ما زلنا بالأسف، لم نتخَلَّص من خِطابات البُكاء هذه التي أَلِفْنَا قراءَتها و سماعَها منذ زمنٍ بعيد. هؤلاء الذين اقْتَاتُوا من ادِّعاء اليُتْم، و التآمُر السياسي، و سَعَوْا أن يكُونُوا حاضرين بِصِفَات الإلغاء و الإبعاد و الإقصاء، و قالوا ما قالوه في المؤسسات، هُم مَنْ يَسْعَوْنَ اليوم للعودة بنفس القميص. وهُمْ مَنْ كانوا، دائماً لا يُوجَدون إلاَّ بفضل المؤسسات، و ما زالوا لا يستطيعون الحياة إلاَّ بِهَا. طريقة، لم تَعُد تَنْطَلِي اليوم على الكثيرين، خُصوصاً أنَّ المشهد اليوم هو غيره بالأمس، و الأجيال اليوم، بما لها من حضور، في الشِّعر، و في غيره من أشكال الكتابة الإبداعية، لم تأتِ من كُلِّيَة الآداب بالرباط، و لم تَعُد تنتظر مَنْ يَطْلُبُ منها رَدَّ الدَّيْنِ، أو تحرير رسائل جامعية وفق الطَّلَب. الذَّهاب إلى مثل هذا النوع من الخطابات المأساوية، باتَ لُعْبَةً سخيفةً، و غير مقبولة، خصوصاً أنَّ شَفرات هذا الخطاب لم تَعُد تحتاج لمن يَبْذُل جُهْداً كبيراً في فَهْمِها، أو معرفة ما تُخفيه من رسائل. وأنا أقرأ الرسالة الموجَّهَة لرئيس بيت الشِّعر الحالي، من قِبَل أحد المؤسِّسين، الذي سَعَى، بتعبيراتٍ عاريَةٍ ومفضُوحَة، أن يَنْسُب لنفسه، بصلافة، و بلا أدنى خَجَل من فعل التاريخ، و ما جرى في واقع التأسيس، و البناء، قبل أن يَعْمَل هو نفسُه على هَدْمِ البيت بالسَّعْيِ لتحويله إلى تَرِكَة شخصية، بدليل حديثه عن البحث عن رئيس للبيت، عندما تحدَّث عن اقتراح البعض لحسن نجمي، أنَّ الرئيس يُنْتَخَب و لا يُعَيَّن، أن يَنْسُب لنفسه كُلَّ ما جرى في بيت الشِّعر من إنجازاتٍ، و هو ما فعله قبل في ” الثقافة الجديدة ” حين جَرَّدَ الشاعر الراحل عبد الله راجع و عبد الكريم برشيد، و غيرهما من أيِّ حُضُورٍ. ذاتٌ تَعُودُ لِتَشِي بأعطابها المُزْمِنَة. أتَوَّجَّه إلى هذا ” الرئيس السَّابق ” للبيت، و هو يُكَرِّرُ هذه الصفة أكثر من مرَّة تعبيراً عن حنينه للمنصب، لأسأله، و هو الذي اسْتَحْوذ، بدعم من حسن نجمي، على رئاسة البيت، بعد مُغَادَرتي له، و أنا عضو مؤسِّسٌ، و أحد الحاضرين في كُلِّ التَّشْييدات الفعلية لدعائم البيت، و السَّاهر على وضع برامجه و تطبيقاتها، إلى جانب مَنْ كانوا يعملون دون ادِّعاء، أو نِيَّةٍ في قَتْلِ الآخرين، و ما صار للبيت من بنيات يقوم عليها، و لم أكن ظِلاَّ لأيٍّ كان، و هذا يعرفه جميع مَنْ كانوا يحضرون أعمال بيت الشِّعر في المغرب، و قبله فرع الدار البيضاء لاتحاد كتاب المغرب، الذي كنتُ رئيساً له. ما أزعج هذا ” الرئيس السابق “، و جعله يسعى للتآمُر ضِدِّي، ليخلوا له البيت، و هو ما حدث، بمؤامرة شاركتْ فيها أطراف، كان الحزب، الذي عاد اليوم يتحدَّث عنه ” الرئيس السابق “، في رسالته، بصورة سلبية، هو السَّنَد الذي التجأ إليه لِحَسْم أمْر حُضُورِي، الذي حَدَثَتْ فيه مُساومات، أشرتُ إلى بعضها، في مكان آخر، رَفَضْتُ قبول الدُّخُول فيها، و اخْتَرْتُ نفسي. و من أراد أن يكشف حقيقة اللُّجوء إلى السياسي فليقرأ ما كتبه محمد بنيس عن عبد الرحمان اليوسفي، في أحد المهرجانات الشِّعرية و نُشِرَ بالصفحة الأولى لجريدة الاتحاد الاشتراكي، و هي الصفحة السياسية، وبصورة بارزة لمحمد بنيس! أسأل ” الرئيس السابق “، و لديه الوثائق، و هي أيضاً في أرشيف البيت، أن يُخْبِرَني، متى استدعاني لِلِقَاءٍ، أو لمهرجانٍ، أو طلَب مِنِّي الكِتابَةَ في المجلة، أو استشارني في أمر مجلة ” البيت “، التي كٌنْتُ رئيسَ تحريرها، فقام بإزالة اسْمِي، دون استشارتي، علماً أنني لم أستقل من البيت، و لا من منصبي في المجلة، و هذا أمر كان ينبغي أن أستعمل فيه القضاء، اقتضاءً بالحديث عن القضاء كما جاء في كلام ” الرئيس السابق “، الذي اعتقدَ أنَّ البيتَ بيتَ إقامة دائمة، و أنه يملك فيه، ما لِلْأُنْثَيَيْنِ من نصيب. أسألُ، دائماً، هذا الذي يَدَّعِي على الآخرين و ينسى نفسه، أعْطِنِ حُجَّةً واحدة على أنَّك فَعَلْتَ هذا، قبل أن تَتَّهِمَ به الآخرين. الأنطولوجيا التي قام بنعيسى بوحمالة بإعدادها، لتُتَرْجَمَ للغةٍ من اللُّغات، المغمورة في العالم، لماذا كنتُ الوحيد من المؤسِّسين فيها الذي أُزيلُ اسمُه، و الدَّوَرَات الأكاديمية، و لَجْنَتَيْ الأركانة، و الديوان الشِّعري المغربي، متى دَعَوْتَنِي لذلك، و اسمي أين كنتَ تضعُه، و أيضاً صورتي التي كُنْتَ قَتَلْتَها في المعرض الدولي للكتاب، كُلُّ صور المُؤَسِّسِينَ كانت موجودة، كبيرةً وبارزةً، و صور مَن لا صلة لهم لا بالتأسيس، و لا ب ” التجنيس “، و أنشطة البيت في المعرض. أنتظر منك حُجَّةً فيها التزمْتَ بميثاق البيت، و بمفهومك القصير للصداقة و الأخوة، و لمعنى التأسيس. ألستَ أنتَ مَنْ كَلَّفْنَاك، في المهرجان الأول للشِّعر، أن تَتَّصِلَ بمحمد بنطلحة و تُخبره بالمشاركة كشاعر مغربي في المهرجان، فعُدْتَ لتقول لنا إنَّ بنطلحة رفض، و بنطلحة ينفي أي اتصال به من جهتك. وعلى ذكر محمد بنطلحة، كُنْ جريئاً وقل للناس لماذا غادر بنطلحة البيت، و بماذا واجهك، بأحد فنادق الدارالبيضاء، و كُنَّا نحن الثلاثة، هو و أنت و أنا.. كما أسألك ك ” رئيس سابق “، ما دامتْ هذه الصفة تُريحُكَ، أن تقول للرأي العام الثقافي، لماذا اجتمعتَ بمجموعة من أعضاء بيت الشِّعر بفندق هلتون بالرباط، قبل انعقاد الجمع العام للبيت، في غيابي، و ماذا كان توجيهُك لهُم بشأن التصويت لإبعادي من الهيئة، و هم اليوم يُقِرُّون بما جرى، لأنَّهُم اكتَشَفُوا ألاعيبك، و ما كُنت تَدّعيه من أمور، دائماً، تُكْشَف في نهاية الطريق. لن أُسْهِبَ في مثل هذه الأمور، و هي ليست غريبة عن سُلُوك مَنْ لا يستطيع الحياة خارج المؤسسة و مُؤامَراتِها، و مَنْ ما زال يعتقد أنّ الكلام عن الصداقة و المحبة و الأخوة، في مثل هذه الخطابات، و حتى عن اليُتْم، و تآمُرات الأحزاب! ما زال صالحاً لهذا الزمن، و لقارئٍ، هو اليوم يعرف تفاصيل ما يجري، و يعرف الأشخاص، مَنْ هُم، و ما هي سلوكياتهم، و ما فعلُوه في حّقِّ الآخرين. اخْبِرْني عن صداقاتك، لماذا تضيع و تنفرط كنزيف لا يتوقَّف، هنا، كما هناك في الشِّرق. في أمْرٍ، يتكرَّر بهذا الشَّكل، أين يوجد الخلل، هل في مَنْ فضَّلُوا الابتعاد، أم في مَنْ يَجِد نفسه باستمرار بلا ” معنى “. لِكُلِّ الأشياء معانيها، لكن قراءة معنى الصداقة، و معنى المحبة، لا يسير بهذا النوع من الادِّعاءات، و الخطابات البُكائية. مياه كثيرة جَرَت تحت الجسر، و ما تراه مِنْ على الجسر، الذي اخترتَ الوقوفَ، عليه ليس هو نفس الماء، و هذا هو عطب الماضي الذي، ندَّعي أننا خرجنا منه، لكنه يبقى جاثماً علينا، و يَفْضَحُ ادِّعاءنا للمعنى، و للتأسيس، و غيرها من التعابير الكبيرة التي للتاريخ فيها ما يقوله، ليس، من حيث السلوك فقط، بل حتى في الكتابة. بيت الشِّعر، هو مكان لكل الشُّعراء، وليس قطعة أرضٍ تُمَلَّك بالتَّوْرِيثِ، أو بوضع اليَد، و أنت مَنْ حاولتَ أن تجعله مُدَرَّجَ جامعة، و هذا ما رَفَضْتُهُ باستمرار، و ها أنت اليوم تعود للجامعة لتعطي أوامرك، بصدد موسوعة الأدب المغربي! و من سيكون، و من ستَتِمُّ معاقَبَته. لي شَخصياً رِئَة تَسَعُ ما يكفي من الهواء، و لستُ مَنْ أَقْصَيْتُ الناس في ” ديوان الشِّعر المغربي المعاصر “، فأنا مسئول عن اختيار النصوص، و أنت واحدٌ من أعضاء اللجنة التي قرَّرَت في شأن الأسماء المُشارِكة، و ادَّعَيْتَ، في الخفاء كعادتك، أنَّ صلاح بوسريف هو المسئول عن كُلِّ شيء. أهذه هي مسئولية الشَّاعر، و أخلاق الإنسان الصديق؟ أسألُك، و أنا لستُ مشغُولاً بجوابك، لأنَّه لم يَعُد يعنيني. ثمَّة الكثير مما يُقال و لِكُلِّ مقامٍ مقال. صلاح بوسريف - الاحداث المغربية