صحفي شاب يصحح للأئمة الأعلام خطأ ألف عام. لم يتزوج النبي محمد (ص) السيدة عائشة وهي بنت تسع كما يزعمون.. بقلم جمال البنا: لو نجد من يطبع هذا المقال الرائع ويوزعه في المساجد على مستوى العالم لتصحيح هذا الخطأ في السيرة كذلك يطلب عند إعادة طباعة كتب السيرة تصحيح هذا الخطأ و توضيح الأمر في موقع نصرة الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ونأمل ان يكون في مثل هذه البحوث حافزا لشباب المسلمين لإعادة قراءة السيرة وعدم تركها لتلقين المعممين. هذا بالظبط ما كنا نقول ونعتقد، فلا يمكن لرجل في الثالثة والخمسين من عمره أن يتزوج طفلة عمرها تسع سنوات فكيف بنبي الأمة وسيد المرسلين. ثم أنه لو كان ذلك صحيحيا لأ صبح الزواج من طفلات صغيرات سنة نبوية يجتهد المسلمون في تطبيقها والآخذ بها... أريد من نشر هذا المقال تقديم مثال لما يمكن أن يصل إليه صحفي شاب لم يدخل الأزهر، أو يضع علي رأسه عمامة أو يدعي أنه من أهل الذكر.. إلخ، إنه صحفي كبقية الصحفيين، ولكن هذا لم يمنعه من أن يعني بقضية حاكت في نفسه، كما حاكت في نفوس آخرين فقبلوها صاغرين، ولكنه وطن نفسه علي أن يدرسها ولم يثنه أنها مثبتة في البخاري وأن أعلام الأمة تقبلوها لأكثر من ألف عام، تلك هي قضية أن الرسول تزوج عائشة في سن السادسة وبني بها (أي دخل بها) في سن التاسعة بناءً علي ما جاء في البخاري (باب تزويج النبي عائشة وقدومها المدينة وبنائه بها 3894): حدثني فروة بن أبي المغراء حدثنا علي بن مسهر عن هشام عن أبيه عن عائشة رضي الله عنها قالت: «تزوجني النبي صلي الله عليه وآله وسلم وأنا بنت ست سنين، فقدمنا المدينة.. فأسلمتني إليه وأنا يومئذ بنت تسع سنين». وجد الباحث في نفسه حمية للدفاع عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لعلها لم توجد في غيره. أعد نفسه لمقارعة تلك القضية، ولم يقنع بأن يفندها بمنطق الأرقام ومراجعة التواريخ، ولكنه أيضًا نقد سند الروايات التي روي بها أشهر الأحاديث الذي جاء في البخاري ومسلم، وأثبت في الحالتين ذكاءً، وأصاب نجاحًا. من ناحية التواريخ، عاد الصحفي الشاب إلي كتب السيرة (الكامل تاريخ دمشق سير أعلام النبلاء تاريخ الطبري تاريخ بغداد وفيات الأعيات)، فوجد أن البعثة النبوية استمرت 13 عامًا في مكة و 10 أعوام بالمدينة، وكانت بدء البعثة بالتاريخ الميلادي عام 610، وكانت الهجرة للمدينة عام 623م أي بعد 13 عامًا في مكة، وكانت وفاة النبي عام 633م والمفروض بهذا الخط المتفق عليه أن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم تزوج أم المؤمنين السيدةعائشة قبل الهجرة للمدينة بثلاثة أعوام، أي في عام 620م، وهو ما يوافق العام العاشر من بدء الوحي، وكانت تبلغ من العمر 6 سنوات، ودخل بها في نهاية العام الأول للهجرة أي في نهاية عام 623م، وكانت تبلغ 9 سنوات، وذلك ما يعني حسب التقويم الميلادي، أنها ولدت عام 614م، أي في السنة الرابعة من بدء الوحي حسب رواية البخاري، وهذا وهم كبير... ونقد الرواية تاريخيا بحساب عمر السيدة (عائشة) بالنسبة لعمر أختها (أسماء بنت أبي بكر ذات النطاقين): تقول كل المصادر التاريخية السابق ذكرها إن (أسماء) كانت تكبر (عائشة) ب 10 سنوات، كما تروي ذات المصادر بلا اختلاف واحد بينها أن (أسماء) ولدت قبل الهجرة للمدينة ب 27 عامًا ما يعني أن عمرها مع بدء البعثة النبوية عام 610م كان 14 سنة وذلك بإنقاص من عمرها قبل الهجرة 13 سنة وهي سنوات الدعوة النبوية في مكة، لأن (27 13 = 14 سنة)، وكما ذكرت جميع المصادر بلا اختلاف أنها أكبر من (عائشة) ب 10 سنوات، إذن يتأكد بذلك أن سن (عائشة) كان 4 سنوات مع بدء البعثة النبوية في مكة، أي أنها ولدت قبل بدء الوحي ب 4 سنوات كاملات، وذلك عام 606م، ومؤدي ذلك بحسبة بسيطة أن الرسول عندما نكحها في مكة في العام العاشر من بدء البعثة النبوية كان عمرها 14 سنة، لأن (4 + 10 = 14 سنة) لأو بمعني آخر أن (عائشة) ولدت عام (606م) وتزوجت النبي سنة (620م) وهي في عمر (14) سنة، وأنه كما ذكر بني بها دخل بها بعد (3) سنوات وبضعة أشهر، أي في نهاية السنة الأولي من الهجرة وبداية الثانية عام (624م) فيصبح عمرها آنذاك (14 + 3 + 1 = 18 سنة كاملة) وهي السن الحقيقية التي تزوج فيها النبي الكريم (عائشة). حساب عمر (عائشة) بالنسبة لوفاة أختها (أسماء ذات النطاقين): تؤكد المصادر التاريخية السابقة بلا خلاف بينها أن (أسماء) توفيت بعد حادثة شهيرة مؤرخة ومثبتة، وهي مقتل ابنها (عبدالله بن الزبير) علي يد (الحجاج) الطاغية الشهير، وذلك عام (73 ه)، وكانت تبلغ من العمر (100) سنة كاملة فلو قمنا بعملية طرح لعمر (أسماء) من عام وفاتها (73ه) وهي تبلغ (100) سنة كاملة فيكون (100 73 = 27 سنة) وهو عمرها وقت الهجرة النبوية، وذلك ما يتطابق كليا مع عمرها المذكور في المصادر التاريخية فإذا طرحنا من عمرها (10) سنوات، وهي السنوات التي تكبر فيها أختها (عائشة) يصبح عمر (عائشة) (27 10 = 17 سنة) وهو عمر (عائشة) حين الهجرة ولو بني بها دخل بها النبي في العام الأول يكون عمرها آنذاك (17 + 1 = 18 سنة)، وهو ما يؤكد الحساب الصحيح لعمر السيدة (عائشة) عند الزواج من النبي. وما يعضد ذلك أيضًا أن (الطبري) يجزم بيقين في كتابه (تاريخ الأمم) أن كل أولاد (أبي بكر) قد ولدوا في الجاهلية، وذلك ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح ويكشف ضعف رواية البخاري، لأن (عائشة) بالفعل قد ولدت في العام الرابع قبل بدء البعثة النبوية. حساب عمر (عائشة) مقارنة بالسيدة بفاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها وأرضاها بنت النبي صلى الله عليه وسلم: يذكر (ابن حجر) في (الإصابة) أن السيدة فاطمة الزهراء رضي الله تعالى عنها ولدت عام بناء الكعبة والنبي ابن (35) سنة، وأنها أسن أكبر من عائشة ب (5) سنوات، وعلى هذه الرواية التي أوردها (ابن حجر) مع أنها رواية ليست قوية، ولكن علي فرض قوتها نجد أن (ابن حجر) وهو شارح (البخاري) يكذب رواية (البخاري) ضمنيا، لأنه إن كانت السيدة(فاطمة الزهراء) ولدت والنبي في عمر (35) سنة فهذا يعني أن (عائشة) ولدت والنبي يبلغ (40) سنة وهو بدء نزول الوحي عليه، ما يعني أن عمر (عائشة) عند الهجرة كان يساوي عدد سنوات الدعوة الإسلامية في مكة وهي (13) سنة وليس (9) سنوات وقد أوردت هذه الرواية فقط لبيان الاضطراب الشديد في رواية البخاري. نقد الرواية من كتب الحديث والسيرة: ذكر (ابن كثير) في (البداية والنهاية) عن الذين سبقوا بإسلامهم «ومن النساء.. أسماء بنت أبي بكر وعائشة وهي صغيرة فكان إسلام هؤلاء في ثلاث سنين ورسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يدعو في خفية، ثم أمر الله عز وجل رسوله بإظهار الدعوة»، وبالطبع هذه الرواية تدل علي أن (عائشة) قد أسلمت قبل أن يعلن الرسول الدعوة في عام (4) من بدء البعثة النبوية بما يوازي عام (614م)، ومعني ذلك أنها آمنت علي الأقل في عام (3) أي عام (613م) فلو أن (عائشة) علي حسب رواية (البخاري) ولدت في عام (4) من بدء الوحي معني ذلك أنها لم تكن علي ظهر الأرض عند جهر النبي بالدعوة في عام (4) من بدء الدعوة أو أنها كانت رضيعة، وهذا ما يناقض كل الأدلة الواردة، ولكن الحساب السليم لعمرها يؤكد أنها ولدت في عام (4) قبل بدء الوحي أي عام (606م) ما يستتبع أن عمرها عند الجهر بالدعوة عام (614م) يساوي (8) سنوات، وهو ما يتفق مع الخط الزمني الصحيح للأحداث وينقض رواية البخاري. أخرج البخاري نفسه (باب جوار أبي بكر في عهد النبي) أن (عائشة) قالت:” لم أعقل أبوي قط إلا وهما يدينان الدين، ولم يمر علينا يوم إلا يأتينا فيه رسول الله طرفي النهار بكرة وعشية”، فلما ابتلي المسلمون خرج أبوبكر مهاجرًا قبل الحبشة)، ولا أدري كيف أخرج البخاري هذا ف (عائشة) تقول إنها لم تعقل أبويها إلا وهما يدينان الدين وذلك قبل هجرة الحبشة كما ذكرت، وتقول “إن النبي كان يأتي بيتهم كل يوم” وهو ما يبين أنها كانت عاقلة لهذه الزيارات، والمؤكد أن هجرة الحبشة إجماعًا بين كتب التاريخ كانت في عام (5) من بدء البعثة النبوية ما يوازي عام (615م)، فلو صدقنا رواية البخاري أن عائشة ولدت عام (4) من بدء الدعوة عام (614م) فهذا يعني أنها كانت رضيعة عند هجرة الحبشة، فكيف يتفق ذلك مع جملة (لم أعقل أبوي) وكلمة أعقل لا تحتاج توضيحًا، ولكن بالحساب الزمني الصحيح تكون (عائشة) في هذا الوقت تبلغ (4 قبل بدء الدعوة + 5 قبل هجرة الحبشة = 9 سنوات) وهو العمر الحقيقي لها آنذاك. ولم يقنع المؤلف بهذه الحساب المقارن، بل إنه أجري أيضًا حساب عُمر (عائشة) مقارنة بفاطمة الزهراء، مما لا يتسع له مجال المقال، ثم ختم الباحث بحثه بنقد السند فلاحظ أن الحديث الذي ذكر فيه سن (عائشة) جاء من خمسة طرق كلها تعود إلي هشام بن عروة، وأن هشام قال فيه ابن حجر في (هدي الساري) و(التهذيب): «قال عبدالرحمن بن يوسف بن خراش وكان مالك لا يرضاه، بلغني أن مالكاً نقم عليه حديثه لأهل العراق، قدم جاء الكوفة ثلاث مرات مرة كان يقول: حدثني أبي، قال سمعت عائشة وقدم جاء الثانية فكان يقول: أخبرني أبي عن عائشة، وقدم الثالثة فكان يقول: أبي عن عائشة». والمعني ببساطة أن (هشام بن عروة) كان صدوقاً في المدينةالمنورة، ثم لما ذهب للعراق بدأ حفظه للحديث يسوء وبدأ (يدلس) أي ينسب الحديث لغير راويه، ثم بدأ يقول (عن) أبي، بدلاً من (سمعت أو حدثني)، وفي علم الحديث كلمة (سمعت) أو (حدثني) أقوي من قول الراوي (عن فلان)، والحديث في البخاري هكذا يقول فيه هشام عن (أبي وليس (سمعت أو حدثني)، وهو ما يؤيد الشك في سند الحديث، ثم النقطة الأهم وهي أن الإمام (مالك) قال: إن حديث (هشام) بالعراق لا يقبل، فإذا طبقنا هذا علي الحديث الذي أخرجه البخاري لوجدنا أنه محقق، فالحديث لم يروه راو واحد من المدينة، بل كلهم عراقيون مما يقطع أن (هشام بن عروة) قد رواه بالعراق بعد أن ساء حفظه، ولا يعقل أن يمكث (هشام) بالمدينة عمرًا طويلاً ولا يذكر حديثاً مثل هذا ولو مرة واحدة، لهذا فإننا لا نجد أي ذكر لعمر السيدة (عائشة) عند زواجها بالنبي في كتاب (الموطأ) للإمام مالك وهو الذي رأي وسمع (هشام بن عروة) مباشرة بالمدينة، فكفي بهاتين العلتين للشك في سند الرواية السابقة انتهي. أختم المقال بما قدمته به، أن هذا مثال لما يمكن أن يصل إليه باحث لم يتخرج في الأزهر ربما بفضل عدم تخرجه في الأزهر من تفنيد لقضية تقبلتها الأمة بالإجماع (كما يقولون)، وفاتت علي الأئمة الأعلام، ولماذا لم يلحظ رئيس قسم الحديث بالأزهر هذا بدلاً من أن يتحفنا بفتوي إرضاع الكبير؟ من هذا الباحث الذي قام بهذا التحقيق؟ إنه الأستاذ «إسلام بحيري»، وجاء بحثه في العدد زيرو (أي قبل الأول) ص 21 من جريدة «اليوم السابع» الذي صدر في 15/7/2008.