سأحكي لكم اليوم قصة من واقعنا المعاش، هي قصة حقيقية ليست من وحي كاتب راودته أحلام اليقظة و أطلق العنان لخياله، و راح يتخيل قصة و حوارا و شخصيات وهمية منحها أسماء مستعارة و أخذ يستجدي العبارات و المفردات حتى تأسر لب القاريء و تأخذه لعالم الخيال، حيث تكون هناك بداية و عقدة و حل و بالتالي نهاية، هي قصة لم أختر مكانها و لا زمانها كباقي القصص، و طبعا بطلة القصة هي الأخرى لم تختر شيئا مما ذكرت، فهي فجأة وجدت نفسها محشورة في قصة غريبة أبطالها الحقيقيون أفراد من عائلتها المقربين، فلم تجد من باب تطرقه لتضع حدا لهذه القصة المخيفة سوى باب القضاء وباب الرأي العام و المجتمع المدني فربما تعود إليها الطمأنينة و الأمن اللذين افتقدتهما في الأسرة. سأبدأ قصة أمل من آخر سؤال سألتها إياه في حوارنا، "و الآن يا أمل ماهو المطلوب مني؟" قالت: أريدك أن توصل قصتي لجميع الناس، أولا حتى تكون عبرة لغيري، ثانيا حتى يمد لي يد المساعدة من يستطيع ذلك، محامون، مجتمع مدني... أيا كان باستطاعته أن يساعدني و يضع حدا للكابوس الذي أعيشه.
أمل فتاة مغربية هاجرت إلى الديار الإيطالية و هي لم تتجاوز التسع سنوات رفقة والديها، و عندما بلغت السن السابع عشر تعرفت على شاب و تزوجته، لكن موت هذا الأخير وضع حدا لهذا الزواج، فأصبحت أمل أرملة صغيرة، و فكرت في أن أفضل وسيلة للخروج من حزنها ومن وضعيتها هي الدراسة، لذلك تسجلت بإحدى المدارس في فرنسا وذلك بموافقة والديها، ولم يبق لها على نيل الباكالوريا سوى هذه السنة، لكن تجري رياح أمل بما لا تشتهيه سفنها، حيث أنه في شهر غشت من هذه السنة، اتصلت بها والدتها لتطلب منها الالتحاق بالمغرب لقضاء عطلة الصيف مع العائلة (الجد والجدة)في منطقة سبع عيون، رفضت أمل في المرة الأولى لأنها أرادت ألا تفوت فرصة عمل حصلت عليها في العطلة، لكن أمام إلحاح الوالدة استسلمت لإرادتها و ذهبت إلى أرض الوطن، لكن هذه الزيارة لم تكن كباقي الزيارات، حيث بدأت الجدة و الجد في الإلحاح على الفتاة ذات التسعة عشر سنة بالزواج من أحد أبناء المنطقة بحكم أنه ميسور وأنه على استعداد لدفع أي مبلغ تطلبه، ووالده لديه نفوذ بالمنطقة بالإضافة إلى المصلحة التي تربطه بالجد الذي يخوض الانتخابات الجماعية بالمنطقة...
رفضت أمل العرض في البداية بحجة أنها تريد إتمام دراستها والحصول على الباكالوريا و أنها لا تفكر في الزواج و أن الزوج هو الآخر لازال صغيرا ولا يستطيع تحمل المسؤولية... لكن جميع هذه التبريرات لم تقنع الجدة ولا الأم التي التحقت بأرض الوطن وساهمت في الضغط على ابنتها حتى تقبل بهذا الزواج، و قالت لها بأنه يمكن لك أن تنفصلي عنه عندما يحصل على أوراق الإقامة، قبلت الفتاة بالصفقة على مضض و أقيم حفل الزفاف و كتب على عقد الزواج أن قيمة الصداق هي ثلاثون ألف درهم لم تحصل الزوجة منها على أي سنتيم، وبعد الحفل اتفقت أمل مع المسمى زوجها بأن مايربطهما هي صفقة لأجل حصوله على أوراق الإقامة، قبل الزوج في الأول بالشرط، لكن سرعان ما ستتغير الأفكار والوعود وتدخل الفتاة في دوامة جديدة وخطيرة.
ذات صباح ستبحث أمل عن أوراقها التي اعتادت وضعها تحت الوسادة في منزل جدتها لتجد أنها اختفت أو سرقت كما قالت، فعندما سألت والدتها وجدتها عن أوراق إقامتها قالا لها بأنها لاتحتاجها الآن، وأنه عليها أن تعيش مع زوجها حية عادية، كأي زوج وزوجة وفيما بعد ستحصل على أوراقها، رفضت واحتجت على والدتها وجدتها لكنها لم تصل إلى نتيجة، فالخطة كانت محكمة. صارحت أمل زوجها على الأوراق بأنها لاتكن له أية مشاعر وأنها لاتريد العيش معه، فتم اقتيادها إلى فقيه بالمنطقة ليقوم بترقيتها و إخراج الجني الذي يمنعها من العيش بشكل طبيعي مع زوجها، فبدأت الرقية المسماة زورا شرعية، وبدأ صراخ الفقيه وهو يرشها بالماء حتى كادت أن تختنق وهو يطلب من الجني الخروج من جسد الفتاة وأن يدخل في الإسلام، طلبت من ذلك السيد بأن يكف عما يقوم به وأنها عادية وأنها لاتحب من زوجوه إياها، إلا أنه لا أحد استمع لكلامها و توسلاتها، فما كان من أمل إلا أن ادعت بأنه بالفعل هناك جني يسكنها و أنه أسلم وسيخرج من جسدها لتتخلص من حصة التعذيب التي مارسها عليها ذاك المسمى فقيها وزوجها وجدتها.
عادت أمل إلى منزل الزوج على أساس أنها شفيت و أن تعود زوجة عادية تمارس حياتها الزوجية بشكل عادي حتى يطمئن الزوج لتصرفاتها، فطلبت منه الذهاب إلى قضاء بعض حوائجها في الصباح على أساس أن يأتي ليصطحبها عندما تنتهي، لكنها كانت قد أخذت قرارا لا رجعة فيه، وهو الهرب، حيث أنه أصبح ملاذها الأخير وسبيلها للخروج من هذه الدوامة التي أقحمت عنوة فيها، ففرت عند إحدى صديقاتها المقربات، التي وجدت فيها الأمن والأمان اللذين لم تجدهما في عائلتها، وهناك ربطت الاتصال بوالدتها التي سافرت إلى إيطاليا وطلبت منها بأن تعيد لها أوراقها و أن عليها الالتحاق بأقسام الدراسة قبل فوات الآوان، و أنها ستلجأ إلى القضاء من أجل ذلك، فما كان من الأم إلا أن قالت بأنها لاتستطيع أن تفسخ الصفقة مع أب الشاب الذي تزوجها، لأنها أخذت منه مبلغا ماليا قدرته في سبعون ألف درهم وأن أوراقها مع جدتها، وعندما اتصلت الفتاة بجدتها لاسترداد أوراقها واجهتها بأنها لن تعيدها و أن عليها الرجوع إلى بيت الزوجية، وأن والد الشاب تربطه مصالح مع جدها خصوصا وأن هذا الأخير مرشح في الانتخابات الحالية.
اتجهت أمل إلى القضاء وهي لاتملك أية أوراق ثبوتية وتم استدعاء الزوج والجد والجدة الذين انكروا كل ما نسب إليهم وادعوا أن أمل نست أين وضعت أوراقها، بل وأكثر من ذلك اتهموما بأنها سرقت ذهبا من بيت الزوج ووجهوا لها تهمة بذلك...
ولحد كتابة هذه السطور لازال مصير أمل معلقا، فهي تريد الالتحاق بثانويتها بفرنسا من أجل استئناف دراستها التي بدأت، وتطالب كل واحد وصلته قصتها بأن يمد لها يد المساعدة و يتبنى قضيتها، فالدعوة موجهة إلى المجتمع المدني، إلى الرأي العام الذي من واجبه فضح تصرفات عائلة كعائلتها خصوصا وأن جدها ووالد زوجها لديهم نفوذ بالمنطقة و تخاف أن يتدخلا دون الحصول على حقوقها.
قصة أمل قصة فتاة مغربية، هي واحدة من القصص الكثيرة التي يعج بها مجتمعنا الذي فقد جزءا كبيرا من قيمه ومن إنسانيته في سبيل مصالح و مبالغ مالية تبيع من أجلها الأم قطعة منها وتتاجر بها كسلعة تباع و تشترى، وتتجرد الجدة من كل صور الحنان والعطف التي عهدناها فيها، و يعتبر الجد حفيدته مجرد صفقة سياسية أو مالية لايهمه سوى ماسيجنيه من ورائها.
هذه هي قصة أمل التي لازال لديها أمل في أبناء هذا الوطن، وفي جمعياته و في مؤسساته وفي قضاءه العادل...