في لقاء حول وسائل الإعلام والبناء الديمقراطي الذي احتضنته دار الشباب أنوال بتازة من تنظيم منتدى الشباب المغربي للثقافة والتنمية، يوم السبت 5 مارس الجاري، خلُص الجميع إلى أن آخر ما يمكن الحديث عنه في عهد وزارة الاتصال الحالية التي يقودها خالد الناصري عن حزب التقدم والاشتراكية، هو شيء إسمه إعلام ديمقراطي. اللقاء الذي قام بتسييره محمد غولام عضو اللجنة المركزية لحزب التقدم والاشتراكية، استضاف كلا من رئيس ديوان وزير الاتصال السيد كريم التاج، وأستاذ الفلسفة محمد المسعودي، وقد تناول التاج في كلمته بعض المحطات التاريخية التي مر منها الإعلام المغربي، بدءاً من الإعلام المكتوب الذي كان الوسيلة الوحيدة لنقل الأخبار والمعلومات، حيث لم يكن يعرف المغرب وسائل أخرى مثلما هو الأمر حاليا، وعرج على التغييرات التي طرأت على هذا الإعلام، متوقفاً عند تجربة التناوب التوافقي الذي عرفها المغرب في نهاية التسعينيات حيث شهد الإعلام انفراجاً على مستوى تعديل القوانين المنظمة وبالتالي توسيع هامش الحرية والتعبير، وأشار إلى عملية تحرير القطاع الإعلامي والسماح بدخول الخواص على الخط، منوها بما تقوم به الهيئة العليا للاتصال السمعي البصري، ولم يخلُ كلامه من ترويج للطرح الرسمي في مجال الإعلام والاتصال الذي يسهر عليه خالد الناصري عن حزب التقدم والاشتراكية. عكس ما جاء في تدخل التاج قدم الأستاذ محمد المسعودي مقاربة فكرية وفلسفية عميقة حول الإعلام والديمقراطية حيث فكك جدلية هذين المفهومين، وتساءل من الذي يُعد نتيجة للآخر هل الإعلام مولود ديمقراطي؟ أم أن الديمقراطية تأتي كحصيلة لممارسة إعلامية نزيهة وموضوعية؟ ليذهب بالحضور بعد ذلك في رحاب الفكر والرؤى الفلسفية العميقة ملامساً قضايا الحرية والحق في التعبير واحترام الرأي المخالف، ويدلل على ذلك بمسيرة الغرب الإعلامية النموذجية التي تضعنا أمام المعنى الحقيقي للإعلام الديمقراطي وخاطب الأستاذ المسعودي الحضور بكلمات للفيلسوف الألماني نيتشه حين قال: “يا لسخرية الأقدار ها هي الأشياء تكرر نفسها في نفس الزمان ونفس المكان” في إشارة إلى تكرار نفس الخطابات والشعارات الجوفاء التي تنتجها الدولة المغربية معتمدة على ترويض من حملوا بالأمس مشعل التغيير والدفاع عن القيم النبيلة، ليصبحوا هم أنفسهم أبواقاً طرطارة تُروج للتزييف والتزوير. وتساءل ساخراً: كيف يمكن للدولة أن تتشدق بالديمقراطية ونحن نشاهد ثمان قنوات ورأياً واحداً. بعد ذلك فُتح الباب للمداخلات التي كانت معظمها بمثابة إدانة رسمية لخالد الناصري وسياسته الفاشلة في تدبير الشأن الإعلامي، وقد بلغ الغضب من القيادي في حزب التقدم والاشتراكية حد مطالبة البعض له بإعادة المبالغ الهامة التي يؤديها المواطنون كضريبة على مشاهدة القنوات المغربية البئيسة، وأشار أحد المتدخلين أنه في الوقت الذي تمنع فيه الدولة قناة الجزيرة عن المشاهد المغربي فإن كبار المسئولين يشاهدونها، مشيراً بوضوح إلى عامل إقليمتازة الذي ضُبط وهو يشاهد القناة. وفي المنحى نفسه أشار أحد الإعلاميين أنه بات على وزير الاتصال أن يكف عن استبلاد المواطنين واعتبار تازة من المغرب غير النافع، ليختم كلامه بتوجيه رسالة إلى خالد الناصري يطالبه فيها بالرحيل. وفي تدخل غاضب آخر أشار أحد الحاضرين إلى أن تهميش الأمازيغية يُعد خرقاً سافراً لحرية الاختلاف وشاهداً على زيف الشعارات الرسمية وديكتاتورية الدولة. وأضاف أن المنطق يقتضي أن تكون الأمازيغية لغة رسمية بحكم نسبة الأمازيغ التي تفوق نسبة العرب. وباستثناء قلة قليلة من المتدخلين الذين جاء خطابهم ليناً، فقد صبت باقي المداخلات جام غضبها على رداءة ما يقدمه القطب الإعلامي العمومي للجمهور. وأهم ما ميز ردود التاج – كما صرح بذلك بعض الحضور- هو النرفزة والارتباك اللذان انتاباه، خاصة أن الانتقادات وخزته في الأماكن الحساسة بحكم طبيعة موضوع اللقاء – الذي اختاره هو بنفسه- وانتمائه لحزب يسهر على تدبير الشأن الإعلامي. كما أن مستوى التاج بدا ضعيفاً جداً على مستوى القدرة على ربط الأفكار وترتيب المعلومات، وبدا متنقلاً بين جلابتي رئاسة ديوان وزير الاتصال وعضويته المركزية في حزب الكتاب، وهو أمر جعل البعض يُعلق بسخرية: “أنه يرتدي الجلباب الذي يستهويه”. وقد تفطن العديد من الحاضرين إلى أن اللقاء كله كان حملة انتخابية سابقة لأوانها حيث كان تنظيم اللقاء باسم جمعية خاطئاً من أساسه، كما أن لون المداد الأزرق طغى على القاعة بما في ذلك الشواهد التقديرية التي وزعت حسب الأهواء. ورغم محاولة محمد غولام مسير الجلسة إخفاء اللون الحزبي والسياسي عن اللقاء إلا أن رائحة السياسة فاحت في جنبات القاعة، ولم يستبعد البعض أن الجمعيات الأخرى قد قاطعت النشاط لهذا السبب، كما أن الحضور كان متواضعاً أحرج المنظمين أمام ضيفهم. ويتساءل الكثيرون عن تكرار غياب أعضاء حزب التقدم والاشتراكية المشاركين في الأغلبية المسيرة للمجلس البلدي، فباستثناء واحد منهم يسجل عزوفهم عن الأنشطة التي ينظمها الحزب أو الجمعيات الموالية، كما أن حزب الكتاب يعرف مؤخراً شرخاً وخلافات كبيرة داخل هياكله، مما أدى إلى تذمر مجموعة من أعضائه وقيادييه الرواد الذين فضلوا الارتكان والصمت والابتعاد.