اتسعت ظاهرة استخدام الهاتف المحمول من قبل الأطفال في الآونة الأخيرة، وتغافل عنها المجتمع عموما والآباء والأمهات خصوصا، بمبررات مثل التواصل وتحقيق رغبة الطفل، وتكوين شخصيته المستقلة، لتصبح ظاهرة طبيعية يتقبلها الآباء والأمهات.أشارات دراسات طبية إلى خطر استخدام الأطفال للهاتف المحمول، إذ إن الإشعاعات، التي تستقبلها منطقة الرأس، عند استخدام الهواتف المحمولة، تحدث خللا لخلايا مخ الصغار، ما يسبب ضعفا في البنيان، وصداعا وضعفا في الإبصار، فيعوق ذلك الاستيعاب، وبالتالي التقدم الدراسي. هذا بالإضافة إلى ما يمكن للأطفال رؤيته عبر تلقي هواتفهم صورا ورسائل قد تدفعهم إلى بعض الممارسات الخاطئة، وتراودهم أفكار تسبق سنهم، ما يؤثر على تكوينهم الأخلاقي. قد يقول البعض إن التكنولوجيا، عامة، وجدت ليستفيد منها الإنسان، لكن ينبغي أن تكون هذه الاستفادة من الناحية الإيجابية، التي تفيد الإنسان، والطفل بالخصوص. يقول محمد، أب " بالفعل، الكل تأثر بتلك التكنولوجيا، حتى أصبح في البيت الواحد أكثر من هاتف محمول، أي لكل فرد حتى ولو كان صغيرا، لا يحتاج هذا الهاتف في شيء. أنا شخصيا، رفضت مرارا أن يحصل ابني، في 13 من عمره، على الهاتف المحمول، رغم إلحاحه في طلبه، وفي كل مرة أعده بأني سأشتريه له بمجرد ما يصبح شابا يحسن التصرف". أكثر من ذلك، أصبحت هذه الهواتف محط مباهاة ما بين الأطفال، فكل واحد يطمح في الحصول على آخر طراز من الهواتف، التي تحمل الأغاني والرنات المختلفة والألعاب الرقمية، وبها خاصيات البلوثوث، و"أنفرا روج"، وخاصيات أخرى لا يعرفها ولا يتقنها غيرهم، دون تفكير في العواقب، التي تتسبب فيها كثرة استخدام الهاتف، ولمدة ساعات طويلة من اليوم. "إن الطفل أصبح يتعامل مع هاتفه أكثر من لعبه الأخرى" تقول فريدة، مضيفة أن كل التخوف هو من تلك الصور، واللقطات المخلة بالحياء، التي ترد على هواتف الأطفال، دون حسيب أو رقيب، والتي تؤثر على مستوى أخلاقهم وتربيتهم. ويرى أخصائيو الأطفال أن المشكلة ليست في حصول الطفل على هاتف، بل تكمن في كونه ناتجا عن ظاهرة تقليد الآخرين، فالأطفال يقلدون الكبار لكن سرعان ما يتفوقون عليهم، لأنهم مبدعون بطبعهم، وزادهم الإنترنيت جرأة في الذكاء، للبحث عن كل ما هو جديد، وما يمكنهم من معرفة مستجدات الساحة الإلكترونية والتكنولوجية، لأنهم يعلمون مسبقا أنها المستقبل. لكن الخطورة تكمن في عدم إرشاد هذا الجيل لكيفية الاستفادة القصوى من الإمكانيات النافعة، التي تنمي قدراته، وتنمي مواهبه. غير أن هناك الكثير من الآباء من يرى أن الهاتف المحمول يمكنهم من الاتصال بأطفالهم أينما وجدوا، والاطمئنان على أحوالهم. وإذا كان الأمر صحيحا، فإن المرشدين التربويين يرون ضرورة متابعة الأبناء شخصيا، والتعرف على أحوالهم، وعلى أصدقائهم، والأماكن التي يرتادونها، بشكل ملموس وواقعي، وليس عن طريق الهاتف فقط. إن معظم الأطفال يحملون الجهاز المحمول دون إدراك لأهميته، بل في معظم الأحيان، يستعملونه للتسلية بالألعاب التي يوفرها، أو استخدام الكاميرا، أو الموسيقى. لذا يرى المختصون في التربية، أنه أمام استحالة منعه عنهم، على الأقل اتخاذ بعض التدابير التي تحد من تأثيره السلبي واستعماله المبالغ فيه، مثل، منع استخدامه في المدارس، وإعداد برامج توعية حول الجهاز المحمول وأهدافه، معتبرين أن للأسرة دورا مهما في هذه التوعية، وفي منعهم من استخدامه إلا للضرورة. كما على الآباء أن يبحثوا دائما في الرسائل التي تصل أطفالهم، قبل أن يعمدوا إلى حذفها، حتى يكونوا على علم بكل ما يرد عليهم، وهذا ما يمكن الأهل من التحكم في الجوانب الإيجابية والسلبية.