أصبحت الوسائل التكنولوجية الحديثة جزءا لا يتجزأ من حياتنا اليومية، فلا يمكن أن نتصور حياتنا بدون هذه الاختراعات المذهلة، بل عند فقدان أحدها نحس بأننا فقدنا فردا عزيزا علينا، إذ لا يمكننا الاستغناء عن هواتفنا الذكية وعن تلفازاتنا الذكية، فكل شي أصبح ذكيا في وقتنا الحاضر ومع ذلك فهناك من يزداد غباء ولا يوظف تلك الأدوات توظيفا ذكيا، الأمثلة كثيرة في هذا الباب ولا يمكن حصرها، لكن لا بأس بالتطرق لبعضها في عجالة مادمنا نلاحظ أن استعمال تلك الوسائل المتطورة حاد عن الأهداف المرسومة له، أو لنقل بصريح العبارة أن هناك من لا يحسن توظيفها. فهي في الأول والأخير تبقى عبارة عن آلات تؤدي ما يطلب منها بدون تردد وبدون مراجعة. الحاسوب الشخصي أو الكمبيوتر لا يخلو بيت من بيوتنا منه، فهو أصبح من الضروريات التي لا يمكن الاستغناء عنها، تجده عند الطالب وعند التاجر وعند الطبيب وعند الأستاذ وحتى عند بعض الأسر البسيطة خصوصا بعد التخفيض النسبي الذي عرفته أسعار الانترنيت في السنوات الأخيرة وغزوها لمعظم البيوت المغربية. لكن هل تساءل أحد منا عن خطورته؟( أنا هنا لست بصدد انتقاد الوسائل التكنولوجية الحديثة حتى لا يفهم كلامي خطأ، أن أحاول أن أبرز أن لهذه الوسائل وجه آخر يجب الحذر منه فقط). فبمقارنة بسيطة بين الدول المتقدمة والدول المتخلفة نلاحظ اختلافا في توظيف هذا الجهاز، فالتخلف هنا لا يعني أننا لا نملك تلك الأجهزة الحديثة، لكن التخلف يظهر في كيفية استعمالها، والكل يعرف أن الإحصائيات في هذا الميدان تبين بالملموس أن الكلمة الأكثر بحثا في محرك البحث غوغل في بلداننا هي كلمة" جنس"، كما أن معظم شبابنا يقضون أغلب أوقاتهم في مواقع الاتصال الاجتماعية كالفايس بوك والتويتر وغيرها بينما قلة قليلة تبحر في مواقع أخرى أكثر أهمية وأكثر إفادة خصوصا لتلك الفئة العمرية بالضبط. مشكل آخر يطرح نفسه بشدة، أمية الآباء في مجال المعلوميات والتكنولوجيا الحديثة، وبالتالي يتخلص الأبناء بسهولة من مراقبة الأهل الذي يقتصر دورهم فقط على شراء تلك الأجهزة ودون معرفتهم بخطورتها إن لم يحسن استعمالها، ولتقريب الفكرة وهنا الكلام موجه للآباء بالخصوص، فعندما تشتري أيها الأب جهاز كمبيوتر أو جهاز لوحي ... فاعلم بأنك اشتريت سكينا، يمكن أن نستعمل السكين في تقطيع الأغراض و توظيفه في المجالات التي صنع من أجلها، ويمكن أن يتحول السكين لأداة قتل إذا أسيء استعماله. نفس الشيء يمكن أن نقوله عن الهاتف المحمول، هذا الجهاز الخطير الذي نحمله بين ثنايا ثيابنا وفي جيوبنا يشكل سلاحا ذو حدين كما يقال، فهو وسيلة اتصال رائعة قربت لنا البعيد وجعلته لا يغيب، وكلما زاد ذكاء الهاتف الجوال زادت فوائده، لكن...ومع كامل الأسف هناك الكثير منا من يسيء استعماله، فهو تحول إلى وسيلة يقضي معظم شبابنا بياض نهارهم وسواد ليلهم في مكالمات ورسائل فارغة، بل هناك من يستعمل أو تستعمل أكثر من رقم للضرورات التي يعرفها الكل ولا داعي للخوض فيها، وهناك آباء يشترون لبناتهم هواتف محمولة وهن في سن صغير ولا يعرف الأب المسكين بأن هناك من يدخل بيته بدون علمه عن طريق الهاتف الذي اشتراه لطفلته، فهو يقول بأنه اشتراه لها ليطمئن عليها ولا يعلم أن غيره من خلاله يطمئن عليها. التلفاز والجهاز الرقمي (البارابول) أصبحا فردين من أفراد العائلة و من المحال أن نتصور حياتنا بدونهما، ولمعرفة حقيقة ما أقول يكفي أن يتعرض أحدهما للتلف أو كلاهما حتى تتحول حياتنا إلى حياة مملة، فالتلفاز حرمنا من اجتماع العائلة على المائدة والحديث إلى بعضنا البعض، وهذه نعمة يعرفها" ناس زمان"، حيث كان التحلق حول المائدة مناسبة لحديث الأبناء مع الآباء والتواصل فيما بينهم، أما الآن فعندما نتحلق حول المائدة فالكل يخلد إلى الصمت، فإذا كانت أداة التحكم في يد الأب لا مجال للحديث معه، فهو يتابع الأخبار، وإذا كانت أداة التحكم في يد الأم، فهي مسافرة إلى تركيا أو المكسيك عن طريق المسلسل الذي تتابعه، وإذا كانت أداة التحكم في يد الإبن فممنوع الحديث معه، لأنه يتابع مباراة في كرة القدم، وإذا كانت أداة التحكم في يد البنت فهي مع الأغاني المصورة وفي عالم آخر لا يربطه بالواقع إلا الخير والإحسان، وقس على ذلك ما شئت من الأمثلة. بل في بعض الأحيان هناك من يتواجد مع أسرته بالجسد فقط، و هو أو هي يعيشون في عالم آخر، يحادثون أشخاصا غير عائلتهم، يتقاسمون أسرارهم معهم، ولا يبقى منزل العائلة في الأخير سوى مكان للأكل والشرب والنوم فقط، أما المكان الحقيقي للعيش فهو في عالم افتراضي. الوسائل التكنولوجية الحديثة نعمة، لكنها قد تتحول إلى نقمة إذا لم نحسن استعمالها، والملاحظ أن الكثير منا لا يحسنون التعامل معها ولا يحسنون توظيفها فيما يفيد، وهي دعوة للجميع للنظر من جديد في طريقة استخدامنا لتلك الأجهزة الحديثة، حتى يمكن الاستفادة منها كما يجب، وكما قلت سابقا، ليس هناك فرق بيننا وبين الدول المتقدمة في امتلاك التكنولوجيا الحديثة، لكن الفرق في طريقة استخدامها، ومن هذا الباب يجب علينا أن نربي أنفسنا وأبناءنا على كيفية التعامل معها، فليس المشكل في امتلاك الشيء، ولكن المشكل في طريقة توظيفه.