محمد دهنون الاتحاد الاشتراكي يستدعي العربي المساري بعضا ممن المعطيات التاريخية التي حفل بها الحقل الإعلامي و الحياة السياسية في المغرب .. لإعطاء صورة عن الواقع الصحفي في الراهن المغربي و متطلبات تجديده و تطويره .. بأسلوب سلس و أفكار بسيطة نفاذة .. «الاتحاد الاشتراكي» سألت العربي المساري حول الصحافة الحزبية و مستقبلها وسط جرائد «الاستقلالية» .. حول أخلاقيات المهنة .. حول المطلوب هيكلته و تعميق النقاش حوله .. بداية لابد من تناول معكم الحوار الوطني حول الإعلام الذي انطلق في يناير 2010 و توج بكتاب أبيض تضمن توصيات و» تحليلا أفقيا»، وأيضا «تخصصيا» للحقل الإعلامي .. فيه كثير من التشخيص والخلاصات أيضا.. ألا يشكل هذا الكتاب إحدى المرجعيات التي يمكن الاستئناس بها في الاشتغال على مدونة للصحافة والنشر؟ في البداية خامرتني الريبة. ظهرت المبادرة في أجواء حانقة على الصحافة التي «انفلتت وأخذت تتصرف بعيدا عن المسؤولية «. وبدا وكأن المطلوب هو تنصيب محاكمة عمومية للصحافة، خاصة المكتوبة. لكن لحسن الحظ وقع تأطير الموضوع في شكل علاقة المجتمع بالصحافة. بل بالإعلام برمته، أي السمعي البصري والوكالة والإشكاليات التي أخذ يطرحها التطور السريع للتقنية الرقمية. وتولى تنسيق الحوار الزميل جمال الدين ناجي صاحب كرسي اليونيسكو. اتجهت الخواطر حينئذ نحو أفاق بناءة، ونتج عن العملية التي قادها ناجي « كتاب أبيض « حافل بمعطيات للتشخيص وبتوصيات، فأصبحت لدينا أداة عمل مفيدة، وأتصور أنه سيكون نافعا أن يقع تحيين « الكتاب الأبيض» بعد كل خمس سنوات، أو أقل. المغرب يتغير و يعيش تحولات على المستوى السياسي و الإعلامي و الاقتصادي.. وبالعلاقة حرية التعبير ذات الارتباط الوطيد بالمشهد الإعلامي توجد على المحك أكثر من أي وقت مضى .. خصوصا مع هذه الطفرة الملحوظة الموسومة بكثرة العناوين الصحفية و الإصدارات المتنوعة، أين يمكن موقعة حرية التعبير هاته وسط هاته التحولات ..؟ اشتمل سؤالكم على عدة جوانب. في البداية إني أشاطركم القول بأن حرية التعبير هي المحك للتحولات التي عرفها مجتمعنا. وهذا التطور الذي وقع عندنا هو نتيجة التقدم الذي عرفته حياتنا السياسية تحت ضغط المجتمع، على يد قواه الحية. ثم إن الصحافيين انتزعوا بدأبهم اليومي وبانخراطهم في النضال من أجل الديموقراطيا، مكاسب، بدءا بتوسيع الهامش المتاح، عبر مراحل صعبة، ثم بإسقاط الطابوهات المنيعة التي كانت قد استقرت في الممارسة السياسية عندنا منذ السبعينيات. وإلى جانب هذا وذاك، فإن الضغط الذي مارسه الخارج من خلال المنظمات الحقوقية والمهنية، كان فعالا. كانت الجريدة تمنع في الصباح. وكنا في النقابة نقوم بالتشهير بذلك. ونرسل بكيفية منهجية نداءاتنا في التاسعة صباحا إلى « لا فيج « في بروكسيل، وإلى « سيبيجي» في نيويورك. وفي كثير من الأحيان، كان يفرج عن الجريدة الممنوعة في الزوال، لأن المنظمات التي كنا نستنفرها كانت تمطر جهات القرار عندنا بوابل من الاحتجاجات. وكان هذا يحدث كلما منع كتاب، أو صحيفة. ويمكن القول إن قابلية النسق السياسي عندنا للتفاعل بإيجابية مع المطالبة بحرية التعبير، كانت أفضل مما عرفته بلاد أخرى. وسنة بعد أخرى، عرفنا انفراجا ثم تطورا نحو الأفضل، وبذلك تراكمت المكاسب ووصلنا إلى ما نحن فيه الآن. هناك جانب آخر مضمن في السؤال، وهو الإشارة إلى كثرة العناوين باعتبارها علامة إيجابية. وهذا صحيح من زاوية حرية التعبير والتنوع، ولكن من الناحية المهنية أنا أكثر ميلا إلى تأييد وجود عناوين قليلة تصدرها مقاولات كبيرة أو متوسطة ذات قدرة مهنية ومادية على هذه الكثرة التي لا تساعد على تأطير الرأي العام وإشباعه بمعلومات خضعت للتمحيص وذات مواصفات مهنية متينة. إن تجربتنا هي في الأساس ثمرة ميكرو مقاولات، تصنع منتوجا تمت معالجته في وقت وجيز. سنعود إلى رأيك المعروف في هذا الشأن، ولكن دعنا نلاحظ أن جل الفاعلين يتحدثون عن ضرورة توفر إرادة سياسية لإصلاح قطاع الإعلام .. هل يقتضي الإصلاح توفر هذه الإرادة السياسية؟ الكلام هكذا بإطلاق عن « قطاع الإعلام « يستدعي استحضار دواعي إصلاح قطاع الإعلام، بكل مكوناته. والمجال شاسع. ولا شك أن هذا يتطلب إرادة سياسية. إن الإصلاح الجوهري الذي عرفه السمعي البصري، بفصله عن السلطة الحكومية، وإقامة أدوات للضبط (الهاكا) هي في نفس الوقت ذات صلاحيات تشريعية وتنفيذية، وتعدد المتدخلين في الساحة، شيء جيد جدا. ولكن المشهد في حالته الراهنة، يتطلب وضع النقط فوق الحروف. وحينما وقعت ضجة بشأن دفاتر التحملات فوجئنا ببهتان صارخ، إذ قام مديرون هم ليسوا منبثقين من مسلسل انتخابي، بانتحال كلام عن «الاستقلالية «. وهو ما عبرت عنه بأنه باطل أريد به باطل. إن الأمر يتطلب إيضاحا. وخاصة في ظل الدستور الحالي. الذي يتكلم عن خضوع «المرفق العام « لمقاييس تؤمن الجودة والشفافية والمحاسبة والمسؤولية وخضوع تلك المرافق في تسييرها لقيم الديموقراطيا. وهذا يعني أن الإذاعة والتلفزة العموميتين، وكذلك الوكالة، يجب أن تتأقلم مع الفصلين 154 و155، من حيث ما ذكر. وهذا يتطلب أن يكون القائمون على تلك الأجهزة مجرد « أعوان « يمارسون وظائفهم وفق المعايير التي ينص عليها الدستور، ويجب أن ينبثقوا من مساطير ديموقراطية. وأن تكون للمرشح مؤهلاته تمكنه من أن يدافع عن ملفاته بكفاءة فكرية. إن منصب مدير في السمعي البصري لا يقل أهمية عن عميد يعهد إليه بإدارة كلية جامعية، حيث يطلب من المرشح أن يتقدم بملف حافل. إن الكلية تضم ساكنة تعد بالمئات، بينما يتعامل مرفق سمعي بصري مع الملايين. وما رأيناه ونراه هو أن هؤلاء الأعوان يعتبرون أنفسهم بحكم الأمر الواقع أقوى من الوزير الذي هو نابع من حكومة منتخبة، ويخضع للمحاسبة أمام الهيئات ذات الاختصاص. عندنا وضع سوريالي يجب أن يوضع له حد بالتنزيل السليم للدستور… في إسبانيا، حتى الأسابيع الأخيرة، كان مدير الإذاعة والتلفزة العموميتين تعينه الحكومة ولكن بمصادقة مجلس النواب بأغلبية الثلثين. وفي الولاية الحالية خفضت النسبة إلى النصف زائد واحد. وفي الحالتين يكون مدير هذا المرفق العمومي ذا شرعية قوية. وفي الصيف الماضي كانت جريدة قد نشرت أن ابن المدير شارك في إنتاج برنامج. وتم التلميح ظلما إلى وقوع محاباة… فما كان من المدير إلا أن قدم استقالته، لكي يقطع الطريق على هواة استهلاك الإشاعات. تتعالى الأصوات المطالبة بإعلام حر و مسؤول .. كيف الوصول إلى ذلك، خاصة عندما ينتبه الملاحظ الرصين إلى وجود «مراكز» و لوبيات تشتغل وراء أقسام التحرير في الكثير من العناوين وتحت مسميات عدة؟ الإعلام الحر والمسؤول هو الإعلام الذي يصنعه أداء مهني يخضع لمقاييس الصرامة. ومهما وجدت لوبيات ومراكز من النوع الذي أشرتم إليه، فحينما يكون الأداء المهني واضحا أي حريصا على أن تكون ذمته بريئة في عين الجمهور، يحدث أن جريدة يملكها موردوخ الأسترالي الذي أقام إمبراطورية صحافية في بريطانيا، هي التي فضحت مسألة التنصت التي أدت إلى زلزال هز إمبراطورية موردوخ. المهنة في حاجة إلى ضبط ذاتي يمكن من رفع منسوب المهنية والجودة والمسؤولية، هل المجلس الوطني للإعلام بإمكانه رفع هاته التحديات ومجابهة الخلفية المحافظة ..؟ فكرة المجلس الوطني مطروحة منذ 2007 كاجتهاد يهدف إلى إقامة آلية تؤمن الضبط الذاتي على النحو الذي أشرتم إليه. وهي بدورها بدت في البداية كمحاولة لرمي الكرة في سقف المهنيين، لكي يؤدب بعضهم بعضا. ولكنها عولجت في صيغ متعددة، لترسو في الأخير في صيغة مقبولة. مسودة النص المتضمن للمجلس الوطني للصحافيين تم تحريرها بمقاربة تشاركية فيما بين الوزير الخلفي وكل من النقابة وفيدرالية الناشرين، وقد تقاربت كثيرا وجهات النظر. وبينما كانت المسودة القديمة تتضمن بابا عن المجلس الوطني في قانون الصحافة والنشر، أصبح النص المتعلق بالمجلس منفصلا. وكما علم الجمهور الواسع من خلال الندوة التي نظمت في المعهد العالي للصحافة، فإن الصيغة الحالية تحظى بتوافق كبير. الحاجة أصبحت ملحة كما يقول أهل الاختصاص لقضاء متخصص و مسؤول وقوانين تنظم حق الولوج إلى المعلومة و تهيكل مجالات الإشهار وتطبيقها.. ماقولكم في هذا الأستاذ المساري؟ هناك ميل عام إلى الاتجاه إلى قضاء متخصص. وقد بادرت الجهات المعنية، وزارتا العدل والاتصال، والمعهد العالي للقضاء، إلى تنظيم دورات للتكوين تمكن من السيطرة أكثر على الموضوع من خلال تمرس القضاة بالنوازل التي أخد القطاع يحفل بها بسبب التطور التيكنولوجي وتعدد المبادرات. وليس الاهتمام بهذا الجانب جديدا. فقد سعت النقابة إلى التعاون منذ التسعينيات مع معهد القضاء لتنظيم لقاءات يتم فيها الاحتكاك بين الصحافيين والقضاة والمحامين. الدولة تعودت على التعامل مع الجرائد بمنطق «المنح».. اليوم مطلوب تحويل الدعم إلى استثمار داخل المقاولات الإعلامية.. وليس إبقاؤه كجزء من الريع السياسي.. راهنا ما هو دور الدولة في التنظيم المستقل للحقل الإعلامي وما تعليقك على ذلك؟ إن ترشيد الدعم المقدم للصحافة المكتوبة قد مر بمراحل متعددة. وقد انتهى الأمر في مناظرة الصخيرات إلى إبرام عقدة برنامج بين وزارة الاتصال وهيئة الناشرين. وهناك على الأقل نتيجة أولية وهي تكاثر عدد المقاولات التي وجدت فائدة في أن تكون ملتزمة بالقانون من حيث احترام حقوق العاملين والالتزام باتباع قواعد المحاسبة. الآن هناك ضرورة للتفكير في جعل العقدة البرنامج وثيقة التزام بالتعاقد من أجل برنامج يرمي إلى التعامل مع الصحافة كقطاع استثماري. إن الصحافة المكتوبة الإلكترونية هي إحدى تجليات مشروع ثقافي وطني ولكنها أيضا إحدى تجليات الصناعة الوطنية. وفي الكتاب الأبيض عناصر يمكن أن تؤطر التفكير في الأمرين معا، المشروع الثقافي والاستثمار الصناعي. وقد أبرمت الدولة عقود برنامج مع الصيدلة والصناعة التقليدية وغيرهما تنص على مهام محددة تنوب كل طرف لتحقيق أهداف وطنية محددة في وقت معين. لنعد إلى مقولتك القديمة كيف ننتقل من الخصاص إلى الكفاءة؟ مطلوب من جميع الأطراف أن تفكر في رفع مقدرة الإعلام الوطني برمته، وليس فقط الصحافة، من أجل المساهمة في إعلاء الممارسة السياسية. إن ما يميز المشهد الوطني حاليا هو التفتت وليس التعدد. إن التعدد الحالي هو ناتج كما هو الشأن في الحقل السياسي، عن تناقضات ذاتية تؤدي عقب كل خلاف في حظيرة هيئة التحرير إلى ظهور عنوان جديد. وفي الغالب لا يكون ظهور عنوان جديد إضافة مهنية أو فكرية أو سياسية، بل مجرد تفتت أميبي. والنتيجة هي أننا ننتج صحافة يومية يقع إعدادها فيما بين العاشرة صباحا والثانية بعد الزوال. ويسهر على صنعها طاقم متواضع من حيث العدد ليست له القدرة على معالجة المادة الصحافية بوقت كاف، لأنه يكون على الصحافية والصحافي أن يدفع المادة إلى المطبعة قبل أن يفوت الأوان. أي في الموعد الصارم الذي تحدده شركة التوزيع. والنتيجة هي تركيز الجهد على الإسراع لتقديم نصف خبر ولكن بعنوان كفيل بأن يجلب الانتباه. ولهذا أكرر ما قلته آنفا من أنني أكثر ميلا إلى مقاولات كبيرة أو متوسطة قادرة على خدمة القارئ. وفي الوقت الراهن، لا يؤدي التفتت الأميبي المشار إليه إلا إلى البلبلة. وأسهل طريق هو تبخيس الحياة السياسية، وهو ما يريده أولئك الذين لا شغل لهم إلا تمييع الحياة السياسية ليبقى لهم دور « المنقد». فهؤلاء مسرورون من الممارسة الحالية التي ترمي إلى تحطيم النخب السياسية والأحزاب وتقديم المؤسسات على أنها سيرك. إن هناك لوبيات تلعب من وراء حجاب لتشجيع التهريج وترويج فتاوي خيزو. ويجب أن تحذر الصحافة كثيرا في هذا الصدد، حتى تكون صحافة مواطنة، وأن تتأهل لكي تقوم بتأطير الرأي العام باقتدار مهني . تنصيب اللجنة العلمية الاستشارية جاء في أفق صياغة مدونة موحدة حديثة وعصرية للصحافة و النشر .. بدأتم الاشتغال .. عندكم مسؤولية ثقيلة و تاريخية؟ هذه اللجنة هي علمية واستشارية تقتصر مهمتها على معاينة النصوص التي ستحيلها عليها الوزارة والتي تكون في مجموعها مدونة للقوانين المنظمة للقطاع. وتقوم اللجنة المؤلفة من مهنيين وأكاديميين وحقوقيين بمعاينة المسودات المحالة عليها، لكي تصرح فيما بعد في تقرير ترفعه إلى الوزير بما في تلك المسودات من جوانب مطابقة مع شروط الصحة التي يجب أن تتوفر في تلك النصوص والتي تجعلها تتصف بأنها نصوص ديموقراطية وعصرية. وتحتكم اللجنة في معاينتها تلك إلى نصوص مرجعية هي الدستور والالتزامات الدولية وتوصيات الكتاب الأبيض. ويمكن للجنة أن تنتهي من خلال معاينتها إلى وجود بنود غير متطابقة مع شروط الصحة أي الدموقراطيا والعصرية. وحينذاك ستقوم اللجنة القانونية بإعادة الصياغة، لكي تقدم الوزارة تلك النصوص في الأخير إلى البرلمان بعد أن تكون قد تفاوضت بشأنها مع المهنيين. وهؤلاء حاضرون طيلة المسلسل كله. في اللجنة وفي مواقعهم التي تخولهم تمثيل المهنة، إزاء الوزارة والمؤسسة البرلمانية، إلى أن تتم المصادقة على النصوص في البرلمان. ثم إن الوزارة قد تعهدت إلى جانب اللجنتين العلمية والقانونية، بأن تفتح استطلاعا واسعا في بوابتها الإلكترونية للتعرف على ملاحظات ومواقف المجتمع المدني. وكأني بها تريد أن تحصن هذه المدونة من عيوب التسرع والانفراد بالرأي. هناك قراءة جيدة للدستور الذي يأمر بالتزام المنهجية التشاركية. وكل هذا يشجعني على التطلع إلى أنه من الوارد أن تعرض المشاريع على الشركاء البرلمانيين لكي لا تكون المشاريع فقط من نتاج الأغلبية. إن القوانين المنظمة للقطاع جديرة بأن تكون محل توافق مثل ما هي توصيات الكتاب الأبيض. إلغاء العقوبات السالبة للحرية من قانون الصحافة و من المتابعات و استبدالها بالتعويض المدني و الذعائر المالية المناسبة .. مطلب مهني يلاقي إجماعا قويا .. هذا يحيل مباشرة على سؤال الأخلاقيات في مهنة الصحافة ، إزاء هذا و ذاك ، تبرز العناوين التي تشتغل على «الأجندات» مما يجعل «الاخلاقيات» في مهب الريح ..! هناك عمل دؤوب يبقى على كاهل الهيئات المهنية والحقوقية أن تقوم به في مضمار ترسيخ أدبيات أخلاق المهنة. وهو جدول أعمال مفتوح على الدوام. عطفا على كل هذا، النظام الأساسي للصحافي المهني و الناشر المهني في حاجة إلى مراجعة جذرية ..؟ .. كما الحاجة إلى دعم التكوين المستمر و تقوية قدرات الصحافيين.. تلك المسألة غائبة عن مؤسساتنا الإعلامية؟ المسودة التي تم إعدادها تتجاوب مع التطلعات التي تخامر المهنة والمجتمع أستاذ المساري .. سؤال المقروئية؟ هذا جانب مرتبط بإشكالية أصبحت معقدة الآن مع انتشار وسائل جديدة لتلقي المعلومات. الصحافة الإلكترونية في غياب إطار قانوني، فوضى منظمة، تخضع بسهولة ل «الاستعمالات» والتوظيف؟ هناك في محفظة اللجنة العلمية الاستشارية مسودة قانون لضبط الممارسة في هذا الحقل. وهي نتيجة استطلاع واسع للآراء شارك فيها المعنيون من كل المشارب. والنص المشار إليه مبتكر شارك في إعداده أكاديميون ومهنيون ولربما كان المغرب سباقا إلى التعامل مع هذا الموضوع ليس من الزاوية الأمنية كما حدث في بلدان أخرى، بل باعتبار الصحافة الإلكترونية حقلا للممارسة المهنية المنظمة، خصوصا وهو نتيجة عملية تشاركية خلاقة. قلتم عقب التنصيب على رأس اللجنة العلمية الاستشارية .. إن الهدف في النهاية هو إخراج قانون للصحافة «غير مبني للمجهول» ماذا كنت تقصد أو ماتزال بذلك؟ كانت التفاتة إلى جهود متواصلة بذلت منذ عشرات السنين وعبر محاولات متنوعة صرفت في الأساس من أجل إعادة قانون حرية الصحافة في المغرب إلى روحه الأصلية التي مثلت جوهره في 1958. وكان ذلك القانون قد تعرض لتعديل سلبي على إثر بضعة شهور من صدوره. (يوليو 1959) وتطلب إلغاء ذلك التعديل موقفا سياسيا صارما إلى أن تم الإقلاع عنه (سبتمبر 1959). وتمت في برلمان 1963 مبادرتان لتوطيد الهوية الليبرالية لقانون 1958. ولكنهما أجهضتا بإعلان حالة الاستثناء. ثم طرأت سلسلة من التعديلات في السبعينيات أجهزت على المكاسب التي كان يمثلها. وضج المجتمع السياسي والأكاديمي من القيود التي كبلت حرية التعبير إلى حد فرض الرقابة القبلية بلا قانون. ونشر الأستاد محمد الإدريسي المشيشي العلمي كتابا بعنوان « القانون المبني للمجهول « اعتبرناه نداءا قويا من أجل صياغة قانون عصري يساير العصر. فإشارتي المذكورة إذن كانت تكريما لكل الجهود التي بذلت طيلة المسيرة الشاقة والعنيدة من أجل قانون يكون في مستوى الشعب المغربي. أنت سليل الصحافة الحزبية وابن شرعي لها .. ما المطلوب اليوم من هذه الصحافة من وظائف وأدوار جديدة .. وبكل الصراحة الممكنة؟ أرى أن هذه الصحافة التي كافحت من أجل التعددية السياسية والثقافية لها دور في بناء المغرب العصري والديموقراطي الذي يبشر به الدستور الحالي. إن هذا الدستور يجعل البرلمان هو حلبة العملية السياسية. ودون إلغاء دور المستقلين، فإن الأحزاب مدعوة لخوض المباراة السياسية من أجل الفوز برضا الناخبين. و يتم تشكيل البرلمان والحكومة تبعا للخريطة السياسية التي تبلورها الأحزاب السياسية من كل المشارب. وأتصور أن الصحافة الحزبية سيكون لها أن تدافع عن رؤاها وبرامجها اليوم وغدا كما كان الأمر أمس. إن ميلاد الحزب السياسي هو أول مظهر للحداثة اختاره الشعب المغربي منذ الثلاثينيات. عبر الأحزاب أفرزالشارع شرعية جديدة. وعبر تجارب شاقة مارس الشعب المغربي التعددية السياسية في عهد النضال ضد الاستعمار. وبعد الاستقلال وقعت محاربة الأحزاب بأشكال شتى. ولكن ظل المغاربة صامدين في معركة الديموقراطيا إلى أن وصلنا إلى المرحلة التي نحن فيها الآن. للصحافة الحزبية دور تقوم به إلى جانب الصحافة المستقلة، دون أن يعني أن صنفا يلغي الآخر.