حين يصبح القضاء سيفا في أيدي الطغاة والمتجبرين وناهبي المال العام يستخدم لقطع ألسنة الحق ورصاصا لاغتيال الحرية في الرأي والتعبير عن الموقف،فذلك معناه أن كل حديث عن الديمقراطية ودولة الحق والقانون والمفهوم الجديد للسلطة وغير ذلك من الخطابات، هو حديث أجوف وزائف،وحين يغدو مقال صحفي في بضعة أسطر حول شخصية عمومية سببا في رفع شكاية مغرضة، يكون ذلك دليلا قاطعا على أن المسئول في بطنه عجينة خامرة. إن الضربات القضائية التي انهالت على أساتذتنا وأصدقائنا -مصطفى حمو الداحين،والخليل بورمطان ،وهشام الطرشي- هي حلقة من مسلسل المضايقات التي شهدها الجسد الصحافي بمدينة تازة منذ عقود.ولا أعتقد أن مثل هذه الخرجات لأصحاب البطون التي تعجز كل القواميس عن وصفها،والعابثين بمصالح الوطن ستنتهي،لأن هناك صنفا من هؤلاء كلما وخزته ازداد سعاره وجن جنونه.لقد كشف ” فرعون”الجماعة الحضرية لتازة عن ضيق أفقه وقصور نظرته في التعاطي مع الشأن المحلي،حين تورط في رفع شكايتين ضد أقلام ومنابر صحفية عبرت عما يحس ويشعر به كل متتبع ومهتم بمدينة تازة،ووضع نفسه في مأزق ينضاف إلى مآزقه المتعددة التي سارت بذكرها الركبان،وأصبحت حديث الخاص والعام.وكم ضحكت ملء جوانحي وجوارحي حين علمت أن باشا تازة أقلقه مقال لم يشر إليه ولو بربع كلمة،و”اللي فيه الفز كايقفز”. ما أحوجنا إلى بلادة مكعبة تضحكنا وتنسينا بعض همومنا. شكرا لك يا “باشا”. إذا لم يكتب الصحفي عن اختلاس المال العام وعن التوظيفات المشبوهة وعن اغتيال المساحات الخضراء وعن الثراء الفاحش وغير المعقول لبعض المسئولين وعن جمعيات أصبحت ماركة مسجلة في التملق والتسلق والقرصنة والركوب على مشاريع الآخرين،وعن منتخب ضبط متلبسا ومتلصصا،فتم إطلاق سراحه، ولم تتم متابعته بتهمة الشروع في السرقة؟ عن أي شيء سيكتب هذا الصحافي؟ كيف يمكن أن نثق في منتخب يسعى جاهدا لإرضاء “خليلاته” بالمال العام؟ أليس من حق الصحافي أن يفضح مظاهر السيبة والعشوائية والبطء التي تعرفها مشاريع المدينة؟ كان أحرى بهؤلاء الذين تزعجهم أقلام تازة أن يقوموا بجولة حول المدينة ليروا مخلفات سياستهم في ساحة أحراش،وفي كل شوارع وأحياء وأزقة ودروب المدينة،وأن يستحيوا قليلا،ويفهموا أن الكثير منهم أصبح مسخرة ويبعث على الشفقة والاشمئزاز. قد نفهم سر هذا التكالب المرعب من طرف مجلس تازة وباشاها على الصحافة،لكننا لا نفهم هذا الصمت المخزي والغريب للكثير من مدعي الثقافة،وهيئات المجتمع المدني،ورغم عمق الاختلاف مع أساتذتي وأصدقائي المتابعين،فإنه يحز في نفسي أن يتم إرهابهم وجرجرتهم أمام القضاء من طرف مسئولين كان الأحرى بهم أن” ينفضوا آذانهم” وينتبهوا إلى أن الناس قد فطنت وأن السيل قد بلغ الزبى،وربما سيأتي على تازة زلزال أشد وأعتى من زلزال الحسيمة. لقد توارثنا عن أسلافنا أن ثلاثة لا يمكن الوثوق بها هي:” الوادي والبغل والمخزن” والآن انضاف إليها المجلس البلدي لتصبح أربعة،وأجدني مضطرا لسؤال أستاذي مصطفى حمو الداحين: ألا زلت تعتقد أن السلطة تقطع الصباط،ألا تعتقد أنك أنت من سيقطع الصباط؟ وبمناسبة قرب نهاية السنة الحالية،أسأل صديقي هشام الطرشي،هل سيكون أيضا حميد كوسكوس من بين شخصيات 2010 في جريدة ” المواطن التازي” شخصيا،لم يحدث أن رأيت رجل سلطة يقطع الصباط إلا في المطاردات الهوليودية ضد الباعة المتجولين والمسضعفين من الناس.ولا أتذكر حميد كوسكوس إلا عندما أصل إلى ساحة أحراش المغتصبة،أو حين تنبعث روائح القاذورات زاكمة الأنوف،أو يتناهى إلى سمعي خبر المحاكمة إياها،فهل يستحق أن يكون شخص مثل هذا من بين أفضل الشخصيات؟ إني أكاد أنسى صورته لأنه لا يشكل بالنسبة لذاكرتي إلا الفتات في زحمة الأسماء الرائعة والعظيمة.