نظمت الأكاديمية الجهوية للتربية و التكوين بجهة فاس بولمان في اطار الشراكة مع جامعة سيدي محمد بن عبد الله،و المركز الجهوي لمهن التربية والتكوين،والمعهد الفرنسي بفاس ندوة علمية تربوية حول موضوع : "البعد الاستراتيجي للشراكات لبناء وتطوير المنظومة التربوية "والذي اختير لها شعار:" شراكة فعالة في خدمة منظومة تربوية بناءة." واعتبر مسؤولون محليون وخبراء في قضايا التربية والتكوين في اللقاء ذاته أن الشراكة التي تبناها النظام التربوي بالمغرب تظل إحدى الآليات الأساسية لانفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها الاقتصادي والاجتماعي. ودعامة لا غنى عنها لتحسين جودة التعليم والرفع من مستوى الإنتاجية. وفي هذا الإطار. أكد محمد دالي. مدير الأكاديمية الجهوية للتربية والتكوين لجهة فاس بولمان. أن قضية التربية والتكوين ليست مسؤولية الوزارة المعنية لوحدها بل يتقاسمها المجتمع بكل أطيافه من أفراد وجماعات محلية ومنظمات وجمعيات وأحزاب ومؤسسات أعمال ووسائل الإعلام وغيرها.وشدد على أهمية بناء تصورات واضحة للشراكة في مال التعليم تأخذ بعين الاعتبار خصوصية القطاع وأدواره في المجتمع. مشيرا إلى ضرورة تحديد أدوار كل الشركاء في المنظومة التربوية وتقسيم الأدوار فيما بينهم مع البحث عن صيغ لتوظيف تدخلاتهم بطريقة أمثل في مجالات الخبرة وتوفير الموارد المالية لدعم المنظومة التربوية وضمان انفتاح المؤسسة على محيطها. الجريدة حاورت الدكتور دالي على هامش الندوة بقصر المؤتمرات وكانت الورقة التالية : ذ محمد دالي لماذا الشراكات في هذا الوقت تحديدا ؟ ج : لا يخفى على أحد أهمية و راهنية هذا الموضوع كون الشراكة أضحت آلية من آليات التدبير الحديثة للتبادل والتفاعل المنظم ليس فقط بين المؤسسات والمنظمات ولكن أيضا بين الأفراد والجماعات، وكما سنرى لاحقا فالشراكة لا يجب ان تقف عند هذا الحد أي أن تقوم أساسا على التقاء إرادة أو إرادات في مجالات معينة قصد تنفيذ أنشطة أو خدمات وكفى أما على مستوى آخر أعتقد أن مفهوم مفهوم الشراكة يعتبر مفهوما حديثا, حيث لم يظهر في القاموس إلا في سنة 1987 كنظام يجمع المتعاملين الاقتصاديين والاجتماعيين أما في مجال العلاقات الدولية فإن أصل استعمال كلمة شراكة تم لأول مرة من طرف مؤتمر الأممالمتحدة للتجارة والتنمية (CNUCED) في نهاية الثمانينات. وإذا كان مفهوم الشراكة جديداً فإن الأنظمة الديمقراطية اعتبرته مسألة ضرورية لإحداث التغيير والتحوّل الاجتماعي، بتعاضد الجهود وتكامل المهمات بين الدولة والمجتمع المدني. هي شكل من أشكال الإعتراف بالآخر وكفى ؟ لنتفق أولا أن الشراكة بمفهومها العام تعني الاتفاق بخصوص تحقيق أهداف مشتركة أو محدودة، ويفترض أن تتضمن شكلاً من أشكال الاعتراف بالآخر وبدوره كطرف شريك كلياً أو جزئياً طالما يمكنه أن يساهم في عملية التنمية .وبهذا المعنى فهي مقاربة تنموية لعلاقة حكومية مع المجتمع المدني، لاستكمال وملاحقة قدرات وامكانات الطرفين، لتحقيق أهداف محددة، بحيث يتم ضمّ المزايا النسبية لكل طرف إلى الطرف الآخر في إطار تشاركي، ويتحمل كل فريق المهمات التي يستطيع القيام بها في إطار من التوافق، سواءً في تحديد الأهداف أو الوسائل أو عملية البرمجة والتخطيط أو في التنفيذ والمراقبة والمتابعة . هل لديكم مؤشرات لإنضاج الشراكة بهذا المفهوم ضمن المخطط الاستراتيجي للمنظومة ؟ أعتقد أن طرح مفهوم الشراكة التربوية في المغرب انطلق في بداية التسعينيات من القرن العشرين إثر مجموعة من الندوات واللقاءات والتظاهرات حيت قامت وزارة التربية الوطنية على اثرها بصياغة مفهومها عن الشراكة التربوية وترجمته من خلال عدد من المذكرات تناولت مشروع المؤسسة و مفهوم الشراكة التربوية و أوضحت أن مشروع المؤسسة هو جوهر هذا المفهوم ومجاله المحوري كما بينت التداخل الموجود بين مفهوم مشروع المؤسسة ومفهوم الشراكة التربوية، كما بينت أن الشراكة نوعان: شراكة داخلية وشراكة خارجية. فالشراكة الداخلية هي تلك الشراكة التي يساهم فيها فاعلون من داخل المؤسسة من تلاميذ وأساتذة ورجال الإدارة وقدماء التلاميذ وآباء وأمهات التلاميذ وأوليائهم من أجل خلق مشروع تربوي داخل المؤسسة أو باشتراك مع مؤسسة تعليمية أخرى من أجل تحسين أحوال التلميذ والرفع من مستوى المتعلم ودعمه تربويا و مساعدته ماديا ومعنويا. أما الشراكة الخارجية فتتمثل في انفتاح المؤسسة التعليمية على محيطها السوسيواقتصادي والمحيط الوطني والدولي، أي إن الشراكة الخارجية قد تكون شراكة وطنية أو دولية مع مؤسسات أجنبية وعربية ضمن التبادل اللغوي والثقافي والحضاري أو عبر خلق توأمة تشاركية مؤسساتية وتحقيق مشاريع تعاون وتمويل ودعم ومساعدة. هناك تحديات كبيرة تواجه المنظومة إن على مستوى الموارد أم تنزيل وأجرأة مقتضيات الميثاق هل مندور للشراكة لمواجهة التحديات الحقيقية ؟ بات من المسلمات أن التعليم هو القاطرة الأساسية لأي نهوض حضاري ، و أي إقلاع اقتصادي ، لتحقيق مجتمع الكرامة ، و مجتمع الرفاه ، و بما ان قضية التربية و التكوين ليست مسؤولية وزارة التربية الوطنية لوحدها ، و إنما هي مسؤولية تقع على عاتق المجتمع بأكمله أفرادا و جماعات، منظمات و جمعيات، أحزابا و نقابات، مؤسسات الأعمال، وسائل الإعلام…إلخ لذلك ، و إدراكا من وزارة التربية و التعليم، التي يحدوها طموح تنفيذ مبادئ الميثاق الوطني للتربية و التكوين الذي نص على ضرورة الشراكة و أهمية اللاتمركز، وتنفيذا لتوصيات مؤتمر دكار الذي انعقد بالسينغال عام 2000 حول التعليم، حيث نص في قراراته على أهمية الشراكة ووضع أسس نظامها، و إحداث مختلف الآليات لإقرارها ،وبناء على القانون 07,00 المنظم للأكاديميات فإ ن الوزارة تسعى بكل جهودها إلى انفتاح المؤسسات التربوية و التعليمية على محيطها لمواجهة التحديات الكبيرة التي يضعها تطوير المنظومة التربوية لبلادنا لكي تساهم في التنمية البشرية المنشودة.تماشيا مع ما أشار إليه صاحب الجلالة في خطاب العرش سنة 2000 حين صرح جلالته :" ومن ثم كان توجهنا للاستثمار في الموارد البشرية ، باعتبار الرأسمال البشري رافعة للتقدم و خلق الثروات ، و نظرا لدوره في تحويل و تدبير باقي الثروات و إدماج هذا الاستثمار في مسيرة التنمية "وفي هذا الإطار تدخل سياسة تدعيم التعاون وتطوير الشراكة بين مختلف المتدخلين في القطاع التربوي، أي الشراكة في تقاسم المسؤوليات وفي توفير الموارد المالية لدعم السياسات والبرامج الموضوعة ضمن هذه الاستراتيجية قصد تحسين إنجازات المدرسة لكونها مجال اكتساب التربية و المعرفة بامتيازو مجال الاستثمار في العنصر البشري. يمكن التميز بين شراكة منتجة وهادفة وأخرى على الورق ؟ على ذكر شراكة منتجة لا أدع المناسبة تمر دون أن أبارك و أنوه بالإنجاز الكبير الذي حققته وزارة الداخلية بإنشائها في إطار الشراكة مع وزارة التربية الوطنية فرقة الأمن المدرسي التي تقوم بزيارة المؤسسات التعليمية من أجل تحسيس التلاميذ بأهمية الأمن الاجتماعي و توعيتهم بخطورة كل الممارسات الشاذة . شخصيا أعتبر هذا العمل ثمرة من ثمرات الشراكة الهادفة المنتجة بين قطاعين كبيرين في المجتمع قطاع التربية و الأمن الوطني. كما أنها تدخل ضمن تسع اتفاقيات وقعتها وزارة التربية الوطنية مع وزارات وقطاعات حكومية في 2008 أمام أنظار صاحب الجلالة . من ناحية ثانية ، الحاجة الماسة لشراكة منتجة وفاعلة تأتي إدراكا من المسؤولين على قضايا التربية و التعليم وطنيا وجهويا و اقليميا وكل الفعاليات ببلدنا لدور الشراكة و أهميتها لدعم هذا القطاع و جعله يكسب رهان التحدي في مجالات الحد من ظاهرة الهدر المدرسي وتلبية الخصاص الكبير في البنيات التحتية وفي التأطير وتلبية الحاجيات الكتيرة في مجال الدعم الاجتماعي وكذا الرفع من مستوى التلاميذ الذين لم تتطور مهاراتهم في القراءة والكتابة والتقليص من الفوارق بين الوسط الحضري والقروي، و المساهمة في اعادة الجاذبية للمدرسة والإقبال عليها من طرف كل مكونات المجتمع ومحاربة بعض الظواهر المشينة التي اصبحت تعاني منها المنظومة نذكر منها على سبيل المثال العنف داخل المؤسسات وفي محيطها. هل تعتقدون أن الندوة العلمية التربوية ساهمت في تحقيق جزء من هذا الطموح الكبير ؟ أعتقد جازما أن الندوة اكتست أهميتها من كوننها فرصة حقيقية للقاء مع عدد من الفاعلين والباحثين الأكاديميين فرصة من أجل طرح بعض التساؤلات و إيجاد الاجوبة لها و التي تتعلق ب:- ضرورة الوقوف على الأطوارو المراحل التي قطعها مفهوم الشراكة التربوية بالمغرب، و على مقوماتها و أهدافها، و فوائد المسعى التشاركي -تحديد شركاء المؤسسة التعليمي و القواعد والضوابط الأخلاقية للشراكة -تحديد كيفية تقسيم الأدوار و توظيفها لضمان تعاون كل المتدخلين من خارج وداخل النظام التربوي، وكذا الطرق المؤدية للتبادل والتفاعل، -ضرورة تحديد دور المجتمع المدني لدعم المدرسة العمومية، عبر الشراكة التربوية، و تحديد مساهماته الممكنة في ذلك،حتى تصبح هذه الشراكة مصدرا إضافيا للتعلم والتأهيل، وربحا حقيقيا للمجهودات المستثمرة والمبذولة،و أن تحترم استقلالية المؤسسة التعليمية والهوية المهنية لمختلف الفاعلين بداخلها، -الوقوف على كيفية اغتنام الفرص التي تتيحها الشراكات من أجل وضع استراتيجية تعبئ المجتمع المدني باستمرار وباقي الفاعلين لضمان تربية ذات جودة للجميع، – ضرورة ايجاد صيغ تمكن من توظيف بطريقة أمثل تدخل الشركاء في مجال الخبرة أو مجال توفير الموارد المالية المخصصة لدعم المنظومة، – الوقوف على كيفية ضمان انفتاح المدرسة بالمغرب على محيطها وبالتالي ضمان تلاءم التعلمات المعرفية مع الممارسات التطبيقية، لكي تصبح المدرسة أكثر جاذبية ونافعة، -التفكير في كيفية جعل مشاركة الآباء والأمهات مشاركة فعلية في تدبير المدرسة العمومية، -كيفية الاستفادة من غنى المساهمات التي يقدمها مختلف الفاعلين لفائدة المدرسة العمومية حتى تبقى ذلك المشتل الذي ينتج الأطر الكفأة في شتى المجالات ، اطر متشبعة بقيمها و هويتها الدينية والوطنية، هل ثمة صعوبات تحد من صياغة رؤيا جيدة حول الشراكة التربوية ؟ أعتقد إن صياغة رؤية جيدة حول الشراكة التربوية و أهدافها لاتكفي بمفردها لبقائها و استمرارها مع مرور الزمن، و إنما تحتاج فضلا عن ذلك إلى وضع خطط عمل ملموسة تبين كيفية تطبيق تلك الرؤى وهذى ما نستشفه من خلال مقتطف من خطاب صاحب الجلالة الذي ألقاه بمناسبة عرض الميثاق الوطني للتربية و التكوين على البرلمان حيث أكد جلالته " اننا نستطيع تحقيق هذه الأهداف إذا ما تم ترشيد استغلال الموارد المادية وعقلنة تدبيرها, وإذا ما وقع تحسين الاستفادة من الكفاءات والخبرات, وإذا ما ساهمت في الإنجاز كل الأطراف المعنية من جماعات محلية وقطاع خاص ومؤسسات إنتاجية وجمعيات ومنظمات وسائر الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين, دون إغفال دور الآباء والأمهات ومسؤولية الأسر في المشاركة بالمراقبة والتتبع والحرص على المستوى المطلوب" على المستوى الجهوي كيف تقيمون حصيلة الشراكة لتربوية ؟ نتمنى صادقين أن تستمر وتتطور هذه التعبئة حول المدرسة المغربية لما فيه خير هذه البلاد العزيزة علينا. كما نتمنى ان تتكاتف الجهود من أجل إنجاح الدخول المدرسي بجهة فاس بولمان وأن يتعبأ كل الشركاء من أجل توفير الدعم الاجتماعي اللازم للتلاميذ خاصة في المناطق التي تعرف نوعا من الهشاشة الاجتماعية. خاصة وأن الأكاديمية تربطها شراكات متميزة مع قطاعات حكومية و جمعيات المجتمع المدني ومع شركاء دوليين( المعهد الفرنسي و معهد كوت الألماني( واسمحولي كذلك كي أتوجه بالشكر الى السيد الوالي على الدعم الذي يقدمه للأكاديمية دائما وأشكر كل السلطات التي لا تتردد في تقديم يد المساعدة والمساندة ، وحتى لا انسى احدا اشكر كل من له الفضل من قريب او بعيد في تنظيم هذا اللقاء العلمي المتميز . و الشكر موصول كذلك لكل الشركاء الذين يقدمون كل انواع الدعم المالي والمعنوي للمدرسة المغربية وطنيا وجهويا و اقليميا . مجريات الندوة التربوية انهت أشغالها بتوصيات هامة وعملية قابلة للتنفيذ والاجراة حيث تأسست لجنة من مهامها السهر على تتبع وتنفيذ أهم هذه التوصيات خدمة للمنظومة التربوية حتى تبلغ المكانة المرجوة و التي خطها صاحب الجلالة في خطبه و توجيهاته الشريفة.