأحد المعارف يدلني عليه وهو مشكور, كان الشقي فوق الخشبة يحوم, حول قارب هو إحدى قطع تأثيث ولي يلوم, لم بي أتيت إلى هذا الزمان, الذي تبدلت أحواله فأصبح عليه يشفق الفقهاء والرهبان، فدعني إلى زمني أرجع وأعود, ولما تتبدل الأحوال وتتحسن أعدك بالعود, فأنا سأمتطي هذا القارب, أمخر عباب البحر ومن هذا المكان أنا هارب , على إحدى كتفيه ربتت, ولاستحالة ذلك وضحت, هو زورق غير حقيقي بل افتراضي ،أرجو على قولي أن تكون راضيا, فهيا بنا نأخذ بين الجمهور مكانينا, وأتمنى ان تأخذ الفرجة بلبينا وجوارحنا, بأغلظ الأيمان أقسم ألا يبقى, وفي السيارة أراد أن يرتاح حتى لا يشقى, لي قال بعد العرض سيكون الملتقى, لأهبك أذني لتلصق فيهما الحكاية,وإن كانت ممتعة سأتابعها من البداية إلى النهاية, إليه قلت مفتاح السيارة هو لك , فحذار من الشقاوة كي لا تكون لنفسك هالكا, لهبنقة ودعت وإلى القاعة عدت, وللعرض تابعت وأتممت, بإمعان على تفاصيله ركزت, غادرت الصالة ورأسي مطأطأ, أرتب مشاهد العرض جزءا جزءا, من باب السيارة بسرعة اقتربت, لما هالني صوت الموسيقى العالي الذي سمعت, على زجاج النافذة ظللت أنقر وأقرع, وهبنقة غاط في نومه لا يسمع, بقبضة يدي أسرعت الطرقات والدقات, استفاق وقال والله إليك كنت آت, ولم أدر كيف إلى جفوني النوم تسلل دون ميقات, خلف المقود أخذت مكاني , ولمبدل الصوت أدرت مرات وهو يراني, يدي على المقود كلتاهما مددت, ورأسي دفنته بينهما, لم أرفعها إلا بعد أن كسر هبنقة صمتي بالقهقهات والضحكات, لي اندفع قائلا أتعب أصابك أم أسف على تلك المشاهدات؟ استعجلني بسماع الحكي والقص, له قلت تفضل بدون زيادة أو نقص, فالحكي غير معقد بسيط, رغم انطوائه على رموز وشفرات دون إفراط أو تفريط, فالأشخاص في العرض ستة, صاحب مطعم في الميناء وبحارة أربعة, دون نسيان فتاة لأدوار متحولة لعبت, على الخلاص والحرية أحيانا دلت,وللأم أحيانا شخصت ولعبت,فلما كانت هذه الشخصية بدلالاتها ورمزيتها غنية وثرية, فهي لم تستغل كما ينبغي لتكون للعرض إضافة ومزية, فجاءت من منظور الإخراج باهتة ومسطحة, لعدم غوص في أعماقها ونفاذ, وتحريكها بشكل جذاب وأخاذ, لأنها مركز القوة في النص والعرض, وهذا لا يختلف حوله الكل أو البعض, فبابتكار علامات وأشياء وأكسوسوارات,تكون لها معينة في كل الحركات والتحركات, وإيجاد العلاقة العضوية بينهم أجمعهم,دون إغفال علاقتهم بباقي الشخوص كلهم, ولذلك وجب استنفار وشحذ المخيلة, باستحضار المخزون والمدفون في الذاكرة, من علم وفن وتقنية, لتجسيد على الركح عنف الشقاق والصراع, بين الأدنى والأعلى الذي هو لحق الأول أضاع ،وهذا بصياغة صور محملة بالمعنى يقتضي, بصفاء دون خدش للعين يرتضي, باسترسال وسلاسة وانسياب, بتوظيف مرونة الأجساد لينتشي الأحباب, بتأطير موسيقي ملائم للمشاهد, في انسجام مع الحالة الدرامية وفي ذلك لا تكون زاهدا, فاختيار فضاء البحر والميناء للأحداث في النص الأصلي, اختيار واع ومدرك من لدن الكاتب أيها المشاهد, وهو ذكاء منه لا ينكره جاحد, فالبحارة من أهوال البحر وقساوته يعانون, وبالعودة للميناء من بشاعة الاستغلال يقاسون, ليبقى التشبت بالخلاص في الالتفاف حول رمزية الفتاة, ومن هنا وجب الانطلاق بثبات, وتطويرا لصراع الدرامي وتقويته وتنميته, وليس تمييعه بافتعال بين البحارة تارة صراعات وتسطيحه, وبين أحدهم وصاحب المطعم وهو بدوره ضحية , مصيره بهم مرتبط ضد مصادري الحق والحرية. حسنا فعلت يا هبنقة لما للقاعة غادرت, لمعرفتي المسبقة بشخصيتك وخجلك, فإحدى البحارة جاء في العرض متشبها بالأنثى , في مشيته وحركاته وكلامه حتى, وهو في النص الأصلي أكيد ليس كذلك, وبذلك أصبح دوره في الإبهام والغموض مشارك, وتشويش على الصراع الدرامي الحقيقي كذلك, فلا مبرر درامي لإقحامه بين الممثلين بتلك الصفة, حيث منها الإضحاك يراد وليس للعرض إضافة, فبذلك يحصل للمتلقي التضليل, بالابتعادعن الصراع الحقيقي دون تعليل, وبذلك تاه المضمون وتبددت أفكاره, وطوحت بها رياح وأمواج البحر واللبيب لذلك كاره. هبنقة عينيه في تحملقان, مني دنا وعلى وجهي أصبحتا شاخصتين، .بكلتا سبابتيه رسم على خديه خطين, من أسفل محجرتي عينيه إلى أدنى ضفتي ذقنه نازلتان, حشومة, حشومة, قالها بدارجة وهو خجلان. أمرني صوب المنزل بالانطلاق, لإحساسه بجوع لا يطاق, لم أنفذ رغبته , إلا بعد إكمال قراءة العرض برمته, بصعوبة بالغة أقنعته, استسلم لرغبتي وأذعن, ولمزالق الإخراج شرعت أبسط وبنظره في يمعن, إسمع يا هبنقة فالإخراج كان ترجمة حركية للممثلين فوق الخشبة بشكل غير مقنع, وليس للنص مثر وللعرض مغن بشكل مبدع, فتوزيع الممثلين وتحركاتهم جلها شابتها أخطاء , أما تموضعاتهم فتكررت في مكانها من مشهد لآخر دون أن يحصل الانتشاء, فهذا ممثل يصعد على مقعده ويجلس مرات, مؤديا حواراته وزملائه له بالإنصات , وآخرون قبالته على نفس الخط موزعون, يتوسطهم صاحب المطعم أجمعين, هكذا دامت التحركات على خط أفقي مرات, دون استغلال عمق الخشبة ومقدمتها إلا في مناسبات, وهذا في لغة الإخراج لاختلال التوازن سمات, وعدم دراية بمناطق القوة والضعف في توزيع الممثلين, وعدم انتباه لأخطاء تموقعاتهم على الزورق واقفين أو جالسين, فبعضهم والمركب منطلق يؤتي بجسده حركة, وآخرون في أماكنهم ثابتون ممسكون بالشبكة, في تنافر تام مع ما يصاحب من مؤثمرات صوتية المشهد, فبعد إدارة المحرك ينطلق الزورق والقائد ممسك بالمقود, ففي الواقع يطغى صوت المحرك على أي صوت في الموقع, لأن سطح الماء يلعب دور مكبر صوت في أي موضع, فتتعالى أصوات ممتطي الزورق لكي تسمع, وفي حالة زورقنا ما أن يدار المحرك ويسمع صوته, حتى ينقطع ولا يعود الجمهور يسمعه, وذلك في ذهنه على الوقوف إشارة, فيما الممثلون بأجسادهم يتحركون راجين أن تكون وفرة صيدهم بشارة, فذلك بين الإيقاع الصوتي والحركي عدم انسجام, فيحصل بذلك على عقلية ومخيلة المتلقي التشويش بالتمام,خاصة بعد أن توحي إدارة المحرك بالانطلاق على سطح الماء وعليه الانزلاق, والابتعاد عن الشاطئ ومعه يحصل الفراق, ويظل صوت انكسار وتكسر الموج يسمع, لأنه في عمق البحر ليس لمكان تكسير الموج موضع, سأكتفي بهذه الملاحظات ولن أزيد , وأتمنى يا هبنقة مني ألا تطلب المزيد, وحتى أشبع فضولك ,لإدراكي المسبق بنزقك وشقاوتك, لك أقول إن فضاءات اللعب عرفت فيما بينها التداخل , وعدم إدراك باللعب على التقابل, في انسجام مع الصراع الدرامي وما يقتضيه, من تنافر وتضاد وتنمية العقدة وذلك الجمهور يشتهيه. أما تأثيث الفضاء يا إخوان وأخوات, فبدوره عرف أخطاء عديدة ومطبات, بعضها إلى تكديس الخشبة بالقطع والأثاث راجع, فأصبح أحيانا مشوشا ومعرقلا وليس للعرض نافعا, فعلى يمين ويسار الخشبة أحجام وكتل مصطفة, ليست هي حتما لصناديق السمك إشارات, وليست للصخور والأحجار علامات, فحجبت بذلك الرؤية عن المشاهد, الذي من يسار الصالة ويمينها يشاهد, علما أن لعب إحدى الشخصيات الرئيسية ذاك غير مكانها, لأن قوتها تقتضي أن تكون مقدمة الخشبة مجالها, وما الفائدة أن تكون الشبكة من أعلى عمق الخشبة مدلاة, دون توظيف درامي والأخرى على الأرض ملقاة, فالعمق هو للبحر وزرقته امتداد, وعلى جنباته قد تتناثر الصخور والجبال وحتى الوهاد, في تناغم للألوان وتناسق, مع مثيلاتها المنبعثة من إضاءة الصالة وتوافق, لأن متعة العين في الفن علينا واجب, وتغذية العقل بأفكار فنية لها الجمهور طالب, لو كان الأمر على هذا المنوال تم, والقارب نلمح إليه بقطعة ليست كبيرة الحجم, لتحرر فضاء اللعب وكسبنا مساحات، تكون لتحركات وحركات الممثلين مجالات, بأداء رقصات ولوحات, واستغلال بعض الصخور للتموقع والتموضع, بكميات إضاءة وألوان دون تصنع, والمطعم له نختار إحدى الجنبات, منه يتم التزود والانتشار حواليه فرادى أو جماعات. توالت أخطاء السينوغرافيا وتتابعت, إحداها في عمق البحر خلال عاصفة بحرية بانت, فأريد التعبير عن العاصفة ومخلفاتها بالبخاخ المضغوط, للإيحاء بالأخطار والأهوال ونفس البحارة منها قنوط, لكن ما أريد الإيحاء به يأتي دائما من الأعلى, من رياح وضباب وأمطار ورذاذ لتحدث تأثيراتها على ما هو أدنى, عدا تبخر الماء الذي من الأدنى ينطلق صوب الأعلى, وهو في العرض ليس المقصود لكونه لأهوال البحر غير ذي معنى. ثاني الأخطاء هي بعد انطلاق القارب وعلى السطح والى انزلاقه, بسرعة تحكمت فيها قوة دفع محركه, فظلت إحدى شباك الصيد على الخشبة ممتدة, وهي بأيدي البحارة أو بالقارب ملتصقة, حيث كان أولى التخلص منها بإزالتها من على الواجهة المطلة على الجمهور, حتى لا يثير المشهد في عقليته التساؤل ومن تم النفور, ثالث الأخطاء وليس آخرها , كانت الأغاني الموظفة في العرض لها عنوانا, حيث تم اعتماد تقنية القص واللصق, لأغاني عديدة بتعسف دون رفق, فالأغنية الدرامية لها تقنياتها وقواعدها, فانبثاقها من أحداث العرض واجب عليها,وإذا حملت أسماء الشخصيات يكون ذلك قيمة للعرض ولها, والمخرج هو أول من يدري ما يفعل بها, كأن يعمق حدثا دراميا أو يفسره, أو يضيف أفكارا ويعزز أخرى لدى جمهوره, بمراعاة توافق لحنها مع إيقاع المشهد وحركات الممثلين, في انسجام مع كمية الإضاءة وألوانها لتحصل المتعة لدى الناس أجمعين. فالسينوغرافيا المبدعة يا هبنقة في المسرح عموما وبصفة شاملة, إغناء للعرض بأفكار ومع مثيلاتها في النص منفعلة ومتفاعلة, باعتماد الوضوح والبساطة والإيحاء, ومعتمدة في العرض كلغة بصفاء وجلاء, من النص نابعة ومع باقي المكونات مرتبة لأفكاره وشارحة, كل ما غمض في النص ولشفراته هي مفككة, باقتراح أفكار غنية وثرية, في العرض توظف بجمالية وفنية, وأدواتها التعبيرية كثيرة وغنية, ومن تم فهي ليست دراية بعالم الرسم وتقنيات التشكيل كأولوية, واعتمادها فقط لتأطير فضاءات اللعب كأفضلية, بل إبداع واقتراح أفكار يستعين بها المخرج في التعبير بمهنية, وهذا ما حصل بالتمام والكمال في عرض الجدار, الذي فاز بجائزة السينوغرافيا بكل اقتدار, لأنها سلكت طريق الوضوح والبساطة, متجنبة الغموض والتشويش بذكاء ولباقة , فالمجتمع رغم شساعة مجاله ورحابته, اختزل في العرض وضاقت جنباته, فأضحى فوق الخشبة حيزا مكانيا ضيقا, هو منزل بطابقين وبأفقه الدلالي والتعبيري كان موفقا, فضيق فضاء اللعب وحدوده,أصبح فوق الخشبة للسجن دلالة و قساوة صروفه, انسابت عليه الأحداث وتتالت, لجارتين متنافرتين خصومتهما طالت, لوضع اجتماعي وثقافي بينهما يفرق, وبأفق فكري يجمع بين مصيريهما في النهاية ولغرض وهدف يحقق , حيث أخذت الأولى مكان الأعلى , والثانية نزلت إلى مكان الأدنى, فجاءت الصورة واضحة وبليغة, دون تكلف أو حشو أو أخطاء فظيعة, فالعبرة ليست برسم أشكال بألوان , وإنما أحيانا يكون التوفق والتفوق بالأحجام رغم غياب الألوان,فالأعمدة الحديدية التي كانت للكتلة والحجم مادة , جاءت مع العرض مؤتلفة وعلى فكرته دالة, فالأعمدة على اليمين واليسار, هي امتداد بالإيحاء عموديا في أسفل وأعلى الدار. عرضت في العروض السابقة عن الحديث عن الممثلين, لأتحدث عنهم بإيجاز هنا أجمعين, فجلهم في أغلب الأحيان ضحية لبعض المخرجين, لنقص تأطير وإدارة وتوجيه, وقلة إدراك بقدراتهم الكامنة بشكل وجيه, رغم تحملهم بدورهم بعضا من المسؤولية, لقبول توجيهات وتعليمات ليست للشخصية ضرورية, بافتعال تأتأة أثناء الإلقاء والتشخيص , أو تجسيد عاهة جسدية أو نفسية وقبولها دون تساؤل أو تمحيص, أو تقليد أغاني نسائية من طرف ذكور بشعر مستعار، فيظل الجمهور في أمرهم وفعلهم يحار, فيسقط العرض في البهرجة والتهريج, وبذلك يكثر الحشو واللغو في الأداء, ويعم الصراخ وتستعصي الحركة فيحصل لبعضهم العناء, في غياب التوجيه بتقنيات التنفس لتجنب الاختناق والبلاء, فأين هو التعبير بالصمت وتموج الأداء حسب الحالة الدرامية؟ باستحضار خصوصية الموقف والحالة النفسية للشخصية, واعتماد الأداء الصادق , النابع من الأعماق بشكل حاذق, لتجنب الرتابة وتجاوز الاستظهار . حاشى أن يكون ذلك عيب كلهم, لمعرفتي بقدرات جلهم, بل هو أحيانا امتثال وخضوع لتعليمات بعض مخرجيهم, رغم مؤاخذتي على انتفاخ الأنا عند بعضهم , لسعيهم وراء التتويج دون إقناع بالجائزة , فهذا يقول بها أنا الفائز وأخرى انأ الفائزة, وهذه علة بدورها بعض من مسؤوليتها إلى المخرج أرجعها, لغياب توجيه وتنبيه إلى رسالة المسرح في مجملها , فهي رسالة إنسانية إصلاحية بالأساس, فكيف نرجو إصلاح المجتمع وبالنفس يقطن الوسواس؟ وأين هي المصداقية يا ناس ؟ لما يصبح المخرج بدوره عينيه على التتويج شاخصة , كهدف وحيد وأوحد ونفسه للنتائج مترقبة وفاحصة، فيرغي ويزبد لما بالجائزة لا يفوز, ويقول تبا للجنة التحكيم فهذا لا يجوز. هبنقة على قفاه استلقى من شدة الضحك ،على وضع آلت إليه نفوس بعض الفنانين في هذا الزمن المضحك, بعد أن كان جل فناني ومثقفي قريب زمان, في شتى الفنون والآداب والفكر بكل الألوان, بسعة فكر وعلم ومعرفة والتزام, وصدق وبإبداعهم وفنهم لهم إلمام, وكثير منهم صادرت خفافيش الظلام حريتهم, دون أن تتوقف أحلامهم وآمالهم, وهنا بفاس كان مقام بعضهم, أبدا لم تكن لجلهم في التتويج رغبة, ولا الفوز بجائزة رغدة, بل كانت التوعية والتثقيف غايتهم, وفضح الفساد وتعريته هدفهم, بسبل علمية وفنية مقنعة, وبصور وبأشكال فنية ممتعة, هذا كان في زمن يسمى الآن بالجميل , من لدن كل من عاشه أو سمع عنه يا خليل, وإليه نأمل العود يا جليل. ولما كانت إلى المنزل العودة والرجوع, وتناول عشاء استطابه هبنقة وقال الآن هزمت الجوع, على أريكة قبالة التلفاز استلقى, وبجهاز التحكم عن بعد شرع يغير القنوات المغربية والعربية ما أبقى, لم يجد ظالته فيها جميعها, لأن ظنه خاب في العثور على جميلها, استأذنني في أخذ حصة استحمام, بماء دافئ ينعش الجسم يا سلام, إلى خزانة كتبي كانت وجهتي, أخذت منها بعض الكتب كعادتي, فتحت كتاب موطن صديقي هبنقة كالمعتاد, قلبت صفحاته بهدوء وثبات وليس بعناد, ما هي إلا لحظة إذ بصوت من بين السطور خفيض يسمع, ذو بحة وحشرجة ولنبراته أنا أتتبع, لمعرفة صاحبه والاطمئنان على أحواله, فجأة انسلت من بين السطور العين والجيم والياء واللام مثثاقلة, وتلتها الباء والنون تعبانة, لتتبعها اللام والجيم والياء والميم واهنة, ماذا؟ عجيل ابن لجيم؟ما بك؟ وجهك شاحب وجسدك سقيم , أعلة تشكو أم أصابتك عدوى؟ بأنفاس متقطعة أجابني أنتما سبب البلاء والبلوى, لأيام ثلاثة وأنا هنا رابض قاعد, أسهر الليل عليكما أنادي والله علي ما أقول شاهد, حتى جف ريقي وبح صوتي, وانتفخت أوداجي وتورمت حنجرتي, لنزلة برد أصابتني, فنالت من نفسي وبدني. معذرة صديقي بن لجيم إن كنا نحن السبب, فقد كنا ضيوف مهرجان رأينا فيه العجاب والعجب, نحن بدورنا قال عجيل اقترب موعد حفلنا, كله شعر وحكي ومبارزة بين فرسان قبائلنا, وهبنقة أحد أمهر فرساننا, رغم رميي وإياه بالحمق والجنون من طرف أفرا د قبيلتنا, لذا وجدتني كل ليلة إلى هنا آتي, أنسل من بين السطور على أحدها في الوسط أضع رجلي, وعلى آخر في الأعلى اقبض بكلتا يدي, وأظل اصرخ وأنادي هاتفا باسمك واسم هبنقة , لأخبره بموعد المسابقة. لقوله استغربت وإياه سألت, أغاب موعد المسابقة عن هبنقة؟ بثثاقل نحوي رفع رأسه,وإياي أجاب ألست عارفا بغفلته وحمقه؟ أليس هو من كان يختار المراعي للسمان من الأغنام لما كان راعيا, وينحي عنها المهازيل غير مباليا, ويقول لا أصلح ما أفسده الله. استطبت قوله وارتحت له, وبقولي بادرته لفعل صدر عنه تذكرته, أو لست من سألك هبنقة عن اسم فرسك, فقمت إليه وفقأت إحدى عينيه, فقلت الأعور سميته؟ أتبعت قولي هذا بقهقهات وضحكات , على فمي وضع كفه ولي أراد الإسكات, عابس هو مقطب الحاجبين, أكنت تريدني أن اخسر الرهان ومن تم الدجاجتين؟ . فبيننا كانت لعبة ونزال , قاعدتها سرعة الجواب على السؤال, ولما نسيت إسم فرسي, اهتديت إلى تلك الحيلة فانقدت نفسي, والله شاطر بارع حاذق أنت يا ابن لجيم. وأنا إياه أحاور وأكلم, إذ بمساحة ظليلة على صفحة الكتاب تمددت, إلى الأعلى رفعت رأسي لأتبين من أي مصدر أتت, فإذا هو هبنقة في كامل زينة, رائحة الطيب منه تفوح وعينه حزينة, بعد أن رمق صديقه بين الأسطر معلقا ينتظره, بحرارة عانقني ليودعني, استعجلت الرجوع إلى موطني, فأهل عشيرتي هناك ينتظرونني قال لي, تعالى صياح وصراخ ابن لجيم لما رأى هبنقة يتحدث إلي, أسرع فالقوم ينتظرون صاح عجيل, هو الآن على كتفي بيديه يربت ويخاطبني بكلام ذي مغزى ومعنى جميل, والله يعز علي الفراق, وأسأل الكريم الخلاق، أن يمن علينا بالتلاق, والسعد الرائق ، والأمر الموافق, أتمنى أن أعود وتكون أحوال فرجتكم تحسنت , وأخلاق وسلوك العباد تبدلت وتغيرت, قالها بحسرة وقسمات وجهه منقبضة تعكس أسى عميقا, إلى ابن لجيم أدار رأسه, وعلى كتفه صرة أمتعته, صياح صديقه تعالى وزاد, إياه أجاب إطمئن سأكون هناك في الميعاد. هو الآن يلوح إلي بكلتا يديه, ودمعتان منسكبتان من عينيه, ببطء تشقان طريقهما على خديه, اقترب من الكتاب بخطوات , وقامته من قريب لصديقه عجيل لاحت, نحوه هذا الأخير مدد جسده, وبصدره ضغط على سطر فكسره, وبذلك فقد توازنه, لكن يديه على تلابيب هبنقة رست, على إثرها تقزمت قامة هبنقة وتقلصت, وبسرعة على سطح صفحة الكتاب انجذبت, إلى اللقاء سوية لي قالا, بسرعة انحنيت على دفتي الكتاب وعليهما أطل من أعلى, إنتظرا لحظة يجب أن يكون وداعنا بسمة وليس دمعة, من منكما يأتينا بطرفة نستملحها وبسرعة؟ هي لك والآن قال هبنقة وأرجو أن تلقى منك القبول, مرة سألت صديقي ابن لجيم أتقوم الليل وأنت في عرف عشيرتك مهبول؟ قال طبعا أقوم الليل وإلى فراشي أعود بعد أن أبول. على إيقاع القهقهات والضحكات افترقنا متمنيا زمنا جميلا يجمعنا كلنا. حميد تشيش