استجابة لنداء الضمير الذي يجمعني بهذا البلد وبأهله، أسافر كل صباح عبر أحياء وأزقة هذه المدينة التي سكنها الخوف، أبحث عن أجساد تائهة، وأرواح هائمة عبر الطرقات وهي تبحث بعينيها عن لحظة هروب اضطراري وسط المزابل من أجل قتل الفراغ. إنها هواية عشق الوطن أجدها بين جثث هؤلاء المغاربة المنسيون والمقصيون من كل معاني الحياة، والذين لم يسمعوا بعد بشيء إسمه التغيير، وحتى وإن قدر لهم أن سمعوا به فبماذا يفيدهم ذلك ؟ هكذا يعتقدون. من حسن حظي أن الله منحني الصبر والقدرة على أن أستمع إلى مشاكل هؤلاء دون أن يزعجني ذلك، حتى ولو استمر الحديث يوما بكامله، كم هو جميل أن تستمع للآخرين، وتحاورهم، وتعكس صدق نواياك تجاههم، وتعبر عن تضامنك معهم ، بل وتطمئنهم بأن الحياة ستكون في المستقبل أفضل. هم يعرفون أن الحياة لن تكون أفضل، ولايمكنها أن تمنح السعادة والاستقرار للمخلصين، وللطيبين، بل هم متؤكدون أنها خلقت لتكون من نصيب المنافقين والكذابين وأصحاب الصنطيحة، هم وحدهم من يمكنهم ان يعيش داخلها كالأسود الضارية التي تبحث دوما عن ضحايا جدد ،تبحث عن المال بكل الطرق وتتلهف على السلطة، وفي الأخير تموت ميتة الضباع كما نموت نحن . عندما يكون أهالي المجتمع منشغلون بأمور بعيدة عن التفكير الإنساني النبيل، منشغلون في البحث الطرق الموصلة للمجد والشهرة والمال، يبحثون عن كاميرات التلفزة المنتصبة في الشوارع المضيئة لتقديم ابتسامات النفاق، وشهادات الزور، ومدح الأصنام ، في الوقت الذي لا ينتظر هؤلاء المساكين منا أكثر من نظرة عطف، وكلمة جميلة تعبر عن مدلول الانسان، هذه حياة البؤساء المنسيون في أطراف المدينة، يبيتون في العراء، يقتاتون من المزابل، يجمعون أعقاب السجائر، تكتسي أجسادهم وملابسهم الأوساخ والقاذورات، ورغم ذلك فهم يمارسون طقوس حياتهم بإصرار وبانتظام، (يتزوجون) و يلدون، ويكبر أولادهم ليعيدوا دورة الحياة مع البؤس والشقاء والأمراض الخطيرة التي لم تعد تؤثر فيهم ولا في صحتهم. أتخيل لو أن أحدا من رجال سلطة المدينة تذكر يوما أنه مجرد إنسان،وأن المحيطين به بشر ينطبق عليهم ما ينطبق على البشرية جمعاء –ميلاد وحياة وموت–، وزار هؤلاء في مقرات أعمالهم وسط الأوساخ والأزبال وبقايا البشر، فهل يستطيع رجل سلطة مغربي أن يفعلها ؟ إنه لأمر مضحك أن يفكر عاقل مغربي في قيام عمل مثل هذا من طرف رجال وجدوا أنفسهم صدفة أنهم سادة الشعب ؟ يسيرون في المواكب، والحراسة مضروبة عليهم من كل جانب، خوفا من أن تصلهم رائحة عرق الفقراء. في بلادنا نجد أن الملك محمد السادس أكثر تواضعا وإنسانية من والي المدينة ومن عمدتها ومن منتخبيها، وأنا لم يسبق لي أن رأيت واليا ينزل إلى الشارع لسماع صوت الناس مباشرة ، و مساعدته على حل مشاكلهم البسيطة التي لاتتعدى تظلمات السلطة وتجاوزاتها في الكثير من الأحيان، ولم يسبق لي أن رأيت أن منتخبا جلس مع ناخبيه لمناقشة مطالبهم التي رشحوه من أجلها. السلطة في بلادنا غائبة وبعيدة عن هموم المواطن، تقوم بالدور التاريخي الروتيني المنوط بها، وهي “أننا هنا” ولا شأن لها فيما يحدث داخل المجتمع من تفاعلات سلبية غالبا تضر بالبلاد والعباد. فهل سيغير التغيير هذه العقليات الجامدة........؟