ما من شك أن عطالة حملة الشواهد العليا يعتبر مشكلا يؤرق بال الحكومات المتعاقبة في المغرب، ولا شك أيضا أن من بيده هذا الملف يعرف حساسيته ويعرف أن العديد من أبناء المغاربة خصوصا الذين ليست لهم واسطة تقيهم مذلة المباريات يعانون و يرزحون تحت وطأة العطالة القاتلة، و يعرفون أن هاته الأخيرة قنبلة موقوتة يمكنها أن تنفجر في كل وقت و حين، كما يعرف الجميع أن جميع الأحزاب بدون استثناء تدندن على هذا الوتر الحساس خصوصا مع حلول الانتخابات، و يستعملها البعض في المزايدة على البعض الآخر، ولا أدل على ذلك ما يحصل بين حزب العدالة والتنمية الحاكم و حزب الإستقلال المعارض، فهذا الأخير يلوح بورقة التوظيف المباشر ربحا لأصوات المعطلين و ذويهم والآخر يتشبت بفكرة اجتياز المباراة كسبيل وحيد للتوظيف. ربما فكرة التوظيف المباشر ترفضها نسبة كبيرة من المغاربة نظرا لأنها تقصي فئة معتبرة من أبناء الوطن و من حقهم في الوظيفة العمومية التي لا يرون عنها بديلا، ويطالبون الحكومة الحالية بسن سياسة جديدة في قانون المباريات في المغرب والذي يرون فيه الكثير من الإجحاف الإقصاء و ضربا كبيرا لمبدأ تكافؤ الفرص الذي ينص عليه دستور المملكة، و بالمناسبة هي فرصة تاريخية لتصحيح بعض وتجاوزات الماضي، فلا معنى أن يحرم الآلاف من أبناء المغاربة من اجتياز بعض المباريات بحجة أنهم كبروا في السن، ولا يستقيم و نحن ننادي بتكافؤ الفرص أن يقصى جزء مهم من أبناء هذا الوطن من اجتياز مباريات في الوظيفة العمومية و يوضع أمامهم حاجز الإنتقاء، لأنه و ببساطة حاجز غير ديمقراطي و غير منصف، و بوضع ذاك الشرط يجب أن نسلم بأن جميع المغاربة درسوا في نفس الظروف حتى نسلم بأفضلية هذا على ذاك على أساس النقط. سنسوق هنا مثالا لمباراة الولوج إلى مراكز التربية والتكوين ما دام قطاع التعليم يبقى المشغل رقم واحد في المغرب نظرا لعدد المناصب التي يوفرها كل سنة، هناك طلبة يعكفون على التحضير لهذه المباراة طيلة السنة ليخيب أملهم في الأخير و تصطدم أحلامهم بحاجز الانتقاء الذي يضع حدا لطموحهم، و لازال الجميع يتذكر و يتحسر على فترة الوزير الوفا على رأس وزارة التربية الوطنية الذي ألغى ذاك الشرط المشؤوم و كان سببا في ولوج العديد من المعطلين حتى الذين تقدم بهم السن إلى قطاع التعليم. فما دامت الحكومة الحالية أخذت على عاتقها قطع الطريق على التوظيف المباشر و هذا قرار يحسب لها رغم المعارضة التي يلقاها هنا وهناك، إلا أنه يعاب عليها أن لم تذهب بعيدا في دمقرطة المباريات بالشكل المطلوب، فلا يكفي أن تعلن عن المباريات و يعرفها الجميع، ولا يكفي أن تواجه الريع بمنع التوظيف المباشر، لكن يجب أن تعمل الحكومة على إزالة العوائق التي من شأنها أن تحرم فئات من أبناء الوطن في حقهم في اجتياز المباريات، و أن تتحمل مسؤوليتها في فتحها أمام الجميع دون شروط مجحفة، و أولها الانتقاء و ثانيها السن. لا يشفع للحكومة أن تتدرع بأي إكراه كيفما كان لتبرر لجوءها إلى سن الانتقاء كطريق أوحد لاجتياز مباراة ما. فهي تعلم أن جامعات المغرب لا تتشابه وأن النقط ليست معيارا لنقيس به مستوى المتباري حتى نحرمه من حقه في اجتياز أية مباراة، بل المقياس هو قدرته على اجتياز المباراة بنجاح، و باتخاذها هذه الخطوة سوف نرى أيضا تراجعا على مستوى النقط المنفوخ فيها، و سنرى أن أولئك الأساتذة الذين يتاجرون بالنقط ستبور تجارتهم ... ما دام الجميع يعرف أن الفيصل هو التحضير للمباراة واجتيازها بنجاح، فكيف يعقل أن يحضر متباري لأية مباراة وهو لا يعرف هل سيتم انتقاؤه أم لا؟ فكل حامل لشهادة معترف بها من حقه أن يجتاز المباريات التي تعلن عنها الدولة دون قيد أو شرط، و إذا لم ينجح فبتقصير من عنده، ثم يحاول التحضير مرة أخرى حتى يفلح، أما أن نقصيه هكذا فلا يعقل، و إلا ما قيمة الشهادة التي يحملها؟ الشهادة المحصل عليها هي الطريق إلى المباراة و ليس السن أو النقط، فإذا كانت هذه الحكومة جادة في إتاحة الفرص أمام الجميع، فالطريق تبدأ من هنا، ألغوا الانتقاء من المباريات وافسحوا المجال أمام الجميع للتباري والأفضل هو الذي سينجح كما يقال، ولا تتحججوا بكثرة النفقات و ضعف الوسائل اللوجستيكية لتنفيد هذه الفكرة، يمكنكم تدبير ذلك. عند تعيين الوزراء وهم الذين يضطلعون بمهام جسام و يتحكمون في قطاعات حيوية لا يخضعون للشروط التي توضع أمام طالب أو معطل يسعى إلى الظفر بوظيفة تقيه شر السؤال و تضمن له الحد الأدنى من العيش، في حين أن الوزير يتقاضى الملايين و لا يهم إن كان طاعنا في السن أو غرا يافعا، كل ما هنالك هو التوافق والتراضي حول شخص معين لإرضاء فلان(ة) أو علان(ة)، فلو وضعت تلك الشروط المجحفة التي توضع أمام أبناء هذا الشعب في اجتيازهم للمباريات لما كان أغلب وزرائنا وزراء الآن. هي دعوة للحكومة أن تبادر إلى إلغاء عامل الانتقاء من المباريات و فتحها في وجه جميع المغاربة المؤهلين لاجتيازها، دون قيد أو شرط مجحف، ولتتأكد أنها ستربح كثيرا على جميع الأصعدة، وستقطع الطريق على من يريد اللعب سياسيا بهذه الورقة، فلا تنسوا أن جل المعطلين والمقبلين على اجتياز المباريات هم شباب، بمعنى أنهم هم الكتلة المهمة في التصويت، هي أيضا فرصة لتتصالحوا مع هذه الفئة.